لعلّ من الصعب على الشخص العادي أن يتخيّل ما يعانيه نظيره من ذوي الإعاقة، أيًّا كانت تلك الإعاقة، من مشاّق وصعوبات حياتية يومية، لا سيما في البيئات غير المستجيبة لاحتياجاتهم في التنقل والحركة والتواصل والنشاطات الحيوية الأخرى التي يقوم بها الناس طوال الوقت، ففي حين تجري الأمور بصورة سلسلة وبديهية لأغلب الناس، يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة صعوبات مقيتة وظالمة في كثير من الأحيان في الدول التي لا تضع على سلم أولوياتهم أن تراعي هذه الفئة الوازنة من أي مجتمع، فضلًا عن المجتمعات التي تشتعل فيها الحروب.
وطبقًا لإحصاءات البنك الدولي، يعاني أكثر من مليار شخص – حوالي 15% من سكان العالم – من إعاقات، من ضمنهم قرابة مليون طفل، ويعيش حوالي 80% منهم في البلدان النامية، بمعنى أن كل شخص من بين سبعة أشخاص، يعاني من إعاقة من نوع معين.
من هم ذوي الاحتياجات الخاصة؟
اعتمدت الأمم المتحدة في تعريفها للمعاقين أو لذوي الإحتياجات الخاصة على تعريف الحكومة الأمريكية والذي جاء فيه: هو أي فرد يعاني من إعاقة جسدية أو عقلية تقيد بشكل كبير واحدة أو أكثر من أنشطته الحياتية أو يعتبر الفرد مصابًا بمثل هذا الإعاقة.
ويكون سبب الإعاقة، الإصابات أو الأمراض أو الحالات الطبية أو العوامل العصبية أو الكيميائية أو التنموية، وتؤثر على وصوله للخدمات العامة أو اندماجه بالمجتمع أو تقيد ممارسة حياته الطبيعية.
وفي عام 1992 خصصت الأمم المتحدة يومًا خاصًا للاحتفاء بذوي الاحتياجات الخاصة، وأقرّت في عام 1993 تعريف المعاق ووضعت عدد من الأمراض والإعاقات التي يستحق أن يكون الحامل لها أو المتصف بها بحاجة لعناية وخدمة خاصة، وهذه الأنواع هي:
إعاقة جسدية – بدنية، أي تكون الإعاقة مرئية في الجسد، ويندرج تحتها أمراض كثيرة، هي: شلل الأطراف السفلى الذي يسبب عدم القدرة على التنقل، واستخدام محدود للأيدي الذي يتسبب بفقدان القدرة على إنجاز الأعمال، وصعوبة الكلام حيث يضعف تواصل المصاب وقدرته في إجراء الحديث المستمر مع الناس. بالإضافة لمشاكل الظهر أو المفاصل المزمن، والألم المزمن، وصعوبات السمع أو الصمم، وصعوبات الرؤية أو العمى.
إعاقة عصبية، أي لها علاقة بالجهاز العصبي، ويندرج تحتها الصداع النصفي المزمن، والصرع والتوحد، والقيود الفكرية والمعرفية التي تسبب العزلة وضعف الاندماج في المجتمع.
إعاقة نفسية، مثل انفصام الشخصية، والاكتئاب المزمن، ومحدودية القابلية على التعلم.
حق الوصول
من أجل أخذ ذوي الاحتياجات الخاصة لحقهم الكامل في الحياة، وممارستهم أنشطتهم اليومية بكل حرية، وكي يكونوا فاعلين في المجتمع، شددت الأمم المتحدة على منحهم حق “الوصول”، وهي كلمة عامة فسرتها بأنظمة عديدة، وحثت الدول على التقيّد بها، وهي:
الوصول إلى المرافق العامة
بمعنى منح ذوي الاحتياجات الخاصة القدرة على الوصول إلى المباني أو المساحات المستخدمة عادة من قبل الجمهور، يمكن أن تشمل المطاعم ومحلات البيع بالتجزئة والفنادق ومراكز المؤتمرات والمكاتب الطبية وغيرها، وأيضًا المسارح والملاعب الرياضية والمرافق التعليمية والمواقع التاريخية والمعالم السياحية وما إلى ذلك.
