تأجلت في الجزائر أمس أولى محاكمات رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة المتعلقة بمصانع تركيب السيارات المتابع فيها رؤساء حكومة ووزراء ورجال أعمال ومسؤولين إداريين، وذلك قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 كانون الأول ديسمبر الجاري.
وبعد حراك 22 فبراير الماضي الذي أسقط الرئيس السابق وحكمه، باشرت العدالة الجزائرية سلسلة من التحقيقات التي كشفت عن قضايا فساد بالجملة، تم بموجبها وضع وزراء ومسؤولين عسكريين ومحليين الحبس المؤقت، إلا أن الرئيس بوتفليقة يبقى إلى اليوم حرا طليقا، ولم تباشر حتى الآن أي متابعات معلنة ضده.
موعد جديد
وكما أعلن وزير العدل بلقاسم زغماتي الأسبوع الماضي عن انطلاق أولى محاكمات رموز النظام السابق، انطلقت صبيحة أمس الجلسة الأولى للمتورطين في قضية تركيب السيارات، بمحكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائر.
وعرفت المحاكمة التي تعد الأولى من نوعها في الجزائر حضورًا كثيفًا للمواطنين لمشاهدة مقاضاة من أذاقوهم الويل خلال 20 سنة، بعد أن قررت وزارة العدل أن تتم المحاكمة في جلسة علنية عادية، على عكس المحاكمة التي جرت أيلول سبتمبر الماضي بالمحكمة العسكرية بالبليدة جنوب العاصمة الجزائر، وقضت بحبس السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ورئيسي المخابرات السابقين الفريق محمد مدين واللواء بشير طرطاق ومسؤولين عسكريين آخرين.
ويتابع في هذه القضية الوزيران الأولان السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزراء الصناعة السابقون يوسف يوسفي ومحجوب بدة وعبد السلام بوشوارب الموجود في الخارج، إضافة إلى وزير النقل السابق عبد الغني زعلان، إضافة إلى مسؤولين ولائيين ومديرين في عدة وزارات.
وعرف محيط المحكمة بشارع عبان رمضان حضورًا كثيفًا لقوات الشرطة لتأمين المكان، خاصة في ظل الإنزال غير العادي للمواطنين وللصحافة لمتابعة هذا الحدث البارز.
غير أن المحاكمة لم تتم، بعد أن قرر قاضي الجلسة تأجيلها إلى يوم الأربعاء 4 كانون الأول ديسمبر الجاري بعد طلب من هيئة الدفاع التي تحججت بـ”عدم توفر شروط المحاكمة”.
ويتابع في هذه القضية الوزيران الأولان السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزراء الصناعة السابقون يوسف يوسفي ومحجوب بدة وعبد السلام بوشوارب الموجود في الخارج، إضافة إلى وزير النقل السابق عبد الغني زعلان، إضافة إلى مسؤولين ولائيين ومديرين في عدة وزارات.
ومثل عدد من رجال الأعمال بينهم علي حداد الذي تتولى إحدى شركات مجموعته توزيع شاحنات ثقيلة من صنع ايطالي في الجزائر، إضافة لمحمد بعيري رئيس مجلس إدارة مجموعة ايفال التي تملك مصنع تجميع جزائري لعربات “ايفيكو” الايطالية الصناعية، وأحمد معزوز رئيس شركة تجمع وتوزع في الجزائر عربات من صنع صيني، ورجل الأعمال عرباوي ممثل شركة “كيا” للسيارات.
وانطلقت صناعة تركيب السيارات في الجزائر في 2013 بالتوقيع عقدا مع العلامة الفرنسية رونو التي استفادت من تسهيلات ضريبة خيالية لا يمكن منحها في أي بلد آخر.
ويحاكم هؤلاء بتهم تتعلق بتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة ومنح منافع غير مستحقة خارج القانون.
وفي ظل عدم تحمس الحكومة لنقل المحاكمة تلفزيونيا، يتوقع الجميع تكرار مشهد حج المواطنين من جديد الأربعاء لمتابعة المحاكمة الكبرى المنتظرة لأبرز رموز نظام بوتفليقة، رغم أن القاضي قرر عدم فتح أبواب مشاهدة المحاكمة هذا الأربعاء
مقاطعة
ويبدو أن نية السلطة في إجراء هذه المحاكمة قبل الرئاسيات لن تكون بالسهلة في ظل تمسك محاميي رموز نظام بوتفليقة بمقاطعة الجلسة الجديدة بحجة عدم توفر ظروف إجرائها.
