كان المشهد غريبًا للغاية في القاهرة في تلك الأيام من فبراير 2011، فبينما كان الملايين يتظاهرون في ميادين مصر وخاصة في ميدان التحرير، كان المئات من المواطنين يتظاهرون في عدة ميادين مؤيدين لنظام الديكتاتور حسني مبارك.
ومع المزيد من الأصوات التي تعالت منددة بالثورة، وخائفة من الانخراط في أي عمل قد يؤدي بالديكتاتور إلى السجن أو الإهانة .. بدأ الحديث عن تفسير علمي لذلك، ووجد المصريون تفسيرًا فيما عُرف باسم متلازمة ستوكهولم.
فما هي متلازمة ستوكهولم؟
ظهر مصطلح “متلازمة ستوكهولم” في مثل هذا اليوم منذ واحد وأربعين عامًا، وذلك مع انتهاء حصار استمر لمدة ستة أيام على أحد البنوك.
اليوم٢٣ اغسطس يمثل مرور٤١ على الحادثة التي نتج عنها مصطلح "متلازمة ستوكهولم" بعد أن أقدم يان أولسون على سرقة بنك و أخذ بعض المتواجدين رهائن!
— #السويد ?? (@Sweden_AR) August 23, 2014
لا يعرف أحد من خارج مملكة السويد هذه الأسماء: بريغيتا لاندبلاد، إيليزابيث أولدغرين، كريستين إنمارك، وسفين سافستروم، وهي أسماء أربعة من الموظفين في بنك كريديت بانكن.
الحادثة وقعت في كريديت بنك بمربع نورمالم في ستوكهولم عام ١٩٧٣ و التي أحدثت جدلاً لدى أطباء علم النفس آنذاك #السويد pic.twitter.com/2BxfIfENh1
— #السويد ?? (@Sweden_AR) August 23, 2014
ففي الثالث والعشرين من أغسطس عام 1973، احتجز الأربعة داخل بنك “كريديت بانكن” بستوكهولم من قبل جان إيريك أولسون ذو الاثنين وثلاثين عامًا، والذي انضم إليه فيما بعد أحد زملائه في السجن.
وبعد ستة أيام ومع انتهاء ذلك الاحتجاز، بدا على المخطوفين أنهم قد بنوا علاقة إيجابية مع هذين الخاطفين.
ومن هنا نشأت فكرة متلازمة ستوكهولم، حيث كان الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة “نيلز بيجيروت” هو أول من صاغ هذا المصطلح، وأظهر الطبيب النفسي “فرانك أوشبيرغ” اهتمامًا بهذه الظاهرة وقام في السبعينيات من القرن الماضي بتعريف المتلازمة وتوضيحها لمكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الشرطة البريطانية “سكوتلاند يارد”.
حيث كان يعمل في ذلك الوقت على مساعدة فرقة العمل الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب والفوضى في وضع استراتيجيات للتعامل مع حالات احتجاز الرهائن.
وتضمنت معاييره ما يلي: “في البداية، يتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعبًا في نفوسهم؛ مما يجعلهم متأكدين من أنهم مشارفون على الموت، ثم يمرون بعد ذلك بمرحلة يكونون فيها كالأطفال غير قادرين على الأكل أو الكلام أو حتى الذهاب لقضاء الحاجة دون الحصول على إذن.”
ويوضح أوشبيرغ أن قيام المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعورًا بالامتنان “لمنحهم الحياة”.
وأضاف قائلاً: “يتكون لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش.”
ما الذي حدث داخل ذلك البنك وأدى إلى ظهور تلك المشاعر الإيجابية لدى المخطوفين تجاه خاطفيهم، على الرغم من تعرض حياتهم للخطر؟
في مقابلة أجريت معها عام 2009 على قناة راديو السويد، قالت كريستين إنمارك، وهي إحدى ضحايا تلك الحادثة: “إنه نوع من مجريات الأحداث التي تتعرض لها، للدرجة التي تحدث بطريقة ما تغييرًا في قيمك وأخلاقياتك كلها.”
وطبقًا للتقارير الواردة، كانت إنمارك صاحبة أقوى العلاقات بين الرهائن الأربعة مع محتجزيها.