من الخصائص المهمة لإمكانية الوصول التي يمكن تجاهلها أو نسيانها خطة للتعامل مع حالات الطوارئ، يجب أن تكون هناك خطة هروب للأشخاص ذوي الإعاقة في حالة الطوارئ
إذ يتطلب من القائمين في البلدان على تهيئة طرق وأماكن خاصة للمعاقين يستطيعون من خلالها الوصول إلى تلك الأماكن.
من الخصائص المهمة لإمكانية الوصول التي يمكن تجاهلها أو نسيانها خطة للتعامل مع حالات الطوارئ، يجب أن تكون هناك خطة هروب للأشخاص ذوي الإعاقة في حالة انقطاع التيار الكهربائي، أو في تعرض المباني للحرائق.
الوصول إلى المساحات الخارجية
أي منح ذوي الاحتياجات الخاصة القدرة للوصول إلى الحدائق العامة والمناطق الأثرية والساحات والحدائق.
قد يبدو أن هذه الأنواع من المساحات يمكن الوصول إليها دائمًا، لكنها في الحقيقة لا تكون متاحة، إذ قد تحتوي الحدائق على سلالم أو عوائق أخرى في المسارات، أو قد تكون أعلى من مستوى الرصيف.
قد تكون الممرات والأرصفة ضيقة جدًا بحيث لا تسمح بمرور الكراسي المتحركة بسهولة، وقد تؤدي طرق الرصف أو الحصى التي تم صيانتها بشكل سيئ إلى صعوبة المشي على أي شخص غير مستقر عند قدميه أو بسبب صعوبات في الرؤية، فيتطلب من المصممين لتلك المناطق وضع تلك المطاليب في الحسبان عند وضع تصميم تلك الأماكن.
التوظيف
كي لا يحتاج المعاقين إلى استجداء الناس أو طلب مساعدة المحسنين لسد رمقهم، شددت الأنظمة على توفير فرص عمل للمعاقين طالما كانت إعاقتهم لا تتعارض مع المهنة التي يتقدم لها.
الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقدم لللشركات وأرباب العمل حوافز مثل تخفيض الضرائب لقاء منح هذه الفئات وظائف لديها.
حقهم في التعليم
لكل فرد الحق في التعليم المناسب تبعًا لمواهبهم واحتياجاتهم، حيث يضمن قانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقة (IDEA) في الولايات المتحدة، وكذلك القوانين في العديد من البلدان الأخرى، التعليم للطلاب ذوي الإعاقة.
في حالة IDEA، يمتد هذا الضمان إلى المدرسة الثانوية، وقد يمتد ليشمل طلاب المرحلة الجامعية.
الوصول إلى المجتمع
يجب أن يتمتع كل شخص بالحق في المشاركة الكاملة في الحياة المجتمعية، بما في ذلك حضور الخدمات الدينية وتناول الطعام في المطاعم العامة والتسوق والاستمتاع بالمرافق الترفيهية، وغيرها من النشاطات والفعاليات المجتمعية.
الوصول إلى الطرق العامة
الطرق والشوارع والأرصفة وممرات المشاة كلها طرق عامة، قد يتضمن الوصول وضع طرق خاصة للمعاقين وإشارات صوتية أو ضوئية لتنبيههم وكذلك إضافة تقنيات خاصة لتعليم المكفوفين وتوجيههم.
الوصول إلى وسائل النقل العامة
يحق للأشخاص ذوي الإعاقة الوصول المادي إلى وسائل النقل العام، يتم توفير هذا في بعض الأحيان عن طريق المصاعد للحافلات والقطارات والعربات التي تتطلب خطوات كثيرة للدخول، كما أجازت بعض الدول اصطحاب المكفوفين لكلاب التوجيه الخاصة بهم إلى داخل المترو والطائرات.
في المحصلة تعني إمكانية الوصول أكثر من مجرد القدرة على الوصول إلى الكرسي المتحرك، إنه يتضمن وجود ميزات ووسائل راحة يمكن استخدامها من قبل الجميع، ويمكن الوصول إليها بسهولة.
والأكثر من ذلك تناقش الدراسات الحديثة أدق التفاصيل التي يجب حسابها، فمثلًا يتطلب من المصمم للمرافق العامة عرض الممرات على البوصة، وحجم المصاعد (ووضع أزرار المصاعد)، وارتفاع نوافير الشرب، وحجم وموقع قضبان الاستيلاء في دورات المياه، وشكل مقابض الأبواب، كما يتم توضيح عدد من أماكن وقوف السيارات المعاقين، ومنحدر سلالم الكراسي المتحركة.