وقال نقيب المحامين لولاية العاصمة الجزائر عبد المجيد سليني للصحافة إن قرار هيئة دفاع المتهمين قررت مقاطعة المحاكمة لـ “عدم توافر شروط محاكمة عادلة”.
غير أن خطاب التشنج الذي طبع تصريحات هيئة الدفاع التي كانت موجهة ضمنيا لوزير العدل بلقاسم زغماتي، لقيت بعض الاستهجان على مواقع التواصل الاجتماعي وصلت حتى اتهامها بالتواطؤ مع نظام بوتفليقة
وحذر سليني مما أسماه “القضاء المسيس” و”تصفية الحسابات” حتى ولو كان المتهم ممن أصبحوا يطلق عليهم في الجزائر اسم “أفراد العصابة”.
وهدد سليني باعتزام هيئة الدفاع كذلك مقاطعة الجلسة المزمعة يوم غد الأربعاء بسبب “عدم احترام آجال الإحالة، وعدم تبليغ هيئة الدفاع في الآجال القانونية التي تقدر بـ20 يوما ما بين تاريخ الإحالة وجلسة جدولة القضايا، وهو الشرط المنعدم في جلسة الإثنين وجلسة غد الأربعاء”.
وحسب نقيب المحامين، فإن أغلبية المحامين لم يبلغوا بتاريخ المحاكمة، وسمعوا به من وسائل الإعلام التي نقلت تصريح وزير العدل.
وبين سليني أن فترة 48 ساعة ليست كافية للمحامين لإجراء مرافعات مؤسسة وجيدة، كما أن الجلسة لا تكتسي طابع الاستعجال “لأن الجزائر ليست في حالة حرب”.
غير أن خطاب التشنج الذي طبع تصريحات هيئة الدفاع التي كانت موجهة ضمنيًا لوزير العدل بلقاسم زغماتي، لقيت بعض الاستهجان على مواقع التواصل الاجتماعي وصلت حتى اتهامها بالتواطؤ مع نظام بوتفليقة.
ظروف خاصة
تأتي محاكمة سلال وأويحيى وغيرهما في ظرف حساس تعيشه الجزائر، كونه يسبق بأيام موعد الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 12 من الشهر الجاري.
اضطرت العدالة لمحاكمة هؤلاء المسؤولين على مستوى محكمة سيدي أمحمد في ظل تأخر صدور المرسوم الذي يحدد إجراءات محاكمة المسؤولين السامين في البلاد.
وتريد السلطة الحالية من هذه المحاكمة التأكيد على أنها صادقة في الوعود التي أطلقتها بمحاسبة كل المفسدين، وأن خيار الاقتراع الذي تطرحه لا يحمل أي مدعاة للخوف، بل هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية حتى وإن رفض البعض من الحراك الاستحقاق الرئاسي المقبل.
واضطرت العدالة لمحاكمة هؤلاء المسؤولين على مستوى محكمة سيدي أمحمد في ظل تأخر صدور المرسوم الذي يحدد إجراءات محاكمة المسؤولين السامين في البلاد.
وتجتاز السلطة الحالية في البلاد هذه الأيام أصعب امتحاناتها، بسبب استمرار مسيرات الحراك الشعبي الرافض لخيارات السلطة والمؤسسة العسكرية التي ترى في أن الحل للخروج من الأزمة الحالية هو الذهاب للتصويت عبر صندوق الاقتراع يوم 12 ديسمبر.
السلطة في وضع لا تحسد عليه بسبب توجيه مختلف الهيئات الدولية تركيزها نحو الجزائر، فهي تعمل على إثبات صلابتها وتفنيد كل ما ألصق بها من اتهامات وفي مقدمتها القفز على الأهداف التي تأسس من أجلها الحراك، خاصة وأن الحمل ثقيل بعد محاولة أطراف أجنبية الدخول لهذا الصراع لا سيما الاتحاد الأوروبي الذي أصدر برلمانه الأسبوع الماضي قرارًا ينتقد الوضع في الجزائر.
ومن المؤكد أن الحكم على نية السلطة في إجراء محاكمة عادلة لرموز بوتفليقة يبقى مؤجلًا حتى الأيام القادمة، والتي قد تحمل المزيد من المفاجأت المتعلقة بقضايا الفساد لتجعل الجزائريين يصدقون أن مقاضاة رموز النظام السابق حقيقة وليست خيالًا، وهو ما قد يبدل موقف الرافضين للاستحقاق المقبل بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات التي تراها السلطة الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية.