لا يكاد يمر يوم في ليبيا حتى نسمع بجرائم جديدة يرتكبها سلاح الجو الإماراتي هناك بحق المدنيين صغارًا وكبارًا وبحق اللاجئين أيضًا، وذلك في إطار فتح الطريق أمام حليفهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تُتهم قواته بارتكاب جرائم حرب للسيطرة على البلاد وفرض النظام العسكري هناك، مهما كلفهم الأمر.
مقتل 14 طفلًا
آخر جرائم الطيران الحربي الإماراتي في ليبيا، كان مساء أمس، حيث قتل 14 طفلًا جراء قصف نفذته طائرات تابعة للإمارات وأخرى للواء المتقاعد خليفة حفتر، وحسب المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب”، سقط 9 أطفال في قصف جوي لطائرة تابعة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على حي سكني بمنطقة السواني (جنوبي طرابلس)، كما قتل 5 في قصف على منطقة “أم الأرانب” ذات الأغلبية التباوية في أقصى الجنوب الليبي.
وقال الناطق باسم قوات حكومة الوفاق الوطني محمد قنونو إن طائرات مسيرة إماراتية قصفت حيًا سكنيًا في منطقة السواني، فأوقعت قتلى وجرحى من المدنيين، مضيفًا “شنت طائرات حفتر غارتين على جسري الزهراء والسواني، مما أدى إلى أضرار مادية في البنية التحتية”.
نتيجة هذا الهجوم على طرابلس وغيره من المواجهات التي تعرفها مناطق عدة من البلاد، أصبحت حياة الأطفال اليومية في ليبيا مليئة بالعنف
استنكرت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق القصف الجوي الذي استهدف منطقتي السواني وأم الأرانب، ووصفته بأنه جريمة حرب متكاملة الأركان، وقالت الوزارة – في بيان – إن القصف نفذته طائرات تابعة لمن وصفته “مجرم الحرب” خليفة حفتر، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه هذه الأفعال التي تستهدف المدنيين وتروعهم.
قبل ذلك بيومين، قال المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب” التابعة للجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق إن أسرة كاملة بالإضافة لاثنين من العمالة الأجنبية الوافدة قضوا في قصف لطيران قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ليل البارحة الخميس، بمنطقة أم الأرانب جنوبي البلاد.
وأوضح المركز، على صفحته بموقع “فيسبوك” الجمعة، أن “الطيران الإماراتي المسير الداعم لمجرم الحرب المتمرد حفتر استهدف البارحة منزلًا وشاحنة مياه بمنطقة أم الأرانب حي الشركة الصينية المكتظ بالسكان النازحين، ونتج عن القصف مقتل عائلة كاملة من بينهم أطفال، واثنان من العمالة الوافدة سائق الشاحنة ومساعده”.
أخذت الطائرات المسيرة الذكية، مكان الطائرات المدنية والعسكرية التقليدية التي كانت تستعمل في وقت ماضٍ، رغم أن الدولة الليبية لا تملك رسميًا هذا النوع من الطائرات الحربية، فجميعها ملك لدول أجنبية لها مطامع مختلفة في ليبيا.
وتعاضد هذه الطائرات جهود حفتر في حربه ضد طرابلس، كما أنها تؤدي أعمالًا لا يعلم بها إلا الدولة صاحبة الطائرة، وتكثف استعمال هذه الطائرات عقب هجوم قوات حفتر على العاصمة طرابلس التي تضم مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا للسيطرة عليها.
تدمير مستقبل المجتمع
هذا القصف الإماراتي المتكرر زاد معاناة أطفال ليبيا وخاصة المقيمين في غرب البلاد وجنوبها، وكثيرًا ما كان أطفال العاصمة في مرمى التهديدات بسبب كثرة الاقتتال هناك، وهو ما دفع “اليونيسيف” إلى التحذير من أن نصف مليون طفل في العاصمة معرضون لخطر مباشر، بينما بات أكثر من 2.6 مليون طفل بحاجة للمساعدة في ليبيا.
وشددت اليونيسف في ليبيا على ضرورة شعور الأطفال هناك بالأمان، سواء في منازلهم أم مدارسهم أم مجتمعاتهم حيث يعيشون، وذلك تطبيقًا لاتفاقية حقوق الطفل في مادتها السادسة، التي تعترف بها الدول، وتكفل له الحق في الحياة، إلا أن القصف الإماراتي المتكرر للمناطق المدنية يحول دون ذلك.
سبق أن أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا (منظمة أهلية)، أن 42 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة، لقوا حتفهم جراء العنف والحرب في العاصمة طرابلس وغربي ليبيا، منذ أبريل/نيسان الماضي، ويرجح العديد من الليبيين أن يكون هذا العدد أكبر.
