المسرح من الفنون التي يندر التركيز عليها رغم لقبه الشهير “أب الفنون”، ونادرًا ما نجد كاتبًا متخصصًا في أدب المسرح دون أن يكون له باع في فنون أخرى مثل الرواية أو الشعر وخاصة في السنوات الحاليّة، حيث لم تعد المسرحيات تمثل وتلقى نفس الرواج مثلما كان يحدث في القرن الماضي، على سبيل المثال تحدث توفيق الحكيم في كتبه عدة مرات عن فترة العشرينيات من القرن الماضي وعمله مع فرقة عكاشة حيث كان يكتب المسرحية ويرسلها من فرنسا إلى مصر لتمثل على المسرح القومي ويتقاضى أجره عليها.
هنا تتمثل فكرة النص المسرحي الرئيسية، في أن يُكتب ليمثُل على المسرح لا ليفوز بجوائز محلية ثم ينشر ليطلع عليه عدد قليل من الناس فقط، وهذا المناخ لم يكن مشجعًا أبدًا لازدهار المسرح إلا في فترات قليلة. واليوم نتناول إحدى المبدعات اللواتي تركن بصمة في المجال وكانت أول سيدة عربية تتخصص في المسرح، وهي الدكتورة ملحة عبد الله.
من ملحة عبد الله؟
ملحة عبد الله من مواليد أبها السعودية وهي كاتبة مسرحية في المقام الأول وناقدة، لها عدة كتابات عن المسرح وعملت في مجال الصحافة لعدة سنوات لدى صحف سعودية متنوعة، حصلت على لقب (سيدة المسرح السعودي) ليس فقط لأنها أول امرأة تخصصت في المجال المسرحي بل ولشهرة أعمالها الفائقة ونجاحها كعروض ممثلة في مصر والسعودية وعدة دول أخرى وحصولها على جوائز محلية وعالمية عن مسرحيتها التي ترجمت وعُرضت في أوروبا.
الصحوة وآثارها على الفنون
في ثمانينيات القرن الماضي ظهر في السعودية مصطلح “الصحوة” وهو اتجاه يتبنى التفسير السلفي المتشدد للدين، هدف الصحوة كما كان يروج لها هو إيقاظ الناس من غفلتهم، ورغم اصطدامها مع الدولة عدة مرات، فإن الحركة في بدايتها دعمتها الدولة السعودية بشكل كامل، مما أثر على الفنون، فتوقفت دور السينما والمسارح وأُلغيت العروض المسرحية من المدارس، مما اضطر ملحة عبد الله للسفر إلى مصر على نفقتها الخاصة للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية لأن دراسة المسرح لم تعد من أولويات الدولة، وقد اتخذت الصحوة وأحداثها مكانة كبيرة في عقل ملحة عبد الله لذا كان مشروع تخرجها عن (أثر الهوية الإسلامية على المسرح السعودي)، وبعد التخرج حصلت على درجة الماجستيرعن نظريتها (البعد الخامس في التلقي والمسرح)، ودرجة الدكتوراه عن رسالتها (حكمة النقد بين الأنس والاغتراب) من جامعة بركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، كما حصلت على الدكتوراه الفخرية مرتين إحداها من الأمم المتحدة (يوناريتس)عن نظريتها في البعد الخامس، والثانية من الأمم المتحدة لخدمتها السلام العالمي.
عن مسرح ملحة عبد الله
لم تبدأ ملحة عبد الله الكتابة إلا بعد تخرجها من المعهد العالي للمسرح وتكوينها مرجعية كبيرة عن كل أنواعه وتاريخه والشكل الأمثل لخروجه للجمهور وكيف يمكنها إيصال أفكارها إلى المشاهد البسيط وليس الطبقة المتعلمة فقط، كما أنها اتخذت في عملها شعارًا هو الشغف كي لا يتحول العمل لضغط أو جلد للذات، فيخرج العمل بلا متعة، وكما تقول أيضًا إن تجنب النقد في أثناء الكتابة من أسباب نجاحها لأنها بالفعل ناقدة، وتداخل الناقد مع الكاتب في أثناء الكتابة يمكنه التسبب في الكثير من التشتت، وبالفعل فإن مسرحيتها الأولى “أم الفأس” لاقت نجاحًا كبيرًا وفازت بأول جائزة في مسيرتها وهي جائزة أبها الثقافية عام 1994 التى فازت بها ثانية عن مجمل أعمالها عام 2001.
كتبت ملحة عبد الله بضع وخمسين مسرحية تم عرض وتمثيل أكثر من أربعين مسرحية منها، أغلبها في مصر، وفازت بجوائز عالمية وعربية أخرى بجانب جائزة أبها مثل جائزة المونودراما الدولية بنسختها العربية عن نص “العازفة” وتكريم مهرجان الدمام المسرحي في الدورة الـ11 لتأثيرها في المسرح السعودي 2016.
أهم الأعمال
أم الفأس
مسرحية مكونة من فصل واحد فقط ومع ذلك يعتبر هذا العمل من أشهر أعمالها المستوحاة من التراث، أم الفأس هي فتاة جميلة ترعى الأغنام وتحمي نفسها من أي رجل عابر بقطع رأسه، لذا تحترمها القبيلة وتبجلها بينما يسعى كل عابث للوصول إليها، ومع هذه السمعة الكبيرة ظلت أم الفأس تفتقر للحماية النفسية.
حققت هذه المسرحية نجاحًا كبيرًا بسبب الكوميديا الخفيفة في الحوارات ولأن لغة الحوار نفسها ليست صعبة بل كتبت بأسلوب وسط بين العامية والفصحى بالإضافة إلى الرمز المستخدم الذي فُسر بعدة أشكال في المقالات النقدية التي تناولت هذا العمل.
المسخ
مسرحية رمزية من الدرجة الأولى وربما تسبب تشتت القارئ أو المشاهد حتى نهايتها لأن الكاتبة قررت ألا تحكي القصة الأصلية بل سرد لعدة مشاهد متقطعة من وجهات نظر مختلفة فيختلط الواقع بالخيال بالمرض.
حارس لقفص القرد يتهمه الجميع بفقد إنسانيته فيطلقون عليه لقب الشيء أو الإريال وسريعًا ما يسحبون لقب الإنسان ليصبح مخلوقًا بلا هوية، لديه القوة الجسدية ولكن منعدم الإرادة والقوى العقلية تمامًا كما أراده المجتمع أن يكون، في المسرحية الإنسانية لم تكن مرضية بل أراد الجميع آلة أو جماد ليؤدي مهمات معينة وليس الاعتراض والمطالبة بالحقوق.
تحديات
ربما واجهت الدكتور ملحة عددًا كبيرًا من الصعوبات بداية من المناخ المضطرب للفن في السعودية أو كونها الطالبة الأولى في معهد المسرح ولكنها ذكرت عدة مرات أن مشكلتها كانت في كونها أمًا في سن صغيرة، تقريبًا 14 عامًا!
تزوجت ملحة عبد الله في سن صغيرة للغاية وأنجبت 6 أبناء، وكما ذكرت في عدة مناسبات أنهم خاضوا تقريبًا رحلة العلم معًا في توقيت زمني متقارب، بالإضافة إلى صعوبة إدارة بيت مليء بالأطفال والقيام بالعملية الإبداعية من كتابة وتأليف كما يتم تصويرها دائمًا، فتحتاج هذه العملية إلى هدوء وسكينة وأحيانًا انعزالًا مؤقتًا، ومع ذلك استطاعت التأقلم وكتابة أكثر من 50 عملًا مسرحيًا.