الصورة: علي، ابن محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، والذي استُشهد في محاولة لاغتيال والده
مَن يطالع مواقع الصحف الإسرائيلية منذ بدء العدوان على غزة، سوف يلحظ أمرين: (الأول) أنهم يؤكدون أن نظام السيسي في مصر تسبب لهم في مشاكل مع غزة لأنه زاد من خنق غزة وحصارها منذ استيلائه على السلطة في 3 يوليو 2013، عبر تدمير كلّ الأنفاق وغلق معبر رفح ولم يدع للفلسطينيين مخرجًا سوى الحرب مع إسرائيل لرفع الحصار المصري والإسرائيلي معًا على غزة.
و(الثاني) أنّ مزيدًا من المعلّقين الصهاينة باتوا يرفضون مصر كوسيط في مفاوضات القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة، لسبب غريب هو قولهم إن “عداء القاهرة المبالغ فيه لحماس يشكل بحد ذاته عائقًا أمام وقف إطلاق النار”، بل إن بعضهم اقترح التوجه للأمم المتحدة والبعض الآخر اقترح قطر بديلًا عن مصر.
صحيفة يديعوت احرنوت تؤكد أنّ إسرائيل حاولت اغتيال قائد كتائب القسام محمد ضيف لكنها فشلت، وهو أمر أكّدته أيضًا مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تقرير تحت عنوان: “كيف أطالت مصر من عُمر الحرب في غزة؟” يوم 18 أغسطس الجاري، عندما قالت إن “النظام العسكري الجديد في مصر بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، هو الذي عرقل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي وأطال الحرب”، بعدما أقحم نفسه في قضايا النزاع وتحول من وسيط إلى شريك مع الطرف الإسرائيلي في محاولة إخضاع حماس.
وقالت الصحيفة بالنص إنه: “ليس فقط العداء بين إسرائيل وحماس هو ما يعقد المحادثات، بل أيضًا دور مصر كوسيط؛ إذ إن السياسة الداخلية في مصر تدخلت في محاولات التوصل إلى اتفاق، والحكومة التي يهيمن علىها العسكر في القاهرة تحاول استخدام المحادثات كجزء من حربها ضد الإخوان المسلمين”.
ولهذا لم يكن مستغربًا عقب قتل إسرائيل ثلاثة من قادة كتائب القسام في رفح المحاذية للحدود مع مصر، بينهم رائد العطار الذي شارك في تسليم الجندي الإسرائيلي الأسير شاليط عام 2011، أن تنتشر الشائعات والمعلومات غير المؤكدة حتي اللحظة عن تورط مصر ومخابراتها في التجسس على هواتف قادة حماس المشاركين في وفد التفاوض الفلسطيني بالقاهرة الذين كانوا على تواصل مع قادة القسام بالهاتف، ونقل معلومات عن أماكن هؤلاء القادة إلى إسرائيل لاغتيالهم، رغم نفي مصادر مصرية هذه “الشائعات”.
البداية كانت بنشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لخبر يقول: “الإذاعة العبرية نقلًا عن مسؤول أمني صهيوني: مخابرات عربية ودولية بمشاركة “الشاباك” شاركوا بتزويد الجيش بمعلومات لاغتيال قيادات القسام في جنوب قطاع غزة”، و”إعلام العدو: اغتيال قادة القسام بمدينة رفح جاء بناء على معلومات استخبارية جديدة قدمتها مخابرات إحدى الدول العربية”.
حيث نشرت الإعلامية والناشطة الحقوقية “آيات عرابي” عبر موقع التواصل الاجتماعي بوست يقول: “عاجل: الإذاعة العبرية نقلًا عن مسؤول أمني صهيوني: مخابرات عربية ودولية بمشاركة الشاباك شاركوا بتزويد الجيش بمعلومات لاغتيال قيادات القسام في جنوب قطاع غزة”.
وأضافت: “ده مش مستغرب علىهم لأنهم سبق ونسقوا مع أسيادهم في المخابرات الصهيونية لإسقاط رئيس مصر في زيارة للأراضي المحتلة بتاريخ 18\3\2013 كما قالت جريدة ذا تاور”، كما أن رئيس المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامي زار إسرائيل في 7 يوليو الماضي سرًّا باعتراف إسرائيل.
وكتب آخر يقول: “لولا أصدقاؤنا في المخابرات المصرية والتنسيق العالي في محاربة الإرهاب لما كنا احتفلنا بمقتل القياديين الثلاثة لحماس”، مرجعًا مصدره أيضًا إلى “الإذاعة الإسرائيلية”.
ومع أنّ معدو التقرير لم يجدوا أصلًا لهذه المعلومة على موقع الإذاعة الإسرائيلية، فقد استمرت المعلومات والتكهنات تنشر على نطاق واسع حول تورّط مصر في مساعدة إسرائيل على اغتيال هؤلاء القادة الثلاثة ومحاولة اغتيال قائد القسام محمد الضيف.
موقع “رصد” الذي يديره معارضون مصريون قال: “كيف تمكنت إسرائيل من تحديد مكان تواجد قائد كتائب القسام محمد الضيف وعائلته بعد يوم واحد فقط من انتهاء مفاوضات القاهرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي على الرغم من أن إسرائيل عجزت عن تحديد مكان إقامته طوال الفترة السابقة؟ لماذا تم اكتشاف مخبئه بعد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في مصر وليس قبلها؟”.
