تزامنًا مع إطلاق الحملة العالمية السنوية للقضاء على العنف ضد المرأة التي بدأت يوم 25 من نوفمبر وتستمر حتى 10 من ديسمبر، استقبلت نساء السودان هذا العام بتلقي أخبار سارة، إذ أقرت السلطات الانتقالية السودانية يوم الثلاثاء 26 من نوفمبر الماضي إلغاء قانون النظام العام وذلك استجابة لمشروع قانون تقدم به وزير العدل نصر الدين عبد الباري.
وفي ظل غياب البرلمان في المرحلة الانتقالية يتولى مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء في السودان مهمة إقرار القوانين بدلًا من البرلمان وذلك بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وترافق مع إلغاء قانون النظام العام – الذي كان يحد كثيرًا من حريات النساء – قانون تفكيك نظام الإنقاذ الذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يترأسه الرئيس السوداني المعزول عمر البشير وتعليق النشاط السياسي لرموزه ومصادرة جميع أمواله لصالح وزارة المالية.
قانون النظام العام في السودان: استخدمه نظام البشير لتقييد دور المرأة
خلال عام 1996 صدر قانون النظام العام لولاية الخرطوم، وكان يتضمن سبعة فصول بالإضافة إلى 26 مادة، وقد خُصص الفصل الأول للتعريفات والأحكام التمهيدية ومكان تطبيق القانون وهو ولاية الخرطوم.
في الفصل الثاني كان القانون يتناول بدءًا من المادة الخامسة الحديث عن إقامة الحفلات الغنائية، إذ نص على ضرورة الحصول على تصريح مسبق ومحدد بزمن ينتهي فيه الحفل، هذا بالإضافة إلى عدم السماح للنساء بالرقص أمام الرجال ومنع الرقص المختلط بين النساء والرجال وتحريم ما أسماه القانون “الأغاني الهابطة”.
من أبرز مواد القانون التي أثارت جدلًا واسعًا طوال سنوات مادتي 152 و154 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991 وتتناولان الحديث عن الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة
وبالنسبة للفصل الثالث من قانون النظام العام فقد تعرض لضوابط استخدام وسائل المواصلات العامة والخاصة، وأماكن جلوس النساء والرجال في المركبات العامة، فهناك مقاعد ومداخل خاصة بالنساء لا يجوز أبدًا تجاوزها إلى أماكن الرجال، كما تشدد القانون أيضًا في منح الترخيص لمحلات تصفيف الشعر، إذ وضع معايير قاسية لوجودها، فعلى سبيل المثال لا يجب أن تطل على الشوارع الرئيسية وممنوع منعًا باتًا أن يعمل بها الرجال، كما يحق لأجهزة الشرطة التجسس ومراقبة تلك المحلات واقتحامها في أي وقت، علاوة على اختيار نساء تثق فيهن الحكومة للعمل بها.
ومن أبرز مواد القانون التي أثارت جدلًا واسعًا طوال سنوات مادتي 152 و154 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991 وتتناولان الحديث عن الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، إذ تنص المادة 152 من القانون على “كل من يأتي في مكان عام فعلًا أو سلوكًا فاضحًا أو مخلًا بالآداب العامة، أو بارتداء زيّ فاضح أو مخل بالآداب العامة، يسبب مضايقة للشعور العام، يعاقب بالجلد بما لا يجاوز 40 جلدةً، أو بالغرامة أو بالعقوبتين معًا”، هذا وقد منح القانون لشرطة النظام العام كل السلطة التقديرية لتوقيف كل امرأة ترى الشرطة أنها ترتدي زيًا خادشًا للحياء.
أما المادة 154 فتنص على الآتي “يعد مرتكبًا جريمة ممارسة الدعارة من يوجد في محل للدعارة بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أفعال جنسية، ويعاقب بالجلد بما لا يتجاوز 100 جلدةً أو بالسجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، ويقصد بمحل الدعارة هنا أي مكان يجتمع فيه رجال ونساء لا توجد بينهم علاقة زوجية أو صلة قربى”.
