لم تكن الصوفية في مصر طريقة دينية فحسب كما يتوقع البعض، بل تعد أحد أبرز الظواهر الاجتماعية التي تضرب بجذورها في التاريخ القرنين الثالث والرابع هجري، حيث تمتد طرقها المتشعبة على مساحة مصر الجغرافية كلها تقريبا، فلا تكاد تخلو قرية أو مدينة من وجود أتباع لهذه الطريقة أو تلك.
كما تعتبر إحدى أكبر الأفكار الدينية التي تحاول أن تنظم نفسها إداريًا وهيكليًا في مصر، وربما الفرقة الوحيدة المعترف بها بصورة رسمية في البلاد، تقام احتفالاتها في مختلف المحافظات بصفة دورية تحت رعاية أجهزة الدولة التنفيذية. يتجاوز أتباعها الملايين في تقديرات البعض، وأصبح لها ثقل سياسي أكثر منه ديني في الآونة الأخيرة.
نشأة الصوفية في مصر
يوجد في مصر ما يقرب من 77 طريقة صوفية، تتفرع معظمها عن 6 طرق صوفية كبرى. دخلت جميعها إلى مصر في القرن الرابع الهجري، ويؤمن الصوفيون بأربعة أئمة يطلقون عليهم “أقطاب”، هم أحمد البدوى صاحب مسجد السيد البدوى بطنطا، الشيخ الجيلانى، إبراهيم الدسوقى، الشيخ أحمد الرفاعي الذي يعد أشهرهم، إذ يحتفل بمولده ثلاث مرات في العام. ومن أبرز مظاهر الاحتفال به ارتداء العمامة والشارة الحمراء إضافة إلى رفع العلم الأحمر.
يعود تقنين الصوفية في مصر إلى القرن التاسع عشر حين أصدر محمد علي باشا، حاكم مصر، فرمانًا بجعل الطرق الصوفية تحت سلطان شيخ السجادة البكرية، ومثل ذلك عهدًا جديدًا لهذه الجماعات التي لم تكن قبل صدور هذا الفرمان خاضعة لسلطة مركزية.
ومنذ ذاك الحين، أصبح الصوفيون في مصر من أكبر الفصائل الإسلامية في العالم لما يمتلكونه من حضور شعبي ومادي قد لا يتوفر لدول وحكومات بأكملها، وفي ظل عدم وجود إحصاء رسمي للمنتسبين للتيار الصوفي في مصر بات الأمر خاضعًا لتصريحات وتصورات بعض أقطاب هذا التيار ممن أشاروا إلى أن العدد يقترب من 15 مليون مصري.
يبلغ عدد الأضرحة والمقامات الصوفية ما يقرب من 6 آلاف ضريح في مختلف محافظات مصر، حيث يوجد 294 ضريحًا في القاهرة، أشهرها الحسين والسيدة زينب
وبعيدًا عن الأرقام التي يشير إليها شيوخ التيار الصوفي فإن الغالبية العظمى من المنتسبين لهذا التيار “غير مسيسين” فضلا عن خروجهم عن دائرة السيطرة والخضوع لتوجهات وإملاءات القيادات العليا، على عكس بقية الكيانات الأخرى، ومن ثم فإن الحديث هنا يتعلق يتيار ديني له مريدوه ممن انتسبوا إليه عبر بوابة حب آل البيت وغير ذلك من المعتقدات الدينية الخالية من الأبعاد السياسية.
وبحسب وزارة الثقافة، يبلغ عدد الأضرحة والمقامات الصوفية ما يقرب من 6 آلاف ضريح في مختلف محافظات مصر، بعضها يحتل أبرز المناطق الحيوية في العواصم الإقليمية، حيث يوجد 294 ضريحًا في القاهرة، أشهرها الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة. تتوزع البقية على المدن والمحافظات، على رأسها مركز تلا بالمنوفية، حيث يوجد به 133 ضريحًا، يليه مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ وبه 81 ضريحًا، كذلك مركز طلخا بمحافظة الدقهلية وبه 54 ضريحًا.
خريطة الطرق الصوفية في مصر
نستعرض في الخريطة التفاعلية التالية أبرز الطرق الصوفية الست المنتشرة في مصر وأماكن تمركزها خاصة أن كثير منها لا يتمحور في منطقة واحدة فقط، بل تراها تمتد من يمين البلاد إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها، كالطريقة الرفاعية على سبيل المثال، والطريقة العزمية أيضًا.