ترجمة وتحرير نون بوست
يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر، سوف يتوجه البريطانيون إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات ستقرر مصير الأمة لجيل كامل. إن الرأسمالية الليبرالية آيلة إلى الاندثار لأنها فشلت في تقديم إجابة للاحتباس الحراري الذي خرج عن السيطرة. كما أن نموذج النمو الاقتصادي الخاص بها يسمم الكوكب ويخلق المزيد من التغيرات العنيفة من التضخم والانكماش. لقد فشلت كنموذج سياسي واجتماعي. ومن الناحية السياسية، فقد الممارسون الرئيسيون، أي وسط اليمين ووسط اليسار، قدرتهم على تمثيل مجموعة شاسعة من السكان. في الواقع، لم يعد بمقدور هذا النظام تصحيح فجوة الثروة، التي تتسع كل سنة.
فشل الدول الغربية
فقد مركز السياسة قدرته على التحدث إلى فقراء الحال، أولئك الذين وقع تجاوزهم من خلال اقتصاد العمل الحر والعولمة. قد يكون بإمكانه تعديل الوضع الراهن، لكنه لا يستطيع، أو بالأحرى لا يرى حاجة إلى تغييره. إنه ينتج قادة يفشلون في الداخل والخارج على حد سواء، ولكنهم مع ذلك يُعتبرون رجالًا ونساء ذوي قيمة كبيرة رغم إخفاقاتهم، وهم جون ميجور، توني بلير، جوردون براون، ديفيد كاميرون، تيريزا ماي، والآن بوريس جونسون. على النقيض من ذلك، يتعرض أولئك الذين يتحدونهم للتدقيق والشك في “صفاتهم القيادية”.
حتى خارج المكتب، أصبح “القادة الأقوياء” مفصولين عن الأوساط التي يترأسونها. والشرق الأوسط مملوء بهم، خاصة في أفغانستان، العراق، اليمن، ليبيا، وسوريا. لكن قبل كل شيء، تنتج الرأسمالية الليبرالية دولاً غربية فاشلة. ولا تعد الدولة الغربية الفاشلة أو المتقلصة دولة تتوقف فيها إشارات المرور عن العمل، أو أن المياه لا تُعالج فيها، أو ينهار حكم القانون بالنسبة لغالبية مواطنيها. إن الدولة الفاشلة هي تلك الدولة التي تتراجع فيها الدولة إلى مستوى من النشاط يصبح رمزيًا ولا يواكب التطورات. وتتجلى حالة الدولة المتقلصة بعدة طرق، بما في ذلك ضعف وصغر السلطات المحلية مقارنة بالشركات التي تشتري أراضيها، والخدمات العامة التي لا تعدو أن تكون سوى حبر على ورق.
لا يمكن المبالغة في هشاشة هذا المجتمع باعتباره مجتمعًا متسامحًا متعدد الأعراق، وصل إلى مرحلة ما بعد التصنيع. إن معاناته من الاضطراب الاجتماعي أمر حقيقي.
القاعدة النيوليبرالية الجديدة
سأسرد عليكم حالة حقيقية. تعرضت امرأة للسرقة والاعتداء العنيف مؤخرا على عتبة شقتها في بريكستون. وعندما اتصلت بالرقم 999، سُئلت عما إذا كانت لا تزال تستطيع رؤية المهاجم. كان جوابها لا، نظرا لأن اللص كان قد لاذ بالفرار على الفور. بعد ذلك، طُلب منها الولوج إلى الإنترنت لتعمير استبيان من 23 صفحة حول الحادث.
في صباح اليوم التالي، وهي لا تزال في حالة صدمة، حاولت هي ورفيقها حثّ الضابط المناوب في أقرب مركز للشرطة على التدخل – وليس المركز المحلي لأنه لم يعد موجودًا. سألها الضابط المناوب عن توقيت الهجوم، الذي كان قبل 12 ساعة آنذاك. حينئذ أخبر الضحية التي تعرضت للضرب: “كيف تتوقعين منا أن نرد على هجوم وقع قبل 12 ساعة؟”.
