ترجمة وتحرير: نون بوست
في أي يوم، يشتعل ما بين 10 آلاف و30 ألف حريق في الغابات في جميع أنحاء الكوكب. عوالم متنوعة وبعيدة مثل سيبيريا، أمازونيا، إندونيسيا، أستراليا، وكاليفورنيا، تشتعل. في الحقيقة، إن ظهور “عصر النار” هو أخطر تحذير حتى الآن من أن البشر قد انتهكوا الحدود التي لم يكن من المفترض تجاوزها. لقد حان الوقت ليس فقط للتفكير في ما لا يمكن تصوره، بل للحديث عنه: يجب التفكير في أن الاقتصاد العالمي، والحضارة، وربما بقاءنا على قيد الحياة كنوع من الكائنات الحية بات على المحك في الوقت الراهن. لذلك فقد حان الوقت للتصرّف.
إنها ليست مجرد حرائق، وإنما هي بمثابة الركن المستمر للكوارث غير الطبيعية (التي يُغذّيها الإنسان)، على غرار الجفاف، والفيضانات، وتلاشي الأنهار والبحيرات والأنهار الجليدية ناهيك عن التأثيرات الجوية المرتفعة المقدّرة خسائرها بمليارات الدولارات. بعبارة أخرى، إنها موجة من حالات الانقراض والخسارة الفادحة لأسماك البحر والطيور والشعاب المرجانية، والغابات، والثدييات، والضفادع، والنحل، والحشرات الأخرى.
إنها بمثابة مسيرة الزحف الصحراوي وتشميع المناطق الميتة في المحيطات، فضلا عن كونها سيلا هائلا من الانبعاثات الكيميائية البشرية التي تسمم الهواء والماء والغذاء والمنازل والمدن والمزارع والأطفال الذين لم يولدوا بعد، والتي تقتل تسعة ملايين شخص سنويا.
إن الدول التي أنفقت على الأسلحة التي بلغت قيمتها 1.8 تريليون دولار من أجل “الحرب الحقيقية لإنهاء كل الحروب”، مسؤولة عن تدهور المناخ
من المحتمل أن تختفي المنطقة القطبية الشمالية قبل نهاية هذا القرن، كما يهدد ارتفاع منسوب مياه البحار مسكن 300 مليون شخص. وينذر تسرّب غاز الميثان من محيطات العالم بالخطر، كما أن التندرا والمستنقعات والوقود الأحفوري تهدد بحدوث الانفلات الحراري من 7 إلى 10 درجات أو أكثر. كما أن انجراف مليارات الأطنان من التربة من الأراضي التي تغذّينا إلى أعماق المحيط، يضع الأمن الغذائي على المحك وذلك بالنظر إلى فشل النظم الزراعية وسط مناخ مضطرب ومناظر طبيعية متدهورة. ويتسبب ارتفاع عدد الأمراض غير المعدية في قتل ثلاثة أشخاص من كل أربعة.
إن الدول التي أنفقت على الأسلحة التي بلغت قيمتها 1.8 تريليون دولار من أجل “الحرب الحقيقية لإنهاء كل الحروب”، مسؤولة عن تدهور المناخ. ودون أن تكون مكبّلة بالحقد السياسي أو الحماقة، فإن أسلحة الدمار الشامل الآلية التي يقودها الذكاء الاصطناعي ستختار من يعيش ومن يموت. وفي خضم ذلك، تطالب حركة عالمية من المواطنين مكونة من العلماء والشباب والشيوخ والنساء باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة خطر الانهيار المتزايد. فالتحذيرات العلمية، وثورة الانقراض، والإضراب عن الطعام في المدارس من أجل المناخ، أصبحت تغمر شوارع مدن العالم.
من جهته، يخطط البابا فرنسيس لإضافة “الخطيئة البيئية ضد البيت المشترك” إلى التعاليم المسيحية للكنيسة الكاثوليكية. وقد حذر محافظ بنك إنجلترا مارك كارني من “الانهيار المالي المفاجئ” بسبب تغير المناخ. ويرى المنتدى الاقتصادي العالمي في تقييمه السنوي للمخاطر الكارثية أن الخطر متصاعد.
فضلا عن ذلك، يعتبر البروفيسور جيم بيندل، من جامعة كمبريا بالمملكة المتحدة، من بين الأصوات التي حذرت من أن انهيار الحضارة ربما يكون قد بدأ، موضحا أن عدم قدرتنا على التنبؤ بسرعة وتيرتها أو مسارها أو حجمها لا يعدّ سببا لعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة. إلى جانب ذلك، تتنبأ مقالته بعنوان “التكيف العميق: خريطة للتغلب على مأساة المناخ لدينا”، بأنه: “سيحدث انهيار على المدى القريب في المجتمع مع تداعيات خطيرة على حياة [المواطنين]. إن الكارثة “محتملة”، والانقراض “أمر ممكن”.
لكن، لم تُعلن حتى الآن سوى قلّة قليلة من الدول، على غرار فرنسا وكندا وبريطانيا وإيرلندا والأرجنتين، عن حالة الطوارئ المناخية. ولكن يبقى السؤال المطروح: لماذا تستمر أغلب الحكومات في التحرك بوتيرة بطيئة للغاية وغض الطرف على بقية التهديدات التسع الهائلة الأخرى التي تهدد الإنسانية.
