ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك اعتقاد منتشر يفيد أن رواد الأعمال الناجحين حققوا نجاحهم لأنهم فشلوا أولاً. فعادة ما يُطلب من رواد الأعمال أن “يفشلوا بسرعة” حتى يتعلّموا الدروس القيمة التي ستساعدهم في مشاريعهم المستقبليّة.
يعد هذا الاعتقاد بعيدًا عن الصحة. وفي حين أن القصص التي تشير إلى وجود فرص ثانية تعتبر مُطمْئنة، يظهر بحْثي أن رجال الأعمال لا يتعلمون من أخطائهم. وفي الحقيقة، إذا فشلت مرة واحدة، فمن المرجح أن تفشل مرة أخرى. وفي الواقع، يدفع الإيمان بهذه الأسطورة برجال الأعمال للمزيد من الفشل، ويؤدي إلى خيبة أمل وإحباط.
في الحقيقة، يعد علم النفس، السبب الرئيسي وراء هذا الأمر فالتعلّم هي عملية معقّدة لا تتحقق عادة بالبساطة والوضوح الذي نأمله. ونحن نكافح لاستخلاص الدروس من الخطأ المرتكَب ومن ثم تطبيق هذه الأفكار على مواقف جديدة. فضلا عن ذلك، نحن نميل إلى تبسيط تجاربنا وترك التفاصيل الرئيسية التي من شأنها أن تساعدنا في الحصول على صورة كاملة عن سبب حدوث الأشياء.
الدروس الصعبة
لقد توصّلتُ إلى هذه الاستنتاجات بعد العمل مع الآلاف من رواد الأعمال والشركات الناشئة على مر السنوات في الأوساط الأكاديمية والحكومية. وما وجدته هو أن القليل من الأدلة الثمينة تؤكد أن الفشل يساعد الناس على النجاح. وفي الغالب، تتمثل الأدلة المتداولة في قصص مختارة بدقة لأصحاب المشاريع الفاشلين والمشهورين الذين أصبحوا ناجحين في وقت لاحق، لكننا ننسى بسهولة العدد الأكبر من رجال الأعمال الذين فشلوا ولم يتمكنوا من سرد حكايتهم. ففي الولايات المتحدة، يصل حوالي 50 بالمئة فقط من الشركات الناشئة إلى عامهم الخامس، بينما يفشل الكثيرون في تجاوز السنوات الأولى، وذلك وفقا لمكتب إحصاءات العمل.
من المؤكد أن هناك بعض الدراسات الكمية التي تظهر أن رجال الأعمال المتسلسلين حققوا نجاحًا أكبر من المبتدئين. في المقابل، لا تُظهر الدراسات أن رواد الأعمال الفاشلين هم بالتحديد أكثر نجاحًا. وبحسب رأيي، عادة ما تأتي الدراسات التي تتناول الفشل مع قيود أو تحذيرات. ولاختبار الموضوع على نطاق واسع، درستُ 8400 شركة ناشئة ألمانية لمعرفة ما إذا كانت الشركات الجديدة التي أطلقها رواد أعمال فاشلين حققت أداءً أفضل من الشركات الأولى. وكانت النتيجة أنهم لم يحققوا النجاح المنتظر. وفي الواقع، كانت نتائجهم سيئة في المرة الثانية.
وجدت دراسة أجريت على رواد أعمال ألمان من قبل باحث في بنك الائتمان لإعادة التنمية أن أداء رواد الأعمال الذين أطلقوا شركة بعد فشلهم كان ضعيفًا مقارنة بالمؤسسين الآخرين
كان رجال الأعمال الفاشلون أكثر عرضة للإفلاس أو غلق أعمالهم من رجال الأعمال لأول مرة. وفي الحقيقة، حتى لو أدار رجل أعمال مشروعًا تجاريًا بنجاح من قبل، فمن المحتمل أن يشهدوا فشل مشروعهم الجديد على غرار رجل أعمال لأول مرة. كما توصّل باحثون آخرون إلى استنتاجات مماثلة، إذ كشفت دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال عن الشركات المدعومة برأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة، والتي نُشرت في مجلة الاقتصاد المالي في نيسان/ أبريل سنة 2010، أن رواد الأعمال الذين فشلوا في السابق لم يكن من المرجح أن ينجحوا أكثر من رواد الأعمال الجدد.
