تتجه العلاقات الأمريكية السودانية إلى انفراج يأمل السودانيون أن يعود بالفائدة على بلدهم الذي يعيش على وقع انتقال ديمقراطي تاريخي، انفراج جاء بعد عقود تراوحت فيها علاقة الطرفين بين القطيعة والتوتر، ووصلت إلى أسوأ مراحلها في تسعينيات القرن الماضي مع فرض الولايات المتحدة لعقوبات اقتصادية شاملة على الحكومة السودانية.
تبادل سفراء
بداية الانفراج تمثلت في إعلان الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، عزمها تعيين سفير لها في السودان لأول مرة منذ 23 عامًا بعدما كان يقتصر وجودها الدبلوماسي على قائم بالأعمال سابقًا، حيث صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة ستعين سفيرًا في الخرطوم بعد موافقة الكونغرس، والسودان سيستعيد تمثيله الكامل في واشنطن.
Pleased to announce that the United States and #Sudan have decided to initiate the process to exchange ambassadors for the first time in 23 years. This is a historic step to strengthen our bilateral relationship.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) 4 décembre 2019
في بيان له أشاد بومبيو بالحكومة الانتقالية التي يقودها حمدوك بسبب إطلاقها “إصلاحات واسعة”، وقال بومبيو: “حمدوك أظهر التزامًا بمفاوضات السلام مع جماعات المعارضة المسلحة، وأنشأ لجنة للتحقيق في أعمال العنف ضد المتظاهرين، والتزم بإجراء انتخابات ديمقراطية في نهاية الفترة الانتقالية التي مدتها 39 شهرًا”.
جاء ذلك خلال زيارة رسمية لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إلى الولايات المتحدة، استغرقت 6 أيام، أجرى خلالها مباحثات رسمية مع مسؤولين في واشنطن، ويعتبر حمدوك أول زعيم سوداني يزور واشنطن منذ عام 1985.
اللائحة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب
زيارة رئيس الوزراء السوداني لواشنطن، دشنت مرحلة جديدة في العلاقات السودانية الأمريكية، إذ لم تعرف هذه العلاقات زيارات على هذا المستوى منذ عدة عقود، الأمر الذي جعل حمدوك يتحدث عن “تقدم” باتجاه شطب السودان من اللائحة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب.
وقال حمدوك بمؤتمر نظمه مركز أبحاث المجلس الأطلسي – وهو منتدى لقادة الرأي – بعد اجتماعه بكبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة والكونغرس الأمريكي “الجزء الكبير كان بالطبع مسألة سحب السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب”.
الخطوات الأمريكية، جاءت في أعقاب الإطاحة بالرئيس عمر البشير من منصبه بعد 30 عامًا قضاها كرئيس للبلاد
وأضاف “هذه القضية تعوق كثيرًا من العمليات، لكن المحادثات التي بدأت خلال الأشهر الأخيرة مع الأمريكيين تتقدم بشكل جيد جدًا”، على حد قوله، وتابع “نحن نصل إلى تفاهم أفضل لهذا الملف بكل مرة نتحدث فيها معًا”.
وفي وقت سابق، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية تيبور ناج، إن الولايات المتحدة لم تعد في خصومة مع حكومة السودان وباتت تعتبرها الآن شريكة، لكن المسؤول الأمريكي أضاف أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب عملية إجرائية، وأشار إلى أن هناك حوارًا مكثفًا متواصلًا مع السودانيين بهذا الخصوص.
Solidifying international relations is a very important milestone in any country’s path to development. After 23 years, it is great to finally witness the initiation of the process of exchange of Ambassadors between Sudan & USA. This is a concrete step towards rebuilding Sudan.
— Abdalla Hamdok (@SudanPMHamdok) 4 décembre 2019
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد تبنى قرارًا قبل تشكيل الحكومة السودانية الحاليّة جاء فيه “إلى أن يتم الانتقال إلى حكومة مدنية ذات مصداقية وتعكس تطلعات الشعب السوداني، فإن عملية النظر في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات المتبقية على السودان، أو تطبيع العلاقات مع حكومة السودان، ستظل معلقة”.
وحصلت السلطات السودانية الانتقالية، على دعم واسع في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، من أجل رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي عقوبة أثرت عميقًا في اقتصاد البلاد وسمعتها السياسية.
تكريمًا للثورة السودانية
الخطوات الأمريكية، جاءت في أعقاب الإطاحة بالرئيس عمر البشير من منصبه بعد 30 عامًا قضاها كرئيس للبلاد، وخلال فترة حكمه عرف السودان أوضاعًا اقتصادية وأمنية واجتماعية سيئة نتيجة السياسة الداخلية والخارجية التي اتبعها.
