“النفط السوري بأيدينا ونستطيع أن نفعل به ما نشاء” تلك الكلمات تحدث بها الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرًا، وهو يستعرض أوضاع قواته العسكرية في سوريا، وأنه لم يتبق من الجنود إلا من يحمي هذا النفط، وما يقوله الرجل هنا صحيح، ومن متابعة آخر لقاء تليفزيوني لبشار الأسد نستنتج حقيقة واحدة لا تقبل الشك أن الرجل منفصل تمامًا عن الواقع، وربما لا يحكم حتى غرفة نومه.
المتتبع لمسار الأزمة السورية يجد أن البلاد باتت مسرحًا لصراعات دولية وإقليمية بغرض تثبيت النفوذ والاستفادة القصوى من ثروات هذا البلد، حتى من يوفرون الحماية للنظام السوري يفعلون ذلك، لتثبيت قواعدهم وأماكنهم، وليس حبًا في بشار ونظامه، وبالاقتراب أكثر من الواقع السوري الحاليّ نجد أن أكبر قوتين في العالم أمريكا وروسيا وأكبر قوتين إقليميتين في الشرق الأوسط إيران وتركيا هم الفاعل الرئيس على الأراضي السورية:
الولايات المتحدة: أشرنا لتصريح الرئيس الأمريكي الأخير، الذي يوضح السبب الرئيس لوجوده في سوريا بالإضافة لمهمات أمنية أخرى، تتعلق بمساعدة تنظيم PKK الذي يعتبر حليفًا مهمًا لها ولـ”إسرائيل”، أما “إسرائيل” فتواصل العمل على تثبيت قواعد الاشتباك ورسم خطوط العلاقة مع كل هذه الأطراف بالبارود والنار تارة وبالمفاوضات السياسية تارة أُخرى، فيما تسابق الزمن باتجاه سرقة ثروات المتوسط قبل أن تستقر الأمور لهذه الدول المتنازعة.
إيران التي تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا باتجاه الشرق الأوسط ترى أن أي فراغ يصيب هذه الدول يمثل بالنسبة لها فرصة لبسط نفوذها عبر أذرعها كما حدث في اليمن ومن قبله في لبنان والعراق
روسيا: الحليف الأكبر للأسد، تجد في سوريا نقطة متقدمة في منطقة الشرق الأوسط الغني بالثروات من جانب، ويمنحها موقعًا إستراتيجيًا من الناحية العسكرية على البحر المتوسط من خلال قاعدة طرطوس العسكرية (ومنطقة شرق المتوسط غنية عن التعريف بما تخفيه من ثروات خاصة الغاز) من جانب آخر، كما أن وجودها المتقدم في منطقة الشرق الأوسط سيمنحها القدرة على منافسة غريمها التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية.
إيران: تجد في سوريا قاعدة متقدمة ضمن جهودها الرامية لبسط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، فإيران التي تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا باتجاه الشرق الأوسط ترى أن أي فراغ يصيب هذه الدول يمثل بالنسبة لها فرصة لبسط نفوذها عبر أذرعها كما حدث في اليمن ومن قبله في لبنان والعراق، كما أن تثبيت قواعدها في سوريا سيمنحها خط عبور متصل من طهران حتى بيروت، والناظر للخريطة سيعرف معنى ذلك من الناحية الجغرافية والإستراتيجية، فطهران لا تنفق المليارات على وجودها العسكري في سوريا ولا تصبر على أذى “إسرائيل” إلا من أجل تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية.
الخاسر في المعادلة السورية الراهنة هي تلك الأنظمة التي تجمعها جامعة الدول العربية وتُجيد استعراض العضلات على نفسها وشعوبها
تركيا: في سوريا -أيضًا- تسعى إلى تحقيق جملة من المكتسبات التي لا تقل أهمية عن غيرها خاصة أنها الدولة الوحيدة من بين الدول الأربعة التي تملك حدودًا مع سوريا ولهذا الأمر أهميته الاستثنائية من الناحية الجيوسياسية والأمنية، فسوريا بالنسبة لتركيا بوابتها نحو الشرق، ومدخل مهم للقضاء على حزب العمال الكردستاني ونقل الصراع من الداخل التركي إلى خارج الحدود حيث التكلفة البشرية الأقل، فمنذ بداية الصراع (بين تركيا والتنظيمات الكردية) قُتل ما لا يقل عن 25 ألف تركي ونقل الصراع إلى خارج الحدود سيقلل هذه التكلفة بلا شك.
كما أن وجود المنطقة الآمنة سيوفر حماية إضافية للحدود التركية من جانب وسيؤسس مستقبلًا لواقع سيفرض نفسه على اللاجئين السوريين، كما أن هذه المنطقة غنية بالثروات خاصة النفط، كما أعلن ترامب في الولايات المتحدة أنه إذا سيطر على نفط سوريا سيجد نفسه مضطرًا للتعامل مع تركيا من أجل تأمين استخراج هذا النفط.
أما الخاسر في المعادلة السورية الراهنة هي تلك الأنظمة التي تجمعها جامعة الدول العربية وتُجيد استعراض العضلات على نفسها وشعوبها، بينما تترك القوى الإقليمية والدولية تُقسم دولنا الواحد تلو الأخرى، فيما تُزاحم أبناءها على الفتات الذي في أيديهم، والخاسر الأكبر في كل هذه المعادلة هو الشعب السوري المغلوب على أمره، الذي شاهد ثورته وهي تُختطف فيما عجز عن حمايتها أو تأمين المسار الناجح لها، لأن المؤثر الخارجي كان أكبر من قدرة الشعب على فهمه في مراحل الثورة الأولى، ثم بعد ذلك وجد نفسه مضطرًا للتعامل مع أرقام لا تتوقف من الشهداء والجرحى والمشردين، بينما ينظر هو لهذا الصراع الدولي والإقليمي الذي كان متسائلًا عن موعد وقف نزيف الدم؟
وفيما يستمر نظام الأسد في قتل شعبه كل يوم بالبراميل المتفجرة لإفساح الطريق لتلك القوى لتتلاعب بمستقبل سوريا وجغرافيتها، تتعالى الأصوات من بعض الدول والجماعات هنا وهناك تدعو لتطبيع العلاقات مع النظام السوري! كما حدث مؤخرًا من دولة الإمارات التي افتتحت سفارتها، والآخرون الذين دعوا لإعادة النظام السوري لجامعة الدول العربية وغيرهم، وكأن النظام السوري الحاليّ يملك من أمره شيئًا، ومن قصر النظر الاعتقاد بأن هناك حلًا للأوضاع في سوريا يمكن أن يتحقق قريبًا في ظل المقاربات السابقة التي ذكرناها وتضارب المصالح الذي يجعل المنطقة كالبارود الذي ينفجر وهو يتدحرج بشكل مستمر.