ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ليسا غيريون وتشاد تيرون
منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل، قللت الوكالة التنظيمية من المخاوف الصحية بشأن بودرة التلك في المساحيق ومستحضرات التجميل، وأرجأت مرارًا وتكرارًا مسألة التدخل تاركة الموضوع في عهدة المصنعين. ومع تنامي ضغط الدعاوى القضائية والتحقيق الذي أجرته وكالة رويترز، كثفت الإدارة الأمريكية من حجم الاختبارات التي تجريها.
في أواخر السنة الماضية، تجمع المنظمون الأمريكيون وضيوفهم في فندق بالقرب من واشنطن العاصمة لمناقشة أفضل طريقة لاكتشاف مادة الأسبستوس المسببة للسرطان في مساحيق التلك ومستحضرات التجميل. وسيطرت أيدي الصناعة على “ندوة الأسبستوس في التلك”، التي كانت برعاية إدارة الغذاء والدواء، حيث أن معظم المشاركين غير الحكوميين البالغ عددهم 21 قدّموا خدمات لشركات التلك، على غرار إجراء الاختبارات والعمل كشهود خبراء ومستشارين، وذلك وفقا لما تكشفه السجلات.
بحسب ما تظهره السجلات، ترأس الجلسات الرئيسية شهود لجونسون آند جونسون في دعاوى قضائية زعمت أن الشركة لم تحذر العملاء بأن “بودرة الأطفال” كانت ملوثة بمادة الأسبستوس المسببة للسرطان، في حين رُفضت دعوات حضور الأطراف الآخرين، بما في ذلك الطبيب الذي أدلى بشهادته ضد جونسون آند جونسون في الدعوة التي أسفرت عن دفع الشركة لمليارات الدولارات كتعويضات.
التاريخ يعيد نفسه
على مدار الخمسين سنة الماضية، اعتمدت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على المسؤولين في مجال الصناعة الذين غالبا ما يؤجلون النظر في هذه المسألة حتى مع إثارة الخبراء والمستهلكين الخارجيين، خلال الكثير من المناسبات مخاوف صحية جدية بشأن مساحيق التلك ومستحضرات التجميل، وذلك وفقًا لما توصل إليه تحقيق أجرته وكالة رويترز للأنباء. كما بيّنت الوثائق الصادرة في إجراءات المحكمة واستجابة لطلبات السجلات العامة، أنه منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل، قللت الوكالة من أهمية خطر تلوث الأسبستوس ورفضت إصدار تحذيرات أو فرض معايير السلامة.
على مدار 50 سنة، أرجأت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مرارا وتكرار للمصنعين مسألة تقييم سلامة مساحيق التلك ومستحضرات التجميل. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت الوكالة أوامر بإجراء اختبارات كشفت عن مدى الخطر الذي تشكله مادة الأسبستوس في مساحيق الأطفال.
في هذا السياق، أفادت إدارة الغذاء والدواء بأنها لا تملك الصلاحيات بمطالبة الشركات المصنعة باختبار وجود مادة الأسبستوس في التلك أو الإبلاغ عن أية نتائج. وتجدر الإشارة إلى أنه قلّما ما كانت الإدارة تطلب إجراء اختباراتها الخاصة. وفي خضم تشديد الكونغرس للرقابة، وفتحه تحقيقا جنائيا ضد شركة جونسون آند جونسون، ناهيك عن قرارات هيئة المحلّفين المكلفة ضدّ الشّركة، كلفت الجهات المنظمة بإجراء اختبارات التي كشفت وجود مادة وجدت الأسبستوس في 11 مستحضر تجميل قائم على مادة التلك، بما في ذلك في بودرة الأطفال الخاصة بشركة جونسون آند جونسون، ما دفع بالشركة إلى سحب قرابة 33 ألف عبوة.
