لم يحتج نادر إلى وقت طويل ليقرّر إنهاء حياته بهذه الطريقة المريبة، تأمل المشهد من فوق برج القاهرة يمينًا ويسارًا وبجواره صديقه، لم يتوقع أي من المحيطين به أن لحظات قليلة تفصل الشاب الجامعي عن العالم الآخر، وفجأة وبعد ثوانٍ معدودات قرّر طالب الهندسة أن يصدم الجميع بميتة أصابت المجتمع كلّه بذهول.
ورغم إلقائه لنفسه من فوق البرج إلا أن ملابسه اشتبكت بالإطار الحديدي لتعطي الحياة له فرصة أخيرة لإعادة التفكير في قرار انتحاره، لكن يبدو أن القرار كان نهائيًا لا رجعة فيه، وقبيل أن تمسك به يد أقرب شخص كان بجواره (مصادر تقول إنه صديقه) كانت يده أسبق ليتخلص من السيخ الحديدي طائرًا في الهواء قبل أن يرتطم على الأرض كاتبًا بدماءه شهادة وفاته.
الطريقة التي انتحر بها نادر محمد جميل، الطالب بكلية الهندسة جامعة حلوان، هزّت الشارع المصري عن بكرة أبيه، وأرقت ضمائر المجتمع النائمة، واستدعت معها كل أساتذة الطب النفسي للتحليل والتنظير، لكن وحتى لا ننسى فإنها لم تكن الأولى من نوعها بتلك الكيفية المفزعة، ففي منتصف نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، تخلص شاب يدعى إسلام، سائق توك توك، من حياته شنقًا في بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
الغريب أنه وفي أقل من 48 ساعة شهدت الساحة المصرية قرابة 3 حالات انتحار أخرى غير واقعة البرج، فهذا الشاب الذي ألقى بنفسه تحت عجلات مترو الأنفاق بالقاهرة، وتلك الممرضة التي اختارت لنفسها الموت عن طريق تناول حبوب سامة أودت بحياتها في الحال في كفر الشيخ، وثالث ألقى بنفسه في ترعة الإبراهيمية في أسيوط “جنوب”.
الأكثر خطورة ورعبًا في المشهد كانت تعليقات المصريين على حالات الانتحار تلك، خاصة طالب البرج الذي فجًر بداخل الكثير من المصريين مشاعر الكبت والاكتئاب واليأس من الحياة، حتى تحوّلت منصات السوشيال ميديا في أقل من 24 ساعة إلى ساحات لاستعراض رغبات الانتحار… وهنا ناقوس الخطر الذي نسعى في “نون بوست” إلى أن ندقه لنتساءل جميعًا: ما الذي أوصل المصريين إلى هذه المرحلة؟
شهادات مفزعة
“أقسم بالله فكرت أكثر من مرة في الانتحار لكن هسيب العيال لمين…..”.. بهذه الكلمات المبللة بالدموع استهل معتز حديثه، لافتا إلى أن ما فعله نادر فكر فيه أكثر من مرة، ليس عن طريق البرج لكن بإلقاءه لنفسه في نهر النيل، غير أن الخوف على أبنائه وخشية ملاقاة الله على هذه الحالة كان الحائل دون تنفيذ ذلك.
معتز الذي يبلغ من العمر 40 عامًا والذي يعد وفق عرف المجتمع رجلًا مثقفًا، فهو الحاصل على الماجستير في الإعلام ويعمل باحثًا إعلاميًا في إحدى مراكز الأبحاث، ورغم ذلك شطح الأربعيني بفكره بعيدًا عمّا أسماه “تراك الحياة الضيق” بعدما وصل إلى مرحلة ما عاد يتحملها بشر على حد قوله.
