في يونيو 2016 نشر مفتي الديار المصرية، شوقي علام، مقالا في صحيفة اليوم السابع الورقية (المقربة من النظام الحاكم)عن “التقوى” في الصيام وعنونه بـ”نجحت لعلكم تتقون”، لكن ماهي إلا دقائق بسيطة حتى تبين أن المقال منقول ومقتبس نصًا عن صفحتين من كتاب “في ظلال القرآن” للدكتور سيد قطلب، أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين، ليتحول الأمر بعدها إلى فضيحة خاصة وأنها لم تكن الأولى له.
ومنذ هذه الوهلة فرض علام اسمه على ساحة التناول الإعلامي بصورة لم تكن مسبوقة قبل هذه الواقعة، خاصة وأنه نجح منذ توليه هذا المنصب في 2013 في أن يكون أحد أبرز الأدوات المستخدمة في ترسيخ أركان نظام ما بعد 3 يوليو إذ أضفى شرعية دينية على معظم الخطوات والإجراءات والممارسات التي تمت منذ هذا التوقيت وحتى اليوم.
ظل العلماء ورجال الدين على مر التاريخ ملجأ للشعوب عندما يقسوا عليهم الحكام أو تدهمهم غزوات خارجية، لكن في بعض الأحيان نجحت السلطة في هدم هذا الملجأ باستئناس العلماء وعقد تحالف معهم، يضمن للأخير النفوذ السياسي والمالي وللأول البقاء وترسيخ أركانه، ليجد المواطن نفسه في مواجهة “تحالف دنيوي” يقمعه باسم الدين: حاكم يقرر وعالم يشرع.
ومع ميلاد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي كان علام الذي عينه الرئيس الراحل محمد مرسي في 11 فبراير 2013 أحد الأركان المهمة في استقرار هذا النظام وتحولت بوابة الإفتاء إلى المدخل الأوسع لتشريع ما يحبّه الحاكم، حتى ولو تعارضت كثير من الفتاوى مع صحيح الدين بشهادة علماء أخرين.. وهذا ما سيتضح من خلال هذه الجولة حول أبرز الفتاوى المثيرة للجدل التي أصدرها علام طيلة السنوات السبع التي تقلد فيها هذا المنصب.
فتاوى في خدمة النظام
في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي جرًم المفتي المصري الحديث في الشأن العام لغير المتخصصين والخبراء، حيث أشار خلال كلمته فى الجلسة التحضيرية الثانية لمؤتمر الشأن العام الذي عقد بمؤسسة “أخبار اليوم ” أن المؤتمر يسعى لإيجاد ثقافة البناء، التى تتبع عدة اتجاهات أهمها مراعاة التخصص الدقيق، متابعا: “عصر العموميات وإننا نعرف كل شىء ولى وانتهى”.
وأضاف ” تجربتي فى دار الإفتاء المصرية، أصبحت بيت خبرة حقيقى، وسبب ذلك الرجوع إلى أهل الاختصاص، فمثلا في قضية السكان وهي أمن قومي، رجعنا إلى أهل الاختصاص أبرزها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فالشأن العام لم يعد مجالا لأى إنسان أن يتحدث فيه”.
في الخامس عشر من أكتوبر الماضي أفتى علام بأن الانضمام للإخوان حرام شرعاً، مضيفا أن “ما تروج له إرجاف وإفساد فى الأرض وليس جهاداً على الإطلاق، وأن تكفير الحاكم أو الدولة واستحلال الدماء المحرمة دعاوى إرجاف يسولها الشيطان لهم وتعد من كبائر الذنوب، موضحاً أن ما تفعله «الإخوان» أشد أنواع البغى والفساد.”
الفتوى أثارت الجدل في الشارع المصري الذي اعتبرها رسالة واضحة لتجريم الحديث في السياسة أو الاقتصاد والكف عن توجيه انتقادات للنظام الحالي فيما يتعلق بالإخفاقات التي مني بها خلال الأونة الأخيرة والتي فرضت نفسها على ألسنة شريحة كبيرة من المصريين.
تجريم الانضمام للإخوان.. وفي الخامس عشر من أكتوبر الماضي أفتى علام بأن الانضمام للإخوان حرام شرعاً، مضيفا أن “ما تروج له إرجاف وإفساد فى الأرض وليس جهاداً على الإطلاق، وأن تكفير الحاكم أو الدولة واستحلال الدماء المحرمة دعاوى إرجاف يسولها الشيطان لهم وتعد من كبائر الذنوب، موضحاً أن ما تفعله «الإخوان» أشد أنواع البغى والفساد.”
