ترجمة وتحرير: نون بوست
أتلنتيكو: أشار تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى أنه بين شهر كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/نوفمبر، دخل قرابة 44 ألف مهاجر إلى الأراضي الأوروبية عبر اليونان، مما يمثل زيادة عن إجمالي المهاجرين القادمين للاتحاد الأوروبي لسنة 2018، حيث وصل 32500 مهاجر إلى أوروبا عبر اليونان. وإذا كانت هذه الأرقام لا تعد كبيرة مقارنة بأرقام 2015 أو 2016، فهل تعد هذه الزيادة بحوالي 30 بالمئة في عدد اللاجئين القادمين عبر اليونان مؤشرا على حدوث أزمة هجرة جديدة قريبا؟
لوران شالارد: يجب أن نكون حذرين للغاية عند تحليل البيانات الإحصائية المتعلقة بالمهاجرين، حتى لا نتوصل إلى استنتاجات متسرعة حول تنامي النسبة المئوية في وقت قصير دون مراعاة أرقام السنوات السابقة. وفي الواقع، لا يزال رقم 44 ألف مهاجر يدخل الأراضي الأوروبية عبر اليونان في عام 2019، منخفضًا للغاية مقارنة بالسنوات السابقة، حيث وصلت تدفقات المهاجرين إلى مليون شخص. لذلك، نحن نهتم ببنية تدفقات المهاجرين من سنة إلى أخرى، مقارنة بالتدفقات الدورية المرتبطة بالأزمة جيوسياسية على غرار ما حدث بين سنة 2015 و2016 عندما هبت موجة هائلة من اللاجئين السوريين على خلفية الدعوة التي أرسلتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال بث هوائي، التي أشارت خلاله إلى فتح الحدود الاوروبية.
في الوقت الراهن، باستثناء اليمن التي يفضل سكانها الهجرة التقليدية إلى الإمارات الخليجية الغنية، التي تعد بدورها بحاجة ملحة إلى يد عاملة رخيصة لتتمكن من تنمية اقتصادها، تغذي أفغانستان، التدفق الهيكلي لعشرات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا سنويا
في ذلك الإطار، خلال الحرب الأهلية في سوريا (فضلا عن العراق) عندما كانت موازين القوى متقاربة بين المعسكرات المتحاربة في كلا البلدين، فضّل العديد من السوريين (والعراقيين) التوجه نحو أوروبا من أجل التمتع بحياة أفضل، فضلا عن أن أشخاص من دول آسيوية أو أفريقية أخرى، استغلوا هذا الوضع للهروب بصفة غير شرعية إلى أوروبا.
في المقابل، استقر الوضع في سوريا اليوم، واستعاد نظام بشار الأسد السيطرة على أغلب الأراضي. كنتيجة لذلك، لا يوجد سبب لرؤية تدفق جماعي جديد للمهاجرين من هذا البلد، وبالتالي، يتمثل السبب الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة حادة في نسبة المهاجرين القادمين عبر طريق البلقان في طرد نظام أردوغان التركي بعض المهاجرين السوريين إلى أوروبا لمعاقبة الدول الأوروبية على عدم تقديمها الدعم الكافي لبلاده. مع ذلك، من شأن اتخاذ الرئيس التركي مثل هذه التدابير أن يعرض نفسه لمخاطر جيوسياسية تشمل عزل نفسه بشكل دائم عن البلدان الغربية والناتو، الذي يعتمد عليه جيشه التركي القوي بشكل كبير على المستوى التقني.
أتلنتيكو: خلال أزمة الهجرة الخطيرة السابقة لسنة 2015، قدم أغلب المهاجرين إلى أوروبا لأنهم فروا من الحروب التي تدور رحاها في كل من سوريا والعراق. وفي حال انتهاء الحروب بشكل عام في هذين البلدين اليوم، فما هي الصراعات أو الأزمات الحالية التي يمكن أن تثيرها موجة جديدة من الوصول الجماعي للمهاجرين إلى أوروبا؟ وهل تتوقع وصول موجة كبيرة من اللاجئين على خلفية تغير المناخ في المستقبل القريب؟
لوران شالارد: في الوقت الراهن، باستثناء اليمن التي يفضل سكانها الهجرة التقليدية إلى الإمارات الخليجية الغنية، التي تعد بدورها بحاجة ملحة إلى يد عاملة رخيصة لتتمكن من تنمية اقتصادها، تغذي أفغانستان، التدفق الهيكلي لعشرات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا سنويا، ناهيك عن الأزمات التي توجد في القارة الأفريقية والآسيوية.
