ترجمة وتحرير: نون بوست
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، احتفل القنصل الهندي العام في نيويورك، سانديب تشاكرافورتي، بإنجازات “إسرائيل” في ترسيخ الهيمنة السياسية والثقافية في فلسطين المحتلة، ودعا إلى الاقتداء “بالنموذج الإسرائيلي” في كشمير. كما أن تأييد الممثل السياسي الهندي لإقامة مشروع استيطاني غير شرعي في كشمير والسعي إلى وضع أسس دولة قومية إثنية والبحث عن طرق لتحقيق ذلك يعد أمرا مثيرا للاستياء والسخط، لكنه ليس مفاجئًا. وحتى الرسالة الأخيرة التي أصدرها رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، والتي تعبر عن دعمه للسيادة الفلسطينية، لا يمكنها إخفاء الاتجاه الذي سارت فيه الهند منذ زمن طويل: أن تصبح دولة قومية إثنية في حد ذاتها.
تحالف راسخ الجذور
منذ سنة 2003، شكّلت الهند و”إسرائيل”، في بعض الأحيان بمشاركة الولايات المتحدة، تحالفًا راسخ الجذور ضد الإرهاب والمسلمين “المتعصبين”. واليوم، تعد الهند إحدى أكبر الدول المشترية للأسلحة الإسرائيلية، وتشارك في “مكافحة الإرهاب” المشتركة، والتدريبات العسكرية، وتدرّب القوات الهندية الخاصة، التي وقع نشرها بعد ذلك في المناطق الشمالية المضطربة في الهند، بما في ذلك كشمير. في المقابل، لا تعتبر الهند و”إسرائيل” مجرد “صديقتين تجمعهما المنافع المشتركة”.
على غرار الحركة الصهيونية التي تزعم أن العرب ليس لهم ارتباط بأرض فلسطين، على الرغم من كونها وطنهم، يعتبر أنصار هندوتفا، وهي الشكل السائد للقومية الهندوسية في الهند، المسلمين أجانب وغزاة
في الواقع، تكمن القضية المشتركة بين البلدين في معركتهما النبيلة ضد التهديد الوجودي الذي يشكله “المسلمون المتعصبون”، حيث تبرر كلتاهما توجهها العسكري وتجاهلهما لحقوق الإنسان بالنسبة للفلسطينيين والكشميريين كذريعة لترويض المسلمين “الهمجيين” و”المتخلفين”، و”مزدري النساء”. ففي هذه الدول التي تدعي الديمقراطية، يقوض المسلمون، بمجرّد وجودهم، الهوية الدينية والثقافية العليا للدولة.
على غرار الحركة الصهيونية التي تزعم أن العرب ليس لهم ارتباط بأرض فلسطين، على الرغم من كونها وطنهم، يعتبر أنصار هندوتفا، وهي الشكل السائد للقومية الهندوسية في الهند، المسلمين أجانب وغزاة، ويشكلون تهديدا للأمة. وينبغي عليهم إما مغادرة الهند أو اعتناق هذا التوجه السائد أو العيش كمواطنين من الدرجة الثانية. كما أن تصريحات القنصل العام تمحو وجود أغلبية السكان المسلمين في كشمير، وتاريخهم باعتبارهم سكانا أصليين للبلاد، فضلا عن الطبيعة التعددية للمجتمع الكشميري.
لقد اعتنقت الحكومة الهندية الحالية بلا خجل الأديولوجيا الهندوسية المتشددة التي تبناها أولاً مؤسسو منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (آر إس إس) اليمينية المتطرفة. وفي الوقت الراهن، لا يوجد مكان لغير الهندوس في منطقة هندوستان. وفي حدث مرتقب في تورنتو، سيجمع خطاب “الإرهاب” الإسلامي بين الصهاينة والقوميين الهندوس معًا لمناقشة ” الأعداء ذاتهم والإيديولوجية ذاتها”.
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (على اليمين) خلال زيارة إلى نصب ياد فاشيم التذكاري للمحرقة اليهودية في القدس في الرابع من تموز/ يوليو سنة 2017.
