ترجمة وتحرير نون بوست
قال دان كيلينغ، الذي يعمل في مطعم “نوبل روت” في بلومزبري في لندن: “أحب ألبوم توم يورك الجديد، لكن لا أعتقد أني سأشغل أغنية توم يورك الجديدة في الحانة؟ وبما أنه كان ينتمي إلى قسم “الفنانون والمرجع” في مجموعة إيمي (فقد وقع على كولدبلاي، وقال عن ذلك بأسى: “لقد كانت فرقة موسيقية مختلفة آنذاك”)، لا يسع كيلينغ إلا أن يلاحظ نوع الموسيقى التي تُشغل حين يتناول الطعام خارجا، لاسيما إن كان الاختيار خاطئا.
استرجع كيلينغ أمثلة من المطاعم الفاخرة، على غرار سلسلة مطاعم “إيت طوكيو” التي تشغل “أكثر أنواع الموسيقى كآبة وغرابة وشعائرية، لذلك غالبًا ما أتناول وجبة غداء سريعة وأخرج ويتملكني شعور بالاكتئاب الشديد”. وأضاف كيلينغ بريبة أنه قد يستمتع رواد مطعم “أسادور إتسبري” في إقليم الباسك، الذي صُنّف كأفضل ثالث مطعم في العالم في وقت سابق من هذه السنة، “بنسخة من النشيد الوطني البريطاني الذي بدا وكأن طفلا يعزفه على جهاز التسجيل”، مشيرا إلى أن ذلك “وكان يتكرر بشكل مستمر”.
في الوقت الذي تقترح فيه خدمات البث قائمات الأغاني من خلال تحديد الحالة المزاجية، ويتطلع مشرفو الموسيقى للأفلام والتلفزيون إلى مؤشرات الأغاني الضاربة القادمة، لم يكن هناك وعي أكبر بقوة الموسيقى في تعزيز المشهد. وفي الواقع، إن الموسيقى قادرة بشكل مماثل على انتقاص قيمة مشهد معين، وغالبًا ما يكون ذلك أكثر وضوحًا عند تناول الطعام بالخارج.
يدور خيار عدم تشغيل الموسيقى أيضًا حول السؤال الحاسم حول نوع الموسيقى التي ينبغي تشغيلها
تطرقت حكايات كيلينغ التحذيرية بشكل مكثف إلى مخاطر تشغيل مشغّل الموسيقى أغاني لجمهور متنوع وغير مبالي يهتم بشكل أساسي بحواسه الأخرى. في مطعم “نوبل روت”، لا يقع تشغيل أي موسيقى على الإطلاق (على الرغم من وجود جهاز أسطوانات للفينيل في الحانة). وحيال هذا الشأن، قال كيلينغ: “عندما أستمع إلى الموسيقى، أحاول أن أنتبه إليها”، مضيفا “يكتسي الأمر الأهمية ذاتها على غرار الطعام والنبيذ، إنه يتعلق بمنح كل شيء الحيز المناسب والاحترام”.
في المقابل، يدور خيار عدم تشغيل الموسيقى أيضًا حول السؤال الحاسم حول نوع الموسيقى التي ينبغي تشغيلها. يلاحظ كيلينغ أن رواد مطعم “نوبل روت”، وهو مطعم يحتوي على 55 أغنية مقلدة، متنوعون وتتراوح أعمارهم بين أوائل العشرينات وحتى 80 سنة، حيث قال: “ما هي الموسيقى التي سنشغلها وما هي الأحاسيس التي سيشعر بها الجميع التي ستساهم في تعزيز تجربتهم؟ تعتبر الموسيقى نكهة قوية مثلها مثل الطعام، إنه أمر آخر يُفهم بشكل خاطئ”.
خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، برزت صناعة بأكملها لمساعدة الشركات على إظهار أو بناء هوية علامتها التجارية. وحيال هذا الشأن، قال ميكي فيتراينو من شركة “إم يو في ميوزك سوبرفيجن”، إنه “كلما وصلنا إلى المطعم في وقت مبكر، كان ذلك أفضل”. أسس فيتراينو شركة الاستشارات الموسيقية في سنة 2004 بعد الإشراف على إدخال الموسيقى في نادي سوهو هاوس المخصص للأعضاء، حيث كان حينها يشغل منصب مدير العمليات. ومنذ ذلك الحين، قامت الشركة بتجميع محفظة عالمية تضم أكثر من 500 زبون، بما في ذلك واغماما، أرينا 02، ولاكي كات من غوردون رامساي في مي فير.
