ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما استخدم المسرح شتّى أنواع التأثيرات الفنية، من الإضاءة إلى الصوت، منذ مئات السنين لجعل التجربة أكثر واقعيّة للجمهور، تقدم التقنيات الرائدة الحديثة طريقة فريدة لإضافة بُعد مميّز إلى العروض. إن مجال المسرح يختبر تقنيات غامرة، بما في ذلك الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، لمعرفة كيف يمكن لهذه الوسائل الجديدة أن تقود شكل الفن في اتجاهات جديدة. فيما يلي، بعض الشركات التي تدفع الحدود في هذا المجال.
المسرح الوطني
منذ ليلة افتتاح مسرحية هاملت من بطولة بيتر أوتول في 22 تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 1963، أنتج المسرح الوطني أكثر من 800 مسرحية. ومنذ ذلك الحين، نظم المسرح الوطني أكثر من عشرين إنتاجا جديدا وألف عرضٍ كل سنة.
في سنة 2016، أطلق المسرح الوطني “الأستوديو الغامر لرواية القصص” لاختبار كيف يمكن للواقع الافتراضي والواقع المعزز أن يندمجا في الأعمال المنتجة لتحسين تجربة الجمهور. ويُذكر أن أحدث توظيف للتكنولوجيا في المسرح الوطني كان في خضم شراكة مع شركة “أكسنتشر” لخلق تجربة واقع افتراضي لمصاحبة عرض “أول كاينس أوف ليمبو”. مثلت التجربة اكتشافا للأنماط الموسيقية الخاصة بالمجتمع الكاريبي البريطاني، عن طريق فيديو بزاوية 360 درجة مكّن الحاضرين من مشاهدة العرض من أي زاوية.
تحدثتُ لتوبي كوفي، رئيس التطوير الرقمي للمسرح الوطني، الذي أخبرني بأنه: “لطالما استخدم المسرح التكنولوجيا، وهذا ليس أمرا جديدا، لكن ما نحظى به اليوم هو موجة جديدة من التكنولوجيا التي تقدّم إمكانية وجود أنواع جديدة من المسرح ورواية القصص بشكل عام. ولعل أكثر الأشياء إثارة بالنسبة لي هي رؤية الكتّاب والمخرجين والمصممين يعملون مع تقنيين مبدعين، ورؤية حماسهم وهم يستكشفون طرقًا جديدة لمشاركة ابداعاتهم في رواية القصص مع الجمهور. هذا ما نفعله في المسرح الوطني”.
أكد كوفي “نحن ندرك أهمية هذه الفرصة ونطبقها لتطوير أشكال جديدة من الأداء، وأشكال جديدة من رواية القصص. ولكن ينبغي أن تُنجز بطريقة صحيحة وبنفس مستوى الحرفية التي نوظفها للأعمال على خشبة المسرح. يحتاج رواة القصص إلى أن يكونوا روّادا في استخدام التكنولوجيا، وليس العكس”.
أقر كوفي بأنه “من بين كل الأعمال التي أنتجناها من “الأستوديو الغامر لرواية القصص”، كانت ردة فعل الجمهور بالتأكيد أفضلها. من الواضح أن هناك رغبة في اكتشاف هذا النوع من العمل الجديد، خاصة أنه استقطب جمهورا يزيد على 90 ألف شخص على مدار خمسة أشهر لمشاهدة أول تركيب للواقع افتراضي خاص بنا في سنة 2015، إضافة إلى أن 94 بالمئة من الجماهير التي شملها الاستطلاع يقولون إن عرض “درو مي كلوز” قد زاد من توقعاتهم لما يمكن أن يفعله المسرح في وقت سابق من هذه السنة”.
تدرس المسرحية “أغلي لايز ذا بونز” استخدام الواقع الافتراضي في علاج الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة. بفضل الشراكة بين “الأستوديو الغامر لرواية القصص” من المسرح الوطني و”فيرست هاند” و”أتش تي سي فايف”، يمكن للجمهور تجربة “كول”، العلاج المرتكز على الواقع الافتراضي للسيطرة على الألم.
شركة رويال شكسبير
تقود شركة “رويال شكسبير” ائتلافا تجاريا يضم 15 شركة بريطانية، ستستخدم معارفها وخبراتها في مجال المسرح والأداء ومجال الموسيقى وإنتاج الفيديو والألعاب وقطاع الأبحاث لتحديد كيف سيختبر الجمهور الأداء المباشر في المستقبل. ويعد هذا المشروع جزءًا من برنامج “مشاهد المستقبل” الذي أنشأه “صندوق تحدي الاستراتيجية الصناعية” الحكومي، الذي تقدمه جمعية “المملكة المتحدة للبحوث والاختراعات”.