وجدت دراسة أجريت على رواد أعمال ألمان من قبل باحث في بنك الائتمان لإعادة التنمية أن أداء رواد الأعمال الذين أطلقوا شركة بعد فشلهم كان ضعيفًا مقارنة بالمؤسسين الآخرين. ومن جهته، قال الباحث إن “احتمال بقائهم صامدين بشكل عام فضلا عن خطر الفشل على وجه الخصوص يعد أسوأ من الشركات الناشئة الأخرى. ولا يوجد ما يشير إلى أن فشل المشروع يؤدي إلى عملية انعكاس، يدرس من خلالها رجال الأعمال الأخطاء التي ارتكبوها ويكيّفون سلوكهم في المستقبل وفقًا لها”.
الممارسة والارتباك
لماذا يحدث هذا؟ لماذا لا يتعلم رجال الأعمال من الفشل؟ لسبب واحد، هو أن التعلّم صعب في سياقات بدء التشغيل. وفي أغلب الأحيان، عندما نفكر في التعلّم، فإننا نفكر في اكتساب الخبرة من خلال الممارسة المنتظمة. وفي كتابه الذي يحمل عنوان “استثنائيّون”، على سبيل المثال، قال مالكوم جلادويل إن احتراف لعبة الشطرنج يتطلّب حوالي عشرة آلاف ساعة من الممارسة. لكن جزءًا من السبب وراء نجاعة التدريب في هذا المثال هو أن رقعة الشطرنج منظّمة، فهي تحتوي دائمًا على 64 مربعًا وتبدأ بحوالي 32 قطعة، كما أنك تواجه منافسًا واحدًا. والأمر سيان، في كرة القدم، حيث يواجه عدد ثابت من اللاعبين المهاجمين عددًا ثابتًا من المدافعين ويحاولون التقدّم بقواعد واضحة ومنتظمة.
بيد أن هذه الانتظامات لا تحدث في حالات بداية مشروع جديد. فالأسواق تتطور والعملاء متقلبون وأعداد الخصوم تختلف. لذلك، ينبغي عليك أن تتعلم ما يتطلبه الأمر لكي تصبح مكافئًا لخبير لعبة الشطرنج من خلال التعامل مع القواعد والخصوم المتغيرة باستمرار، مما يزيد من صعوبة تفسير الإجراءات والخبرات السابقة بنجاح.
على سبيل المثال، خلال عملية محاولة فهم رغبة العملاء، يكشف التحدث مع العملاء المحتملين عن احتياجاتهم الحالية، لكن في الكثير من الأحيان، تجد العملاء أنفسهم لا يفهمون ما يحتاجون إليه بالفعل، أو لا يتمكنون من التعبير عن هذه الحاجة بدقة. وقد يخبرونك أشياء يمكنها أن ترسلك في الاتجاه الخاطئ. وكما قال ستيف جوبز عن قيود التصميم للمجموعة البؤرية، “في الكثير من الأحيان، لا يعرف الناس ما يريدون حتى تظهره لهم”.
لذلك، يتحدث رجل أعمال إلى العملاء ويطرح منتجًا لا يجد جمهورًا، ثم يفشل ذلك المنتج. لكن صاحب المشروع الفاشل يعتقد أنه يستطيع أن يحاول مرة أخرى من خلال تحليل ما لم ينجح فيه في المرة الأخيرة. في المقابل، تكمن المشكلة في أنه حتى إذا كان بإمكان رجل الأعمال التعامل مع الخلل، وهو أمر غير مرجح، بالنظر إلى المعلومات المعيبة التي أدت إلى الخلل في المقام الأول، لا يعكس هذا الفهم احتياجات العميل الحالية، التي من المحتمل أن تتغير منذ آخر مرة، استنادا إلى العديد من العوامل. ونتيجة لذلك، لن تُطبَّق الدروس المستفادة من الفشل الأول.
يمكن أن يمنع علم النفس أيضًا التعلم: نحن نبحث عن إجابات بسيطة ونلوم الآخرين على اخطائنا.
