ترجمة وتحرير نون بوست
ما تعلمه أم النور – 60 عامًا – أن الرئيس السوادني المخلوع عمر البشير ما زال في الحكم منذ 30 عامًا، فمن دون تلفاز أو راديو لم تصلها الأخبار بأن الرجل الذي شن الحرب وأجبرهم على حياة النزوح أصبح الآن في السجن، ولم تعلم أيضًا اسم رئيس الوزارء المدني الجديد عبد الله حمدوك الذي ظهر في المسارح الدولية وزار أيضًا مخيم زمزم الذي تعيش فيه أم النور شمال دارفور.
تقول أم النور: “لا نملك تلفاز أو راديو أو أي وسائل اتصال مع العالم، نريد فقط أن تساعدنا الحكومة في إسطنبول على الحياة بشكل أفضل”، لكن بالنسبة لها وللعديد من سكان دارفور – حتى الذين علموا بانتهاء حكم البشير – فالتغيير القليل الذي حدث لا ينبئ ببناء سودان جديد.
قد تكون هناك حكومة مدنية في الخرطوم، لكن نازحي دارفور يقولون إن حياتهم ما زالت محكومة بالنظام الذي وضعه البشير، فما زال الناس يكافحون الجوع والأمراض، ويعيشون في خوف من العنف الذي تشنه المجتمعات المتنافسة التي سلحها الديكتاتور.
الجوع والمرض
لم يمض وقت طويل على تشكل الحكومة المدنية في سبتمبر التي كانت نتاج أشهر من المفاوضات للحصول على بعض السلطة من المجلس العسكري الذي حل محل البشير، حتى أمرت بفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية لمناطق الصراع المختلفة في السودان.
لكن سكان المخيمات الدارفورية لم يشاهدوا أي تغيير منذ أن أغارت ميليشيات البشير وجيشه على قراهم في 2003، تلك الحملة التي قالت الأمم المتحدة إنها قتلت 300 ألف شخص ويعتبرها بعض الناس جريمة إبادة جماعية.
لكن في الأسبوع الماضي احتج سكان مخيمات شمال دارفور على خفض حصص الإعاشة المقدمة من برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الإغاثة الأخرى، يقول آدم عدي من سكان مخيم زمزم إنهم قدموا عريضة لبرنامج الغذاء العالمي يطالبون فيها بزيادة حصص الطعام، كما قدموا أخرى للسلطات السودانية يطالبون فيها بعودة منظمات الإغاثة الدولية التي طُردت عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية – التي تحقق في قضية الإبادة الجماعية – مذكرة توقيف بحق الرئيس المخلوع.
قدرت وكالة التنمية الدولية في الولايات المتحدة “USAID” في أكتوبر بأن أكثر من 6 ملايين شخص – نصفهم في دارفور – يواجهون نقص الطعام في المناطق الغربية وقد يواجهون مجاعة قريبًا.
أكد أهالي دارفور الذين نزحوا إلى منطقة جبل مرة – تلك المنطقة التي نشب فيها القتال بين المتمردين والحكومة هذا العام – أنهم لم يشاهدوا أي منظمات إغاثية جديدة في المنطقة.
يقول علي بلال أحد سكان دارفور النازحين في منطقة جبل مرة: “كنا نتوقع أن نرى منظمات إغاثية جديدة في المنطقة وزيادة في المساعدات الغذائية بعد أن سمعنا بأن الخرطوم رفعت القيود عن حركة المنظمات، لكن لم يحدث أي شيء حتى الآن وما زال النازحون في معاناة”.
ينتشر المرض أيضًا هناك، فوفقًا للأمم المتحدة هناك آلاف الحالات من الأمراض التي ينقلها البعوض أو الماء مثل الكوليرا وحمى الضنك التي ظهرت في نوفمبر وحده، ويقول نازحو دارفور إنهم معرضون أكثر للخطر.
لم يعتمد البشير على الجيش السوداني فقط، لكن استخدم أعضاء من القبائل العربية البدوية التي أصبح نمط حياتها الرعوية سبب نزاع مع الحياة الزراعية للمجتمعات الأصلية
يقول آدم عثمان المتحدث باسم سكان المخيم في شمال دارفور: “ما زالت السلطات المحلية تفرض نفس سياسات النظام القديم ولا تود الاعتراف بأن الأمراض وصلت لمرحلة الوباء، حتى تستطيع المنظمات الدولية أن تتدخل وتساعد الناس”.
استمرار الصراع
كان رد البشير على الحركات المتمردة بين المجتمعات الأصلية في دارفور ليس قتالهم فقط لكن قتال المجتمعات نفسها التي تشعر مثل بقية المجتمعات الأصلية في السودان أنها مهمشة من النظام الذي يركز على قوة النخبة العربية في الخرطوم.
