يراود الكثير من المغتربين العرب في بلاد المهجر، هاجس التوفير وكل ما يتعلق بالأمان المادي في المستقبل، خصوصًا في وقتنا الحاليّ الذي نشهد فيه اضطرابات سياسية وتقلبات اقتصادية حادة في جميع أنحاء العالم، ولسوء الحظ، كان للجمهورية التركية نصيب من هذه التغيرات حين فقدت الليرة التركية جزء من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، بشكل سريع وفجائي.
ونتيجة لهذه الأحداث المقلقة التي قد تتكرر من حين لآخر، يحاول أصحاب الدخل المحدود في تركيا الحفاظ على مدخراتهم بالدولار الأمريكي أو تحويل أي فائض عن الحاجة من العملة المحلية إلى الدولار، رغم ما يترتب على ذلك من خسارة مؤكدة ناتجة عن فرق سعر الشراء والبيع للعملات الأجنبية الذي قد يصل إلى 10 ليرات في بعض الأحيان.
عمومًا، سواء كنت ممن يتقاضون رواتبهم الشهرية بالدولار أو الليرة التركية، وإن كنت محظوظًا إلى درجة تمكنك من ادخار جزء من دخلك، فعلى أغلب الظن أنك لست من الذين يستثمرون تلك المدخرات، التي بحسب القواعد الاقتصادية تفقد قيمتها مع الزمن، أي أن ما تستطيع شراءه بألف دولار اليوم، قد يلزمك ألف و200 دولار لشرائه بعد سنة.
ولكي تحافظ على قيمة مدخراتك وتزيدها، ينبغي أولًا أن تغير طريقة تعاملك معها، وذلك من خلال تحويلها إلى استثمارات تعود عليك بالربح، دون الاستعانة بوسيط ودون الحاجة إلى خبرة مالية، وكل ما يلزمك حساب مصرفي في أحد البنوك التركية، في هذا التقرير، نُعرفك على 3 أدوات بنكية تساعدك على الاستفادة من أموالك الفائضة عن حاجتك، في الوقت الراهن.
خدمات بنكية من أجل أرباح مضمونة
بعض البنوك توفر خدمة تحويل أي فائض في حسابك الجاري إلى صندوق استثماري، مما يتيح لك فرصة الاستفادة من هذه النقود، بدلًا من تكديسها في حسابك البنكي دون طائل.
1. استثمر في الذهب وبأي مبلغ (لا يوجد حد أدنى)
منذ القدم، يُعرف الذهب بكونه أكثر الخيارات الاستثمارية أمانًا، ففي أوقات الأزمات الاقتصادية، يتجه المستثمرون إليه كملاذ آمن، وعلى مر العقود السابقة، استخدمته العائلات في مختلف المجتمعات كأداة توفير واستثمار، بالاعتماد على المعطيات التي أشارت إلى استمرار صعود أسعاره على مر السنين، ولذلك إذا كنت ممن يخشون المخاطرة بأموالهم، فمعظم البنوك التركية توفر لك الخيار الآمن للاستثمار، وهو الاستثمار بالذهب دون الحاجة للتفكير أو القلق بشأن خسارة أي مبالغ متعلقة بعملية التصنيع والصياغة، أو كما تُعرف بالعامية المتداولة “المصنعية” التي يكثر استخدامها في الإكسسوارات وحلى الزينة، وتأكل عادةً نصف قيمة الذهب أو أي أرباح متوقعة في السنوات المقبلة.
المهم، توفر غالبية البنوك خيار فتح حساب بنكي منفصل ومقيم بالذهب، يُسمى بالتركية (Altin Hesabi)، وفيما يلي 3 خيارات تتيح لك الاستثمار في الذهب، ويمكنك تفعيلها إما من خلال الذهاب إلى فرع البنك أو استخدام تطبيق الهاتف الخاص بالمؤسسة البنكية التي تتعامل معها.
حساب الذهب الجاري (Vadesiz Altın Hesabı): في هذا النوع من الحسابات، تشتري أي كمية من الذهب في أي وقت تريده، وبالقيمة السوقية المتداولة آنيًا. يناسب هذا الخيار أصحاب الدخل المحدود تحديدًا، إذ لا يوجد حد أدنى أو أعلى لعملية الشراء، ما يعني أنك قادر على استثمار 100 ليرة أو 1000 ليرة، فكلاهما متوافر، ويمكنك كذلك، شراء الذهب أو بيعه في أي وقت، وبحسب سعر السوق في لحظة الشراء أو البيع نفسها.
حساب الذهب التراكمي (Birikimli Altın Hesabı): ميزة هذا النوع من الحسابات أنه يسمح للأشخاص الراغبين بزيادة مدخراتهم من الذهب، مراكمة ثروة كبيرة على المدى البعيد. وعلى هذا الأساس، يفتح الشخص حساب ذهب تراكمي، ويُثبت أمر شراء دوري “بشكل أوتوماتيكي” عبر ربط حساب الذهب التراكمي بحسابك الجاري أو بطاقة الائتمان وبالتالي يتم السحب تلقائيًا بحسب القيمة السوقية للذهب، لمدة معينة وبقيمة محددة، وبذلك، يضمن المدخر التزامه في هذا الاستثمار لفترة طويلة.
