بعد شد وجذب كبيرين؛ قدم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته للبرلمان أمس الأحد، لينتهي بذلك جدل طال انتظاره ويبدأ جدل من نوع آخر يتمثل باختيار رئيس حكومة جديد.
ووسط اجتماعات الكتل السياسية المنعقدة على مدار الساعة، ظهرت أنباء وترجيحات أن اختيار رئيس وزراء جديد قد يكون أمرًا مستحيلًا نظرًا لصعوبة التوافق على شخصية معينة في ظل رفض المتظاهرين لجميع الوجوه السياسية التابعة للأحزاب والكتل التي جاءت بعد 2003.
الأسطر التالية لـ”نون بوست” تقرأ في احتماليات اختيار رئيس وزراء جديد وصعوبة ذلك وما الذي قد يترتب عليه؟
سيناريوهات بعد الاستقالة
رغم رضوخه للضغوط وتقديمه الاستقالة، فإن المتظاهرين العراقيين لم يجدوا ذلك كافيًا، فالاعتصامات مستمرة والإضراب الطلابي مستمر كذلك، فضلًا عن أن هذه الاستقالة لم تمنع المتظاهرين من استمرارهم في تظاهراتهم الحاشدة في النجف والناصرية وكربلاء والبصرة والعاصمة بغداد.
مع استقالة عبد المهدي جاءت زيارة قائد الفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لتزيد الوضع تعقيدًا وتفرض مزيدًا من الضغط والشكوك بشأن إمكانية اختيار بديل لعبد المهدي
البرلمان العراقي وبعد موافقته على طلب الاستقالة المقدم من عبد المهدي، دخل مرحلة جديدة تحولت فيها مسؤولية الأوضاع من رئاسة الوزراء إلى البرلمان بأعضائه، فمع الخلافات السياسية البينية بين الكتل السياسية يبدو أن اختيار رئيس وزراء جديد ليس بالأمر الهين، إضافة إلى أن المتظاهرين أنفسهم يرفضون أي شخصية تتبوأ منصب رئاسة الوزراء من ذات الوجوه السياسية الفاعلة في البلاد.
تطورات ومشاورات متلاحقة سياسية وأمنية، إذ ومع استقالة عبد المهدي جاءت زيارة قائد الفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لتزيد الوضع تعقيدًا وتفرض مزيدًا من الضغط والشكوك بشأن إمكانية اختيار بديل لعبد المهدي.
النائب عن كتلة “سائرون” بدر الزيادي كشف أن كتلته لن تشارك في اختيار رئيس الوزراء الجديد، على اعتبار أن تحالف “سائرون” يقع ضمن المعارضة الآن، لافتًا إلى أنه وبعد قبول استقالة عبد المهدي فإن البحث الآن يتمحور حول إيجاد شخصية رئيس الوزراء الجديد الذي لا بد أن يكون من الشخصيات الوطنية بعيدًا عن الأحزاب والتكتلات السياسية، إضافة إلى وجوب تمتعه بقبول الشارع العراقي.
في السياق أيضًا، نقل صالح محمد العراقي المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ما دار في اجتماع بينهما، إذ أكد العراقي أن الصدر أوضح أنه لن يسمح بعودة الفاسدين بثوب آخر وبمسميات أخرى وسيمنع كل الأحزاب والتيارات من التدخل في تشكيل الحكومة.
— صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) November 29, 2019
خطوة مستحيلة
يشير الكثير من الخبراء إلى أن اختيار رئيس وزراء جديد قد يكون صعبًا للغاية إن لم يكن مستحيلًا، إذ أكد النائب عن تحالف “الفتح” حنين القدو أن ايجاد بديل لرئيس الوزراء المستقيل يعد شبه مستحيل، عازيًا ذلك إلى أن الحراك الشعبي سيكون رافضًا لأي مرشح يأتي عن طريق القوى السياسية، ما يعني أن أي مرشح تتفق عليه الكتل سيُرفض وستستمر الأزمة، ويضيف القدو أن الحل يتمثل بالعمل على توافق سياسي بين الكتل السياسية والمتظاهرين من جهة أخرى، وبغير ذلك لن تشهد البلاد أي حل.
قبلت الاستقالة برلمانيًا، لكن البلاد دخلت مرحلة أخرى تتمثل بالمهل القانونية الممنوحة لرئاسة الجمهورية التي من المنتظر أن تكلف رئيس وزراء جديد خلال 15 يومًا من تاريخ استقالة عبد المهدي وعلى أن يكون مرشحًا من الكتلة البرلمانية الأكبر، وفي حال تم التوافق على رئيس وزراء جديد، فإن الأخير يتوجب عليه تقديم كابينته الحكومية خلال 30 يومًا من تاريخ التكليف.
هذه الإجراءات القانونية تعترضها إشكاليات كبيرة، إذ إن هناك مشكلات قانونية كبيرة تعترض اختيار رئيس وزراء جديد، إضافة إلى رفض المتظاهرين لجميع مرشحي الكتل السياسية.
إذ إن الكتل السياسية في البلاد ستعود إلى ذات المشكلة المتمثلة بماهية الكتلة الأكبر ومن له الحق في اختيار المرشح لرئاسة الوزراء، هل الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات أم الكتلة الأكبر التي تشكل نتيجة التحالفات بعد الانتخابات؟
وما يعقد المشهد أكثر هو استباق كتلة سائرون (54 مقعدًا) هذه الخطوة بإعلان تنازلها عن حقها بتكليف رئيس وزراء جديد وتركها الخيار للشعب، الأمر الذي سيضع الكتل السياسية في مأزق كبير لا يقل عن سابقه.
تستمر مشاورات الكتل السياسية لاختيار رئيس وزراء جديد وتستمر معها التظاهرات الشعبية الواسعة الرافضة لجميع الوجوه السياسية الحاليّة، لتدخل البلاد في حالة من الضباب السياسي
كل هذه المشكلات يعززها تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، التي تقول في تقرير مطول لها اليوم إن الأحداث في العراق توحي وتتشابه مع سوابق تاريخية في اختيار رئيس للوزراء، مؤكدة أنها ستكون عملية طويلة وشاقة تعتمد على توازنات بين الفصائل السياسية المتنافسة التي يتبع الكثير منها لإيران.
وتضيف الصحيفة أن أقرب مثال على ذلك ما حدث عام 2018 عندما نجح الإيرانيون في تشكيل حكومة عبد المهدي التي استغرق تشكيلها أشهرًا، لتتساءل فيما إذا كانت إيران ستضطلع بنفس الدور هذه المرة أيضًا أم أن الأوضاع الجيوسياسية في العراق تغيرت في غير صالح إيران.
تشير الصحيفة في الوقت ذاته إلى أن انخراط إيران المباشر في اختيار حكومة جديدة قد يكون صعبًا للغاية، نظرًا للاستياء الواضح الذي يبديه العراقيون حاليًّا تجاه التدخلات الإيرانية، فعلى الرغم من أن إيران شيعية والمتظاهرين العراقيين شيعة، لكن هذا لا يعني أن شيعة البلدين يتقاسمون الأفكار ذاتها.
تستمر مشاورات الكتل السياسية لاختيار رئيس وزراء جديد وتستمر معها التظاهرات الشعبية الواسعة الرافضة لجميع الوجوه السياسية الحاليّة، لتدخل البلاد في حالة من الضباب السياسي الذي يبدو أنه سيبقي على رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي إلى حين.