في 6 من ديسمبر 2109 فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أربع شخصيات عراقية، ثلاثة منهم قادة فصائل مسلحة قريبة من إيران هم: “خميس الخنجر وقيس الخزعلي وليث الخزعلي وحسين فالح اللامي”، في توجه على ما يبدو أنه تصعيد في التعاطي الأمريكي مع ما تشهده الساحة العراقية من تظاهرات شعبية مستمرة منذ أكتوبر الماضي، خصوصًا أن الخاسر الأكبر من هذه التظاهرات هي إيران.
إذ اتخذت الإدارة الأمريكية هذه العقوبات بموجب “قانون ماغنيتسكي” لانتهاكات حقوق الإنسان والفساد بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818، وهذه المرة الثانية عام 2019 التي يُستخدم فيها “قانون ماغنيتسكي” لاستهداف مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وعلى ما يبدو أنها لن تكون الأخيرة، مع استمرار حمام الدم في العراق.
ولا بد هنا من الإشارة إلى التداعيات المحتملة لهذه العقوبات، خصوصًا أنها تأتي في وقت يمر فيه العراق بحالة من الفراغ الدستوري نتيجة استقالة حكومة عادل عبد المهدي وعدم تمكن الطبقة السياسية العراقية من إنتاج حكومة جديدة ترضي المتظاهرين، ففرض هذه العقوبات يعني وضع هذه الشخصيات على القائمة السوداء للبنوك الأمريكية أو البنوك الدولية الأخرى التي تتعامل معها، علاوة على إضافة أسمائهم إلى أنظمة الفحص الآلي التي تستخدمها البنوك في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأجنبية، مما يجعل من الصعب عليهم فتح أو الاحتفاظ بحسابات أو تحويل الأموال أو المعاملات العقارية دوليًا.
هذا بالإضافة إلى صعوبة تنفيذهم للعمليات الاستثمارية، إذ غالبًا ما يتخلى المستثمرون الأجانب عن الأشخاص المحظور عليهم وشركاتهم، مما يؤدي إلى انهيار شركاتهم، فضلًا عن القيود المفروضة على سفرهم خارج العراق، هذا إلى جانب صعوبة تعيينهم كوزراء أو حكام محليين.
عقوبات ليست الأولى
في 5 من مايو 2018 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على مدير بنك البلاد الإسلامي أراس حبيب، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، وذلك بسبب دوره في إجراء تحويلات مالية عبر البنك الخاص به إلى حسابات مالية خاصة بفيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى عقوبات أخرى في 18 من يوليو 2019، إذ أعلن “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على أربعة مواطنين عراقيين بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818، من أجل استهداف مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد في العراق.
فاستُهدف القياديان في الحشد الشعبي ريان الكلداني ووعد القدو والمحافظان العراقيان السابقان نوفل حمادي العاكوب وأحمد الجبوري (المعروف باسم أبو مازن)، الذين سبق أن وجهت المحاكم العراقية الاتهام لكل منهم لجرائم مماثلة.
يبدو أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لفرض العقوبات قائمة على أساس استهداف هدف كبير وثلاثة أهداف متوسطة أو أكثر أو أقل، وهو ما قد يرشح فرضية أن القوائم الجديدة للعقوبات التي قد تصدر في قادم الأيام، ستضم شخصيات من المستوى الأول “رؤساء وزراء سابقين – قادة مليشيات – رؤساء أحزاب”
وعلى هذا الأساس عملت الإدارة الأمريكية على تعزيز هذه العقوبات بالحزمة الثانية التي صدرت في 6 من ديسمبر، وعلى ما يبدو هناك توجه أمريكي لإصدار المزيد من الحزم العقابية كل بضعة أشهر، لإدراك الإدارة الأمريكية أن هذه العقوبات قد تعدل سلوك قادة المليشيات، بالإضافة إلى إرسال رسالة واضحة للمتظاهرين العراقيين بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل باستمرار وبشكل منتظم لحماية حقوق الإنسان ودعم جهود مكافحة الفساد.
