ترجمة وتحرير: نون بوست
كان تطبيق المراسلة تيليغرام، لسنوات، التطبيق المفضل لدى إرهابيي تنظيم الدولة الذين يستخدمونه لنشر دعايتهم. لقد تغيّرت أسماء آلاف الحسابات، وأُرسلت روابط جديدة للانضمام إلى مجموعات يتضاعف عددها مثل حبيبات الرمل، وحتى الشخص الذي ليس له دراية بالأساليب الإرهابية، يمكنه التنقل بسهولة من حساب دعاية إلى آخر. يبدو أن تنظيم الدولة استغل هذا الحقل الخصب لإرسال البيانات ونشر مقاطع الفيديو الخاصة به والرد بسرعة على أي هجوم إرهابي في جميع أنحاء العالم، التي غالبا ما ينسبها لنفسه.
لكن يبدو أن “شهر العسل” في هذا التطبيق الذي تمكنت هذه الجماعة بفضله من حماية مراسلاتها طيلة سنوات قد انتهى. منذ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، لاحظ الإرهابيون كيف كانت الحسابات والقنوات التابعة لها تزال الواحد تلو الآخر من هذه المنصة. وفي بعض الأحيان، كان يتم إنشاء حسابات جديدة بالسرعة نفسها تقريبا. والأمر لم يقتصر على القنوات الدعائية الرئيسية للإرهابيين فحسب، مثل “قريش ميديا” أو “خلافة نيوز” أو “ناشر” أو “وكالة أخبار أعماق”، وإنما شمل أيضا حسابات المؤيدين على المستوى الأدنى. وقد دفعت هذه “الغارة” الرقمية أتباع تنظيم الدولة إلى البحث عن منصات جديدة وشبكات أكثر سرية أو حتى إنشاء تطبيقات البث الخاصة بهم، وذلك حسب تحذيرات المحللين الذين استشارتهم صحيفة الكونفيدينسيال.
كانت دعاية تنظيم الدولة وآلاته الإعلامية وقدرته على النشر الجماهيري، بصرف النظر عن وحشية هجماته، من إحدى سماته الإرهابية.
كانت وحدة الإحالة عبر الإنترنت التابعة للمكتب الأوروبي للشرطة، اليوروبول، هي التي تقف وراء هذه المطاردة الهائلة للحسابات والمحتوى الإرهابي التابع لتنظيم الدولة على تيليغرام. وفي يومي 21 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر، التقى أفراد هذه الوحدة بالعديد من مزودي خدمة الإنترنت، بما في ذلك تيليغرام، لتنظيم علاقات تعاونية في إطار الحملة الإلكترونية ضد تنظيم الدولة. وقد ساهمت هذه الحملة، التي تقودها قوة الشرطة الأوروبية، في تضييق الخناق على دعاية هذه الجماعة الإرهابية وقطعت الاتصالات، بشكل فعال جدا، بين مؤيدي الجهاديين.
شملت هذه العملية نطاقا واسعا وهي تعد الحملة الأكثر اكتمالا ضد “الجهاد عبر الإنترنت” التي تستهدف تنظيم الدولة منذ أن وجد الإرهابيون ملجأهم المثالي على تيليغرام منذ سنة 2015. ومن الملفت للانتباه أن هذه الأرقام كانت مذهلة، ففي يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر فقط، وقع تعليق حوالي 10.345 حسابا أو قناة أو محتوى إرهابي بشكل مفاجئ، علما بأن عمليات تعليق الحسابات لم تتجاوز 100 تعليق في اليوم. ويوم 21 من نفس الشهر، اتخذت هذه العملية منعطفا آخر، حيث وقع حذف ما بين 2.096 و2.959 حساب إلى جانب 3.516 حساب وقناة ذات محتوى إرهابي، وذلك وفقا للأرقام الصادرة عن منظمات مراقبة تنظيم الدولة.
بشكل مفاجئ، فقد إرهابيو تنظيم الدولة المنبر الذي كانوا ينشرون عبره شعاراتهم ورسائلهم على نطاق واسع. وقد كانت دعاية تنظيم الدولة وآلاته الإعلامية وقدرته على النشر الجماهيري، بصرف النظر عن وحشية هجماته، من إحدى سماته الإرهابية. وخلافا لأي تنظيم إرهابي آخر، تمكن تنظيم الدولة من استغلال التكنولوجيا لتعزيز شهرته في جميع أنحاء العالم، وقد وجد في التيليغرام – منصة مراسلة مشفرة – فضاءً متميزا. وحسب المحللين الذين تمت استشارتهم، “تأخر تيليغرام في تفعيل البروتوكولات أو التعاون مع قوات الأمن وهيئات الدولة”.