تحدثتُ إلى سارة إليس، مديرة التطوير الرقمي في شركة “رويال شكسبير”، التي قالت إن: “الابتكار الرقمي في الفنون والثقافة يمر بلحظة محورية، مع تزايد عدد الطرق الجديدة التي يمكن من خلالها للجمهور تجربة الأداء الحي باستخدام التقنيات الجديدة والناشئة. تتطور الثقافة مع تقدم التكنولوجيا، وهناك المزيد من الفرص التي يمكن تطويرها وتجربتها لتقديم هذه التكنولوجيا إلى الجماهير العالمية”.
في سياق متصل، أضافت إليس: “لقد منحنا مشروع “مشاهد المستقبل” الوقت والمساحة والموارد، لاستكشاف والغوص في موارد البحث والتطوير الضرورية. وفي الواقع، تعمل بعض أفضل العقول في الصناعات الإبداعية وقطاع الأبحاث معًا في هذا التعاون الفريد للنظر بشكل صحيح في الإمكانات المستقبلية للأداء المباشر وما يعنيه ذلك بالنسبة للمسرح والقطاع الإبداعي والجماهير في جميع أنحاء العالم”.
كما أكدت إليس أن “شركة “رويال شكسبير” هي الشريك الأساسي، ولكن كل الجمعيات المشاركة تقترح شيئا جديدا بناءا على تجاربها في العمل بالتقنيات الغامرة والأداء المباشر. بينما نطور ونختبر الفرص، من خلال الجمع بين شراكات وقطاعات جديدة لم تعمل مع بعضها البعض، يمكن أن نرى نتيجة الجهد المبذول، خاصة في تعاون شركة “بانش درانك” مع “فيلهرمونيا” في لندن على عمل صوتي مميز، ومفهوم تشريك الجمهور والفرص التجارية لشركة “أي تو ميديا”.
تُسجَّل هذه الرحلة التي نمر بها بواسطة “نستا” بحيث يمكن مشاركة الخبرات في جميع أنحاء الصناعة. لكن واحدة من أكبر التحديات ليست التكنولوجيا، بل إنها الناس وثقة الأشخاص الذين يستخدمون تلك المهارات وفهم أن ذلك ليس تهديدًا. هذا المشروع سوف يساعد في التغلب على ذلك”.
واصلت قائلة: “سوف يوضح جمهور المستقبل ما يمكن تحقيقه إذا كنا واثقين من أنفسنا واحتضنا التكنولوجيا. نتيجة لذلك، يعد الجمهور هو مفتاح هذا النجاح، مع العلم أنه لا يُصنف الجمهور حسب العمر أو الموقع وإنما يجب أن يتألف من جميع الأجيال. كما لا نريد إنشاء جمهور محروم من حقوقه ومستبعد من قبل الوسائل التكنولوجية، فضلا عن أنه يشعر أن المسرح ليس مخصصا له”.
وأضافت “نحن الآن في خضم المشروع، ونعمل على جوانب مختلفة تتعلق به. خلال شهر حزيران/ يونيو 2020، سنجتمع لإظهار ما يمكن تحقيقه في جميع المراحل المتعلقة بالمستقبل. أستطيع أن أرى أن هناك إمكانية حقيقية لتقديم تجربة للجمهور لم يسبق لها مثيل من قبل، وهذا أمر مثير للغاية”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي جربت فيها شركة “رويال شكسبير” هذه التقنية. في سنة 2016، شمل إنتاجها لمسرحية “العاصفة” شخصية أرييل باعتبارها صورة رقمية، وتم عرضها مباشرةً وفي الوقت الفعلي. ارتدى الممثل مارك كوارتلي بدلة لالتقاط الحركة، مما سمح بعرض حركات “الآلهة” آرييل على المسرح، بما في ذلك الطيران والتحول إلى نسخ مختلفة من الروح باستخدام تقنية إنتل. وقد جاءت هذه المسرحية احتفالا بمرور 400 عام على وفاة شكسبير. وأُنتج هذا العمل بالتعاون مع شركة “إنتل” واستوديوهات “إيماجيناريوم”.
الممثل الذي يلعب أرييل على المسرح يرتدي بدلة التقاط الحركة. خلال المسرحية، هناك “حوار” بين الممثل والأفاتار، حيث يتراوح بين الشخصيتين بصفته آرييل.
سومناي
إن سومناي تقنية تقدم تجربة مسرحية غامرة تجمع بين الواقع الافتراضي ومجموعة مادية وممثلين مباشرين لخلق تجربة فريدة من نوعها. أصبحت سومناي إحدى أكثر التقنيات التي أثارت جدلا كبيرا سنة 2018 عندما غمرت المستخدمين بسلسلات حلم من الواقع الافتراضي أثناء “عيادة النوم”، التي تساهم في تحفيز الحواس من خلال منصات الحركة والأصوات ثلاثية الأبعاد والتفاعل البدني. وعاونت شركة إنتاج “هابي فينيش” مع شركة الترفيه “دوتدوتدوت” لخلق هذه التجربة، التي وصفها مؤسس دوتدوتدوت، أدندرو ماكغيماس، بأنها “معقدة وصعبة وطموحة للغاية”.