يبدو أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لفرض العقوبات قائمة على أساس استهداف هدف كبير وثلاثة أهداف متوسطة أو أكثر أو أقل، وهو ما قد يرشح فرضية أن القوائم الجديدة للعقوبات التي قد تصدر في قادم الأيام، ستضم شخصيات من المستوى الأول “رؤساء وزراء سابقين – قادة مليشيات – روؤساء أحزاب”، أو قادة من المستوى الثاني “وزراء – قادة وضباط في الجيش – قادة مليشيات متوسطة”، أو قادة من المستوى الثالث “شيوخ عشائر – مديرو بنوك -عناصر مليشياوية صغيرة”.
كما قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى استنساخ تجربة العقوبات المفروضة على إيران، وذلك من خلال تفعيل قانون الهجرة والجنسية، لرفض دخول أفراد أسر كبار المسؤولين العراقيين، الذي يمكن استخدامه بشكل انتقائي، كما حصل مع المسؤولين الإيرانيين.
العقوبات الأمريكية الأخيرة يمكن أن تشكل خطوة فعالة في كشف المدى الذي تكون فيه إيران فعالة في العراق، خصوصًا أنها منهمكة اليوم في الإعداد لشخصية جديدة لرئاسة الوزراء في العراق بعد استقالة حكومة عبد المهدي
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في توسيع نظام العقوبات الخاص بها، وذلك عن طريق التنسيق مع حلفائها وتحديدًا بريطانيا، من أجل زيادة فعالية هذه العقوبات، خصوصًا أن العديد من السياسيين العراقيين يلجأون إلى بريطانيا أكثر من أي دولة أوروبية أخرى لإيداع ثرواتهم وحيازة الممتلكات والحصول على الرعاية الطبية وتعليم أطفالهم، ومع ذلك فإن الإجراءات العقابية الأمريكية ضد المسؤولين العراقيين غير فعالة في بريطانيا بالوقت الحاليّ.
إيران في مرمى العقوبات الأمريكية
إن العقوبات الأمريكية الأخيرة يمكن أن تشكل خطوة فعالة في كشف المدى الذي تكون فيه إيران فعالة في العراق، خصوصًا أنها منهمكة اليوم في الإعداد لشخصية جديدة لرئاسة الوزراء في العراق بعد استقالة حكومة عبد المهدي، فإدراج الكثير من الشخصيات العراقية في خانة العقوبات الأمريكية، يعني إسقاط الكثير من الشخصيات العراقية من خانة الخيارات الإيرانية، وعلينا أن لا ننسى هنا بأن الشخصين اللذين شكلا حكومة عادل عبد المهدي، وهما قائد فليق القدس قاسم سليماني ومسؤول حزب الله عدنان حسين كوثراني، المدرجان على لائحة العقوبات الأمريكية، عادا إلى بغداد بالوقت الحاضر لفعل الشيء نفسه.
إن فرض الحزمة الأخيرة من العقوبات الأمريكية على شخصيات عراقية مقربة من إيران، يهدف إلى تحقيق عدة أهداف منها توجيه الرأي العام العراقي إلى الدور الحقيقي الذي تمارسه إيران في العراق، كما أن هذه العقوبات جاءت لتؤكد ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز قبل شهر من وثائق استخبارية توضح العلاقة بين إيران والمسؤولين العراقيين، فضلًا عن دفع المتظاهرين العراقيين لرفض أي خلطة سياسية تنتجها إيران في العراق، فالولايات المتحدة الأمريكية بدأت تدرك اليوم أن إيران تمر بأضعف حالاتها في العراق، ويجب استغلال هذه الفرصة بالشكل الذي يخدم إستراتيجيتها العامة للمواجهة مع إيران في الشرق الأوسط.