لم يكن من المتوقع أن يرد تنظيم الدولة على هذا النوع من الإجراءات، لكنه فعل ذلك رسميا، رغم الرقابة المفروضة على مختلف الوسائط التي ينشط عليها. وفي مقال افتتاحي نُشر في أحدث مجلة له “النبأ”، سلطت هذه الجماعة الضوء على قوة أجهزتها الإعلامية وقدرة نشطائها ومؤيديها على نشر المحتوى عبر الإنترنت. وحتى لو كان حضور تنظيم الدولة على الإنترنت مقيدا، فإنهم يقولون “إنها مجرد مسألة وقت فقط”. كما نشر “مركز قريش للإعلام” بيانا مفاده: “حملتكم ضد شبكات التيليغرام الخاصة بنا ستعقّد الوضع، سنتوسّع في كل مكان، وسنقوم بإخفاء الأهداف وتوسيعها سرّا”.
لا يمكن إنكار حقيقة أن النتيجة الأولى لهذه “الغارة” كانت إيجابية للغاية على مستوى الحد من استقطاب مؤيدين جدد: “لقد تم تقليل نطاق رسالتهم والحد من تأثيرها، مما يجعل الوصول إلى ملفات تعريف جديدة أمرا صعبا”.
في الواقع، هذا هو الخطر الأمني المباشر الذي يراه الخبراء. من خلال إضفاء مزيد من السرية أو على الأقل تغيير استراتيجيته الدعائية، وقع التخلص من جميع شبكات التسلل إلى مجموعات التيليغرام الخاصة بالإرهابيين الذين يتتبعهم عملاء المخابرات. وحسب أحد المحللين المطلعين على الآليات التي تستخدمها هذه الجماعة الإرهابية: “قد وقع اختراق التيليغرام من قبل قوات أمن الدولة، وكان مستوى الذكاء الذي وصلت إليه متقدما للغاية. سوف يستغرق تطوير بعض النظم الآلية التي تسمح بالوصول إلى معلومات استخبارية عالية الجودة بعض الوقت”.
مع ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن النتيجة الأولى لهذه “الغارة” كانت إيجابية للغاية على مستوى الحد من استقطاب مؤيدين جدد: “لقد تم تقليل نطاق رسالتهم والحد من تأثيرها، مما يجعل الوصول إلى ملفات تعريف جديدة أمرا صعبا”.
الماتريوشكا الروسيّة
تحدثت ريتا كاتز، المديرة والمؤسسة المشاركة لموقع سايت للاستخبارات، عما يميز هذه الحملة عن تلك التي سبق تنظيمها مبينة أن “القضاء الجماعي على المستخدمين الفرديين والإداريين، وليس بالضرورة القنوات، قد أثبت عدم فعاليته حتى الآن”. بعبارة أخرى، يعتبر القضاء على الحسابات التابعة لتنظيم الدولة عملية أكثر عمقا من غيرها، كما تتناسب مع الاستراتيجية المعتادة لتنظيم الدولة نفسه في تطبيق التيليغرام، حيث لا يتم نشر الاتصالات فحسب بل يكشف أيضا المحتوى المتعلق بأيديولوجيته الجهادية. وعلى الرغم من أن عدد مجموعات وقنوات تنظيم الدولة يقدر بالمئات وربما بالآلاف، إلا أنها تعمل جميعها كدمى روسية أو ما يسمى بـ “الماتريوشكا” الروسيّة.
على المستوى الأول، يمكن لأي شخص أن يعثر على قنوات البث من مختلف وسائل الإعلام والوكالات والجماعات المختلفة المرتبطة بتنظيم الدولة مع أنواع مختلفة من الشكل الرسمي لها والقرب كثيرا من المجموعة الجهادية. كما أن هذه القنوات متوفرة بأسعار معقولة لجميع الفئات الاجتماعية. ولا تربط بعض القنوات علاقة مباشرة مع ساحات حرب تنظيم الدولة بل بالأحرى تعتبر بمثابة “المناصرين” للتنظيم، حيث يقومون بإنشاء المحتوى من مقاطع الفيديو إلى صور الميمز، التي يتم نشرها في بعض الأحيان من قبل القنوات الرسمية.
عموما، تظهر هذه القنوات وتختفي باستمرار، وهي تعمل على إرسال روابط جديدة بكثافة إلى كل مجموعة جديدة، متنقلة من واحدة إلى أخرى. ومع ذلك، بلغت محاولة التأثير على الآخرين مستويات أعمق من ذلك لأن القنوات وحسابات الإرهابيين أصبحت أكثر دقة وتعمل على جودة المعلومات حول استراتيجيات تنظيم الدولة.
