ترجمة وتحرير نون بوست
اجتمع قادة الناتو هذا الأسبوع لحضور قمة منسّقة للغاية بمناسبة الذكرى السبعين للتحالف. وصُمّم هذا التجمع لإظهار جبهة موحدة بين الدول الأعضاء والتأكيد على أهمية حلف الناتو باعتباره هيكل الأمن والدفاع العالمي البارز. في المقابل، طغت عليه الخلافات الحادة بين الأعضاء حول الأمن القومي، التي تفاقمت بسبب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن معاناة الناتو من “موت دماغي”، مما أدى إلى تلقيه توبيخا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في الواقع، تعتبر فرنسا أن التوغل العسكري الأخير لتركيا في شماليَ سوريا، والذي دعمته إدارة ترامب بشكل فعلي، هو علامة على تزعزع التحالف وفشله في اتخاذ إجراء مشترك. كما أن شراء تركيا المثير للجدل لنظام الدفاع الصاروخي إس 400 من روسيا أثار القلق.
محاربة الإرهاب
قبل اجتماع الناتو، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يتوقع من الحلفاء تقديم دعم غير مشروط لمحاربة تركيا للإرهاب. وفي الحقيقة، تريد تركيا من حلف الناتو أن تُصنّف وحدات حماية الشعب الكردي، العنصر الرئيسي للقوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، رسميّا كمنظمة إرهابية ووقف المساعدات العسكرية والدعم للجماعة.
يرتكز حلف الناتو على تعهد بالدفاع عن أعضائه، وهو ما تُبيّنه المادة 5 “الكل من أجل واحد، وواحد من أجل الكل”. وإذا كان هذا المبدأ الأساسي ينهار، فلن يكون هناك سوى القليل لإبقاء التحالف متماسكا
في الواقع، تعدّ وحدات حماية الشعب الكردي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية وسط تمرد دام لثلاثة عقود. بالإضافة إلى ذلك، قال أردوغان للصحفيين قبل فترة وجيزة من السفر إلى لندن: “إذا لم يعترف أصدقاؤنا في حلف الناتو بأن تلك المجموعات التي نعتبرها منظمات إرهابية بأنها إرهابية بالفعل، فسنقف ضد أية خطوة يتم اتخاذها هناك”.
في المقابل، قال ماكرون يوم الثلاثاء إن هناك حاجة إلى مزيد من الوضوح بشأن التعاريف والإجراءات المشتركة لتحديد التهديدات المشروعة للأعضاء، مضيفًا: “ليس لدينا التعريف نفسه للإرهاب”، الأمر الذي ردده وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر سابقًا، الذي حث تركيا على العمل داخل حلف الناتو بشأن “القضايا الكبرى”. وتابع إسبر حديثه قائلا: “لا يعد الجميع مستعدين للتوافق مع أجندتهم. ولا يرى الجميع التهديدات نفسها التي يلاحظونها”.
يرتكز حلف الناتو على تعهد بالدفاع عن أعضائه، وهو ما تُبيّنه المادة 5 “الكل من أجل واحد، وواحد من أجل الكل”. وإذا كان هذا المبدأ الأساسي ينهار، فلن يكون هناك سوى القليل لإبقاء التحالف متماسكا. ومن جهتها، تعرضت تركيا لانتقادات بسبب تهديدها بإعاقة خطة الدفاع المقترحة لبولندا ودول البلطيق ما لم يُعتَرَف بحقها في القتال ضد الميليشيات الكردية في سوريا. واعتُبرت هذه الخطوة دليلاً على أن تركيا أصبحت مفسدة مؤيدة لروسيا داخل الناتو.
مع ذلك، رفض المسؤولون الأتراك هذه الادعاءات، مؤكدين أن جميع الأعضاء يتمتعون بحق النقض. في المقابل، يتضمن موقف تركيا الضمني في قناعتها بأن الناتو يجب أن يدافع عن المصالح الأمنية لجميع أعضائه بالقدر نفسه. وفي يوم الأربعاء، سحبت تركيا اعتراضها على الخطة.
تعترض تركيا على ما تعتبره معيارًا غير عادل من قبل حلفائها في الناتو وتقليل حجم التهديد الذي تواجهه البلاد على حدودها الجنوبية مع سوريا.