وعن دوافع هذا التفكير استعرض الشاب المصري في حديثه لـ “نون بوست” عشرات الأسباب التي قادته إلى هذه المرحلة، قائلًا: الضغوط المادية خنقتني، كيف لي براتب لا يتجاوز 3000 جنيهًا شهريًا أن أكفي أسرتي المكونة من زوجة وولدين ورضيعة، حاولت كثيرًا أن التحق بعمل آخر مساء لكن للأسف المركز يحتل كل وقتي وليس هناك متسع”.
“نادر” لسان حال قطاع كبير من المصريين خاصة الشباب الذي كفر بالحياة بسبب الأوضاع المتدنية على كافة المستويات
وتابع: ضيف على كده الضعوط النفسية بعدما وصلت المجتمع إلى حالة من الانحطاط الأخلاقي والقيمي، بجانب عدم وجود متنفس حتى لإخراج ما بداخلنا.. بقينا عاملين زي الفئران المحبوسة لا هي عارفة تخرج تتنفس هوا ولا قادرة تكمل حياتها في جحورها…” هكذا أضاف.
وتلك فتاة لا يتجاوز عمرها 28 عامًا، وتعمل موظفة بإحدى المحال التجارية، تقول في شهادتها تعليقًا على حوادث الانتحار الأخيرة… “والله ارتاحوا يا ريت يكون عندنا الشجاعة ونعمل زيهم.. وبدل ما نطلع فتاوى نجرم فيها الانتحار، دعونا نفكر في الأسباب التي أدت بهم إلى هذه الحالة التي يختار فيها الشاب أن يرمي بنفسه من فوق البرج رغم أن القدر أعطاه فرصة أخرى باشتباك ملابسه بحديد البرج”.
وأضافت أماني لـ “نون بوست” أن نادر لسان حال قطاع كبير من المصريين خاصة الشباب الذي كفر بالحياة بسبب الأوضاع المتدنية على كافة المستويات، ليس الآن وفقط بل يتمد هذا التدني إلى عقود طويلة مضت، خلفت وراءها جيلًا يحمل اليأس فوق رأسه ويعانق الاكتئاب صباح مساء، حتى بات الموت عند كثير منه أقرب من الحياة.
سنابل لأشجار الغد،
يختارون الانتحار اختصارا لمعاناة قد تطول!
والموت على كراهته في النفس؛
إلا أنه أصبح آخر حلول الكثيرين!
يالله،كيف يتسلل قرار إبادة حيواتنا دون أن يردعها الفزع!
شيء مرعب أن تمر بأموات بزيّ أحياء وأنت تجهلهم!
اللهم ارحم أرواحنا واشرح صدورنا???#برج_القاهره#انتحار
— سلمـى (@z7mt_a7asees) December 2, 2019
لماذا ينتحر المصريون؟
لا يوجد سبب رئيسي لدفع الشباب المصري إلى الانتحار غير أن العديد من الدراسات خلصت إلى كون اليأس بشتى أنواعه يسهم في قرار الشخص بالإقدام على التخلي عن حياته، فربما كان يواجه تحدياتٍ اجتماعية أو جسدية ولا يرى بأي حالٍ أنَّ الوضع يُمكن أن يتحسَّن.
فالشخص حين يراوده الشعور بفقدان الأمل وليس بمقدوره تغيير ذلك، فيمكن أن يطغى هذا الشعور على كل الأشياء الجيدة في حياته، ويجعل الانتحار يبدو وكأنه خيار مُجدٍ، وفي حين قد يبدو من الواضح للمتفرج إمكانية تحسين الأمور، فربما لا يتمكَّن الشخص المُصاب بالاكتئاب من إدراك ذلك بسبب النظرة التشاؤمية واليأس المُصاحبين لهذا المرض.
الظروف الاقتصادية والفقر على وجه التحديد يأتي على رأس تلك العوامل التي تسرع من وتيرة الانتحار، بحسب ما أشارت سوزان إلهامي، أستاذ الطب النفسي، والتي كشفت أن حوالي 75% من حالات الانتحار تحدث في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث معدلات الفقر مرتفعة، منوهة إلى وجود علاقة بين المتغيرات الاقتصادية والسلوك الانتحاري.