وفي إجابته على سؤال وجهته له صحيفة “الوطن” المصرية تحت عنوان: ما الحكم الشرعى فى الانضمام إلى تنظيم الإخوان؟ قال إن “الانضمام لكل الجماعات الإرهابية باختلاف مسمياتها حرام شرعاً، فالدين الإسلامى يحرم الانتماء لجماعات تبيح القتل والعنف وسفك الدماء، وتمارس أفعالاً تشوه الإسلام وتنشر الفتن والدمار والخراب، فالشرعية تدعو لنبذ كل فعل يؤدى للكراهية والشقاق، والأفكار الهدامة والمتطرفة التى ترهب الناس وتهدد أمن البلاد والعباد، وتعيث فى الأرض فساداً، وما تروج له الجماعات الإرهابية المرجفة، ومنها الإخوان، إنما هو إفساد فى الأرض وليس جهاداً على الإطلاق”
الأمر لم يقتصر عند حد تجريم الانتماء للجماعة فحسب، بل أكد على ضرورة طرد من يثبت باليقين انتماءه لتلك الجماعات وفقاً للقانون، مشيرًا إلى أن الشريعة الإسلامية لم تغب عن واقع المصريين، وأن دعاوى جاهلية المجتمع تزييف للوعى، مطالبا بضرورة إبعاد المنتمين للإخوان من مختلف المناصب لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن ذلك لابد وأن يكون وفق اللوائح القانونية التي تتغير بين الحين والأخر لخدمة هذا الهدف.
الهجوم على قناة الجزيرة.. في ذات الحوار شنً المفتي هجومًا حادًا على قناة الجزيرة بالتزامن مع الهجمة التي شنها الإعلام الموالي للنظام ضد القناة نفسها، حيث وصفها بـ “البوق” الذي يعتمد على تزييف الوعى بالشائعات المغرضة، مفسرا ذلك بأنه “عبارة عن تدوير لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، يحتوى على معلومات مضللة، باعتماد المبالغة والتهويل فى سرده، وهذا الخبر فى الغالب يكون ذا طابع يثير الفتنة ويحدث البلبلة بين الناس، وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام تحقيقًا لأهداف معينة، على نطاق دولة واحدة أو عدة دول، أو النطاق العالمي أجمعه”.
واستند علام في فتواه على تحريم الإسلام لنشر الشائعات وترويجها، وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم؛ فقال تعالى «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، وهذا الوعيد الشديد فيمن أحب وأراد أن تشيع الفاحشة بين المسلمين، متسائلًا: كيف الحال بمن يعمل على نشر الشائعات بالفعل؟
تحريم التظاهر.. تماشيًا مع شيوخ السلطان الذين حرموا الخروج على الحاكم، هذا طبعا بعد أحداث 3 يوليو، أما ما قبلها فكان الجميع يعزف على أنغام احترام الإرادة الشعبية وجواز التظاهرات إذ ما جار الرئيس على الخط الشرعي المرسوم، حيث تجنب المفتي الحديث ولو بكلمة واحدة عن حق المسلمين في الاعتراض على فساد أو ظلم الحاكم مهما كان، بل تجاوز ذلك إلى تحريم التظاهرات من الأساس.
وفي الإطار ذاته تبنى مبادرة ”صبح على مصر بجنيه” التي كان قد دعا إليها الرئيس المصري لإنعاش خزينة الدولة ودعم الموازنة التي تعاني من عجز شديد جرًاء زيادة معدلات التضخم وتفاقم القروض الأجنبية التي تجاوزت حاجز الـ 106 مليار دولار وفق مؤشرات البنك المركزي.
أموال الزكاة حلال للجيش والشرطة.. في أغسطس 2017 أجاز شوقي علام إخراج أموال الزكاة للإنفاق على قوات الجيش والشرطة التي تحارب الإرهاب؛ ما أثارت حالة من الجدل وقتها ودفعت إلى المزيد من التساؤلات حول استغلال النظام تلك الفتوى للسيطرة على أموال الزكاة والنذور، ففي حوار له ببرنامج “حوار المفتي”، بفضائية “أون لايف”، قال إن “العلماء القدامى فسروا مصرف في سبيل الله من مصارف الزكاة السبعة، بأن تنفق أموال الزكاة على الأسلحة والجنود الذين يحاربون الأعداء”، معتبرا أن هذا “كفاح أمني، إلى جانب المواجهة الفكرية للتطرف يستوجب أن ننفق ونصرف عليه من مصارف الزكاة”، كما قال.
تحريم عدم المشاركة في الانتخابات.. وفي فبراير 2018 أكدت دار الإفتاء المصرية أن الممتنع عن أداء صوته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس 2018، آثمٌ شرعاً، كما دعا المفتي جموع الشعب إلى النزول بـ «كثافة» للمشاركة في العملية الانتخابية؛ لأجل إعطاء رسالة إيجابية للعالم بأن مصر أصبحت قاطرة في ممارسة العملية الانتخابية، على حد قوله.
الفتوى جاءت في وقت كان يدعوا البعض فيه لمقاطعة العملية الانتخابية التي وصفت حينها بأنها “مسرحية هزلية”، كما تزامنت مع فتوى أخرى للداعية السلفي المقرب من النظام، محمد سعيد رسلان، الذي قال فيها إن «الشرع يقول إن ولي الأمر لا ينازع في مقامه ولا في منصبه ولا ينافس عليه». وأضاف الداعية الذي يندرج في ما يعرف بـ «السلفية المدخلية»، أنه إذا لم يحدث ما ينتقص من أهلية الحاكم فـ «الشرع يقول إن ولي الأمر المسلم لا ينافس على منصبه الذي بوأه الله تعالى إياه».
الطلاق الشفهي لا يقع إلا بتوثيق.. في تصريح تلفزيوني له أشار المفتي إلى أهمية بحث مسألة الطلاق الشفهي والحاجة إلى تعديل تشريعي ليقوم مجلس النواب بالتحقق من المصالح والمفاسد المترتبة عن هذا الأمر إضافة إلى أهمية تدخل علماء الاجتماع ومراكز الأبحاث وعلماء الشريعة للإدلاء بدلوهم في هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها.
وأضاف علام “أنه بالنظر في الوضع القانوني القائم فإن قانون الأحوال الشخصية الموجود والتطبيق القضائي والإفتائي لا يساعد أبدا على أن نقول إن الطلاق إذا صدر من الزوج ولم يوثقه بأنه لا يقع، ولكن بعد التحقيق والتحري إذا رأينا بأن هذا الطلاق هو واقع لا محالة فنفتي حينها بأن هذا الطلاق واقع، ونطالب السائل أن يوثقه عند المأذون، مشيرا إلى أن القانون المصري يلزم الزوج بتوثيق ذلك الطلاق الذي أوقعه خلال 30 يوما وإلا وقع تحت طائلة القانون”.
جاءت هذه الفتوى لتتماشى مع دعوة السيسي لإلغاء الطلاق الشفوي وذلك خلال كلمة له في الاحتفال بعيد الشرطة في 24 يناير 2017، وذلك رغم إصدار هيئة كبار العلماء بالأزهر بيانا أكدت فيه أن الطلاق شفويا “مستقر عليه منذ عهد النبي” معارضة بذلك دعوة الرئيس، حيث اعتبرت الهيئة أن “وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ … دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق”.
المصادقة على إعدام ألف مصري.. أضفى مفتي الديار المصرية الصفة الشرعية على أحكام الإعدام الصادرة بحق المعارضين لنظام السيسي، وذلك بعد أن تحال إليه الأوراق من المحكمة مباشرة، وبسرعة غير مسبوقة، ففي إحدى المرات صدق على حكم المئات مرة واحدة دون الاعتراض على حكم واحد، ودون الاستماع إلى أقول المتهمين، ودون الإفصاح عن الأدلة الشرعية التي استند إليها في حكمه، وفي “جلسات قصيرة لا تكفي لقراءة أسماء كل المتهمين”، بحسب منظمات حقوقية.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فقد صادق المفتي المصري على إعدام أكثر من ألف متهم بقضايا مختلفة، فيما اتهمت المنظمة وغيرها من المنظمات الحقوقية الأخرى السلطات المصرية بتلفيقها لتلك التهم بدوافع سياسية، كتهمة “الإرهاب والانتماء إلى جماعات دينية متطرفة”، كما وصفت الإعدامات في مصر بأنها قائمة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب.
فتاوى مثيرة للجدل
لم تكن الفتاوى السياسية وحدها هي مناط الجدل في مواقف المفتي، فله العديد من الفتاوى الأخرى بشأن قضايا متنوعة أثارت العديد من علامات الاستفهام لدى الشارع المصري، يأتي على رأسها إجازته للرجال بلبس الذهب إذا كان تابعًا لغيره، كفص ذهب في خاتم فضة، قائلًا «روى الإمام أحمد في كتابه المسند، وأبو داود في كتابه السنن، والنسائى في كتابه المجتبى، عن معاوية بنِ أبى سُفيان رضى الله عنهما: أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم “نَهَى عن لبْسِ الذَّهَبِ إلا مُقطَّعًا».
وتابع: الحكمة في الترخيص في يسير الذهب إذا كان تابعًا لغيره: أنه مقاوم للبِلَى ولا يصدأ كغيره من المعادن، ولا تنقصه النار، ولا يغيره مرور الأوقات، مستطردًا أن كثيرًا من فقهاء المذاهب المتبوعة على إباحة اليسير من الذهب إذا كان تابعًا لا مفردًا، وأن علة إباحته: قدرته على مقاومة الصدأ، وعدم البِلَى، وعلى اختلافهم في بعض تفصيلات ذلك فإن عقارب الساعة تدخل في الصور التي نصوا على إباحتها.