تمكّنت بعض هذه القنوات الأكثر سريّة من تنظيم هجمات على الأراضي الأوروبية. وحيال هذا الشأن، قالت كاتز إنه “يمكنك التحكم في الديناميات التي تربط بين مختلف هؤلاء الأفراد، وهم أفراد مهتمون بنشاط تنظيم الدولة أو مجرد متابعين، من خلال القضاء ليس فقط على القنوات، وإنما أيضًا على الحسابات والمستخدمين من جميع الأنواع”.
تنظيم الدولة بصدد البحث عن منصات جديدة
إن تضييق الخناق على تنظيم الدولة دفعه إلى استخدام منصات مراسلة وشبكات اجتماعية أخرى أقل انتشارا ولكن تتبعها أكثر تعقيدا. وتعد هذه المنصات أقل فعالية في مهمة الإعلان عن رسائل تنظيم الدولة مقارنة بالتيليغرام. ويبدو أن عملية لندن الإرهابية قد أثبتت هذا التوجّه لتنظيم الدولة في العالم الافتراضي. وقد نشرت وكالة “ناشر” نيوز التابعة لتنظيم الدولة يوم 30 تشرين الثاني/ نوفمبر على موقع “تام تام” الروسي ادعاءات بتنظيم الهجوم الذي وقع في لندن في اليوم السابق، حيث قتل الإرهابي عثمان خان شخصين قبل أن يموت برصاص الشرطة البريطانية في قلب لندن بريدج.
عكس المشرفون على تطبيق التيليغرام توجّهًا مغايرا في التعامل مع حسابات الإرهابيين على التطبيق. وقد أفادت بعض الأطراف من قبل جهاز الشرطة الأوروبية بأن “التيليغرام قد بذل جهدًا كبيرًا في السنة ونصف السنة الماضية للقضاء على هذه الانتهاكات
خلال الأشهر الأولى من سنة 2018، حاولت المجموعات المرتبطة بتنظيم الدولة نقل نشاطها إلى تطبيق “تام تام” الروسي، لكن باءت هذه المحاولة بالفشل بسبب حملة تعليق الحسابات التي قام بها فريق الإشراف على التطبيق نفسه. فقد ألغى هذا التطبيق مئات الحسابات التي أبلغ عنها نشطاء مناهضون لتنظيم الدولة على الإنترنت خلال أسبوع واحد فقط. وتجدر الإشارة إلى أن سرعة المشرفين على “تام تام” تتناقض تماما مع تطبيق التيليغرام الذي قرر لسنوات غض الطرف عن الانتشار المفرط للحسابات والقنوات والمحادثات ذات الصلة بتنظيم الدولة.
مع ذلك، عكس المشرفون على تطبيق التيليغرام توجّهًا مغايرا في التعامل مع حسابات الإرهابيين على التطبيق. وقد أفادت بعض الأطراف من قبل جهاز الشرطة الأوروبية بأن “التيليغرام قد بذل جهدًا كبيرًا في السنة ونصف السنة الماضية للقضاء على هذه الانتهاكات من خلال تعزيز قدرته التقنية على مواجهة المحتوى الضار وإقامة شراكة وثيقة مع اليوروبول”.
في شأن ذي صلة، يعتبر “ريوت” من المنصات الأخرى التي اكتشفت انتشار جملة من الحسابات التابعة لتنظيم الدولة على فضائها خلال الأسبوع الماضي، علما بأنه سبق أن طرد التنظيم من التطبيق نفسه في سنة 2017 بشكل فوري. كما اختبر تنظيم الدولة منصة “روكتشات” سنة 2018 دون أن يحقق نجاحا ملموسا بالنظر إلى انخفاض شعبية النظام الأساسي.
هل يؤسس تنظيم الدولة تطبيقا خاصا به؟
على الرغم من الحملة الموسّعة التي تقودها وكالة يوروبول، إلا أنه لم يتم استبعاد الجهاديين بشكل تام من التيليغرام. وقد حذّر الخبراء من أن الحملة المستمرة مع مرور الوقت ضرورية لمنعهم من العودة إلى هذا التطبيق. في الأثناء، تبقى الخيارات المتبقية بالنسبة لتنظيم الدولة هي إنشاء منصة خاصة به وهو أمر حاول القيام به في مناسبات سابقة بدرجات متفاوتة من النجاح.
المصدر: الكونفيدينسيال