وأضافت في حديثها لـ “نون بوست” أن الفقر بجانب ما يترتب عنه من ضعف التعليم وتواضع الخدمة الصحية المقدمة وفقدان القدرة على التكيف مع تطورات الحياة المتلاحقة، هذه الأمور تصل بالإنسان بسهولة إلى هذه المرحلة المخيفة: اليأس، الذي هو بوابة الانتحار.
فى إحصائية أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016، تصدرت مصر كل الدول العربية فى معدلات الانتحار بـ 3799 منتحرا
يتفق معها في الرأي الدكتور أمجد سامي، استشاري الطب النفسي، الذي أشار إلى أن الأسباب الاجتماعية للانتحار في مصر تأتي في المرتبة الأولى، متنوعة ما بين خلافات ونزاعات أسرية، وشجارات ونزاعات زوجية، ويرتبط الكثير منها بالشعور بالضيق لأسباب مالية، مضيفًا أن الأسباب المالية المباشرة تعد السبب الثاني والأهم في زيادة حالات الانتحار في مصر، في ظل تدني الرواتب وتراجع فرص العمل والارتفاع اليومي في أسعار السلع والخدمات، مما أصاب المواطن بالاكتئاب والاضطراب النفسي.
لكن هنا يبقى سؤال: هل ينتحر كل الفقراء؟ والإجابة بالطبع لا، إذ كيف يعتمد الفقر كأحد أسباب الانتحار؟ وهنا تجيب أستاذة الطب النفسي بقولها إن ذلك يعتمد على قدرة الجهاز المناعي والإدراكي للشخص، فهناك القادر على تفهم الوضع بما لديه من موروث ومخزون ديني وإيماني وتوعوي وآخرون يفتقدون لهذا المخزون ومن ثم ليس لديهم حائط صد قادر على مواجهة موجات اليأس المتلاحقة التي يتعرضون لها، وعليه يغرقون سريعًا في تياراتها المتلاطمة.
التضييق السياسي والمجتمعي والحقوقي ليس ببعيد هو الآخر عن تفاقم هذه الظاهرة، وهو ما يمكن تفسيره عند التعامل مع حالات الانتحار داخل السجون والمعتقلات، هذا بخلاف الانتهاكات التي يتعرض لها البعض على أيدي آخرين، ربما تفضي بهم إلى إنهاء حياتهم بأي طريقة.
ليس اليأس وحده سبب الانتحار، إذ أن هناك حزمة من العوامل بإمكانها التأثير على قرار الشخص بالانتحار، فأكثرها شيوعًا هو كونه يُعاني اكتئابًا حادًا، هذا بجانب أمراض نفسية أخرى منها أن يكون الشخص المصاب بالفُصام أو أي أمراضٍ أخرى ينتج عنها الذهان أو الاضطراب النفسي، يسمع أصواتاً تأمره أن يقتل نفسه، وكذلك يُمكن أن يزيد مرض اضطراب ثنائي القطب (الهوس والاكتئاب) خطر إقدام شخص ما على الانتحار. إلى جانب كون اضطراب الشخصية الحدية هو حالة أخرى يصحبها مستوى انتحار مرتفع، فضلاً عن أنَّ اضطرابات الأكل، مُتضمنةً فقدان الشهية العصابي والنهام العصبي (الشره العصبي)، ترتبط بنسبة عالية بالوفاة الناجمة عن جريمة الانتحار.
صغار السن.. كلمة استفهام
في إحصائية أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016، تصدرت مصر كل الدول العربية فى معدلات الانتحار بـ 3799 منتحرًا، وهو رقم قياسي لا توجد إحصائيات موثقة توضح هل انخفض العدد أم زاد خلال السنوات التالية، ففي تقرير نشرته إحدى منظمات المجتمع المدني منذ خمسة أشهر انتحر 101 مصري خلال شهور مارس/آذار وأبريل/نيسان ومايو/أيار من هذا العام.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشف أن أعداد من أقدموا على الانتحار في مصر قفز من 1160 حالة في 2005، إلى 3700 حالة في 2007، وصولاً إلى 4200 حالة في 2008، فضلاً عن تجاوز أعداد من حاولوا الانتحار 500 ألف في 2015 فهذه كارثة بلا شك.