لقد مررنا جميعًا بتجارب مماثلة، وإن كانت أقل إيلاما. انظر فقط إلى ما لا يحدث عندما تُسرق سيارتك، أو الاتصال بالسلطات المحلية المجاورة إن حالفك الحظ وردّ أحدهم على الهاتف. إنهم ليسوا هناك لأن سلطتك المحلية بدورها غائبة. هذا هو المعيار النيوليبرالي الجديد، الذي يسعد مركز السياسة باستمراره، طالما أن النظام نفسه مستمر دون أضرار ملموسة تُذكر.
بانهيار المجتمعات والروح المجتمعية، تتولى السياسات المرتبطة بالهوية السيطرة، لتتحول المملكة المتحدة إلى سلسلة من المجموعات السيبرانية النشطة للغاية التي تُشكّل كل منها واقعها الخاص، حيث تصورُ نفسها على أنها ضحية تهديد وجودي. في هذا السياق، تحِلُّ المشاعر والغضب محل التفكير العقلاني واتخاذ القرارات القائمة على الأدلة. وما تشعر أنه حقيقي هو أكثر واقعية بكثير مما تعلم أنه حقيقي.
لا يمكن المبالغة في هشاشة هذا المجتمع باعتباره مجتمعًا متسامحًا متعدد الأعراق، وصل إلى مرحلة ما بعد التصنيع. إن معاناته من الاضطراب الاجتماعي أمر حقيقي. ومع تدهور الخطاب السياسي، يزداد خطر العنف القائم على دوافع سياسية. ولا يحدث ذلك بعيدًا في الشرق الأوسط المليئ بالغرائب؛ وإنما يحدث هنا، وفي اللحظة الحالية، في الشارع المجاور لنا. إن الاستقرار الذي تمتعت به أجيال ما بعد الحرب بصدد التلاشي.
مخاطر عالية
لا يمكن أن تكون مخاطر هذه الانتخابات أعلى، فالخيار صعب للغاية. فمن جهة، يوجد مرشح لن يحافظ على الوضع الراهن الليبرالي الجديد فحسب بل سيعمّقه بقوة ويستمتع به بمجرد تحرير بريطانيا من قيود الاتحاد الأوروبي والدخول في صفقة تجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومن جهة أخرى، يعِد منافسه الرئيسي بإلغاء النظام الليبرالي من خلال إعادة ترسيخ الدولة التدخلية. لا تزال هذه الدعوة بعيدة كل البعد عن الاشتراكية لكنها ستمثّل تغييرا حقيقيا. سيُمنح العمّال حصصا في شركات أصحاب عملهم، وستعود المرافق تحت السيطرة العامة. كما ستُؤسَّس اتفاقية بيئية جديدة ودخل أساسي عالمي. وبالإضافة إلى كل ذلك، سيخضع الأغنياء للضريبة.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وهو يمسك ثورًا في حلقة العرض أثناء زيارته لمعرض الشتاء الملكي الويلزي خلال حملة انتخابية في لانلويد في شمال ويلز في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر.
الرجل الأول، بوريس جونسون، هو شخصية مألوفة ومقبولة للمؤسسة البريطانية لأنه واحد منهم، فهو باحث في كلية إيتون، وكلاسيكي، وصحفي ذي هدف حازم. إن تجاوزاته، التي تتمثل في الكذب والعنصرية التي أظهرها في أعمدة صحفه، تعتبر مرحة من قبل “وسط إنجلترا”، بينما يرى حزب المحافظين أنها تنتمي إلى “شباك التذاكر”، في حين تعتقد المؤسسة البريطانية أنه من السهل التحكم فيها.
دعا جونسون الأفارقة السود “زنوجًا” مع “ابتسامات تشبه البطيخ”. وبصفته رئيس تحرير مجلة “ذا سبكتاتور”، قال إن الشباب لديهم “اهتمامٌ شبه نيجيري بالمال”. كما قال إن النساء المسلمات اللاتي يرتدين البرقع يشبهن “صناديق الرسائل” ولصوص البنوك. وقد وصف أطفال الأمهات العازبات بأنهم “غير لائقين، جاهلون، عدوانيون وغير شرعيين”.
