كشفت بعض المصادر الإعلامية الإثيوبية قبل يومين استعداد القوات البحرية الإثيوبية البدء في إنشاء وتنفيذ قاعدة عسكرية تعتبر الأولى لها على سواحل جيبوتي وذلك خلال الفترة القادمة، وهو الخبر الذي يحمل الكثير من الدلالات والرسائل الداخلية والخارجية في ذات الوقت.
ومن المقرر أن تتمركز البحرية الإثيوبية على سواحل جيبوتي المطلة على مضيق عدن، بينما ستكون قيادة القاعدة ومقر قيادة البحرية، في عاصمة إقليم أمهرة، بحر دار شمالي غرب إثيوبيا، بقيادة العميد كندو جيزو، وذلك وفق مخرجات الزيارة التي قام بها وفد عسكري إثيوبي للسواحل الجيبوتية قبل أيام، اطلع خلالها على المناطق الساحلية شمالي خليج تاجورا، كما زار بلدة أوبيخ الساحلية التي من المفترض أن تكون القاعدة قربها.
إعلان تدشين قاعدة عسكرية إثيوبية في جيبوتي يأتي تتويجًا للعلاقات القوية التي تربط البلدين، حيث زار رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، العاصمة الجيبوتية، والتقى الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وناقشا وجود القاعدة العسكرية في البلاد.
وتعتبر منطقة القرن الإفريقي إحدى أهم الدوائر في السياسة الخارجية الإثيوبية، كونها تمثل الفناء الخلفي للبلاد وترتبط ارتباطًا مباشرًا بالدور الإقليمي الطموح لإثيوبيا في المنطقة، التي تسعى من خلاله إلى زعامته، وتعد هذه الخطوة محطة مهمة في ترجمة مساعي أديس أبابا لتوسيع قاعدة نفوذها البحري والبري قاريًا.
دعم فرنسي
رغم معدلات النمو المقبولة للاقتصاد الإثيوبي، فإن بناء قاعدة عسكرية متكاملة ربما يحتاج إلى تمويل يفوق في الوقت الراهن إمكانات وقدرات البلاد التي تعاني من أزمات داخلية متعددة، وهو ما دفع للتساؤل عن مصادر تمويل هذه القاعدة، لكن سرعان ما جاءت الإجابة من خلال ما أثير بشأن تقديم مساعدات فرنسية للبلاد لبناء قدراتها البحرية.
البعض ذهب إلى أن الدعم الفرنسي لإثيوبيا في هذا التوجه ربما يتقاطع بشكل كبير مع العلاقات القوية التي تجمع بين باريس والقاهرة إذ وضعنا في الاعتبار أن تلك القاعدة ستشكل تهديدًا لمصر، غير أن خبراءً أشاروا إلى أن الدول اللاعبة الجديدة في سوق السلاح وفي التوازن الإستراتيجي أصبحت تنظر إلى مصالحها أكثر من مصالح أصدقائها، ففكرة الاعتماد على حليف واحد في منطقة ما ليست ناجعة.
إثيوبيا تسعى إلى مزيد من التفوق العسكري في المنطقة، بما يمنحها القوة العسكرية اللازمة لتعزيز مكانتها الإقليمية
وكانت فرنسا وإثيوبيا قد وقعتا مارس/آذار من العام الحاليّ على أول اتفاق للتعاون العسكري بينهما، وهو اتفاق يتضمن مساعدة إثيوبيا (الدولة غير الساحلية في بناء قوات بحرية)، حيث تسعى باريس إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية في ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
وفي زيارة استغرقت أربعة أيام إلى القرن الإفريقي، قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون أراد فيها “الاستفادة من مزيج من القوة الناعمة لباريس في الثقافة والتعليم ومعرفتها العسكرية لمنحها موطئ قدم في وقت تنفتح فيه إثيوبيا”، بحسب “إريتيريا فوكس”، مضيفًا خلال مؤتمر صحفي جمعه ورئيس الوزراء أبي أحمد “اتفاق التعاون الدفاعي غير المسبوق هذا يوفر إطارًا، ويفتح الطريق بشكل خاص لفرنسا للمساعدة في إنشاء عنصر بحري إثيوبي”.
