هل تطل ”داعش” بذيلها في سيناء؟

images%7C28525

لم يتوقف تلاحق الأحداث في سيناء منذ بدء المواجهات العسكرية المفتوحة بين الجيش والجماعات المسلحة على مدار سنة كاملة، لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيداً غير مسبوق من جماعة “أنصار بيت المقدس”، ما ينذر بتدهور كبير في الوضع الأمني بالمنطقة الحدودية من شمال سيناء. 

ومع التعتيم الإعلامي الشديد الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وصعوبة العمل الميداني للصحفيين، تنحصر المادة الإعلامية المتوفرة عما يجري في سيناء بين ما يصدره المتحدث العسكري عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك” وما تدلي به المصادر الأمنية للصحف والقنوات ووكالة الأنباء الرسمية، وبين الإصدارات المرئية التي تبثها “أنصار بيت المقدس” عبر موقع “يوتيوب” وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.

منذ انقضاء شهر رمضان، بث “أنصار بيت المقدس” ثلاثة تسجيلات مرئية حملت رسائل ودلالات مهمة. ففي ثالث أيام عيد الفطر نشرت تسجيلاً لخطبة العيد التي ألقاها متحدثهم “أبو أسامة المصري” في الخلاء في حشد من الأعضاء الملثمين المحاطين بحراسٍ يحمونهم بالسلاح الثقيل والمتوسط. وبعد أسبوع، نشروا فيديو يوضح تفجير ثلاثة مقرات خالية تابعة لحرس الحدود. وفي الأسبوع الثالث، نشروا الفيديو الأخطر الذي يعرضون فيه مشهدين لقتل خمسة جنود خلال الشهرين الماضيين، ويوجهّون فيه رسالة وعيد لجنود الجيش والشرطة. ولم ينقض الأسبوع الأخير حتى تأكد خبر العثور على خامس جثة مذبوحة لمدنيين يرجح أنهم قد قتلوا على يد “أنصار بيت المقدس” بسبب تعاونهم الأمني.

 مفتي القاعدة باليمن “إبراهيم الربيش” يخاطب الجندي المصري!

في 18 أغسطس الجاري نشر أنصار بيت المقدس فيديو “أيها الجندي” الذي يحمل رسالة تهديد لجنود الجيش والشرطة باعتبارهم “جنوداً للطاغوت”، ومشبّهاً إياهم بجنود فرعون الموصوفين في الآية القرآنية “إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُــمَا كَانُوا خَاطِئِينَ”. أثار الفيديو استياء مشاهديه بسبب احتوائه على مشهد حي لتصفية أربعة جنود بملابسهم المدنية أثناء توجههم لوحدتهم العسكرية بين مدينتي “الشيخ زويد” و”رفح”، وهي الحادثة التي يؤكد سكان محليون وقوعها في يونيو الماضي. وبحسب الفيديو، فإن أحد الجنود قد توسل إلى قاتله بإخباره أنهم سيعودون إلى حيث أتوا ولن يذهبوا لوحدتهم العسكرية، لكن أعضاء “الأنصار” لم يمهلوهم وأجهزوا عليهم منبطحين على وجوههم بعدة طلقات نارية. وفي مشهد آخر وثّقوا مقتل جندي في ملابسه العسكرية في أحد شوارع العريش. وعلى الرغم من المفاجأة التي فجرها الفيديو بعرض لقطات لبوابة محافظة “الوادي الجديد” وموقع تنفيذ عملية الفرافرة، إلا أن هذه الإشارة، التي تثير التساؤل حول علاقتهم بالجماعات المسلحة في الشرق الليبي، لم تكن أهم ما جاء في الفيديو الأخير لـ “أنصار بيت المقدس”.

بدأ الفيديو بعرض لقطات لانتهاكات ارتكبها جنود منذ عهد المخلوع مبارك حتى ما بعد عزل محمد مرسي، كما عَرَض شهادة إحدى الحقوقيات (تم حجب وجهها كالعادة لأسباب دينية) اللاتي قمن بتوثيق شهادات ضحايا الانتهاكات الجنسية في مقرات الاحتجاز وأقسام الشرطة في وقائع لم يتم التحقيق الجنائي فيها. وبعد هذه المقدمة، استشهد “الأنصار” بمقتطفات من تسجيل صوتي قديم نسبياً لمفتي تنظيم القاعدة في اليمن، إبراهيم الربيش، كان قد وجهه لجنود النظام اليمني عام 2012 على سبيل الوعيد والإنذار تحت عنوان “يبيع دينه بعرض من الدنيا”، وهو عنوان له دلالة تكفيرية مهمة لكونه مقتبساً من نص حديث نبوي عن الفتن التي هي كقطع الليل المظلم حيث “يصبح الرجل فيها مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا”. وهو ما يعتبر تطوراً في موقف “الأنصار”، الذين أصدروا تسجيلاً في 2012 يتبرأون فيه من قتل الجنود في مذبحة رفح الأولى ومشددين على أنهم لا يستهدفون الجنود المصريين. وفي عام 2013، وحتى بعد عزل محمد مرسي، أصدر “أنصار بيت المقدس” تسجيلاً يوثقون فيه دورهم في الإفراج عن الجنود السبعة المختطفين في شهر مايو، قبل أقل من شهرين من عزل مرسي، وهو الفيديو الذي احتوى شكراً من الجنود قبيل تحريرهم موجهاً لــ”الأنصار” على حسن معاملتهم، كما وثقوا استردادهم لمتعلقاتهم قبيل الإفراج عنهم.