الخلاف حول الدفاع الصاروخي
في الأثناء، وصلت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن شراء نظام الدفاع الصاروخي إس 400 إلى مستويات جديدة الشهر الماضي عندما تحدت أنقرة تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات من خلال اختبار نظام الدفاع الصاروخي. وفي الحقيقة، هزت هذه الخطوة البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، مما زاد من توتر العلاقات الثنائية.
من جهتها، تعترض تركيا على ما تعتبره معيارًا غير عادل من قبل حلفائها في الناتو وتقليل حجم التهديد الذي تواجهه البلاد على حدودها الجنوبية مع سوريا. وتسعى الحكومة التركية إلى تحديد “منطقة آمنة” بعمق 20 ميلًا على امتداد 75 ميلًا من الحدود، مع قيام القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة. كما دعا أردوغان إلى دعم إعادة توطين اللاجئين السوريين في المنطقة.
رؤساء الحكومات لحلف الناتو يلتقطون صورة جماعية في واتفورد، في شماليّ شرقيّ لندن، في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر (وكالة فرانس براس).
تسعى تركيا إلى الحصول على مستوى من الدعم من حلفائها يتناسب مع أهميتها الاستراتيجية للتحالف وتاريخ مشاركتها في النزاعات عالية الخطورة. وفي حديثه في أنقرة قبل القمة، كرر أردوغان التأكيد على أن موقع تركيا الجغرافي يتطلب اتباع سياسة خارجية متعددة الأبعاد. وفي هذا الصدد، صرح أردوغان قائلا: “علاقاتنا مع روسيا والدول الأخرى ليست بديلاً عن العلاقات مع حلفائنا، بل على العكس، تعمل على تكميلها”.
في شأن ذي صلة، كان مستقبل حلف الناتو محطّ اهتمام وسائل الإعلام التركية في الأيام الأخيرة، حيث يشكّك كتاب الأعمدة المؤيدون للحكومة في أهميته في نظام عالمي ما بعد الاتحاد السوفياتي متعدد الأقطاب. وفي الواقع، ذهب كاتب عمود إلى حد القول إن حلف الناتو لم يعد حليفا، لكنه يشكل تهديدا لتركيا، فهو لم يشترك أبدا مع أنقرة في حربها المكلفة ضد الإرهاب.
لا يخلو الناتو من طابع الحدة، إلا أنه يتمتع بسجل حافل بالمرونة المؤسسية التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة الحالية
فاعل خير ورهينة
لم تتبنّ الحكومة مثل هذا الخطاب التحريضي. وبدلاً من ذلك، ادعت تركيا منذ فترة طويلة أنها فاعلة خير ورهينة لمكانها الاستراتيجي على الخريطة، وهي مضطرة لمحاولة تحقيق توازن قويّ بين الجيران في منطقة مضطربة ومصالح القوى الخارجية. وفي حقبة تتغير فيها طبيعة النزاع بسرعة، ومع انتشار التهديدات غير المتماثلة في كل مكان، بما في ذلك الحرب الإلكترونية والجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول، تجادل تركيا بأنه يتعين على الناتو أن يتكيف مع الإصلاحات ويحاول إنجازها ليواكب العصر.
بعد القمة التي استمرت يومين، يبدو أن هناك نقطتان واضحتان، أولهما هو أن الناتو بمثابة تحالف سياسي بقدر ما هو تحالف أمني، إذ تتطلب مواءمة مصالح الأمن القومي لأعضائها المتنوعين والاتفاق عليها التزامًا مستدامًا وخطوات عملية مع مرور الوقت. ثانياً، على الرغم من أن تركيا لن تتنازل عن مصالحها الوطنية في سوريا في أي وقت قريب، إلا أن الناتو يمكنه المناورة عن طريق الحوار، وتقديم حلول متوازنة من خلال نهج “المصالح المشتركة”.
في حين لا يخلو الناتو من طابع الحدة، إلا أنه يتمتع بسجل حافل بالمرونة المؤسسية التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة الحالية. وفي حين لا يمكن طرد تركيا قانونًا من الناتو، إلا أنها تواجه تهديد العقوبات والعزلة التي تقودها الولايات المتحدة في محاكم الرأي العام بين أعضائها. فضلا عن ذلك، لن يعود عزل بولندا ودول البلطيق بالفائدة على أنقرة.
المصدر: ميدل إيست آي