انتفاضة الشعب اللبناني التي تواصلت منذ قرابة شهر ونصف بوتيرة متصاعدة وإصرار لم يكن أحد يتوقعه وأشكال متعددة من التعبير والضغط، تميزت بالكثير من المزايا والأمور، فهي انتفاضة عبرت جدران الطائفية والمذهبية والمناطقية، وتجاوزت الانتماءات السياسية والحزبية والولاءات للزعماء، وانخرط فيها الشباب والصبايا، العمال والموظفون، الرجال والنساء، الكبار والصغار، وأصحاب الحرف والمهن الحرة وحتى رجال الأعمال، ومعظم الشرائح التي يتكون منها الشعب اللبناني، وقد كان لفناني لبنان دور وحضور وتأثير في استمرار شرارة هذه الانتفاضة وتواصلها، وهكذا تجلى دور قطاعات الفنانين في هذه الانتفاضة “الثورة”.
المغنون والمنشدون
تفاعل أغلب المغنين اللبنانيين مع الانتفاضة بشكل إيجابي، خاصة أولئك الذين يغلب على أغانيهم الطابع الوطني العام، فانخرطوا بالانتفاضة منذ اليوم الأول لانطلاقها، وراحوا يطوفون المدن والمحافظات والساحات ويشاركون المتظاهرين وقفاتهم وينشدون معهم الأغاني والأناشيد الوطنية، ملهبين بذلك حماس الجماهير ليشكل ذلك دفعًا جديدًا للتظاهر والوجود في الساحات وكأنها البدايات من جديد، وقد كان لحضور هؤلاء المغنيين في الساحات دور كبير وأثر في تواصل الانتفاضة واستمراراها، حيث أعطى جرعة إضافية لمواصلة الحراك وأملًا جديدًا بإمكانية تحقيق تطلعاته.
فقد قام المغني المشهور والمعروف بأغانيه الوطنية، مارسيل خليفة، وصاحب الجمهور الواسع محليًا وعربيًا، بجولات عديدة على الساحات والمدن والمحافظات، ووقف إلى جانب المنتفضين وغنى لهم ومعهم “إني اخترتك يا وطني حبًا وطواعية” و”شدوا الهمة الهمة قوية” و”صامدون هنا” وغيرها من الأغاني، غناها في طرابلس وصيدا والنبطية وصور وبعلبك وغيرها من المدن، وكانت أغانيه في كل مرة تجدد شعلة الانتفاضة في قلوب المتظاهرين فتزداد الأعداد والحشود في تلك الساحات، ويؤكد الناس معه أنهم مستمرون في تظاهراتهم واعتصاماتهم حتى تحقيق المطالب ورحيل الطبقة السياسية المسؤولة عن كل الوضع الذي يعيشه لبنان.
انخرط في العمل الفني الذي رفد الانتفاضة بطاقة جديدة فريق “غرباء للفن الإسلامي” الذي استحدث أنشودة جديدة على وقع موسيقى المسلسل التركي المشهور قيامة أرطغرل “ثورة وطن كلنا للوطن” وكذلك أنشودة “كلن يعني كلن ما منرضى واحد منن”
وكما مارسيل خليفة، زار المغني الوطني المشهور والمعروف أيضًا، أحمد قعبور، الساحات والمدن والاعتصامات، وألهب تلك الأماكن بحنجرته القوية والمؤثرة مغنيًا ومنشدًا “أناديكم وأشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم” فتهتز الأرض تحت أقدام المتظاهرين الذين كانوا مع صوته يؤكدون إصرارهم على المضي بانتقاضتهم، وتشكل كلماته وأغانيه وقودًا جديدًا للانتفاضة.
وعلى هذه الخطى سار أيضًا المنشد الإسلامي إبراهيم الأحمد، الذي أنشد في ساحات الاعتصام في طرابلس وصيدا وغيرها الأناشيد الإسلامية الوطنية التي طالبت برحيل السلطة كما في أنشودته “اعطوني فرصة وبلا جرصة بس خلوني ظل، طب شوفولي حل” ولاقت استحسان المتظاهرين في كل الساحات لأنها كانت تحاكي واقع الطبقة السياسية المتهمة بالفساد التي تطالب بفرصة جديدة للبقاء في مقاعدها، ولكن الأنشودة كانت تختم بلسان المتظاهرين “بدنا إسقاط الرئيس وحل البرلمان” في تأكيد على الاستمرار بالانتفاضة.
كما انخرط في العمل الفني الذي رفد الانتفاضة بطاقة جديدة فريق “غرباء للفن الإسلامي” الذي استحدث أنشودة جديدة على وقع موسيقى المسلسل التركي المشهور قيامة أرطغرل “ثورة وطن كلنا للوطن” وكذلك أنشودة “كلن يعني كلن ما منرضى واحد منن”، ولاقت هاتان الأنشودتان صدى واسعًا في كل الساحات، فكانت تسمع في ساحات صور والنبطية وبعلبك كما في ساحات بيروت وصيدا وطرابلس وجل الديب وزحلة.