عرض الواقع المعزز
أسست ساشا كرمدلين من تل أبيب عرض الواقع المعزز، وهي عبارة عن منصة اجتماعية لبث الواقع المعزز تتيح للجمهور تجربة أنواع مختلفة من الواقع في الوقت ذاته باستخدام نظام تشغيل واحد، الذي يمكّن من مزامنة محتوى الواقع المعزز مع عدد غير محدود من الأجهزة للحصول على تجربة جماعية فريدة من نوعها. وفي هذا السياق، أخبرتني ساشا: “إن أكبر فائدة عادت بالنفع على مجال الترفيه هي الجانب التفاعلي للواقع المعزز. في الوقت الحالي، أصبح الفنانون يسبقون التكنولوجيا، لذلك تحتاج التكنولوجيا إلى تلبية احتياجات الفنانين. في عالم مثالي، يعد المحتوى هو العنصر المستقطب للتكنولوجيا”.
في الآونة الأخيرة، عززت شركة إنتاج مسرح “جشر” مسرحية غوليفر، وهي مسرحية للأطفال تطلب من الجمهور ارتداء سماعات رأس ميرج، بهاتف ذكي مبرمج في وقت معين بهدف الاستمتاع بمحتوى الواقع المعزز. وتعتقد كريندلين أن مستقبل البث قائم على الواقع المعزز( على غرار ما يحدث في عالم الموسيقى والفيديو)”.
كوسموس ويثين أس
تعد مسرحية كوسموس ويثين أس مسرحية لسرد قصص تزيح الحدود الفاصلة بين الواقع الافتراضي والأداء. وتقوم هذه المسرحية على إدخال المشاركين إلى ذهن “أيكن”، وهو رجل يبلغ من العمر 60 عامًا مصاب بمرض الزهايمر يحاول يائسًا التمسك بذكريات طفولته. تستخدم المسرحية مهارات فناني التعليق الصوتي والموسيقيين والملحن الذي يضمن في الأحداث قرابة 360 صوتًا. وتعد التجربة عبارة عن إنتاج مشترك من شركة “ساتور تاك” و”أي باهن”، و”ساتور ستوديو”.
يتألف المشاركون من مجموعتين: ممثل واحد يرتدي سماعة وأربعة يقفون خلف الكواليس. وحيال هذا الشأن، أفاد مؤسس “ساتور ستوديو”، توباك مارتير، الذي شارك في تأسيس شركة ساتور تاك: “أردنا أن يدرك الشخص الذي يعيش التجربة، وهو يرتدي سماعات الرأس، أصواتًا مختلفة بناءً على موقعه ويستقبل صوت الممثل مباشرة في آذانه، في حين أن بقية الأصوات تأتي من مستوى بيئي آخر”.
ذي أندر برزنتس
مرة أخرى في سنة 2017، أثار الواقع الافتراضي نقلة في لغة سرد القصص. بعد مرور سنتين، حقق استوديو “تاندر كلوز” نجاحا مرة أخرى بإصدار مسرحيته الجديدة “ذي أندر برزنتس”، التي أنتجها بالتعاون مع شركة “بيهول”. أطلقت مسرحية “أندر برزنتس” لأول مرة في مهرجان صندانس، وهي متاحة الآن على سماعات الواقع الافتراضي أوكيلس كاست ليحاول أي شخص تجربته.
إذا حاولت ذلك، فستعيش تجربة مميزة تربط بين المسرح الحي المدمج بالواقع الافتراضي. على عكس تجارب الواقع الافتراضي الأخرى، يتعرف المستخدمون على ممثلين حقيقيين يقدمون عروضًا حية ومكتوبة. من المتوقع أن تستمر العروض حتى أوائل سنة 2020.
تعليقًا على أسلوب الأداء، قالت المديرة المساعدة في أندر برزنتس، تارا أحمدي نجاد، والمؤسسة المشاركة في بيهول: إن “هناك تداخلا بين فن الكباريه، والأداء بلباس امرأة، والكوميديا المرتجلة، والأداء بالقناع ومسرح الدمى”. علاوة على ذلك، لا يمكن للاعبين التحدث في مسرحية على عكس الممثلين. وبإمكانهم اصطحاب أفراد الجمهور على خشبة المسرح بهدف التفاعل معهم أو حتى “معاقبتهم” على أي سوء سلوك يقومون به من خلال وضعهم في القفص.
المصدر: فوربس