لم يسجل الربيش كلمته خصيصاً للجنود المصريين، وإن كان ألمح فيها لما وصفه بدورهم ومسؤوليتهم في المشاركة في حصار غزة والتضييق على المقاومة فيها وحماية إسرائيل، بحسب الكلمة التي وجهها بالأساس إلى جنود الجيش اليمني. وعلى الرغم من أن الحديث عن انخراط الجنود في الجيش سعياً وراء الرزق قد يبدو درباً من الكوميديا السوداء إذا قيل في السياق المصري حيث التجنيد الإجباري غير المدفوع الأجر، إلا أن أهمية استشهاد “أنصار بيت المقدس” بكلمة الربيش تتجاوز الخوض في التفاصيل. إذ أن من عادة “الأنصار” أن يستشهدوا بالتسجيلات الصوتية لمن يعتبرونهم مرجعية لهم، أو يشيرون إلى مقتبسات من أدبياتهم..

في الإصدارات الأولى كانوا يستشهدون بكلمات أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، ثم توقفوا عن ذلك بسبب نشوب الخلافات بين القاعدة ممثلةً في “جبهة النصرة” وبين “داعش”، تلك التي أشاد بها أبو أسامة المصري في فيديو سابق متجاهلاً جبهة النصرة والقاعدة. وفي تسجيلاتهم المتأخرة بدا أن استشهادهم بمقتبسات من كلمات أسامة بن لادن ما هو إلا محاولة للخروج من الخلاف بين “داعش” والقاعدة بالاستناد إلى مرجعيتهما المشتركة وزعيمهما الراحل. أما الآن، فإن الأكيد أن “أنصار بيت المقدس” لم يبايعوا “داعش” رسمياً ولم يعلنوا ولاءهم لها، لكن استشهادهم بأحد أهم رموز القاعدة في اليمن يعطي مؤشراً بأن موقفهم قد يكون مرتبطاً بموقف قاعدة اليمن المتذبذب تجاه “داعش”، فقد تكون بيعة الأنصار لداعش مرتهنة بتحول تنظيم قاعدة في اليمن ناحية داعش. وهو أيضاً مؤشر على تنسيق عملياتي محتمل، قد يصل لدرجة الإمداد بالسلاح والمقاتلين عن طريق البحر الأحمر.

 ماذا يعني الدعاء لداعش في خطبة العيد؟

قد تكون الصلة المباشرة بقاعدة اليمن هي التفسير الأوضح لتأرجح “أنصار بيت المقدس” بين منهج القاعدة العالمي وبين التطرف الشديد لــ “داعش” الذي يشمل العداء مع الشيعة واستحلال دماء المدنيين والقتل بالشبهة. فالخطوط الفاصلة بين أسلوبيْ القاعدة في باكستان وأفغانستان وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، الذي أصبح لاحقاً في العراق والشام “داعش”، ترتبك وتتقاطع بشدة عند قاعدة اليمن ذات المكون السعودي الكبير والمؤثر. فالاحتقان المذهبي وامتداداته الإقليمية حاضرة في الجزيرة العربية دون احتلال أجنبي يبرر الالتفات عن الصراع المذهبي. وبسبب غياب الاحتلال العسكري الأجنبي، فإن قاعدة اليمن (أو بالأحرى قاعدة الجزيرة العربية) تتجه بعدائها وعملياتها نحو الأنظمة الحاكمة التي تتهمها بالعمالة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وفي مصر يتهم “الأنصار” النظام الحالي بتبعيته لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