ساحة تعاني من اختلال التوازن
إن كلمات جونسون ليست مرتجلة، وليست غير مدروسة. تماما مثل أي أمر آخر يقوم به، إن هذه المحاولات واعية لتملّق الطبقة العاملة من البيض من اليمين المتطرف، التي تعتبر الخلفية الأساسية لترامب. ولا داعي للإشارة إلى أنه إذا قال الرجل الثاني في هذه المسابقة، جيريمي كوربين، شيئا مماثلا بشأن اليهود، لكان قد أُعدم من قبل الجماهير بحلول هذا الوقت.
لكن هذه الساحة السياسية لا توفر أرضية فرص متكافئة. ومن بين السمات الرئيسية التي تميزت بها هذه الانتخابات، عدم الحكم على المرشحين بنفس المعايير؛ فالعنصرية التي تعتبر طبيعية ويمكن تقبُّلها والتسامح معها بالنسبة لأحدهما، توُصف بأنها لا تُطاق عندما يقوم الآخر باستخدامها.
إن حملة كوربين ترتكز بشكل أقل على العمل الذي يقوم به حزبه، وهو بيان لقي قبولا جيدًا. فعضويته في حزب يعد من أعرق الأحزاب في أوروبا، يجعل حملته قوية، كما لو أنها عاصفة ثلجية تناثرت إلى عدة شظايا، تلك التي واجهها كوربين كزعيم.
يعتبر جونسون أيضا كاذبا متسلسلا وقد وقع إثبات ذلك مرارا وتكرارا. مع ذلك، ترفض هيئتا البث الإذاعي العامة لدينا، على غرار قناة بي بي سي والقناة الرابعة البريطانية، الإقرار بذلك ونشر أكاذيبه. وحتى بوريس ليس اسمه الحقيقي، وإنما اسمه أليكس.
أما الرجل الثاني، كوربين، الذي يتناقض أسلوب حياته مع أسلوب الحياة الشخصية الجامحة لجونسون، فيستم بالاعتدال فضلا عن أنه شخص ذو مبادئ وعنيد، ويعتبر أكثر من جيد بالنسبة لتعميم المصلحة، لكن مع ذلك يقع التعامل معه على أنه تهديد وجودي.
إذا ساهم التصويت في تغيير الأوضاع، فسوف يقومون بحظره. حسنًا، هذه المرة، يمكن لصندوق الاقتراع أن يفعل ذلك حقًا. لذلك، يظل الخيار الحقيقي الوحيد أمام تحالف المؤسسات التجارية والملكية والقانونية والأمنية والإعلامية والمؤسسات الدينية التي تُكوّن الدولة البريطانية، بذل كل ما في وسعها لمنع كوربين من الوصول إلى السلطة.
إن حملة كوربين ترتكز بشكل أقل على العمل الذي يقوم به حزبه، وهو بيان لقي قبولا جيدًا. فعضويته في حزب يعد من أعرق الأحزاب في أوروبا، يجعل حملته قوية، كما لو أنها عاصفة ثلجية تناثرت إلى عدة شظايا، تلك التي واجهها كوربين كزعيم. إذا لم يتمكنوا من لعب الكرة، فإنهم سوف يلعبون بالرجل.
كيس اللكمات ذاتيّ الصنع
وصفت إحدى المساهمات البريطانيات كوربين في صحيفة “هاآرتس” قائلة: “إنه رجل يساري متطرف لم يسبق له أن التقى شخصا كارها لليهود إلا وأحبه. فهو لم يسمح لمعاداة السامية بالاستمرار دون عقاب فقط، بل ازدهرت تحت قيادته”. وأضافت قائلة: “إن كوربين لديه ميل للإرهابيين، بمن فيهم أولئك الذين قصفوا بريطانيا أثناء متاعب أيرلندا الشمالية، وهو يزدهر على الحسد والكراهية. كما أنه مساند لإيديولوجي البريكست، وكان موقفه العام حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاستفتاء المتكرر، هو التظاهر بتجنب اتخاذ القرارات”.