في مدينة نيويورك، تولى ممثل الهند باجتثاث الهوية الكشميرية وثقافتها، وأعلن أن الإيمان والثقافة الهندوسية هي الأسمى لاعتناقها. وكان لخطابه صدى قوي بين الأفكار الاقصائية والتفوق التي يروج لها القنصل العام وآراء مادهاف ساداشيف جولوالكار وفيناياك دامودار سافاركار، الذين يعتبران ركائز إيديولوجية الهندوتفا، وأنصار الصهيونية. وأدان كل من سافاركار وغلوكلار التصويت الهندي في الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1948 لصالح دولتين متساويتين للإسرائيليين والفلسطينيين.
مثلما ألقى أتباع هندوتفا اللوم على المسلمين بسبب خسارة الثقافة الهندوسية في كشمير وباقي الهند، حمّل جولوالكار، على نحو غير دقيق، المسؤولية لفقدان الثقافة والتقاليد اليهودية في فلسطين على “اقتحام الإسلام”، وبالتالي دعم إنشاء دولة يهودية حصرية على حساب التطهير العرقي للفلسطينيين. وقال جولوالكار إن اليهود “حافظوا على عرقهم ودينهم وثقافتهم ولغتهم” في المنفى، ولم يتبق لاستكمال “جنسيتهم” سوى “أرضًا طبيعية”.
رحلة التيه في الكتاب المقدس
من خلال رسم أوجه التشابه مع “إسرائيل” ومقارنة خروجهم من كشمير برحلة التيه في الكتاب المقدس، حث القنصل الهندي العام الكشميريين الهندوس على الحفاظ على عقيدتهم وثقافتهم ولغتهم والعودة وفقًا للخطة التي وضعتها الحكومة، كمستوطنين. ويُذكر أن هذه الفكرة لاقت رفض الكشميريين الهندوس المقيمين في كشمير، فضلا عن العلماء الكشميريين الهندوس. وعموما، يُعتبر الكشميريون الهندوس مقيمين دائمين على قدم المساواة في جامو وكشمير، حيث تؤكد أغلبية المسلمين العودة الكريمة لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى وطنهم، بما في ذلك قيادة المقاومة الكشميرية.
مؤيدو منظمة فيشفا هندو باريشاد القومية الهندوسية، في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر.
من خلال الاستفادة من ظاهرة الكراهية المعادية للمسلمين التي وقع ترسيخها بعناية في جميع أنحاء العالم، تمكنت كل من الهند و”إسرائيل” من إقناع شعبيْها بتجاهل، أو الأفضل من ذلك، تجريدهم من إنسانيتهم واستبعاد مجتمعات بأكملها من السكان الأصليين التي لا تتفق مع الهوية الوطنية العليا للدولة.
“صراع داخلي”
تمكنت كل من الهند و”إسرائيل”من الهروب من الاهتمام الفعلي من جانب الجهات الفاعلة السياسية القوية، بما في ذلك المنظمات الحكومية الدولية. ومن جهتها، وصفت الهند بنجاح احتلالها العسكري المستمر منذ عقود لمنطقة كشمير بأنه “صراع داخلي”، حيث ألغت بوضوح أي دعوة ربما ظن المجتمع الدولي أنه ينبغي عليه التدخل ضد انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة التي يرتكبها الجيش الهندي.
في الواقع، تعتبر “إسرائيل” نفسها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وملاذا للسكان المتحضرين البيض المحاطين بالعرب الغاضبين، على الرغم من عجزهم. كما أن موقف “إسرائيل” العدواني من ملايين الفلسطينيين الأصليين يقابل بدعم الولايات المتحدة التي تمنحها مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والدعم لسياسة المستوطنات الإسرائيلية.
في الوقت الراهن، يواجه الكشميريون تهديدًا وجوديًا. ومنذ أن ألغت الهند آخر أثر للوضع شبه السيادي الذي كان يحظى به الإقليم، فقد الكشميريون السيطرة على أراضيهم ومواردهم. ومع الوعد بتدفق التكتلات التجارية التي آثرت الأرباح على الشعب والأرض، بدأت مخالب الحكم الاستعماري الطويلة في ترسيخ نفسها في الجنة الخصبة والهشة في وطن عائلتي.
المصدر: ميدل إيست آي