هذا بخلاف افتاءه بعدم جواز إطلاق لقب شهيد على قتلى ثورة يناير بدعوى أنها تدعو إلى الفتنة، وقائلًا «إطلاق وصف الشهيد على المسلم الذي مات في معركة مع الأعداء، أو بسبب من الأسباب التي اعتبرت الشريعة من مات به شهيدًا، لا بأس به – كما يقال: المرحوم فلان، ويراد الدعاء له بالرحمة – ما دام لا يقصد القائل القطع بشهادته، وإنما قصد بإطلاقه الاحتساب أو الدعاء»، وهي الفتوى التي أثارت ثوار يناير ضده مرارًا، معتبرين إياها تناغمًا مع موقف السيسي نفسه من الثورة.
من فتاواه المثيرة للجدل كذلك إجازته لقطع الصلاة إن كان هناك أمر هام
كما أفتى الرجل بجواز سفر المرأة إلى الخارج للعمل إذا توفر الأمن في الإقامة ببلد السفر، وبشرط موافقة ولي الأمر، ولا يُشترط اصطحاب المحرم في حلها ولا ترحالها، مرجعًا ذلك لتغير الظروف والمعطيات في المجتمع المصري، وأضاف في فتواه: “يجوز للمرأة أن تسافر دون محرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفْسها وعِرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دِينها، فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال له: “فإن طالَت بكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ – أي المسافِرة – تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالكَعبةِ لا تَخافُ أَحَدًا إلَّا اللهَ”.
ومن فتاواه المثيرة للجدل كذلك إجازته لقطع الصلاة إن كان هناك أمر هام، قائلًا: ”إذا كان المصلى منتظرًا لمكالمة مهمة جدًّا لا يمكن له تدارك المصلحة التي تفوت بفواتها أو تجنب الضرر الذي يترتب على عدم الرد عليها – حسب ما يغلب على ظنه؛ إذ إن المظِنَّةَ تُنَزَّل منزلةَ المئنة-، فإنه يجوز له شرعًا قطع الصلاة والرد عليها، وعليه بعد ذلك قضاء الصلاة وابتداؤها مرة أخرى”، جاء ذلك ردًا على سؤال، إذا رن التليفون أثناء تأدية المرء إحدى الصلوات الخمس وكان منتظرًا مكالمة مهمة جدًّا، فهل يُسمح له بقطع الصلاة ويرد على الهاتف ثم يبدأ بعد ذلك صلاته من جديد؟
دار الإفتاء في خدمة السياسة
منذ تأسيس «دارُ الإفتاء المصرية» في 4 جمادى الآخرة 1313هـ-21 نوفمبر 1895م كانت دومًا ضلعًا رئيسيًا لخدمة النظام الحاكم، حيث جاءت كجزء في سياق عام شهدت فيه مصرُ حركةً دؤوبًا لإعادة تشكل المجال العام ووضعه تحت سيطرة مؤسساتٍ مركزية للدولة، وتعود بداية هذه الحركة إلى عصر محمد علي باشا في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.
العلاقة بين الإفتاء كمؤسسة والدولة خضعت لثلاث تفسيرات بحسب علماء الاجتماع السياسي، الأول: أنها نشأت جنبًا إلى جنب الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف بقصد ترسيخ وجود الإسلام، وتعزيزه بتعددية التعبير المؤسسي عنه في هياكل الدولة، أما الثاني فمن أجل أن تكون مركزًا دينيًا داخل الحكومة، يقف منافسًا لمركز ديني آخر هو الأزهر الشريف؛ كي يقلل من قوة شيخه، وخصوصًا لكون شيخه يتمتع بدرجة من الاستقلالية عن سلطة الدولة.
فيما جاء التفسير الثالث أنها نشأت لإضفاء مسحة شرعية شكلية على مؤسسات الدولة المصرية، التي انزاحت في العصر الحديث، وعلى نحو تدريجي منذ عهد محمد علي باشا، نحو العلمنة والقوانين الوضعية، ورغم تباين تلك التفسيرات إلا أن لكل منها نصيب من الواقع وإن طغى بعضها على غيره بين الحين والأخر
ويكفي الوقوف على العلاقة بين دار الإفتاء والدولة من خلال ما توصل إليه الباحث الدنماركي جاكوب سكوفجارد-بيترسون، الذي خلص في أطروحة الدكتوارة الخاصة به والتي جاءت تحت عنوان ” إسلام الدولة المصرية: مفتو وفتاوى دار الإفتاء” إلى أنه منذ نشأة الدار وحتى اليوم كان للمفتين الرسميين الذين تعاقبوا على منصب «مفتي الديار المصرية» دورًا محوريًا في خدمة سياسات الدولة، وترسيخ أركان أنظمتها الحاكمة.