هناك اعتبارات تقنية، مثل ما إذا كانت الأغنية قد وقع تشغيلها بشكل مبالغ فيه، أو وجود نسخة مناسبة من أغنية ذات محتوى صريح
أكد فيتراينو أن المستشار الموسيقي يعمل “كمنسق موسيقى عشوائي”، حيث قال: “أنت تبرمج لتشغيل أغنية، وأنت لا تعلم طبيعة الشعور العام في المطعم”. يتمثل نهج الشركة في إعداد عدد قليل من قائمات تشغيل الموسيقى لتناسب الأوقات المختلفة من اليوم، لتكون متماسكة صوتيا بما يكفي لوضعها في ترتيب عشوائي (وحوالي أربعة أو خمسة أضعاف الوقت الذي سيقع تشغيلها فيه، لتجنب الكثير من التكرار، من أجل الموظفين).
يقع اختيار الأغنية بشكل متكرر من بين الأغاني المخصصة للزبائن ومقتطفات الموسيقى التصويرية ولوحات الإلهام. (تعتبر أنواع الموسيقى عديمة الجدوى بشكل أساسي.) على سبيل المثال، يستهدف موجز واغماما المرأة في العشرينيات من العمر، التي أوضح رئيس العمليات الموسيقية في شركة إم في يو، أليكس هيل، أنها تحمل طابع منسقة الموسيقى أني ماك، وهي الجانب الأسهل للوصول إليه من موسيقى البوب البديلة”. وفي هذا الصدد، قال هيل إنه يوجد بعض الفنانين، على غرار كروانغبين ونايتمارز وواكس و بونوبو، الذين يناسبون جميع الأماكن: “لن يقع تشغيل ديث ميتال، أو مينيمال تكنو 99 مرة من أصل 100”.
فضلا عن ذلك، هناك اعتبارات تقنية، مثل ما إذا كانت الأغنية قد وقع تشغيلها بشكل مبالغ فيه، أو وجود نسخة مناسبة من أغنية ذات محتوى صريح، فضلاً عن العوامل الخارجية والداخلية التي تساهم في تعطيلها، وفواصل المعزوفات المنفردة للغيتار. ويعد العامل الأكثر أهمية بالنسبة لصناعات الخدمات هي فترات الذروة والهبوط طوال اليوم أو الأسبوع أو الفصول (عادة ما تقوم شركة إم أي في بتحديث قائمات تشغيل الأغاني للزبائن كل ثلاثة أشهر).
عندما تنسجم الموسيقى التصويرية مع تجربة تناول الطعام، يمكن أن يُصبح هذا الإنسجام جزءًا أساسيًا من سمعة المطعم
بعد فترة الغداء في مطعم واغاماما على سبيل المثال، تصبح الموسيقى التصويرية أكثر هدوءا وملائمة للاستمتاع بتجربة تناول الطعام في مطعم فارغ إلى حد ما. حيال هذا الشأن، يقول هيل: “لا ترغب في تشغيل قائمة الأغاني الصاخبة الخاصة بك عندما يكون المطعم فارغًا ويجلس فيه شخص واحد”.
في المقابل، تتطلب رقعة تناول الغداء الجديدة في مطعم واغاماما والملقبة بماماغو موسيقى حماسية وسريعة الإيقاع لزيادة المبيعات. ومن المعروف أن الفنادق تفعل الشيء نفسه لتشجيع الضيوف على عدم الوقوف لوقت طويل بجانب موائد الطعام. وتجدر الإشارة إلى أن تأثير الموسيقى على إنتاجية الموظفين وعلى إنفاق العملاء قد دُرِس في بحث يعود تاريخه إلى أوائل الثمانينيات.
عندما تنسجم الموسيقى التصويرية مع تجربة تناول الطعام، يمكن أن يُصبح هذا الإنسجام جزءًا أساسيًا من سمعة المطعم. حيال هذا الشأن، يقول فيتراينو أن قائمات الأغاني الخاصة بشركة “ماف” قد ظهرت في العديد من تقييمات المطاعم. علاوة على ذلك، يمكن أن توحي طلبات الأشخاص الذين قدِموا لتناول وجبة العشاء لمعرفة اسم الأغنية التي تشتغل، باكتساب المطعم لمصداقية متنامية لدى محبي الموسيقى.
يقول هيل إن جزءا من جاذبية سوق دينيراما لأطعمة الشارع الموجود في محافظة شورديتش (حيث حلت قائمات الأغاني الخاصة بشركة “ماف” محل منسقي الموسيقى) يعود إلى الفرصة التي يوفرها المطعم لسماع أغنية غامضة أو ريمكس يروق لك لدرجة أنك تلجأ للبحث عنه في تطبيق شازام. قد يكون من الأفضل ترك ذلك للخبراء، حيث يقول هيل إن “هناك الكثير من قائمات الأغاني التي تُطلب في خدمة سبوتيفاي، مثل “مقهى الصباح”. تقوم هذه القائمات بمهمة ما، لكنها ليست مصممة خصيصا”.