وأجابت: “الجواب هو أنّ قصف منزل الضيف جاء بأيدٍ إسرائيليّة، ولكن بتواطؤ وبمساعدة مصرية واضحة، فالمخابرات المصرية تجسست على هواتف وفد حماس الذي كان يفاوض في القاهرة وتمكّنت من تحديد مكان تواجد قائد كتائب القسام وعائلته، حيث إن الوفد كان يجري اتصالات يومية بالضيف لإبلاغه بنتائج المفاوضات وبالشروط الإسرائيلية لوقف الاعتداء على قطاع غزة”.
وهنا كانت المخابرات المصرية ترصد وتراقب هذه المكالمات وتمكنت من خلال استخدام أجهزة إسرائيلية وأميركية متطورة من تحديد مكان تواجد الضيف داخل القطاع، ومباشرة (وبأمر من عبد الفتاح السيسي) تم إبلاغ الموساد الإسرائيلي بمكانه، الذي أرسل بدوره إشارات للوفد الإسرائيلي تحضّه على إنهاء المفاوضات بأسرع وقت ممكن قبل أن يغير (الصيد الثمين) مكان تواجده”.
وأضافت: “هذا ما يفسر تعنُّت الوفد الإسرائيلي ورفضه لمطالب الحركة في الجولة الأخيرة من المفاوضات وإصراره على عدم تمديد فترة المفاوضات أكثر من يوم واحد، في حين كانت مصر هي من ترفض شروط حماس وتحاول إطالة مدة المفاوضات لعلمها بالمخطط القذر الذي كانت تقوم به مخابراتها”.
الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان المقيم حاليًا في تركيا كتب يقول أيضًا: “إن السيسي والعسكر في مصر هم وراء استشهاد قادة القسام الثلاثة «العطار، أبو شمالة، برهوم»”، ونشر على صفحته الشخصية على الفيس بوك صورًا تضم من قال إنهم “مجرمو الحرب على غزة” تتضمن السيسي ومحمود عباس ونتنياهو.
الدكتور عبد الله النفيسي يعتقد إن اغتيال قادة كتائب القسام في رفح هو نتيجة اختراق إسرائيلي لصفوف حماس. وقال النفيسي عبر حسابه في تويتر: “استهداف إسرائيل العطار وبرهوم وأبو شمالة في رفح دليل ماديّ على أن حماس مخترقة أمنيًّا من طرف الإسرائيليين. لتنتبه حماس ( للمتعاونين) الفلسطينيين”.
أيضًا، نشر المحلل السياسي إبراهيم حمامي على موقعه في تعليقه على محاولة اغتيال قائد كتائب القسام محمد الضيف والتي قُتلت فيها زوجته وابنته يقول: “هل للسيسي وعصابته دور في الاغتيالات؟”.
وكرر نفس تساؤل موقع رصد: “كيف تمكنت إسرائيل من تحديد مكان تواجد قائد كتائب القسام محمد الضيف وعائلته بعد يوم واحد فقط من انتهاء مفاوضات القاهرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي على الرغم من أن إسرائيل عجزت عن تحديد مكان إقامته طوال الفترة السابقة؟”، مرجعًا المسؤولية للمخابرات المصرية.
الكاتب السياسي ياسر الزعاترة ألمح بدوره لأن: “العدو قد استفاد من التهدئات الإنسانية في لملمة صفوف عملائه”.
أيضًا، قالت “منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان” في فلسطين نقلًا عن مصادر فلسطينية خاصّة داخل حركة حماس بقطاع غزة أنّ: “مَن قَتل قادة القسام الثلاثة هم مجموعة أمنية تابعة للمخابرات المصرية أبلغت إسرائيل بمكانهم الذي كان معدًّا لاستقبال المجموعة الأمنية المصرية للتفاوض حول عدة رسائل سابقة تمت بين المخابرات المصرية والجهاز الأمني لكتائب القسام”.
وأشارت المنظمة وفق ما قالت إنه “مصادر بالحركة” أنّ: “المجموعة الأمنية المصرية تحركت وفق تعليمات السيسى مباشرة”، ونقلت عن “زيدان القنائى” عضو المكتب الاستشارى للمنظمة بسرعة التحقيق فى الاتهامات الموجهة لأجهزة الأمن المصرية بتدبير اغتيال قادة حماس والقسام وإبلاغ تلّ أبيب بمكانهم بعد الحديث عن تورّط مصر والإمارات والسعودية بحرب غزة.
كذلك اعتبر البعضُ دعوةَ رئيس الوزراء الفلسطينيّ إسماعيل هنية لـ “جمهورية مصر العربية التي ترعى المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة والاحتلال بأن تُحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليّة ما يجري في قطاع غزة من مجازر واختراق للتهدئة ونكث للعهود والاتفاقيات”، بمثابة تحميل المسؤولية لمصر عن اغتيال القادة الثلاثة للقسام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
بالمقابل، شكّك نشطاء إنترنت في رواية تجسُّس مسؤولي المخابرات المصرية على هواتف قادة حماس بالقاهرة لمعرفة مكان قائد القسام، وقالوا: “المفروض أن القائد الضيف بيستقبل المكالمات من أماكن متفرقة بعيدة عن المواقع الأصلية، وكان يتصل هو بهم من خلال مساعدين له ويخبره بما دار ويرد عليهم من خلال المساعدين ومن أماكن وهمية لهم”، فكيف تم معرفة مكانه حتى ولو تمّ التجسس على تليفونات وفد حماس بالقاهرة؟
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع التقرير