في هذا الصدد، صرّح رجا كريشنامورثي، عضو الكونغرس عن ولاية إلينوي الذي يرأس لجنة فرعية تابعة لمجلس النواب الأمريكي أن الوقت حان حتى تتوقف جهات الرقابة عن الاعتماد على ضمانات السلامة للمصنعين. وتابع المصدر ذاته: “عندما يتعلق الأمر بالسرطان أو المواد المسرطنة، لا يعود للرقابة الذاتية أية جدوى”. وخلال ردود مكتوبة على أسئلة من رويترز، أوضحت إدارة الغذاء والدواء أن مواردها وسلطتها لتنظيم صناعة مستحضرات التجميل محدودة، مؤكدة أنها لا تملك القدرة على ضمان سلامة مستحضرات التجميل قبل وضعها على رفوف المتاجر، ولا يمكنها إجبار الشركات على التخلص منها عند اكتشاف وجود مخاطر محتملة.
أشارت شركة جونسون آند جونسون، وهي أكبر شركة منتجة في العالم لمساحيق التلك، في بيان لها أنها سحبت حوالي 33 ألف عبوة. وبعد مرور 11 يومًا، أعلنت الشركة أن الاختبارات التي أجرتها المختبرات التي استأجرتها حددت أن منتجاتها لا تحتوي على أسبستوس، ما عدا بعض التلوث الذي ذكرت أنه كان جراء مكيف الهواء
في المقابل، أكدت إدارة الغذاء والدواء بعد إصدارها دعوة طوعية لشركات مستحضرات التجميل الملوثة، خلال شهر آذار/مارس، أنها تعتمد على الشركات المصنعة لاتخاذ خطوات لضمان سلامة منتجاتها. وقالت إدارة الغذاء والدواء إنها أضحت تدرك، على غرار منظمة الصحة العالمية وغيرها من وكالات الصحة العامة منذ سنوات، أنه لا يوجد مستوى آمن معروف للأسبستوس. ومن جانبه، أفاد مسؤولو إدارة الغذاء والدواء أن سياستهم الحالية تتمثل في اتخاذ إجراءات سريعة، وإذا لزم الأمر تشجيع عمليات الاستدعاء، حتى عند اكتشاف كميات صغيرة من مادة الأسبستوس.
في هذا الإطار، أشارت شركة جونسون آند جونسون، وهي أكبر شركة منتجة في العالم لمساحيق التلك، في بيان لها أنها سحبت حوالي 33 ألف عبوة. وبعد مرور 11 يومًا، أعلنت الشركة أن الاختبارات التي أجرتها المختبرات التي استأجرتها حددت أن منتجاتها لا تحتوي على أسبستوس، ما عدا بعض التلوث الذي ذكرت أنه كان جراء مكيف الهواء ووجد في عينات من زجاجة واحدة اختبرتها إدارة الغذاء والدواء.
“لا يوجد خطر على الصحة”
في سنة 1971، بدأت إدارة الغذاء والدواء في إجراء بحوث عن سلامة التلك، بعد أن اكتشف الباحثون في مركز ماونت سيناي الطبي في نيويورك ما بدا أنه مادة الأسبستوس في إحدى العلامات التجارية غير المعروفة لبودرة التلك. وبعد مرور سنتين، أظهرت سجلات إدارة الغذاء والدواء أنها عثرت على الأسبستوس في عينة من سائل الاستحمام “شاور أند شاور” التابع لشركة جونسون آند جونسون الذي صنع من مادة التالك نفسها الذي استخدمت في منتج “جونسون بايب باودر”. ومن جهتها، لم تعلن الإدارة عن النتيجة التي توصلت إليها.
تقرير مختبر يحدد ألياف الأسبستوس ضمن عينة اختبرتها إدارة الغذاء والدواء لمسحوق الاطفال.
كشف تقرير على موقع إدارة الغذاء والدواء يظهر صور الأسبستوس التي التقطت بواسطة مجهر ذو حقل عالي التكبير.
أصدرت إدارة الغذاء والدواء خططًا لفرض معايير الاختبار على مساحيق التلك ومستحضرات التجميل. وفي الواقع، نشرت المجموعة التجارية اختبارها الخاص، الذي كان طوعيا لاستخدام الشركات. ويقر المعيار المكتوب لهذا الاختبار بأنه لا يمكن اكتشاف معظم أنواع داء الأسبست فضلا عن أحد الأنواع الشائعة من أسبستوس الكريسوتيل. وفي بيان لرويترز، قالت المجموعة التجارية إنها تعتقد أن الكريسوتيل ليس مرتبطًا بشكل عام بالتلك المستخدم في مستحضرات التجميل.