اهتمام دولي
هناك أسباب كثيرة دفعت بالمشرعين الدوليين إلى منحهم هذا الاهتمام، فعدا كونهم يمثلون نسبة كبيرة من تعداد السكان في العالم، فهنالك أيضًا أمور أخرى منها:
1- إنها مسألة عدالة واحترام .
2- الفشل في ضمان إمكانية الوصول يضيع مواهبهم، فالعديد من المعاقين يمتلك مواهب كبيرة في جوانب لا تؤثر الإعاقة فيها.
3- يعتبرون مورد بشري ليس بالقليل والتخلي عنهم تزيد نسبة الفقر في المدن.
4- دمجهم في المجتمع يقلل الفروق الطبقية ويجعل منهم مكون مؤثر وفعال قادر على التعايش بدون مضايقات.
5- الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة يحسن الوصول للجميع، بمعنى تهيئة الطرق والأماكن لدخول المعاقين إليه، يجعل من السهل على الأصحاء الدخول فيها.
واقع ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان العربية
تنظر معظم المجتمعات العربية إلى ذوي الاحتياجات الخاصة نظرة شفقة، وهؤلاء يعتبرون في الكثير من الأحيان “فئة مهمشة غير مرغوب فيها” بسبب عقليات المجتمع أو القوانين الحاكمة.
ورغم احتواء دساتير وأنظمة تلك البلدان على لوائح وقوانين ترفع من شأن هذه الفئة فهي لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق.
يتوقع زيادة نسبة المعاقين والمحتاجين للرعاية الخاصة بنسبة كبيرة جدًا، خاصةً في العراق وسوريا بعد سنين الحرب الطويلة، وتسلط الفساد على رؤوس العباد
وقد شهدت أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي ارتفاعًا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد انتشار أحداث الربيع العربي وانتقاله من دولة إلى أخرى، ومجابهة تلك الأنظمة الدكتاتورية لتلك التظاهرات بالقمع والتنكيل.
حيث كانت آخر إحصائية يعوّل على صحتها أجرتها منظمة الصحة العالمية، عام 2012، خلصت إلى وجود أكثر من 34 مليون من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة.
الآن يتوقع زيادة نسبة المعاقين والمحتاجين للرعاية الخاصة بنسبة كبيرة جدًا، خاصةً في العراق وسوريا بعد سنين الحرب الطويلة، وتسلط الفساد على رؤوس العباد، حيث يتوقع ازدياد نسبة المعاقين في العالم العربي لحوالي 40 مليون.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نتناول بعض الأرقام في الدول المستقرة في العالم العربي لبيان حجم هذه الفئة وما تعانيه، فمثلًا:
المغرب
يتجاوز عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب حاجز الـ2.2 مليون مواطن، ما يمثل 6.8% من إجمالي عدد السكان، ما يعني أن أسرة واحدة من بين كل 4 أسر معنية بالإعاقة، وفقًا للنتائج التي أوردتها وزارة الصحة المغربية.
من جهتها طالبت التنسيقية المدافعة عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب، ضمن رسالتها، المنظمات بـ”قبول طلب اللجوء الإنساني في أحد البلدان، التي ترغب في احتضان هذه الفئة المنبوذة، و المحرومة من أبسط الحقوق الإنسانية في العيش الكريم”.
وأكدت التنسيقية أن الحكومة لا “تحترم الاتفاقيات الدولية، وحقوق الإنسان، والمعاقين، بل ودستور البلاد وقوانينها، وفشلت في إيجاد حل لملف المكفوفين المعطلين، حاملي الشهادات”، وساقت مثالًا على ذلك بـ”نسبة 7% من عدد الوظائف التي يفترض تخصيصها لهم، والتي ما يقارب نحو 20 سنة ونحن ننتظر تفعيلها”.
تونس
في تونس قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي: “إن الأشخاص ذوي الإعاقة ما زالوا محرومين من حقّهم في الشغل مؤكدا أن نسبة البطالة في صفوفهم بلغت 40% حسب الإحصائيات الرسمية و60% حسب المنظمات الممثلة لهم ممّا يجعلها تبلغ 3 أو 4 أضعاف مقارنة ببقية السكّان النشطين”.