لم يعتمد البشير على الجيش السوداني فقط، لكن استخدم أعضاء من القبائل العربية البدوية التي أصبح نمط حياتها الرعوية سبب نزاع مع الحياة الزراعية للمجتمعات الأصلية، حيث سلح البدو لتشكيل ميليشيات مسلحة وأصبحت معروفة باسم “الجنجويد”.
دمج البشير الجنجويد مع قوات الدعم السريع في 2013، وهذه القوات شبه العسكرية متهمة بدعم غارات الرعاة التي يقول عنها مزارعو دارفور – النازحون لكنهم ما زالوا يسافرون للعمل في أراضيهم – إن هدفها الاستيلاء على الأرض، يقول عثمان: “هجمات الرعاة خاصة العرب أصبحت في ازدياد وتتضمن القتل والاستيلاء على الأراضي”.
يضيف عثمان: “يحصل الغزاة الجدد على دعم قوات الدعم السريع التي حصلت على الحماية من خلال القوة الممنوحة لهم عن طريق الاتفاق بين المدنيين والجيش الذي تم توقيعه في أغسطس”، ويشير عثمان إلى أن تأثير قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي أصبح رسميًا بسبب اتفاقية مشاركة السلطة التي جعلته جزءًا من مجلس الحكم السيادي.
تشير عشرات التقارير إلى العنف الذي يوجهه الرعاة المسلحون للمزارعين هذا العام خاصة في ولاية شمال دارفور، ويتجه آلاف المزارعين إلى العاصمة الفاشر للاحتجاج.
يقول عبد الله آدم من منطقة شانغلي طوباي شمال دارفور إن بعض أقاربه قتلوا بواسطة الرعاة المسلحين، ويضيف: “دخل 3 من الرعاة على الجمال إلى الأرض الزراعية الخاصة بابن عمي عبد الباقي ودمروا المحاصيل، فاندلع الصراع بينهم وعندما حاول طردهم من الأرض قتله واحد منهم”، كان للعنف تأثيره أيضًا على الفتيات والنساء مع وجود تقارير تشير إلى حوادث اغتصاب واختطاف نفذها الرعاة.
عام 2018 وثقت العملية المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام “UNAMID” 122 حالة عنف جنسي تتضمن 199 ضحية: 85 من النساء و105 من الفتيات و5 صبيان في ولايات شمال وجنوب وشرق وغرب دارفور.
يقول عثمان إن هناك 12 حالة اغتصاب على الأقل تم تسجيلها في شمال دارفور في الأشهر الأخيرة، وتقول حليمة إسحاق الناشطة من مخيم كلمة جنوب دارفور إن العنف الجنسي تستخدمه الميليشيات الحكومية لتخويف المجتمعات المحلية، وتضيف: “نرى باستمرار حالات اغتصاب للنساء حول المخيم عندما تذهبن لجمع الحطب أو الماء”.
اجعلوا العدالة حقيقة واقعية
كانت لحظة حاسمة عندما سافر حمدوك إلى دارفور في نوفمبر وأعلن لسكان زمزم النازحين أنه هنا لسماع مطالبهم، حتى إنه اقترح تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، لكن رئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح برهان أجاب بالحفاظ على النهج العسكري بعدم تسليم البشير.
رغم أن البشير في السجن الآن ويواجه تهمًا بالفساد وقتل المتظاهرين، فإن اتهامات الإبادة الجماية لم تُعالج، وهو ما يطالب به سكان دارفور، ففي أثناء الاحتجاجات التي استمرت لعدة أشهر في الخرطوم سافرت قوافل من دارفور إلى العاصمة للمطالبة بالعدالة.
تقول سليمة شريف رئيسة مركز “الأحفاد” لعلاج الصدمات إن الحكومة تحتاج لبناء الثقة مع المجتمعات المنكوبة في دارفور، وتضيف: “جريمة الاغتصاب من أكثر الجرائم التي لا تنساها الضحايا وتحتاج لعلاج جاد، من الضروري لتعافي ضحايا الاغتصاب أن يشاهدوا التغيير من وجهة نظرهم الشخصية وتجربتهم، إنهم بحاجة لرؤية العدالة أمرًا واقعًا”.
وفقًا للمحلل السياسي صلاح الدوما فإن العديد في درافور يرون أن الخرطوم هي المدينة التي ترسل الطائرات لقصفهم وتسلح الميليشيات التي تغير على قراهم، لذا من الصعب بناء الثقة بينهم، ويضيف: “من الملاحظ أن النازحين في دارفور ما زالوا يطالبون بتسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك لأنهم ببساطة لا يثقون في عدالة السودان”.
المصدر: ميدل إيست آي