في الحقيقة، يعدّ الكريسوتيل أحد أنواع الأسبستوس الذي وقع اختباره بتكليف من إدارة الغذاء والدواء في مسحوق الأطفال لهذه السنة. علاوة على ذلك، عثر على هذه المادة في العديد من الاختبارات التي أجرتها مختبرات جونسون آند جونسون على التالك من سنة 1972 إلى سنة 2003، وذلك وفقًا للسجلات المنتجة في الدعاوى القضائية. وصرحت شركة جونسون آند جونسون إن بعض الاختبارات أجريت على التلك الصناعي في حين عكست بعض اختبارات مسحوق الأطفال خلفية التلوث.
فضلا عن ذلك، يعدّ الأسبستوس مصطلحا لمجموعة من ستة معادن تستنشق بسهولة، ومن المعروف أنها تسبب سرطان الرئة والمبيض فضلا عن أنواع أخرى من السرطان. وفي حين أن معظم الأشخاص المعرضين لا يصابون بالسرطان، إلا أن بعض الكميات الصغيرة تكفي لإحداث المرض.
قال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جونسون آند جونسون، أليكس غورسكي، إن إدارة الغذاء والدواء دافعت منذ فترة طويلة عن التلك وأصرت بشكل عام على موقف شركتها من أن مساحيقها كانت آمنة ونقية.
مشكلة كبيرة
برزت اهتمامات سلامة التلك مجددا في سنة 1983 عندما صادف طالب دراسات عليا بصدد البحث في المجلات الجيولوجية عن علم السموم، معلومات اعتبرها مزعجة وتفيد بأنه عادةً ما تكون رواسب التلك مزروعة بالأسبستوس. وعموما، يتذكر فيليب دويليت خلال المقابلة التي أجراها مع رويترز مسحوق التالك الذي استخدمته أخته على طفلها وحثها على التوقف عن استخدامه وتحذيره لإدارة الغذاء والدواء من الأسبستوس المتواجدة في مساحيق التلك. وأضاف دويليت، الذي يدير في الوقت الراهن شركة التكنولوجيا الأحيائية في ميامي قائلا: “لقد كان واضحًا للغاية بالنسبة لي أن هناك مشكلة كبيرة”.
استنادا إلى عريضة دويليت، اعتمد تقييم المخاطر الصادر عن إدارة الغذاء والدواء في حزيران/ يونيو سنة 1985 على رسالة من الشركة تم تلقيها منذ 10 سنوات تُشير إلى تقدير الوكالة لحجم الخطر الذي تعرض له الأطفال. وجاء في الرسالة التي صدرت سنة 1974 من جونسون آند جونسون إلى إدارة الغذاء والدواء أنه في حال تعرض الأطفال بنسبة تصل إلى واحد بالمئة من الأسبستوس في مسحوق التلك، فسيكون تركيزه أقل بكثير من المسموح به في ذلك الوقت للعمال الصناعيين.
في النهاية، قررت إدارة الغذاء والدواء أنه لا حاجة إلى التحذير من الأسبستوس على مساحيق التلك. وفي الرسالة التي وُجّهت في تموز/ يوليو سنة 1986 إلى دويليت، القائم بأعمال مفوض إدارة الغذاء والدواء، قال سوانسون إن جودة التلك التجميلي تحسنت “وأنه حتى عندما كان يحتوي على الأسبستوس، كانت المستويات منخفضة للغاية لدرجة أنه لا يوجد خطر صحي”. بالإضافة إلى ذلك، كتب سوانسون أن مسؤولي الوكالة تساءلوا عن تأثير مادة الأسبستوس في مسحوق التالك، وأن هذه الشكوك تستند جزئيا إلى ورقة نشرت في وقائع مؤتمر علمي عُقد سنة 1977.