Im Horn von Afrika wimmelt es von Armeen. Da dürfen die Terroristen nicht fehlen. Die Frage ist nur, in wessen Baracken sie hausen. Hier ein Bericht von SIPRI v. 04/2019 “The foreign military presence in the Horn of Africa Region”. (Mir sind au’ da, gell)https://t.co/jIYsUxAguV pic.twitter.com/OmMJ4dkBDF
— mosavi (@kaymosavi) July 12, 2019
طموحات إثيوبية
خطوة كهذه ستعزز من ثقل إثيوبيا الإفريقي الذي تتوسع رقعته عامًا تلو الآخر بعدما خلت الساحة تمامًا من المنافسين التقليديين، وهو ما أهل أديس أبابا لتصدر المشهد في كثير من الملفات القارية الساخنة، ما انعكس بشكل كبير على مكانتها وقادتها لدى دول إفريقيا.
لكن هذا الثقل كان ينقصه وجود منفذ بحري يربط بين البلاد والبحر الأحمر الذي يموج بصراعات النفوذ بين دول المنطقة، وهو ما أشار إليه المحلل الإستراتيجي سمير راغب الذي يعتبر أن “عدم الوجود البحري لإثيوبيا منقوصًا لصالح دول القرن الإفريقي أو الدول التي لها قواعد أو التي تفكر ببناء قواعد هناك كتركيا وإيران اللتين تبحثان عن قواعد، وهي توجد لكي تزيد الوزن الجوإستراتيجي والجيوسياسي”.
وأضاف راغب في تصريحات لوكالة “سبوتنيك”: “الأسبقية الأولى بالنسبة لإثيوبيا هي السيطرة على مداخل البحر الأحمر أو منع أحد آخر من السيطرة عليه، وهذا ما تركز عليه، فالبحر الأحمر هو بحيرة عربية عملاقة، وهي ترسل رسالة: إذا كان العرب يسيطرون على البحر الأحمر والضفة الشرقية، فالضفة الغربية إفريقية إثيوبية”.
وفي سياق متصل فإن إثيوبيا تسعى إلى مزيد من التفوق العسكري في المنطقة، بما يمنحها القوة العسكرية اللازمة لتعزيز مكانتها الإقليمية، علاوة على الحفاظ على أمنها القومي في منطقة القرن الإفريقي، التي تعد إحدى أبرز البؤر التي تعج بالصراعات والنزاعات في العالم.
سعي أديس أبابا لتشكيل قوات بحرية لها لا يخرج عن “بروباجندا إثيوبية مدعومة إسرائيليًا وخليجيًا”
هذا بخلاف احتمال مواجهة حزمة من التهديدات الإقليمية المتمثلة في ضعف بعض دول الجوار، وبروز بعض الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وتدهور العلاقات مع بعض الدول الإقليمية، ومن ثم فإن التفوق العسكري للإثيوبيين سيمنحهم بلا شك فرصة للعب دور محوري ومهم في المنطقة يفوق ما تؤديه الآن.
التغيرات التي شهدتها خريطة القرن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة من خلال إعادة صياغة وهندسة للأدوار الإقليمية وموازين القوى فيها، ومحاولات أخرى مُقابلة ليكون أصحابها جزءًا من المعادلة الإقليمية، الأمرالذي يجعلها ساحة كبيرة للتنافس على الزعامة والموارد والنفوذ والسيطرة، خاصة أن المنطقة تتمتع بأهمية جيوسياسية وجيوإستراتيجية كبرى، كل هذا كان له دور محوري في تشكيل الدور الإقليمي الإثيوبي في إطار تلك التفاعلات والتشابكات المعقدة.
تقوية المسار التفاوضي لسد النهضة
فريق آخر ذهب إلى أن تدشين قاعدة عسكرية إثيوبية في جيبوتي سيمثل ورقة ضغط كبيرة على القاهرة فيما يتعلق بالمسار التفاوضي الخاص بسد النهضة، لا سيما بعدما أثير مؤخرًا بشأن احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري بين البلدين حال تمسك كل طرف بمواقفه.
لكن خبراء قللوا من تأثير هذه الخطوة على ملف السد، حيث أكد الخبير بالشؤون الإفريقية، الدكتور مصطفى الجمال قائلًا: “لا خطر جديد على مصر من قاعدة بحرية إثيوبية بجيبوتي”، موضحًا “منفذ البحر الأحمر موجود به معظم القوى العظمى والإقليمية”، مؤكدًا أن سعي أديس أبابا تشكيل قوات بحرية لها لا يخرج عن “بروباجندا إثيوبية مدعومة إسرائيليًا وخليجيًا”.
ويرى الخبير المصري في تصريحاته لموقع “عربي21” أنه يمكن لأديس أبابا استخدام مثل تلك الخطوة كعامل مساعد للضغط على مصر في ملف التفاوض بشأن سد النهضة، مضيفًا “إثيوبيا بالطبع تستخدم كل الوسائل للضغط على القاهرة”، مختتمًا حديثه: “ولكن في الأخير لن تستطيع أديس أبابا تحدي القاهرة، فقط تحاول تحسين شروط التفاوض لصالحها”.