وبحسب منظمات حقوقية دولية فقد استخدم نظام البشير قانون النظام العام بشكل أشبه بسيف مسلط على النساء السودانيات خصوصًا أن قوات النظام العام كانت تعتقل النساء لأتفه الأسباب مثل حضور الحفلات وارتداء السراويل، كما فرض القانون أيضًا عقوبات مشددة على شاربي الخمر وصانعيها واستخدم القانون أيضًا لملاحقة سيدات الشاي اللاتي يبعن الشاي والطعام على أرصفة الشوارع.
قانون تفكيك نظام الإنقاذ: فصل جديد من تاريخ الشعب السوداني
يهدف القانون إلى تفكيك البنية التحتية السياسية ومجمل شبكة علاقات القوى التي بناها ما عُرف باسم نظام الإنقاذ بالسودان وهو النظام الذي جاء في أعقاب الانقلاب السياسي الذي قاده عمر البشير في 30 من يونيو 1989 على السلطة المنتخبة في السودان واستمر في الحكم لقرابة الثلاثة عقود.
وينص القانون على حل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يترأسه البشير وحذفه من جميع سجلات الأحزاب والتنظيمات السياسية في السودان هذا بالإضافة إلى حل جميع الواجهات والكيانات الاجتماعية والمنظمات التي كانت يستخدمها الحزب، كما أقر القانون العزل السياسي بحق رموز نظام الإنقاذ وذلك عبر منعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
كما نصت المادة التاسعة من القانون على إلغاء وحل الاتحادات المهنية والنقابات واتحاد أصحاب العمل، وأعطى القانون لمسجل تنظيمات العمل الحق في إلغاء تسجيل نقابة المحامين السودانيين ولجنة قبولها ومجلسها وتهدف جميع هذه الإجراءات إلى الحد من نفوذ أعضاء حزب المؤتمر الوطني وجميع مواليه في النقابات والاتحادات المهنية.
وكان حزب المؤتمر الوطني قد أخذ إجراءً استباقيًا قبل مشروع قانون التفكيك، إذ أصدر بيانًا حذر فيه من أن أي خطوة من السلطات السياسية لحل حزب المؤتمر الوطني ومنعه من حقه المشروع في ممارسة السياسة ستتم مواجهتها بوابل من الغضب الذي لن يسلم منه أحد، كما رفض حزب المؤتمر الوطني الاعتراف بشرعية أي قانون خلال المرحلة الانتقالية مطالبًا بتأجيل أي إجراءات قانونية لحين تشكيل حكومة شرعية ينتخبها الشعب.
ويمثل حزب المؤتمر الوطني مرحلة امتداد الحركة الإسلامية بقيادة حسن الترابي الذي دعم الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة وقد تأسس الحزب على أنقاض الجبهة الإسلامية القومية خلال عام 1998 وذلك في أعقاب النزاع بين الترابي والبشير الذي حُسم في نهاية الأمر بإقصاء الترابي نهائيًا عن النظام الحاكم.
في العاصمة الخرطوم أطلق السائقون أبواق سياراتهم احتفالًا بتلك القرارات واستمرت هذه الاحتفالات حتى وقت متأخر من الليل
هذا وقد رحب تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير بقانون حل حزب المؤتمر الوطني قائلًا إنه يعد خطوة جبارة في طريق تحقيق أهداف الثورة السودانية وضربة موجعة للثورة المضادة وفلول النظام السابق.
وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك: “قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانونًا للانتقام، بل هو من أجل حفظ كرامة هذا الشعب بعد أن أنهكته ضربات المستبدين، وعبثت بثرواته ومقدراته أيادي بعض عديمي الذمة قصيري الخطو في مضمار القيم والشرف والأمانة والحقوق”.
وفي العاصمة الخرطوم أطلق السائقون أبواق سياراتهم احتفالًا بتلك القرارات واستمرت هذه الاحتفالات حتى وقت متأخر من الليل، ومن بعض الأحياء مثل الديوم وبري خرجت مظاهرات عفوية احتفالًا بالقرارات التي انتظرها السودانيون كثيرًا، وصدح المتظاهرون الفرحون بهتافات مثل “سودان بدون كيزان، سودان لكل الناس” هذا وانطلقت أخيرًا الزغاريد التي حُشرت لسنوات طويلة في حناجر النساء.