رغم مجاهرتها برغبتها في استقرار ليبيا وإحلال الأمن فيها، تسعى الإمارات إلى الدفع نحو الاقتتال والفوضى في ليبيا
كما رصدت اللجنة قرابة 40 ألف طفل من ضمن الإحصائية الشاملة للنازحين والمهجرين في غرب ليبيا وطرابلس، وطالبت اللجنة بضرورة تكاتف الجهود من أجل حماية الأطفال، كونهم من أكثر الفئات استضعافًا وتأثرًا بتداعيات الحروب والنزاعات المسلحة بشكل مباشر.
وتشن قوات حفتر منذ الـ4 من أبريل/نيسان الماضي هجومًا على العاصمة طرابلس التي تحتضن مقرات حكومة الوفاق الوطني والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، بحجة إنهاء “حكم المليشيات”، غير أنها لم تتمكن من اختراق أسوار طرابلس.
خلال هذا الهجوم، استهدفت قوات حفتر والداعمون له على رأسهم الإمارات العديد من المرافق المدنية، مثل مطار معيتيقة بطرابلس ومطار مصراتة، فضلًا عن قصف مركز للهجرة غير النظامية بالعاصمة الليبية في يوليو/تموز الماضي، مما أسفر عن مقتل عشرات المهاجرين.
وأسفرت المواجهات عن مقتل نحو 1100 شخص، بينهم عشرات المدنيين، وإصابة نحو ستة آلاف آخرين، في حين تجاوز عدد النازحين 120 ألف شخص، وفق وكالات الأمم المتحدة، ويرجح أن تتضاعف هذه الأرقام في ظل تعنت حفتر وداعميه ورفضهم للحل السياسي.
تشريد آلاف الأطفال نتيجة الحرب في ليبيا
نتيجة هذا الهجوم على طرابلس وغيره من المواجهات التي تعرفها مناطق عدة من البلاد، أصبحت حياة الأطفال اليومية في ليبيا مليئة بالعنف، فالأطفال يلعبون بألعاب تشبه البنادق والسيوف وفي الشوارع تجدهم يقسمون أنفسهم إلى مليشيات متضادة، فالعنف أصبح أمرًا طبيعيًا، فعوض الذهاب إلى المدرسة للتعلم والدراسة، تجد أطفال ليبيا في الشوارع، فمدارسهم دمرت والتي بقيت على حالها يخشى عليها من قصف الطيران المسير لحفتر وجماعته وأعوانه، ما جعل نسبة الانقطاع عن الدراسة في ليبيا ترتفع في السنوات الأخيرة.
هذا الأمر من شأنه أن يدمر مستقبل المجتمع، فغالبية أطفال ليبيا محرمون من طفولتهم بسبب النزاعات التي تعرفها البلاد، وغذتها دول أجنبية وأخرى عربية شقيقة على غرار دولة الإمارات التي تسعى لإطالة أمد الصراع هناك.
الدور الإماراتي المشبوه
هذه الأعمال، تسعى من خلالها الإمارات إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد، فضلاً عن إطالة أمد الأزمة والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا ووجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالحها وأجنداتها المشبوهة.
ورغم مجاهرتها برغبتها في استقرار ليبيا وإحلال الأمن فيها، تسعى الإمارات إلى الدفع نحو الاقتتال والفوضى، وهو ما يفسر تغاضيها عن القرارات الأممية المتعلقة بحظر الأسلحة أو وقف مساعدة حفتر والميليشيات التابعة له والتزام العمل إلى صف حكومة الوفاق.
تعمل الإمارات على الاستفادة قدر الإمكان من الأزمة الليبية
ضمن هذه المساعي، دفعت أبو ظبي بأسلحة متطورة لحليفها حفتر، وذلك بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها قواته وفشله في تحقيق أي تقدم في هجومه على طرابلس، وتسعى الإمارات لتعدل الكفة، بعد اختلال ميزان القوة بشكل كبير لصالح حكومة الوفاق الوطني.
الملاحظ لتطور الأحداث في ليبيا، يتأكد من تحول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى منصة إعلامية وسياسية وعسكرية تعمل خصيصًا لضرب ليبيا التي يطمح شعبها في التحرر من الاستبداد والقطع مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الشبيهة بالنظام الإماراتي الحاليّ.
الهدف الإماراتي من كل هذا بسط نفوذها على ليبيا وخاصة المنطقة الشرقية ومنطقة الهلال النفطي لما لهما من موقع إستراتيجي ومستقبل اقتصادي كبير نظرًا لتوافر كميات كبيرة من النفط هناك، كما أنها تنوي التحكم في عقود عمليات الإعمار في البلاد.