إن الفارق بين ما هو مقبول ومتكرر كحقيقة عن كوربين في الوقت الحالي، وبين الحقيقة واسعٌ – إذ تُعتبر حملات تشويه سمعته ذات أهمية حتى لو هُزِم كوربين وأُطيح به كزعيم.
في الحقيقة، لم يدافع كوربين عن نفسه، وقد حذره محاميه صراحةً من أنه إذا لم يتّجه إلى المحكمة العليا بشكاية ضد التشهير الذي كان يُنشر عنه من قبل شخصيات عامة مثل النائبة مارغريت هودج – التي وصفته بأنه عنصري في أعمدة صحيفة “الغارديان” بينما تحتمي وراء الامتياز القانوني لمجلس العموم وخارجه – فإن هذا الهجوم عليه لن يزول أبدًا ولا يمكن محوه عن طريق الاعتذار. هذا ما حدث بالضبط.
عوضا من ذلك، تبنّى كوربين، بطريقة خاطئة في رأيي، استراتيجية تحويل نفسه إلى حقيبة لكمات شبه مضخمة. لقد ظن أنه إذا جعل نفسه هدفا سهلا قدر الإمكان، فإن مهاجميه سوف يتعبون لامحالة. لكن هذا لم يحدث، فقد ضاعفوا من هجماتهم على شخصيته كأنهم يطالبون برأسه.
مهاجمة كوربين
إن الفارق بين ما هو مقبول ومتكرر كحقيقة عن كوربين في الوقت الحالي، وبين الحقيقة واسعٌ – إذ تُعتبر حملات تشويه سمعته ذات أهمية حتى لو هُزِم كوربين وأُطيح به كزعيم. ومن السهل برهنة ذلك بدءًا من الأحداث التي وقعت في أيرلندا الشمالية، حيث عمِلتُ لمدة خمس سنوات كمراسل لصحيفة “الغارديان”. إذا كان كوربين “يميل للإرهابيين” بالفعل، فربما ينطبق الأمر ذاته على بلير ومستشاره البارز جوناثان باول، أو مايكل أنكرام الوزير المحافظ في ذلك الوقت.
تحدث أنكرام إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي عندما كانت وحدة الخدمات الأيرلندية نشطة للغاية وعندما كانت مستودعات أسلحتها سليمة. وقد أخبرني أنكريم ذات مرة كيف جلس في غرفة القس توماس دالي الأمامية في ديري، حيث تحدث إلى مارتن ماكغينيس، الذي كان حينها رئيس الموظفين في الجيش الجمهوري الإيرلندي. كان لدى أنكرام سائق فقط في السيارة في الخارج لحمايته، وأثبت الجيش الجمهوري الإيرلندي وجوده عن طريق إغلاق نهايات الشارع.
كوربين يلوح لمؤيديه عند توقف الحملة في جنوب غرب إنجلترا في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر.
لم يتوقف اهتمام بلير بـ “الإرهابيين” في أيرلندا الشمالية، بل أجرى محادثات طويلة مع الزعيم السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، حتى بعد فترة ولايته كمبعوث للشرق الأوسط. من جهتي، أحيّي بلير على الانخراط مع حماس، و أنكرام على بدء حوار كان سينتهي في وقت لاحق باتفاق الجمعة العظيمة.
لكن، لماذا يتهم كوربين بالإرهابيين بينما يُعامَل بلير كبطل وسياسي دولي في إسرائيل، عندما ألقى خطابًا في جنازة رئيس الوزراء السابق أرييل شارون وهو يرتدي غطاء الكيباه؟ ولماذا يُعتبر كوربين الذي أخرج كين ليفينغستون من الحزب بسبب معاداته للسامية، قائدا يسمح بمناهضة السامية، في حين يُعتبر بلير الذي سمح لليفينغستون بالعودة إلى الحزب عكس ذلك؟
الزعماء الدينيون يُبدون رأيهم
قبل بدء هذه الحملة، شهد حزب العمال بقيادة إد ميلباند من الناحية الإحصائية حوادث كثيرة تدور حول معاداة السامية، على الرغم من أنه كان حينها بقيادة زعيم يهودي. لماذا لم يذكر ذلك حتى؟ ولماذا تُشوه سمعة كوربين بسبب مقابلته لثلاثة سياسيين من حماس قاوموا الإخلاء من القدس برفضهم الانتقال من خيمة، بينما لم يتلقى النائب آندي سلاوتر، الذي زائر بدوره الخيمة في ذلك اليوم، نفس الاهتمام؟
وصلت حملة “اجلب كوربين” إلى ذروتها هذا الأسبوع، مع بيان كبير الحاخامات للمملكة المتحدة، إفرايم ميرفيس، حيث أنه تجاوز مجرد الادعاء بأن “الغالبية العظمى من اليهود البريطانيين قد اجتاحهم القلق” عند التفكير في فوز حزب العمال، وأن معاداة السامية تصدر من قبل قمة حزب العمال.