مصر
تتصدر مصر قائمة الدول العربية الأكثر عددًا في معدلات ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ يقدر عددهم بنحو 12 مليون مصري حسب تقديرات أممية، تفنيدًا للأرقام المصرية التي تذهب إلى أن العدد الحقيقي يتراوح بين 3 و4 ملايين معاق.
وتقول هبة هجرس ناشطة مصرية في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وعضو في المركز القومي لشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة: “إن ما تخصصه الحكومة المصرية من حصة ذوي الاحتياجات الخاصة حسب “نظام الكوتا” في سوق العمل المصري لا وجود له على أرض الواقع”، إذ تسمح الحكومة المصرية بانتداب 5% من ذوي الاحتياجات الخاصة من نسبة الموظفين إلا أن هبة تؤكد أن النسبة لا تتعدى 0.5% فقط.
لبنان
أما في لبنان فبحسب التقرير الأخير الذي صدر عن البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية فإن ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون نسبة 15% من سكان لبنان، ورغم مضي 13 عامًا على صدور القانون 220/2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان فإن معظم بنوده لم تطبق بعد وهو ما يهدد حياة هذه الفئة.
فلسطين
في فلسطين، هناك ما يقرب من 400 ألف شخص من ذوي الإعاقة، أكثر من نصفهم في سن العمل، ولكن لا بواكي لهم.
السعودية
تصل نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية 7% من إجمالي عدد السكان بتعداد قدره 1.5 مليون مواطن، وهم مهمشين بدرجة كبيرة، ويعانون من عدم توفر أبسط الخدمات المقدمة لهم.
معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان العربية
في المنطقة العربية، باستثناء بعض دول الخليج ربما، يعاني المعاقون من نقص الخدمات المتاحة لهم والعقبات الكثيرة التي يواجهونها في حياتهم اليومية، سواء كانت ناتجة عن قوانين وسياسات أم تصرفات اجتماعية وعنصرية، وتظهر المقارنة بين واقع هذه الشريحة المهمة في دول متقدمة، وفي المنطقة العربية، فجوة كبيرة ومتزايدة.
وترصد التقارير العربية والدولية حجم معاناة ذوي الإعاقة داخل المجتمعات العربية، فعلى سبيل المثال فإن متوسط الدخل الشهري للأشخاص الذين يعانون من أي من صور الإعاقة أقل بكثير من متوسط الدخل العام؛ فيما يتعذر على قرابة 60% منهم تحمل تكاليف حياتهم الشهرية.
وبجانب عدم وجود برامج دمج وتوظيف المعاقين في معظم الدول العربية، فإن عددا كبيرًا من المدن العربية، لا تبدو حتى مهيأة في ما يتعلق بالبنية التحتية والمواصلات، لتيسير ممارسة المعاقين حياتهم اليومية.
أما على مستوى المجتمع، فإن النظرة وفقًا لمختصين تتراوح بين الإشفاق أو السخرية في الكثير من الأحيان، وهو ما يدفع إلى المزيد من تهميش هذا القطاع المهم من المجتمع.
ولا توجد في العالم العربي قاعدة بيانات حول العنف والإساءة ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، أما الحالات التي يتم الإبلاغ عنها، فهي أقل بكثير من الحالات التي تحدث على أرض الواقع.
كما لا تهتم غالبية الدول العربية بتأسيس نظام تأمين صحي خاص بذوي الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي يشكل عبئًا كبيرًا على المريض، إذ يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى الكثير من المعدات غالية الثمن ليستطيعوا المشاركة في الحياة الاجتماعية بين الناس، إلا أن عدم توفر تأمين صحي مناسب لهم يزيد من نسبة انعزالهم عن المجتمع.
وعلى المستوى التعليمي، هناك خلل واضح في اهتمام الدول العربية بالمنظمات التعليمية الخاصة بهم، إذ تحتاج تلك المؤسسات دعمًا ماديًا كبيرًا بعض الشيء؛ فيضطر معظم أهاليهم إلى مشاركة أولادهم في المدارس الحكومية للتعليم، وهو يشكل عبئًا جسديًا ونفسيًا.
كما يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في مجال العمل في العالم العربي من عدم أخذ عملهم على محمل الجد، فيتم توظيفهم فقط لتحقيق نسبة قليلة من النسبة التي تصرّح بها الحكومة، إلا أنه لا يتم تكليف كثير منهم بعمل جاد أثناء ساعات عمله.