الأرقام الرسمية وفق بعض الجهات تفيد بوقوع 2335 حالة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويًا، كان النصيب الأعلى بينهم من الفئة العمرية التي تتراوح بين 22 و25 عامًا، بنسبة تجاوزت فاصل الـ 50%، وهو ما كشفت عنه تقارير مركز السموم التابع لجامعة القاهرة.
الانتحار تتسبب فيه قوة متجاوزة لقدرة الفرد، وأن الانتحار في صيغته المجردة هو: “إعلان موقف يتخذه الفرد ضد وضع اجتماعي بعينه”
اللافت للنظر في تلك الإحصائيات صغر سن المقدمين على الانتحار، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى الإحباط الذى يحاصر هذه الفئات الواعدة من المصريين المفترض أنهم يمثلون أمل الأمة ورغبة المجتمع فى التجديد والتطوير، في نفس الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن إنجازات غير مسبوقة يعيشها المصريون فى مختلف المجالات، وتنظم فيه مؤتمرات للشباب لا تمت لهم ولا إلى مشاكلهم الحقيقية بأي صلة!
المتابع للصحف اليومية والمواقع الإخبارية كل صباح لا بد وأن يلفت نظره خبر هنا أو هناك عن واقعة انتحار، فما لم يقع بالأدوية السامة يقع بالرمي تحت عجلات القطار أو المترو، ومن يفلت من هذا المسار يلقي بنفسه من فوق بنايات عالية وصلت مؤخرًا إلى حد برج القاهرة.
Important.. #برج_القاهرة pic.twitter.com/Wk0YQtMeMl
— مىِ مَهدي (@MayMahdy10) December 1, 2019
جريمة من؟
لا يكتمل التشخيص الناجح لهذه الظاهرة التي نخرت في عظم المجتمع المصري إلا بالإجابة عن هذا السؤال: من المسؤول عن جريمة الانتحار؟ هذا إن سميناه جريمة بحسب ما يترتب عليه من إزهاق للروح وصدمة للكيان المجتمعي، والملاحظ أنه وبعد ساعات قليلة من نشر فيديو انتحار طالب البرج يرى أن المشهد الإعلامي انقسم حينها إلى 3 أقسام.
القسم الأول: دولة تنفي التهمة عن نفسها بشتى السبل، مستخدمة في ذلك آلتها الإعلامية للولوج بالواقعة بعيدًا عن مرمى النظام بشتى فروعه، والارتكان إلى جدار التساؤل عن الأسباب الضيقة للواقعة واستنكارها وإن سعى بين الحين والأخر إلى التعويل على أنها ليست ظاهرة مصرية فحسب، فالانتحار موجود في كل أنحاء العالم.
القسم الثاني: مشروعية الانتحار.. فريق من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي انشغل بمصير المنتحر في الدار الآخرة، وهل المنتحر كافر أم مؤمن؟ وهل هناك ما يستدعي الانتحار؟ وموقف الإسلام من هذا السلوك.
أما القسم الثالث وهو الأكثر جدلًا والأعظم انتقادًا، فهو الذي يرجع الجريمة إلى الواقع المعاش، ويحمل الحكومة والنظام مسئولية الحالة التي دفعت هذا الشاب إلى التخلي عن حياته في لحظة ضعف، حتى ولو لم يكن النظام مسؤول مسؤولية مباشرة إلا أنه متورط في هذه الواقعة من جانبين: الأول عدم تهيئته للمناخ الصحي المناسب لبناء شخص على قدر من الثقة في مجتمعه ونفسه وقادر على مواجهة أي ضغوط، فيما يتعلق الجانب الثاني بالتحريض على هذه الجريمة من خلال تهيئة الأسباب والدوافع التي دفعت اليأس للتملك من نفس الشاب إلى الحد الذي جعلته يرفض حتى الفرصة التي منحت له بإعادة النظر في الانتحار.