وضح الباحثون في دراسة جونسون آند جونسون، أحدهما مشرف على اختبار الأسبستوس والطرف الآخر مدير إمداد التلك، أن بعض طرق الاختبار كانت ملائمة لتحديد الشظايا الصخرية الشبيهة بالمجهر مثل الأسبستوس. وأصبحت سلطات الصحة العامة الأمريكية والأوروبية تعتبر هذه الشظايا بمثابة سموم مفترضة بسبب تشابهها مع الأسبستوس. ومن جهتها، دافعت إدارة الغذاء والدواء عن قرارها سنة1986 برفض عريضة دويليت، من خلال بيان قالت فيه إن طالب الدراسات العليا “لم يقدم أدلة مقنعة على أن التلك التجميلي الذي أنتج في ذلك الوقت يحتوي على كميات كبيرة من معادن الأسبستوس”.
خلال الثمانينيات، نفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التماسًا من طالب الدراسات العليا فيليب دويليت للحصول على بطاقة تحذير على التالك، قائلًا إنه لا يوجد دليل كاف على أنه يشكل خطرا.
ليس أولوية
بعد مرور ثماني سنوات، تلقى المنظم طلبًا جديدًا للحصول على ملصق تحذير على مساحيق التلك، من الدكتور صموئيل إبستاين، أستاذ الطب البيئي بجامعة إلينوي الذي ترأس تحالف الوقاية من السرطان. وعموما، لا يتعلق التماس إبستاين لسنة 1994 بالأسبستوس، حيث يعد التلك في حد ذاته خطرا لا بد من الحذر منه. واستندت عريضته إلى بحث يظهر أن التلك، عندما يستخدم كمزيل للعرق في الملابس الداخلية، فسيؤدي إلى الإصابة بسرطان المبيض.
في خطاب مقتضب في تموز/ يوليو سنة 1995، أخبر رئيس مستحضرات التجميل بإدارة الغذاء والدواء، جون بيلي، ائتلاف إبشتاين أن الإدارة لم تتخذ أي إجراء باعتبار أن لها أولويات أخرى. وفي هذا الصدد، قال بيلي لرويترز في بيان إنه أصدر هذا الرد “المؤقت” لأن العريضة تفتقر إلى الدعم العلمي.
في سنة 2002، بعد عدم اتخاذ أية إجراء بشأن الالتماس، انتقل بيلي إلى مجموعة مستحضرات التجميل، المعروفة في الوقت الراهن باسم مجلس منتجات العناية الشخصية. واعتبره المجلس “موظفًا رئيسيًا” بسبب “وظيفته السابقة في إدارة الغذاء والدواء”. وفي سنة 2006، صنفت الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية استخدام مسحوق التلك في منطقة العجان، منطقة الحوض بين الساقين، باعتبارها “مسببة للسرطان”. ومن جانبها، تسعى إدارة الغذاء والدواء تسمية تحذير للسرطان على منتجات التلك.
في اجتماع أيار/مايو سنة 2009، أطلع بيلي وويل وممثلون آخرون عن الصناعة مسؤولي إدارة الغذاء والدواء على التقييم، وذلك وفقًا لمذكرة الاجتماع التي تم إنتاجها في التقاضي من قِبل مورد جونسون آند جونسن لشركة تالك. وبعد مرور ثلاثة أيام، أخبر ويلي زملاءه في رسالة بالبريد الإلكتروني، “إننا على ثقة تامة بأن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية سترفض هذا الالتماس بمجرد مراجعة طلبنا”. وقبل أن تقرر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية طلبات التحذير، تنامت المخاوف من جديد بشأن تلوث الأسبستوس.
بناءً على تقرير صدر سنة 2009، أجرت إدارة الغذاء والدواء اختبارات التلك للمرة الأولى منذ 40 عامًا، حيث استأجرت شركة “أي إم أي” للخدمات التحليلية في ماريلاند، التي قامت بتحليل 34 عينة من مساحيق التاك ومستحضرات التجميل، بما في ذلك مسحوق الأطفال جونسن الذي لم يقع العثور على الأسبستوس في أي منها.
رُفض مرتين: طلب أستاذ الطب البيئي بجامعة إلينوي، الدكتور سامويل إبستاين، من إدارة الغذاء والدواء في سنتي 1994 و2008 وضع التحذيرات على التلك، بحجة أنه مرتبط بسرطان المبيض. ويظهر إبستاين، المتوفى الآن، في سنة 1998.