الأمر الأخطر من ذلك فهو السيطرة المتزايدة لجماعات الضغط المدافعة عن الوقود الأحفوري على الحكومات ووسائل الإعلام العالمية، ليس في الديمقراطيات الغربية المتعثرة فحسب، وإنما أيضًا في روسيا والصين والبرازيل والهند والمملكة العربية السعودية.
نظرا لحدوث ثورة مضادة حاليا على الصعيد العالمي، من المتوقع أن يتم عرقلة النشاط في مجالات المناخ، والخسارة البيئية، والانقراض، وتسمم الهواء والماء والغذاء. هذه الكوارث البيئية والمناخية سببها “أموال مظلمة” متأتية من قطاع الوقود الأحفوري المذعور من خلال مؤسسات مشبوهة، تُضخ مئات الملايين من الدولارات في الدعاية العالمية لتشويه سمعة القضايا المناخية والعلوم البيئية، وإغواء الحكومات وخداع الرأي العام.
أما الأمر الأخطر من ذلك فهو السيطرة المتزايدة لجماعات الضغط المدافعة عن الوقود الأحفوري على الحكومات ووسائل الإعلام العالمية، ليس في الديمقراطيات الغربية المتعثرة فحسب، وإنما أيضًا في روسيا والصين والبرازيل والهند والمملكة العربية السعودية.
في الوقت الحالي، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا جديدا كشفت فيه أن الشركات الأحفورية تعتزم زيادة انبعاثات الكربون بنسبة 50 بالمئة لتصل إلى 120 بالمئة بحلول سنة 2030 بشكل يتجاوز الحدود الموضوعة لضمان تمتع الإنسان بمستقبل آمن (1.5 درجة مئوية). وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة أنه على الرغم من ازدهار مصادر الطاقة المتجددة، شهدت استثمارات البنية التحتية الأحفورية خلال سنة 2019 انتعاشة بعد ثلاث سنوات من التراجع. في ظاهر الأمر، يبدو أن جماعة ضغط الوقود الأحفوري غيرت الأمر لصالحها بشكل كبير.
في الواقع، توجد ثلاثة دوافع فحسب تهدد هذه الحضارة وتضعها على المحك، ألا وهي الجشع والحقد والجهل. فإما أن تكون العائدات المالية ضخمة للغاية لدرجة أن المديرين التنفيذيين المدافعين عن الوقود الأحفوري على استعداد لتعريض أحفادهم للخطر من أجلها، أو أنهم غير قادرين على إدراك المخاطر الناجمة عنه. ونظرا لكون هؤلاء الأشخاص مختصون في هذا المجال، فإن الاحتمال الأخير لا يبدو صحيحا، فقد كشفت شركات النفط الكبرى، على غرار شل وإكسون موبيل في المحكمة، أنها على وعي تام بتداعيات ما تقوم به على الكوكب منذ حوالي 50 سنة. بتجاهلها لهذه المخاطر، سعت بعد ذلك إلى خداع الإنسانية في الوقت الذي تزيد فيه من إنتاج الكربون.
ينقسم العالم إلى حركتين متعارضتين: “الناجون” الذين يشعرون بالقلق، بما في ذلك الشباب، المسنون، الحكماء، المتعلمون، المطلعون والبراغماتيون؛ وفي المقابل يوجد المشككون الذين يدعمون النظام العالمي الذي سيعجّلون بانهياره. وتشير تقديرات بعض العلماء إلى أن عدد الضحايا نتيجة تغير المناخ سيكون من 50 إلى 90 بالمئة من السكان. ولا يمكن معرفة العدد لأن السلوك البشري، مثل حرب، لا يمكن التنبؤ به. تبدأ العملية بالمجاعات وأزمات المياه، وكلاهما مستند إلى أدلة، الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع موجات عارمة من اللاجئين وتضاعف الصراعات.
إن عدم القيام بأي شيء أو اتخاذ إجراءات بسيطة للغاية من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البشرية، اقتصاديا، اجتماعيا، وحتى وجوديا
بينما يقع تجاهل هذه الحقيقة، فإن جزء الإنسانية الملتزم بالبقاء يسعى للحصول على تعويض قانوني. وتوثق كلية الحقوق بجامعة كولومبيا أكثر من 1640 دعوى قضائية مستمرة ضد شركات الوقود الأحفوري أو الحكومات. لكن مسار القانون بطيء للغاية، ويمكن شراء العدالة. لقد آن الأوان للحديث عن المسكوت عنه. دون اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد لاستخدام الوقود الأحفوري، وإعادة الكوكب إلى حالة من الصحة البيئية ومعالجة جميع التهديدات العشر الكبرى بطريقة متكاملة، فإن أسوأ مخاوفنا ستصبح مصيرنا المحتوم. وسيصبح الانهيار حقيقة لا مفر منها.
إن عدم القيام بأي شيء أو اتخاذ إجراءات بسيطة للغاية من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البشرية، اقتصاديا، اجتماعيا، وحتى وجوديا. لقد آن الأوان لمناقشة هذا، بشكل علني وبصراحة وصدق. نملك خيارا منطقيا واحد فحسب: اختيار البقاء على قيد الحياة. وهذا يتطلب اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، على الرغم من أنها تحدد نهاية النُظم الحالية للطاقة والغذاء والمياه والنقود والدفاع والنقل والسياسة، واستبدالها بأنظمة جديدة، تكرّس جهودها عالميا لضمان مستقبل بشري وكوكب قابل للعيش فيه.
المصدر: الغارديان