حيال هذا الشأن، كتب ميرفيس، زعيم اليهود الأرثوذكس في بريطانيا، في صحيفة “ذي تايمز” أن كوربين لم يكن لائقًا للمنصب. دعم رئيس أساقفة كانتربيري ميرفيس، حيث عبر عن مخاوفه بشأن معاداة السامية، لكنه لم يخص بالذكر حزب العمال أو كوربين. كما فعل الهندوس والمسلمون والسيخ نفس الشيء.
يمتلك ميرفيس الحق في التحذير من خطر العنصرية في المجتمع البريطاني. لكنه لا يستطيع ممارسة هذا الحق كزعيم ديني إلا إذا أدان العنصرية دون خوف أو محاباة أينما حدثت
يثير موقف ميرفيس العديد من المشاكل المقلقة. أولاً، بصفته كبير الحاخامات في المملكة المتحدة، فهو لا يمثل يهود بريطانيا الذين يمثلون 0.5 بالمئة من السكان. ولا يذهب إلى الكنيس سوى نصف أولئك الذين يعترفون بأنهم يهود، وأنا من بينهم. كما أن ميرفيس لا يمثلني. علاوة على ذلك، يرأس ميرفيس الكنيس المتحد، الذي يمثل 52 بالمئة من أعضاء الكنيس في المملكة المتحدة.
الغضب الانتقائي
تتمثل المشكلة الثانية في أن كبير الحاخامات قد ابتعد عن الإرشاد الروحي أو معاداة السامية نفسها. كقائد لمجتمع ديني، يمتلك ميرفيس الحق في التحذير من خطر العنصرية في المجتمع البريطاني. لكنه لا يستطيع ممارسة هذا الحق كزعيم ديني إلا إذا أدان العنصرية دون خوف أو محاباة أينما حدثت، سواء كان ذلك ضد المساجد والمسلمين، أو في صفوف حزب المحافظين، أو إذا عبر عنها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
كبير الحاخامات إفرايم ميرفيس.
لا يحاول نتنياهو إخفاء النية العنصرية والتمييزية التي تنطوي عليها كلماته عندما يصف القائمة الفلسطينية المشتركة المكونة من أعضاء الكنيست، بأنها “تهديد وجودي” لدولة إسرائيل، أو عندما يرحب بحرارة بقادة اليمين المتطرف المعروفين، على غرار رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي أجرى حملات معادية للسامية. لكن، ينتقي ميرفيس بشكل غير عادي هجماته على العنصرية، حيث أنه يحتفظ بغضبه كممثل للأقلية القصوى لكوربين فقط.
إذا كان ميرفيس لا يتصرف كقائد روحي بل كناشط سياسي، ألا يجب عليه أن يعلن أين يكمن تعاطفه السياسي؟ هل يتجه تعاطفه السياسي نحو جونسون ونتنياهو؟ يجب أن يجيب ميرفيس على هذه الأسئلة لأن التمييز بين الدين والسياسة أمر بالغ الأهمية ويمثل إضعافه علامة أخرى على تداعي المجتمع. يمثل ذلك أساس النقد الغربي للإسلام السياسي، ويمثل الفصل بين الكنيسة والدولة أساس الديمقراطية العلمانية الغربية.