خلال العقدين الأخيرين على وجه التحديد منذ واقعة طالب العلوم السياسية، عبدالحميد شتا، الذي ألقى نفسه في نهر النيل بسبب استبعاده من اختبارات الخارجية بداعي أنه “غير لائق اجتماعيًا” وكان ذلك في 2003، وحتى اليوم، يلاحظ أن أغلب الحالات التي شهدتها مصر كانت لشباب على قدر كبير من النجاح والتفوق والمثالية.
وفي تفسير ذلك ذهب خبراء الاجتماع إلى أن هؤلاء الذين كتبوا نهاية حياتهم بإرادتهم انتظروا من الواقع ما ليس فيه، اصطدموا، لم يحتملوا، اكتأبوا وماتوا، وهنا جزء آخر، وليس أخيراً، من المسؤولية، الجزء الأخطر، يتحمّله صيارفة النضال، باعة الوهم، من منحوا هؤلاء الشباب آمالا كاذبة.
ما يقرب من 34% من المصريين يعانون من الاضطراب النفسي، 15% منهم يخططون للانتحار
هذا الرأي يتناغم بشكل كبير مع ما أشار إليه العالم الفرنسي الشهير إيميل دوركايم – مؤسس علم الاجتماع الحديث – والذي يعد من أفضل من كتبوا عن علاقة الفرد بالمجتمع المحيط به، ففي كتابه الصادر عام 1897م، الذي اختار له عنوان “الانتحار” أشار إلى أن ما يدفع الأفراد للانتحار هو ضعف التنظيم الفردي والجمعي، أي أن المجتمع فقد القدرة على حفظ أفراده وتنظيم شؤونهم بشكل يجعلهم راغبين في مواصلة الحياة.
دوركايم أشار إلى أن ارتفاع معدلات الانتحار مؤشر لوجود “خطأ ما” في النظام الاجتماعي، رافضًا أن يكون الانتحار ناتجًا عن مرض عقلي يسبب نقصًا في الوعي بالنتائج، كما يقول علماء الاجتماع، مؤكدًا أن الانتحار عمل واعٍ يدرك من يقدم عليه نتائجه.
وتخلص نظرية مؤسس علم الاجتماع إلى أن الانتحار تتسبب فيه قوة متجاوزة لقدرة الفرد، وأن الانتحار في صيغته المجردة هو: “إعلان موقف يتخذه الفرد ضد وضع اجتماعي بعينه”، حيث أثبت أن القوى الاجتماعية هي الفاعل الرئيسي لإقدام الفرد على الانتحار، وأن المجتمعات القامعة هي التي تدفع أفرادها للانتحار بشكل متزايد، وأن ارتفاع معدلات الانتحار هي “إشارة دالة على التفسخ الاجتماعي”.
كشفت تفاصيل واقعة البرج وما تلاها من حوادث أخرى أن المسألة أكبر من أن تنحصر في دوافع مادية (الفقر) أو دينية (ضعف الوازع الديني)، فالقضية أشمل وأعم من تلك التفسيرات الضيقة التي يسعى كل طرف فيها إلى تبرأة ساحته دون أي إرادة حقيقية في تشخيص منطقي يطوق هذا الداء ويحول دون تمدده.
حتى الفريق الذي حمل على عاتقة إرجاع الظاهرة إلى الاضطراب النفسي بات موقفهم أكثر حرجًا وخطورة في آن واحد، هذا إن وضعنا في الاعتبار أن ما يقرب من 34% من المصريين يعانون من الاضطراب النفسي، 15% منهم يخططون للانتحار، وهو ما يعني أن قرابة 15 مليون مواطن على قوائم الانتحار إن لم يتحرك الجميع.. فمتى يكون التحرك وما هي آليته؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.