بالنسبة إلى العديد من المطاعم، لا تستحق الثقة التي يكتسبها المطعم من قبل فئة الشباب من خلال استعمال قائمة أغاني مميزة خطر التأخير في تقديم الخدمة لبعض الزبائن
أدت الرغبة في جذب جميع الأذواق إلى ظهور بعض الأنواع والفنانين وحتى الأغاني كضروريات أساسية لقائمات الأغاني التي تستخدمها برامج الضيافة – مثلا تضع إذاعة راديو بي بي سي 1 في فترة الاستراحة الأغاني المقلدة المصنفة ضمن قائمة أفضل 40 موسيقى بوب.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت هيلاري ديكسلر كانافان، وهي محررة حول المطاعم لصالح موقع الويب الخاص الأمريكي”إيتر”، عن “كل قائمة أغاني رائعة خاصة بالمطاعم”، وذلك عبر قائمة أغاني على سبوتيفاي تتضمن نظام صوت إل سي دي، وفرقة الروك تي في أون ذا راديو، وفرقة إم 83 وفرقة فامباير ويكند، وموسيقى الهيب هوب الكلاسيكية مثل الموسيقى الخاصة بطالب كويلي ونوتوريوس بي.آي.جي.
لكن في وقت لاحق، عند تفسير سبب انتشار هذه الأغاني في المطاعم التي تقدم النبيذ الطبيعي وشرائح لحم والقرنبيط، أشارت كانافان إلى أن جمهورًا محددًا كان مستهدفًا، هو جيل الألفية والفئات المولودة من أوائل الستينات إلى أوائل الثمانينات والقاطنين في المراكز الحضرية، والحاصلين على دخل قابل للتصرف والمنحرفين البيض. واختتمت كلامها قائلة: “أصبح الذوق الموسيقي لهذه المجموعة ككل عالميًا، وهذا أمر محزن، وللأسف لم يكن مفاجئًا”. وكما يقال: “من المحتمل أن يجد والداك أن هذه الموسيقى صاخبة جدًا”.
أدت موسيقى الروك إلى المزيد من المتاعب في المملكة المتحدة وإلى ظهور مغني الراب الأمريكيين مثل آكشن برونسون وتايلر وذا كرييايتر وفرانك أوشن
يمثل ذلك تذكيرا بأن إحدى الطرق التي يمكن أن تؤثر بها الموسيقى على الأشخاص في مكان ما تتمثل في إيقاف تشغيل بعضها. بالنسبة إلى العديد من المطاعم، لا تستحق الثقة التي يكتسبها المطعم من قبل فئة الشباب من خلال استعمال قائمة أغاني مميزة خطر التأخير في تقديم الخدمة لبعض الزبائن. بالنسبة للآخرين، هذا هو الهدف.
يُنصح بمطعم “بلاك آكس مانغال” في شمال لندن في كثير من الأحيان بسبب الموسيقى التصويرية الصارخة للميتال والغرنج – مثل أغنية ملكات العصر الحجري لفرقة ميتاليكا، بلاك سابث، موتلي كرو- وبفضل الكباب الذي يعده. من جهته، يقول مؤسس المطعم، لي تيرنان، بصراحة “ما هي الفائدة من جعل المكان هادئا؟ يمكنك أن لا تعزف هذه الموسيقى”. وتابع قائلا: “إن التفكير الكامن وراء سبب استخدام قائمة الأغاني المزعجة يشبه التفكير في الأعضاء التناسلية المنقوشة على الأرض. أعرف فقط الأشخاص الذين أريد جذبهم. أعتقد أن جاي راينر قالها بطريقة أفضل عندما قال بأنها ليست موجهة للجميع، ولكن إذا كانت تروق لك، فهي تروق لك بالفعل”.
في هذا المعنى، تعد الموسيقى في مطعم بلاك آكس مانغال جزءًا مهما مثل الطعام، كما يقول تيرنان- على الرغم من أنه في هذه الأيام، أدت موسيقى الروك إلى المزيد من المتاعب في المملكة المتحدة وإلى ظهور مغني الراب الأمريكيين مثل آكشن برونسون وتايلر وذا كرييايتر وفرانك أوشن. وأورد تيرنان أنه “بامكانك أن تضمن تقريبًا أن هذه الأغاني ستكون صاخبة”.
المصدر: الغارديان