السياحة الصحراوية
تعد السياحة الصحراوية من أبرز أنواع الترفيه التي شهدت تطورًا متصاعدًا في السنوات الأخيرة وتعرف إقبالاً متزايدًا من السياح الذين يبحثون عن اكتشاف مناطق جغرافية وتاريخية مغايرة لما ألفوه وعرفوه، كما تُمثل الرمال الذهبية هي الأخرى منجمًا لعائدات مالية لا تقل أهمية عن باقي أنواع السياحات وتراهن عليها الدول لتحقيق تنمية مستدامة.
عرّفت الجمعية البريطانية للسياحة عام 1976 السياحة على أنها حركة موسمية قصيرة المدى إلى المناطق السياحية بعيدًا عن محل الإقامة والعمل الدائمين، وتشمل الحركة لكل الأغراض فضلًا عن زيارة اليوم الواحد والنزهات.
الرمال.. ثروة
ظلت السياحة الصحراوية في العالم العربي رغم قدمها قطاعًا مهمشًا غير مستغل استغلالًا جيدًا واقتصر دورها على أن تكون عجلة خامسة لنظيرتها الساحلية والحضرية، رغم أنّها تعد اليوم من أسرع وأوسع الصناعات النامية في العالم فهي تشكل مصدرًا مهمًا للأموال والتوظيف والثروة في عدة دول.
وتمثل الصحاري ما نسبته 90% من جسم الوطن العربي الذي بدأ يتعرض للتصحر، وتتفاوت هذه النسبة من قطر إلى آخر، لكنها تتسع وتتواصل في قلب البلاد حول مدار السرطان إلى درجة أنها تطل على سواحل البلاد العربية، كما في حالة الصحراء الكبرى في إفريقيا، وصحاري الربع الخالي والنفوذ والدهناء وبادية الشام في المشرق العربي، ما يجعل هذه النسبة في ازدياد على حساب الـ10% الباقية التي يعيش فيها أكثر من 90% من السكان، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان أن تفكر الدول العربية بشكل لا بديل عنه في إعمار الصحراء.
وفي الإطار ذاته، بدأت الصحراء بلفت أنظار الرحّالة الأجانب الباحثين عن المغامرات، فظهرت أنشطة متعددة ومتنوعة، وبسبب امتداد الصحراء على أجزاء واسعة من الوطن العربي تقدَّر مساحتها الإجمالية بنحو 11-12 مليون كيلومتر مربع، ولا تتعدّى مساحة الأراضي المزروعة 12% بات من الضروري تغيير صورة الصحراء في الوعي العربي، وتشجيع المستثمرين على وضع خططٍ للتنمية الشاملة وبخاصة في المجال السياحي.
رافد تنموي
نظرًا للرواج الكبير الذي يعرفه القطاع السياحي عالميًا والاهتمام الذي شهده من طرف العديد من دول العالم وهيئاته السياحية مثل المنظمة العالمية للسياحة أو السلطات المحلية العمومية، فقد بات الاهتمام بالسياحة الصحراوية والنهوض بأقطابها المتميزة واستغلال مواردها الطبيعية والأثرية أمرًا عاجلاً لمساهمتها الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكونها مصدرًا دائمًا لا ينضب لخلق الثروات وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مما جعل منها صناعة سياحية مزدهرة.
وتمتاز الصحاري العربية بتنوّعٍ بيولوجي يتمثل في مجموعةٍ كبيرة من أنواع النباتات والحيوانات ما يعطي فرصةً لاستقطاب السياح الذين يبحثون عن الهدوء والسكينة، أو مراقبة حياة السكان وأسلوب معاشهم أو مشاهدة المهرجانات أو الدخول في سباقات التزلج على الرمال.
يؤكد مختصون أن السائح اليوم لا يبحث عن فنادق من خمس نجوم وأكل عالمي ومسابح متطورة وفارهة، بل عكس ذلك يتطلع إلى الابتعاد عن مظاهر المدنية ورتابتها، ويسعى إلى اختيار وجهات جديدة تغني معرفته وحياته، كالأماكن التاريخية الأصيلة التي يُمكنه من خلالها الغوص في تاريخ الشعوب والتعرف على أدواتهم الصناعية التقليدية وأنشطتهم اليومية التي تعكس بساطة العيش واختلافه، فالصحراء عبارة عن بوابة زمن يدخل السائح عصرًا غير عصره وأمكنة غير موطنه.
ومن جانب آخر، فإنّ المناطق الصحراوية في العالم العربي بحاجة إلى نفخ الروح فيها وإحياء مظاهر التنمية مع المحافظة على طابعها الحضاري دون تجريدها من قيمتها الثقافية والتراثية، وخلق فرص تشغيل حقيقية في بيئة تمثل “الهامش” من أجل امتصاص البطالة وصون كرامة الإنسان الصحراوي.
فالسياحة الصحراوية بما تمتلكه من فرص الإقلاع كنشاط اقتصادي، قادرة على توفير آلاف فرص العمل، فضلاً عن دورها الديمغرافي في ضمان تعمير المناطق الصحراوية، والحد من ظاهرة الهجرة الداخلية نحو المناطق الساحلية والحواضر، إضافة إلى دورها المحوري في التأمين الحدود ومقاومة التهريب (البشر والمخدرات).