فيما أشار الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء جمال مظلوم، قائلًا: “إثيوبيا ليس لديها قوات بحرية بصفة عامة، وتبدأ فقط الآن في تدشينها”، مشيرًا إلى أنها تسعى لتلك الخطوة بعد سنوات من انتهاء الحرب بينها وبين إريتريا، (1998 حتى 2000)، وبعد المصالحة التي وقعها قادة البلدين في 8 من يوليو/تموز 2018”.
وأضاف “لا أعتقد أن أي طرف يمكنه التأثير بملفات كهذه أو توجيه سير المفاوضات لصالحه، وذلك لوجود البنك الدولي ومندوب أمريكي بجولات المفاوضات”، مشيرًا إلى أن الأمور بهذا الملف تسير للأفضل في الوقت الحاضر”، فيما جزم السياسي المصري عبد الحليم منصور، بعدم وجود أي أثر لتلك الخطوة الإثيوبية، مؤكدًا أنها أيضًا لا تمثل أي قوة ضاغطة على مصر أو تهديدًا لمصالحها.
آبي أحمد خلال زيارته لجيبوتي
مناهضة الحضور المصري إفريقيًا
في 17 من أبريل 2017 تناقلت بعض المواقع الإخبارية أنباءً تفيد بدخول الحكومة المصرية في مفاوضات مع حكومة أسمرة لبناء قاعدة عسكرية مصرية في الصومال، هذا في الوقت الذي زعمت فيه المعارضة الإثيوبية أن الحكومة الإريترية منحت مصر الضوء الأخضر لبناء القاعدة في مقاطعة “نورا – Nora” بجزيرة دهلك الإريترية لفترة غير محدودة، التي تُعد ثاني أكبر الجزر في أرخبيل دهلك بمساحة تقدر بـ105 كيلومترات مربعة.
المواقع نقلت عن مصادرها الخاصة أنه من المقرر نشر ما بين 20 إلى 30 ألف جندي مصري في القاعدة المزعومة، بحيث تكون هذه القاعدة المصرية الأولى خارج البلاد وفي منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الجيوإستراتيجية، كما أشارت إلى أن وفدًا عسكريًا مصريًا زار إريتريا في بدايات 2017 للاتفاق على تمركز 2000-3000 عنصر من عناصر البحرية المصرية في القاعدة البحرية.
تعاني العلاقات الإثيوبية المصرية من فتور وتوتر خلال الآونة الأخيرة في ظل سباق النفوذ داخل القارة
ورغم نفي القاهرة لكل تلك الأنباء، فإن التحركات المصرية المتتابعة مؤخرًا في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي أثارت وبشكل كبير القلق والمخاوف لدى الجانب الإثيوبي من عودة الدور المصري في المنطقة، الأمر الذي قوبل بتحركات إثيوبية مضادة من أجل تحجيم الدور والتحرك المصري في المنطقة.
إسراع أديس أبابا الخطى من أجل تدشين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، يأتي في بعض محاور أهدافه تقويضًا لأي تحرك مصري شبيه في المنطقة، فإقامة قاعدة عسكرية مصرية في المنطقة، سيمثل بالطبع مخاوف كبيرة لدى الإثيوبيين، من محاصرة لسد النهضة الإثيوبي وتحريض دول وجهات مناوئة لإثيوبيا لا سيما إريتريا – قبل تطبيع العلاقات معها – وحركة الشباب المجاهدين الصومالية، كما أن وجود قاعدة عسكرية مصرية في المنطقة يعني اقتراب مصر من الأراضي الإثيوبية، ما يجعل التهديدات المصرية لإثيوبيا أكثر مصداقية.
وتعاني العلاقات الإثيوبية المصرية من فتور وتوتر خلال الآونة الأخيرة في ظل سباق النفوذ داخل القارة، وصل ذروته مع إصرار أديس أبابا على بناء السد الذي يعتبره المصريون يشكل تهديدًا كبيرًا لأمنهم المائي، وقد اعتاد الطرفان تبادل الاتهامات خلال السنوات الماضية.
فبينما كانت ترمي القاهرة أديس أبابا بسهام الانتقادات اللاذعة بعرقلة مسار التفاوض والتقارب مع الخرطوم على حساب المصالح المصرية، كان في المقابل اتهامات إثيوبية توجه للجانب المصري بالضلوع في الأحداث التي شهدتها إثيوبيا من انتفاضة بعض القوميات الإثيوبية منذ عام 2015 وعلى رأسها قومية الأورومو ذات الأغلبية في البلاد.