الأسئلة القانونية
مرة أخرى، لا يقع طرح الأسئلة الواضحة. إذا كانت معاداة السامية منتشرة وسط حزب العمال، فلماذا كان هناك عدد قليل للغاية – إن وجد – من الملاحقات القضائية بسبب خطاب الكراهية من قبل مكتب الادعاء الملكي؟ يُعتبر خطاب الكراهية جريمة جنائية. هل يُعادي مكتب الادعاء الملكي السامية أيضًا؟
لماذا لم يقع اختبار معاداة السامية في المحاكم المدنية أيضًا؟ ما هو الوضع القانوني للتعريف الأوسع نطاقا لمعاداة السامية المُتبنى الآن دون تفعيل قانون برلماني؟ كيف يتماشى هذا التعريف مع ممارسة حرية التعبير؟ ماذا سيحدث إذا وقع اختبار صيغة هذا التعريف في محكمة قانونية؟
في غياب التدقيق القانوني المناسب، فإنك لا تمتلك سوى عملية شبه قضائية تشبه عقاب العصور الوسطى. “يشعر” المتهِمون بأنهم ظُلموا، لذلك أُسيء فهمهم. مع ذلك، يعتبر ذلك أمرا صحيحا للغاية. إن “مشاعر” المتهِمين تقضي على حياة المتهَمين المهنية وتشوه سمعتهم، ويجب على أي شخص من هذا المجتمع الضيق من المتهِمين المعارضة، لأنهم خُلقوا للشعور بذلك. من جهته، اضطر الحاخام مائير واينبرغر، الذي كتب خطابا يدعم فيه كوربين “لأعماله العديدة المتضامنة مع الجالية اليهودية”، إلى الذهاب إلى الشرطة بعد تلقيه تهديدات مخيفة له ولأسرته في حال لم يسحب الرسالة.
لم يتم طرح أي من هذه الأسئلة الأساسية القانونية، وذلك لسبب وجيه. قد لا تتناسب الإجابات مع ممثلي ومديري حملة سياسية تركز على منع رجل على وجه التحديد من الوصول إلى السلطة.
احتجاج الناس على معاداة السامية المزعومة في حزب العمال في لندن في سنة 2018.
قبل أربع سنوات، أقال أحد القضاة عمدة برج هامليتس، لطفور رحمان، بسبب إعداده لإعادة انتخابه في أيار/ مايو 2014. تمثل أحد أسباب إقالة رحمان من منصبه في أن العمدة مارس “تأثيرًا روحيًا لا داعي له” على الناخبين من مسلمي المجتمع البنغلاديشي.
حظيت القضية بسمعة سيئة لأن المحكمة اضطرت إلى استثناء قانون الممارسات الفاسدة وغير القانونية الذي صدر سنة 1883 بسبب عبارة “لا لزوم للنفوذ الروحي”. تمثّل الغرض من هذا القانون سابقا في الحد من تأثير رجال الدين الكاثوليكيين الرومان على عقول جمهور الناخبين الإيرلنديين الجاهلين، كما كانوا يوصفون. وتجدر الإشارة إلى أن رحمان لا يزال محروما من منصبه حتى يومنا هذا.
الجميع يخسر
مارس ميرفيس هذا الأسبوع “تأثيرًا روحيًا لا مبرر له” على جميع الناخبين، وليس فقط على اليهود. بعيدًا عن حرمانه من منصبه، اكتسب موقف كبير الحاخامات مكانة المعيار الذهبي للحقيقة حول معاداة السامية في حزب العمال. وتُعتبر هذه اللعبة لعبة خاسرة للجميع بما في ذلك كوربين، الذي تضررت شخصيته ومكانته الدولية ربما بشكل لا يمكن إصلاحه.
شملت الخسارة أيضا اليهود البريطانيين الذين تشتّتت أفكارهم بين الليبرالية والصهيونية، والمعابد اليهودية والمساجد التي بدل أن تدعم بعضها البعض، تقوم بمضاعفة حمايتها. يمثل كل من التسامح والكرم والديمقراطية الخاسرين الأكبر- لأن حملات تشويه السمعة عادة ما تنجح ويتواصل تأثيرها للأبد. في بريطانيا، الجميع يخسر، وهذا ما يحدث لبريطانيا اليوم.
المصدر: ميدل إيست آي