سواء في ليبيا وجنوب السودان أو بشكل عام في منطقة الساحل، يؤدي الوضع الجيوسياسي غير المستقر بشكل خاص إلى حدوث موجات هائلة من المهاجرين. ولا توجد في الوقت الراهن أية أزمة تعادل الأزمة السورية، يمكن أن تؤدي إلى مثل هذا التدفق الظرفي الهائل. ومن المرجح أن يكون انعدام الاستقرار لبلد قريب جغرافيا نسبيا من أوروبا هو سبب وصول هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
بالنظر إلى أوجه القصور الدائمة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، يمكننا أن نشك في قدرته على التصدي لأزمة هجرة جديدة بحجم أزمة صيف 2015
أما فيما يتعلق بما يسمى أزمة “لاجئي المناخ”، التي كانت من الظواهر الموجودة بشكل مستمر (حيث يترافق ضرب الجفاف مناطق ريفية في البلدان الأفريقية مع التدفق الهائل للسكان إلى المدن الكبرى). في المقابل، لم تحدث أي موجات هائلة من المهاجرين بين القارات جراء ظاهرة تغير المناخ. وفي الواقع، عندما يتدهور الوضع المناخي في منطقة ما، يهاجر السكان باتجاه المناطق القريبة الأخرى، ناهيك عن المدن الكبيرة، حيث يكون الوضع المناخي أفضل.
أتلنتيكو: إذا كان الاتحاد الأوروبي يعاني من أزمة الهجرة الأولى، فلا يبدو أنه نجح في تنفيذ سياسة هجرة مشتركة. وفي حالة حدوث أزمة جديدة، هل سيكون جاهزا لاستيعابها؟ لاسيما أننا نعلم أن مشكلة لاجئي المناخ ستنشأ عاجلاً أم آجلاً، فهل سيستعد لها؟
لوران شالارد: بالنظر إلى أوجه القصور الدائمة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، يمكننا أن نشك في قدرته على التصدي لأزمة هجرة جديدة بحجم أزمة صيف 2015. في المقابل، قد تشكل الأزمة الجديدة المحتملة على الأرجح نهاية الخلافات الداخلية الأوروبية حول استقبال المهاجرين، وهي مسألة أثارت انقسامات بين البلدان الأوروبية. لقد كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة تحذير خطير للنخب الأوروبية حول عجزها عن السيطرة على حدودها، ومن المحتمل ألا يغفر الناخبون سوء معالجة حكامهم لأزمات مقبلة، حيث من المحتمل أن يصبحوا من المناصرين للمرشحين الشعبويين الاستبداديين.
خلال الوضع الراهن، يصعب على الزعماء الأوروبيين الاستعداد لفعل شيء من شأنه أن يثير استياء الكثير من البلدان الأخرى ناهيك عن الناخبين. لذلك، سيكون من الأفضل بالنسبة لهم الاستعداد كما يجب لتجنب ظهور أزمات جيوسياسية جديدة، التي قد تثير غضب السكان وتدفعهم للاحتجاج.
وتبعا لذلك، يجب وضع سياسة دولية لمجابهة هذه الأزمة. وفي هذا السياق، من الضروري معالجة الأزمات التي تمتد من المغرب العربي إلى آسيا الوسطى ومساعدة الدول المنهارة، مثل ليبيا، على السيطرة على أراضيها، ناهيك السكان الذين يمرون عبرها. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة للبدء في التفكير في إدارة هذه التدفقات بشكل هيكلي.
المصدر: أتلنتيكو