يبدو أن ابتعاد “أنصار بيت المقدس” عن تنظيم القاعدة العالمي واقترابه من “داعش” يميل إليه جناح داخل التنظيم، قد يكون على رأسه أبو أسامة المصري، الذي اختتم خطبة عيد الفطر المنصرم بالدعاء لإخوانه في الدولة الإسلامية في العراق بأن “يفتح الله لهم بغداد وسائر البلاد وقلوب العباد”. ويبدو أيضاً أن هذا الميل لم يكتمل – حتى الآن – حيث لم يستشهد “أنصار بيت المقدس” بأي من كلمات المتحدث باسم “داعش”، أبو محمد العدناني، التي أشار فيها إلى مصر وإلى “المجاهدين” في سيناء، كما لم يعلنوا عن البيعة رسمياً لدولة “داعش”. من المرجح أن يكون هذا التردد بسبب عدم حسم موقف الأنصار مما يسمونها “الفتن” بين المجاهدين في العراق والشام، لكن احتمالاً آخر يظل باقياً، وهو أن إعلان “أنصار بيت المقدس” ولاءها لــ “داعش”، التي تكفّر محمد مرسي، قد يسبب لها خسارة جماهيرية في صفوف الإسلاميين الذين تستميلهم للانضمام إليها، فضلاً عن خشيتهم من تعزيز موقف الجيش المصري في طلب دعم عسكري أمريكي إضافي لسحق “ذيل داعش” في سيناء. وأياً كان السبب، أيديولوجياً صادقاً أم براجماتياً قائماً على دراسة الأنفع عملياً، فإن الدعاء لدولة “داعش” في خطبة العيد، التي سجلوها في الخلاء وسط حراسة مشددة لاستعراض القوة وتحدي طائرات الجيش الاستطلاعية والهجومية، يظل دليلاً على وجود رابطة بينهما ولو على سبيل التعاطف والتواصل المعلوماتي من دون اشتراط لتنسيق عملياتي أو لوجيستي.

 تدهور أمني أظهره فيديو “نُصرت بالرعب” ويدفع ثمنه البسطاء

https://www.youtube.com/watch?v=m8mxOXWh54k

بحسب زعم فيديو “نُصرت بالرعب”، فإن “الأنصار” قد قاموا بنسف ثلاث وحدات عسكرية خالية تابعة لسلاح حرس الحدود غربي مدينة الشيخ زويد. يدّعي الفيديو أن إخلاء الوحدات الثلاث بسبب ما أسماه الرعب والذعر في صفوف الجيش، وتظهر مشاهد التفجير، التي تم تصويرها بأربع كاميرات من أربع زوايا مختلفة، سيطرة المجموعة المنفذة بالكامل على محيط هذه المقرات الثلاثة واستغراقهم وقتاً كافياً في زرع العبوات الناسفة شديدة الانفجار ثم الاحتفال بالتفجيرات ورفع رايتهم فوق حطامها.

لم يصدر أي تعليق من أية جهة رسمية على الفيديو ومحتواه، وهو ما لم يستغربه أهل المنطقة الحدودية في سيناء الذين يشتكون من انفصال موقف الدولة وتصريحات مسؤوليها الإعلامية عما يتعرضون له من حصار بين مطرقة الجيش وسندان الجماعات المسلحة. وهو ما دفع أغلب سكان قرى “اللفيتات” و”الثومة” و”المقاطعة” إلى هجر منازلهم جماعياً، فبعضهم نزل ضيفاً لدى أقاربه في العريش أو خارج سيناء، والمعدمون منهم يسكنون الآن في عشش أقاموها في الأراضي الخلاء غرب العريش.

بين حطام المنازل والمزارع المحروقة بدعاوى أمنية، ووسط الأسواق المغلقة منذ شهور طويلة والمدارس التي لم تسلم من رصاص الاشتباكات، عثر أهالي “الشيخ زويد” والمناطق المحيطة بها على خمس جثث مذبوحة ومفصولة الرأس في أماكن متفرقة. وعلى الرغم من التشابه بين ذبح هؤلاء المدنيين الخمسة وبين ما تنشره “داعش” على موقع يوتيوب من مشاهد ذبح ضحاياها، إلا أن ذلك لا يعد دليلاً قاطعاً على الارتباط بين “الأنصار” و”داعش”. حتى الآن، لم يتبنَ الأنصار ذبح المجهولين الخمسة، لكنهم قد أصدروا في سبتمبر 2012 فيديو بعنوان “جنود الرحمن وجنود الشيطان” وثقوا فيه اعتراف “منيزل سلامة” بتعاونه مع الموساد الإسرائيلي في الإيقاع بإبراهيم عويضة بريكات، أحد كوادر “الأنصار” المشاركين في عملية أم الرشراش (إيلات الكبرى) في أغسطس 2012، وقد قتلوا الجاسوس منيزل وفصلوا رأسه عن جسده وألقوها في الطريق إلى قرية “البرث”. لذلك، فإن ما يتداوله بعض المحليين في الشيخ زويد عن تورط المذبوحين بإبلاغ الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية عن تحركات “الأنصار” على الشريط الحدودي لاستهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة قد يكون فيه شيء من الصحة.

نُشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة البديل الإلكترونية المصرية