وجاءت الإطاحة بالبشير، عقب حراك شعبي بدأ نهاية السنة الماضية، في مناطق مختلفة من السودان منها العاصمة الخرطوم، احتجاجًا على ارتفاع سعر رغيف الخبز وغلاء المعيشة وندرة السلع الأساسية، ليرتفع سقف المطالب فيما بعد إلى المطالبة بإسقاط نظام عمر البشير، ما دفع السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ في بعض المدن لتطويق الاحتجاجات والحد من انتشارها.
شرارة هذه الاحتجاجات انطلقت من مدينة عطبرة المدينة الثانية في محافظة نهر النيل بعد عاصمتها الدامر، وتم ذلك يوم الأربعاء 19 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما خرج طلاب المدارس وعمال السكة الحديد لتناول وجبة الإفطار بالمطاعم وسط المدينة غير أنهم فوجئوا بانعدام الخبز، فأغلقوا الشارع المؤدي إلى مبنى التليفزيون.
يأمل السودانيون أن تتحسن العلاقات مع أمريكا، إلا أن العديد من القضايا تبقى عالقة بين البلدين
بالرجوع إلى للشعارات التي رفعت في المظاهرات، فإن نظام البشير هو المسؤول عما بلغ إليه الوضع في السودان، وهو ما تردده أيضًا المعارضة التي تتهم البشير بالفشل في التعاطي مع الأزمة السياسية الضاغطة وتدبير الموارد وملاحقة المعارضين، إضافة إلى الفشل في التعاطي مع الحروب الثلاث التي تديرها القوات السودانية مع المتمردين في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكانت الخارجية الأمريكية قد أكدت أن “الولايات المتحدة، تدعم بقوة، الديمقراطية والسلام في السودان”، ووصفت الخارجية الإطاحة بالبشير، بـ”اللحظة التاريخية للشعب السوداني”، وشددت على أن الفترة الانتقالية يجب أن تستغرق وقتًا أقل من سنتين.
وأشادت الولايات المتحدة بالخطوات التي اتخذها حمدوك لتغيير سياسات وممارسات النظام السابق الذي اتسمت علاقاته مع الغرب بالتوتر، وبدأ السودان، في 21 من أغسطس/آب الماضي، فترة انتقالية تستمر 39 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات، يتقاسم خلالها السلطة كل من المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تصدرت الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلاد.
علاقات متوترة
هذه التطورات، جاءت بعد سنوات عدة من القطيعة بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، ففي 12 من أغسطس/آب 1993 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب ردًا على استضافة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وفي عام 1996 أوقفت الولايات المتحدة عمل سفارتها في الخرطوم.
بعد ذلك بسنة واحدة، اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون نظام البشير بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي وانتهاك حقوق الإنسان ومنع الحريات الدينية.
و”الدول الراعية للإرهاب” هي تسمية تطلقها وزارة الخارجية الأمريكية على الدول التي تزعم الوزارة بأنها “قدمت مرارًا وتكرارًا الدعم لأعمال الإرهاب الدولي”، حيث إن الدول المدرجة في القائمة تفرض عليها عقوبات صارمة أحادية الجانب.
اتسمت العلاقات الأمريكية السودانية في عهد البشير بالتوتر
وفي سنة 1998 دمرت الولايات المتحدة بهجوم صاروخي “مصنع الشفاء” للأدوية في السودان متهمة إياه بتصنيع غاز للأعصاب، وهو ما نفته الخرطوم بشدة، وجاء ذلك بعد اعتداءين استهدفا السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا في العام ذاته.
في تلك الفترة، فرضت الولايات المتحدة حظرًا اقتصاديًا، فظهرت مشاهد منع تبادل السلع والخدمات وتقييد المعاملات المالية وتجميد الممتلكات السودانية وعقوبات أخرى، وفي أبريل/نيسان 2006 أضاف جورج بوش الابن حظرًا يشمل الأنشطة النفطية والبتروكيماوية، وإدراج جهات متورطة في نزاع دارفور في قائمة العقوبات، وتضمنت تجميد أرصدة 133 شخصية وشركة سودانية.
وفي نهاية فترة أوباما رفع البيت الأبيض جزئيًا بعض العقوبات لكنه أبقى السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، مع بعض الاستثناءات مثل شراء المعدات العسكرية والأجهزة المتقدمة والأجهزة ذات الاستعمال المشترك.
ويأمل السودانيون أن تتحسن العلاقات مع أمريكا، إلا أن العديد من القضايا تبقى عالقة بين البلدين، من بينها التعاون في مكافحة الإرهاب والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي تجاه مقاطعة كوريا الشمالية والنزاع في دارفور.