ففي إحدى المكالمات الهاتفية التي أجرتها من داخل أحد أقبية البنك مع رئيس الوزراء آنذاك أولوف بالم، كانت إنمارك تتوسل إلى هذا الأخير حتى يسمح لها بمغادرة مبنى البنك مع الخاطفين، وكان أولسون قد طالب بإحضار سيارة إليهم حتى يتمكنوا من الهرب فيها مع الرهائن، إلا أن السلطات رفضت ذلك الطلب.
وقد أعربت بالم لرئيس الوزراء عن “خيبة أملها” فيه.
وقالت: “أعتقد أنك لا تقوم بشيء سوى الجلوس هناك واللعب بأرواحنا، إنني أثق بكلارك وبزميله، ولا أشعر بأي نوع من اليأس، هم لم يرتكبوا أي أمر سيء معنا، بل على العكس، كانوا لطيفين جدًا معنا.”
وأردفت مخاطبة رئيس الوزراء: “إن ما يقلقني بالفعل هو أن تداهم الشرطة المكان وتتسبب في مقتلنا.”
وكان الصحفي الأمريكي دانييل لانغ قد قام بعد عام بإجراء حوار لصحيفة “ذا نيو يوركر” مع كل من حضروا تلك القصة، وكان من شأن ذلك الحوار أن يسلط الضوء على معظم ما حدث وكيف كانت طريقة تفاعل الخاطفين والمخطوفين مع الأحداث.
وكتب لانغ معلقًا أن الرهائن كانوا يتحدثون عن حسن معاملتهم من قبل خاطفهيم، بل إنهم بدوا في لحظة ما وكأنهم مدينون لخاطفيهم بحياتهم.
ففي إحدى المرات أثناء حادثة الاختطاف تلك، سمح لإيليزابيث أولدغرين -وكان لديها رهاب من الأماكن المغلقة – بالخروج من ذلك القبو الذي كانوا محتجزين فيه والتحرك في الخارج وهي تربط شريطًا حول عنقها.
وقالت إنها شعرت في ذلك الوقت بأن السماح لها بالتجول يعد لطفًا من خاطفها أولسون.
كما أن سافستروم، وكان أحد المخطوفين، قال إنه شعر بالامتنان عندما أخبره أولسون بأنه ينوي إطلاق النار عليه حتى يبين للشرطة جديته في الأمر، إلا أنه أضاف بأنه سيتأكد من أنه لن يقتله إلا بعد أن يكون مخمورًا تمامًا.
وتعمل متلازمة ستوكهولم على إبراز التعارض في المشاعر لدى المخطوفين، إلا أن مشاعر الخاطفين تختلف أيضًا.
حيث كان أولسون قد قال أيضًا إنه وفي بداية تلك الحادثة، كان من الممكن أن يجهز على جميع الرهائن إلا أنه دفع مع مرور الوقت لتغيير رأيه.
وكتب لانغ مضيفًا: “كان أولسون يتحدث بشدة عن أن ذلك يعد خطأ الرهائن، حيث قال: “لقد كانوا يقومون بكل شيء أطلبه منهم، ولولا ذلك، لما آل الحال لما أنا عليه الآن، لماذا لم يقم أحد منهم بمهاجمتي؟ لقد جعلوا من الصعب علي أن أقتلهم؟ لقد كانوا يجبروننا على التعايش معهم يومًا بعد يوم، ولم يكن أمامنا مفر من التعرف على بعضنا البعض.”
وطبقًا لمقالة نشرت عام 2007 في نشرة “لو إنفورسمنت” أو “تطبيق القانون” التي تصدر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، تأتي هذه النظرية بمثابة المفتاح الرئيسي في متلازمة ستوكهولم، والذي يمكن للمفاوضين في مثل تلك الأزمات أن يعملوا على إذكاء تلك المشاعر الإيجابية عند الخاطفين، وهو ما من شأنه أن يزيد من فرص نجاة الرهائن.
النشطاء في العالم العربي كتبوا عن شعوبهم وعلاقتهم بحاكميهم مرجعين تعاطف المقموع مع الديكتاتور إلى تلك النظرية، وظهرت صفحات وحسابات وحتى فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تشرح المتلازمة بالنظر إلى ما يحدث في دول مثل مصر وسوريا ودول أخرى.
ولا توجد معايير تم الاتفاق عليها لتعريف هذه المتلازمة، كما أنها ليست مذكورة في أكبر دليلين للصحة النفسية: الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، والتصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل الصحية ذات الصلة، والذي يعرف بـ “آي سي دي”.