وفي سياق متصل، يُمكن تشجيع القطاع الخاص بالاستثمار وتحويل المشروعات الزراعية إلى متنزهات برية ومواقع تنزه اقتصادية، إضافةً إلى تمويل المهرجانات التي تعزز التراث الثقافي والفعاليات الثقافية والرياضية الأخرى، وتشجيع مبادرات الشباب للإسهام في دعم ترميم التراث العمراني وبرامج الحرف اليدوية المرتبطة بسكان المناطق السياحية الصحراوية.
كما يمكن التعريف بتلك الأماكن عبر مواد إعلامية ودعائية مسموعة ومرئية، وكذلك توضيح طرق الوصول إليها عبر الخرائط، إضافةً إلى مد الطرق الموصلة لتلك المناطق وتزويدها بالخدمات الضرورية كخدمات المياه والنظافة وحتى مراكز الإسعافات الأولية.
ومن هذا الجانب، بات إعمار الصحاري العربية ضرورة ملحة ووجب على الحكومات العربية ضخ الاستثمارات والموارد لإقامة مشاريع سياحية رائدة تكون وجهة أولى للزوار الأجانب بدرجة أولى وللعرب أنفسهم في مرتبة ثانية، وذلك بهدف الخروج من شرنقة الاعتماد على السياحة الكلاسيكية التي أثبتت قصر تطورها لمنافسة الدول المتقدمة كإسبانيا وإيطاليا وغيرهم.
تنوع وفرادة
من المشرق إلى المغرب، من سيلين القطرية وكثبان منطقة الخزنة ومنتجع السراب الإماراتي مرورًا بمدائن صالح “المنسية” بالمملكة السعودية، ومنها إلى توزر ومعلم “الرقود الـ7” بتونس ودار الأحلام بسوكرة المغربية معرجين على جارتها تيميمون لجزائرية وأكاكوس الليبية، تختلف التقاليد والعادات وتتنوع لكن جمال الصحراء وسحرها واحد، نهارها ممتع وليلها مؤنس.
ومن بين الأنشطة التي يُمكن ممارستها في الصحراء، الراليات والمسابقات المرتبطة بالصحراء ورحلات قوافل الإبل أو الخيل والتزلج على الرمال ورياضة السير على الأقدام (Trekking) في طرق صحراوية وجبلية، وتشمل رياضة تسلق الجبال ورحلات السفاري على السيارات الرباعية الدفع، إضافة إلى رياضة “التطعيس” (المحركات) على الكثبان الرملية.
وتشكل بدورها رحلات التخييم فرصة للاستمتاع بالمشاهد الرائعة وسط الصحراء كشروق الشمس وغروبها، وتُعدّ نشاطًا جيدًا للسياح يُتيح لهم البقاء لأيام في الصحراء والتمتع بالعيش وسط الحياة البرية والجبال الصخرية، فيما تنطلق الرحلات الليلية بعد انحسار حر النهار، وهي تشمل السير على الجمال للوصول إلى الصحراء وقضاء الليل في الخيام السوداء الصوفية ذات الطراز البربري (المغرب العربي)، علاوةً على فرصة تناول العشاء المكون من الحساء والفطير المشوي على نار الحطب يليه كأس من الشاي الأخضر.
كما تُعدّ الواحات من الخيارات الرائعة لمسارات الرحلات في الصحراء، فهي تزدان بأشجار النخيل المحيطة بينابيع المياه، ويُمكن الوصول إليها بواسطة ركوب سيارات الدفع الرباعي، بالإضافة إلى التمتع أيضًا بالخيول العربية الأصيلة كوسيلة نقل داخل الواحات.
وللمدن الصحراوية فنادقها الخاصة تستمد ديكورها ورونقها من الطبيعة المحيطة بها ومن تقاليد وعادات سكانها، تُقام على حواف الصحراء، ومنها فنادق بيئية تتعدد أنماط الإقامة فيها وتُصمم بواجهات زجاجية توفر إطلالات بانورامية على الطبيعة الرملية الساحرة، وتكون عادة ملحقةً بمطاعم تُقدم أطباقًا شعبيةً شهيةً.
بدورها أصبحت منتجعات العزلة (Retreat Resort) من أفضل الوجهات السياحية في جميع أنحاء العالم، وتتميز هذه المنتجعات بصغر حجمها ودقة تخطيطها وشمولها، وعادة ما يتم اختيار مواقعها في مناطق بعيدة عن المناطق المأهولة مثل: الجزر الصغيرة أو الجبال، والوصول إليها يتم بواسطة القوارب أو المطارات الصغيرة أو الطرق البرية الضيقة.
ومع تزايد الإقبال على سياحة الصحراء في دول المغرب العربي والخليج، اتجه المستثمرون السياحيون إلى إنشاء فنادق من فئة الخمس نجوم في تلك المناطق، وعملوا على استضافة نجوم الطرب والغناء لإمتاع قاصدي سياحة الصحراء بالحفلات الموسيقية على أضواء القمر وأنغام الموسيقى الغربية والشرقية، وهي أمور مثيرة خاصة للسائحين القادمين من أوروبا والدول الآسيوية.
إلى ذلك، يوجد في العالم العربي الكثير من الصحاري ولكن معظمها لم يُستكشَف أبدًا، ويرجع ذلك بالتأكيد لكونها أماكن قاحلة ذات مناخ متطرف، إلا أن شركات السفر أدركت في السنوات الأخيرة أهمية تحويل الصحراء لأماكن أكثر راحة وملاءمة للمسافرين المغامرين، كما بدأ عامة الناس يستوعبون تلك الفكرة، وسيحرص موقع “نون بوست” على تقديم قائمة بأفضل المواقع الصحراوية التي يجب عليك التخطيط لزيارتها مستقبلًا.