وهكذا كان للمغنين الوطنين دور بارز في استمرار وقود الانتفاضة، فيما سُجل غياب المغنية المعروفة والمشهورة بأغانيها الوطنية، جوليا بطرس، وأعاد البعض سبب ذلك إلى كونها زوجة وزير الدفاع الوطني، إلياس بو صعب، المنتمي إلى التيار الوطني الحر المتهم بالمسؤولية، كغيره من المسؤولين، عن الفساد.
الممثلون
وكما المغنون والمنشدون، كان للمثلين البارزين والمعروفين دور في استمرار الانتفاضة، إذ انخرط أغلبهم فيها منذ الأيام الأولى وراحوا أيضًا يجولون ويطوفون على الساحات والمعتصمين يحثونهم على البقاء فيها والاستمرار في انتفاضتهم حتى تحقيق المطالب، وبرز في هذا السياق الممثل المشهور أحد أبطال مسلسل “الهيبة” عبده شاهين وزميله الممثل كريم أبو شقرا وندين نجيم ونادين الراسي وغيرهم، وجال هؤلاء على الساحات في النبطية وصور وصيدا وطرابلس وبعلبك فضلًا عن بيروت، وأكدوا للمتظاهرين في تلك الساحات أنهم معهم وأن هذه الانتفاضة ستحقق أهدافها.
ولعل أبرز ما فعله هؤلاء اقتحامهم السلمي في بداية الانتفاضة، وعلى هواء الفضائيات مباشرة، مبنى تليفزيون لبنان الرسمي الذي كان يتجاهل الحراك الشعبي في الساحات ويكتفي بعرض البرامج العادية وكأن شيئًا لا يحدث في لبنان، وقد تمكنوا بعد ذاك الاقتحام أن يفرضوا على إدارة التليفزيون أن تنضم إلى بقية المحطات التليفزيونة في مواكبة الحراك وتسليط الضوء عليه، وشكل ذلك إنجازًا لهؤلاء الممثلين.
الرسامون والمبدعون
المعروف أن الرسم من أقدم أشكال التعبير والتواصل، ولعل في رسومات الكاريكاتور في الصحف ما يشير إلى ذلك وإلى أهمية هذا الفن في توصيل الفكرة والتعبير عنها، وقد أبدع الفنانون في هذا القطاع في التعبير عن مطالب الثورة بأشكال مختلفة، ولعل القبضة التي تمثل رمز “الثورة اللبنانية” التي وضعت في ساحة الشهداء وسط بيروت أحد تجليات هذا الفن الذي انضم أصحابه إلى الانتفاضة، وقد لجأ أحد الأشخاص إلى حرق هذا القبضة ذات ليلة، ولكن إصرار المبدعين والفنانين أعاد إنتاح قبضة أخرى وضعت في مكان الأولى التي أحرقت في دلالة واضحة من هذا القطاع على الاستمرار في هذا الحراك.
هي انتفاضة يحلو تسميتها هنا في لبنان بـ”الثورة” ينخرط فيها أغلب القطاعات، ويؤدي كل منهم دورًا في رفدها بمزيد من عناصر الاستمرار والتواصل، لعل في ذلك ما يجعل اللبنانيين يتخلصون من كل مظاهر الفساد والنهب المنظم لثرواتهم ومستقبلهم
كما أن الهجمات التي قام بها الغوغائيون على خيم المتظاهرين والمعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء وتكسيرها، وما خلفته عملية التكسير من بقايا تلك الخيم جعل بعض المبدعين والفنانيين يصنعون منها رمزًا جديدًا للثورة هو عبارة عن طائر الفينيق الذي يعتبر اللبنانيون أن باستطاعته القيام من تحت الركام، وهذا يجسد أيضًا تعبيرًا واضحًا عن دور هذا القطاع في ضخ المزيد من جرعات الأمل والتفاؤل في هذه الانتفاضة.
أما الرسامون فملأوا جدران الساحات القريبة من مواقع الاعتصام بالرسومات التي تعبر عن مطالبهم واستمرارهم في انتفاضتهم رغم كل الألم، وقد زينت تلك الجدران رسومات “الشهداء” الذين سقطوا في هذه الانتفاضة وأبرزهم علاء أبو فخر.
هي انتفاضة يحلو تسميتها هنا في لبنان بـ”الثورة” ينخرط فيها أغلب القطاعات، ويؤدي كل منهم دورًا في رفدها بمزيد من عناصر الاستمرار والتواصل، لعل في ذلك ما يجعل اللبنانيين يتخلصون من كل مظاهر الفساد والنهب المنظم لثرواتهم ومستقبلهم.