لم يكن للمختبر أي خبرة فيما يتعلق باختبار الأسبستوس في التلك، حيث ركزت أعماله السابقة على مواد البناء، وذلك وفقًا لشهادة أدلى بها مدير مختبر الجمعية الطبية الأمريكية، أندرياس سالديفار. وفي هذا السياق، قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إن مختبر سالديفار استخدم “أكثر التقنيات المتاحة حساسية”، لكنه حذر من أن النتائج كانت مقتصرة على مساحيق التلك ومستحضرات التجميل التي تم اختبارها والتي كان عددها 34.
بالإضافة إلى ذلك، كان للاختبار قيود أخرى، حيث دَرس المختبر بودرة التلك في عينات أقل مقارنة بالمعامل الأخرى التي وجدت الأسبستوس في مساحيق التلك، كما أجرت عملها في جزء قصير من الوقت مقارنة بالوقت المعتاد لمثل هذه التحليلات. ومؤخرًا، وقعت إعادة توظيف مختبر سالديفار بواسطة إدارة الغذاء والدواء. في المقابل، عثر في هذه المرة على الأسبستوس الذي أدى إلى الاسترجاع الأول من بودرة الأطفال الشهيرة جونسون آند جونسون.
واجب التحذير
في أول حكم من نوعه، وجدت هيئة محلفين في داكوتا الجنوبية في تشرين الأول / أكتوبر سنة 2013 أنه يتوجب على شركة جونسون آند جونسون تحذير النساء من أن مسحوق التلك مرتبط بسرطان المبيض. وتدخلت إدارة الغذاء والدواء في هذه القضية لاحقا، حيث قالت في إعلان لها إن العلم لم يكن قويا بما يكفي لدعم تحذير حول السرطان.
طلبت إدارة الغذاء والدواء من شركة جونسون آند جونسون “بيانات السلامة المتعلقة بالتالك”. في المقابل، قدمت الشركة تقريرًا ينفي وجود الأسبستوس في التلك”.
في الواقع، لم تكن مثل هذه الحجج دائما مقنعة في المحكمة. ففي أوائل سنة 2016، خلصت هيئة محلفين في ولاية ميزوري إلى أن مساحيق جونسون آند جونسون تسببت في وفاة امرأة بسرطان المبيض، وأن الشركة منحت الناجين 72 مليون دولار. وفيما بعد، أبطلت محكمة الاستئناف هذا الحكم، وحكمت بأن المرأة رفعت الدعوى في ولاية خاطئة.
في أعقاب ذلك، طلبت إدارة الغذاء والدواء من شركة جونسون آند جونسون “بيانات السلامة المتعلقة بالتالك”. في المقابل، قدمت الشركة تقريرًا ينفي وجود الأسبستوس في التلك”. ومنذ ذلك الحين، أرغمت الدعاوى القضائية الشركة على إنتاج مستندات داخلية تُظهر أن الشركة تعلم بأن التلك ومساحيقها احتوت على الأسبستوس لعدة عقود. وخلال السنة الماضية، واستجابة لتجدد المخاوف حول الأسبستوس، شَرعت رئيسة مستحضرات التجميل في إدارة الغذاء والدواء ليندا كاتز في تنظيم ندوة تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2018 فضلا عن جلسة استماع عامة حول اختبار التالك، المزمع عقدها في العام المقبل.
في هذا السياق، طلبت كاتز من شركة جونسون آند جونسون المساعدة. وردّت الشركة بإرسال خطاب يوصي بقائمة تضم ثلاثة خبراء في اختبار التالك. والجدير بالذكر أن اثنين من الخبراء، بالإضافة إلى شاهد ثالث من شركة جونسون آند جونسون، قادوا جلسات مغلقة في “ندوة الأسبستوس في التالك” في 28 تشرين الثاني / نوفمبر سنة 2018.
غير مدعو
في بيان لوكالة رويترز، قللت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من دورها في الندوة، قائلة إن المعهد المشترك لسلامة الأغذية والتغذية التطبيقية “استضاف” الحدث. وقالت الوكالة: “لم يكن من المتوقع أن تتم أية توصيات رسمية أو تنظيمية”. وفي الواقع، تظهر السجلات أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بادرت ودفعت ثمن الاجتماع، وحددت جدول الأعمال واختارت المشاركين.