مثلًا، إذا كان راتبك 3.500 ليرة شهريًا، يمكنك ربط الحساب بحيث يتم سحب 500 ليرة شهريًا بقيمة الذهب في تلك اللحظة، وهنا تكمن ميزة هذا النوع من الحساب، لأنه بشكل أو بآخر ينمي الشعور بضرورة تنمية مدخراتك ويضعها على رأس قائمة أولوياتك المالية قبل بقية مصروفاتك الأخرى من جهة، كما يقربك من استقرارك المادي من جهة أخرى.
حساب مودعات الذهب: (Vadeli Altın Hesabı): يشبه حساب الذهب الجاري مع فارق بسيط، وهو أنه مربوط لمدة زمنية محددة مسبقًا، وفي المقابل يحصل صاحب الحساب على معدل فائدة ثابت أو نسبة أرباح (في حالة البنوك الإسلامية) تؤدي إلى نمو حساب الذهب ذاتيًا مع مرور الوقت.
مثال على ذلك، إذا كان لديك 50 جرام من الذهب في حسابك الجاري، فيمكنك اختيار هذا النوع من الحسابات لمدة سنة ومع معدل فائدة 8.0%، في نهاية المدة يصبح لديك 50.4 قبل حساب الضريبة، وصحيح أن معدل الفائدة على مودعات الذهب منخفض نسبيًا، إلا أنه يبقى خيارًا جيدًا لتنمية مدخراتك من الذهب، على اعتبار أن الزيادة ولو بنسبة متواضعة، أفضل من النقصان أو الثبات.
2. برنامج تأمين التقاعد الفرد BES
تشجع الحكومة التركية مواطنيها والعاملين فيها على الادخار وتمنح منذ عام 2013 كل المشاركين في البرنامج 25% من قيمة القسط الذي يتعهد كل مشارك بتوفيره بشكل دوري، وفي المقابل لا يحق للمشارك الانسحاب من البرنامج والاستفادة من المنحة الحكومية كاملةً إلا بعد إتمام 10 سنوات على الأقل في البرنامج والوصول لسن التقاعد (56 عامًا).
ولتحقيق فائدة مُثلى من البرنامج تقدم شركات التأمين والبنوك امتيازات إضافية للمشاركين في البرنامج مثل إتاحة الخيار للمشاركين في تكوين سلة استثمارية خاصة تسمح للمشاركين باستثمار المبالغ التي يوفرونها طول فترة اشتراكهم في البرنامج والحصول في نفس الوقت على عوائد تراكبية تزيد من قيمة صندوقهم التقاعدي.
مثال بسيط على ذلك، إذا كنت بعمر الخامسة والعشرين وقررت الاشتراك في برنامج التقاعد الفردي وخصصت مبلغ 300 ليرة تركية شهريًا للصندوق، فسوف تحصل على مبلغ 210.793 ليرة عند وصولك سن 56 أي تقريبًا ضعف ما كنت ستحصل عليه في حال قررت توفير الـ300 ليرة ووضعها في درج الخزانة بشكل شهري وصولًا لسن التقاعد.
وإذا كنت حتى اللحظة لا تملك حساب BES فعليك التفكير بذلك كخيار استثماري ممتاز لمن يبحث عن تقاعد آمن، ويمكنك البدء بمبلغ 100 ليرة شهريًا وتستطيع زيادة ذلك تزامنًا مع زيادة دخلك الشهري، ويبقى الأهم هو التزامك بالتسديد بشكل شهري وفي الموعد وعدم الانسحاب من البرنامج لحين التقاعد لكي تضمن الاستفادة من كامل المساهمة الحكومية.
3. الودائع أو حسابات المشاركة
وهنا نأتي على ذكر هذا النوع من الحسابات كآخر خيار كونه معروفًا لمعظم الناس، ويجدر الذكر أن معظم البنوك التركية توفر لمنتسبيها إمكانية فتح حسابات الودائع سواء كانت على العملة المحلية (حاليًّا بمعدل 10%) وهنا لا يجب أن نتجاهل مخاطر تقلبات سعر الصرف أو فتح حسابات توفير بالعملة الصعبة بمعدلات فائدة متدنية نسبيًا حاليًّا (0.5%) على الدولار الذي يبقى أفضل من صفر في حال كان قرارك الإبقاء على مدخراتك بالدولار، لأنه كما ذكرنا سابقًا 1 زيادة أفضل من 1 ناقص.
ختامًا، إذا كنت ممن يستثمرون مدخراتهم فأنت من الذين يتقدمون في طريقهم نحو مستقبل مالي أكثر استقرارًا، وإذا كنت لم تبدأ بعد ووصلت لهذه النقطة في المقال فذلك يعني أنك من المهتمين والمدركين لأهمية هذه الخطوة وليس هناك وقت أفضل للاستثمار من الآن.