في الحقيقة، مهد الاجتماع لتوصيات رسمية حول كيفية اختبار المنتجات التي يستخدمها الملايين من الأشخاص يوميًا. وفي هذا الصدد، قالت إدارة الغذاء والدواء إن لجنة حكومية مكلفة باقتراح اختبار قياسي للأسبستوس في مساحيق التلك ومستحضرات التجميل “تواصل العمل من خلال القضايا التي تمت مناقشتها في ندوة المعهد المشترك لسلامة الأغذية والتغذية التطبيقية”.
من جهة أخرى، رفضت إدارة الغذاء والدواء طلبات رويترز لتقديم قائمة بالمشاركين أو أية معلومات عما حدث. وبعد أن قدمت رويترز طلب سجلات عامة مع المعهد المشترك لسلامة الأغذية والتغذية التطبيقية، نشرت مجموعة الأبحاث معلومات عن الاجتماع عبر الإنترنت وأصدرت رسائل بريد إلكتروني حول التنظيم.
أظهرت قائمة الضيوف أن أكثر من نصف المشاركين البالغ عددهم 54 وقع توظيفهم من قبل إدارة الغذاء والدواء وغيرها من الوكالات. ووجدت رويترز أن من بين 21 مشاركًا غير حكومي، كان 17 منهم إما يعملون لدى شركات التالك أو أجروا اختبارات معملية أو خدموا كشهود خبراء في هذه الصناعة. كما عمل خمسة من المشاركين المنتسبين إلى شركات التلك كشهود خبراء للمدعين. وكان معظم المشاركين غير الحكوميين خبراء في الجيولوجيا أو اختبار المعادن.
حاول الابتعاد: حاول الدكتور ديفيد إيجلمان، وهو الشاهد الخبير لمحامي المدعين في دعاوى التلك ضد جونسون آند جونسون، الحصول على دعوة لحضور “ندوة الأسبستوس في التلك” التي ترعاها إدارة الغذاء والدواء خارج واشنطن العاصمة العام الماضي، لكن مسؤولاً من هذه الإدارة قال إن خبرته لم تكن مطلوبة.
في شأن ذي صلة، أفادت إدارة الغذاء والدواء في بيان لها إنها تتجنب عادة عقد جلسات بقيادة شهود الدفاع أو المدعين. ومع ذلك، قالت الوكالة إن هناك “عددًا محدودًا من الخبراء في جميع أنحاء العالم لديهم معرفة علمية” بشأن اختبار الأسبستوس والمعايير وتحليل النتائج.
علاوة على ذلك، لم يكن الجميع موضع ترحيب. وكان الدكتور، ديفيد إيجلمان، من بين الأشخاص الذين رفضوا، حيث أنه شهد في العام الماضي في محاكمة انتهت بحكم بقيمة 4.69 مليار دولار للنساء اللاتي زعمن أن مساحيق التلك التابعة لجونسون آند حونسون تسببت في الإصابة بسرطان المبيض.
كما كتب إيجلمان في رسالة بريد الإلكتروني في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2018 إلى المنظمين يطلب فيها إدراجه في الندوة، حيق يتطلب الاختبار “تحديد الجسيمات أو العناصر التي يجب اختبارها، وهو ما يعد سؤالا طبيا وليس مسألة فنية”. ومن جهتها، اتخذت كاتز وجهة نظر مختلفة، حيث قالت في رسالة بريد إلكتروني أرسلتها لإيجلمان إن “هذا الاجتماع لا يهدف إلى مناقشة القضايا أو المخاوف المتعلقة بالصحة”.
بالإضافة إلى ذلك، أخبرت كاتز إيجلمان أن القصد من الندوة لم يكن في التوصل إلى أي توافق في الآراء. ومع ذلك، صاغ قادة الجلسة في ختام الندوة، ما أسموه تقارير “توافق” أو “موافقة”. وفي هذا الإطار، تبنى اثنان من التقارير التي استعرضتها رويترز مواقف الصناعة بشأن الأنسجة التي ينبغي اعتبارها خطرة، وهي قضية خلاف حاد في قاعات المحاكم في جميع أنحاء البلاد.
المصدر: وكالة الأنباء رويترز