للسبب نفسه، يبدأ المشروع على أسس غير صحيحة، إذ لن تواجه المحاولة الثانية لبداية المشروع سياق المحاولة الأولى نفسه. ومن المحتمل أن تكون هناك ظروف وأسعار وعلاقات مختلفة مع السوق. فضلا عن ذلك، لا تحدث معظم عمليات إلغاء المشروع بسرعة، إذ يماطل صاحب المشروع حتى لا يجد خيارًا سوى إغلاقه. في المقابل، يجعل ذلك من الصعب معرفة سبب الفشل الحقيقي.
وتجدر الإشارة إلى أن الأعمال التجارية الصغيرة تفقد عميلًا رئيسيًا. كما أنها تحل محل العميل، لكن الخسارة الأولية تركت التعامل أضعف من أن تتمكن من معالجة عدد من المشاكل اللاحقة، مثل تشديد الائتمان. ومع ذلك، يستمر العمل لبضع سنوات حتى يغرق ويستسلم المالك. ولا يبدو أن سبب الفشل هو فقدان العميل نظرا لحدوثه منذ فترة طويلة. لذلك، لا يستطيع رواد الأعمال معرفته، ولا يتعلمون من أخطائهم. ومن المرجح أن يلقي رواد الأعمال باللوم على شيء حدث أقرب إلى الإغلاق الفعلي ويبحثون عن العبر التي يمكن استخلاصها هناك.
العوائق النفسية
هناك سلسلة من العقبات التي تحول دون التعلّم والتي تتعلق بالطريقة التي نفكر بها. ويتضمن بداية النشاط التجاري تنسيق الأنشطة المعقدة والمترابطة مثل التسويق واللوجستيات والتخطيط المالي والمبيعات والعمليات. فمن الأسهل على سبيل المثال أن نقول إن إثنين من أرباع المبيعات السيئة دمرت شركة من سلسلة من المشاكل المتتالية في جميع أنحاء المؤسسة. وغالبا ما يقترن هذا الميل إلى التبسيط بالضعف البشري المشترك، حيث يلقي باللوم على إخفاقات الماضي في الأحداث الخارجية، بدلاً من إسناد هذه النتائج إلى أفعاله الخاصة.
فضلا عن ذلك، فعلى سبيل المثال، عادة ما يلوم رواد الأعمال البنك على التسبب في فشلهم المادي لكنهم لا يدرسون في التسبب فيها، مثل فشلهم في توقع النفقات العامة المرتفعة. ومن الصعب أن تتعلم من فشلك إذا كنت لا ترغب في النظر إلى الفشل بأمانة.
إذا أُجبر تاجر التجزئة على الإغلاق، فقد يلقي رجل الأعمال باللوم على المركز التجاري الذي انتقل إلى المدينة، أو المجلس المحلي الذي رفض حظر صاحب الامتياز الكبير أو العملاء الذين توافدوا على المشغل الجديد. ولعب كل ذلك دورًا واضحًا لكن رواد الأعمال لا يفصحون أبدا ما إذا كان العامل الأساسي وراء ذلك هو فشلهم في التوصل إلى سبل جديدة للحفاظ على مشاركة العملاء مع تغير الزمن.
اختبار التحمل
معدل بقاء الشركات حسب القطاع.
قطاعات ذات معدل نمو سنوي أعلى وأدنى مقارنة بجميع القطاعات.
دروس قاسية
هل هناك أية طريقة للتغلب على هذا الموقف؟ نصيحة واحدة استخلصها من بحثي، وهي أن رجال الأعمال الفاشلين سابقًا الذين يريدون البدء من جديد، يجب أن يتوقفوا ويفكروا مليًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب اتباع استراتيجية إدارية “لدراسة نسبة فشل المشروع “، وتجبر رواد الأعمال على معرفة الخيارات المتاحة لهم. ومن الواضح أيضًا أنه إذا أراد رواد الأعمال الفاشلين “التطلع إلى الأمام”، فينبغي عليهم أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانت لديهم الخبرة اللازمة في مجال الصناعة. كما تُظهر الدراسات أن رواد الأعمال ذوي الدراية والمعرفة والذين يؤدون أداء، أفضل بكثير من رواد الأعمال الذين لديهم خلفية قليلة أو معدومة في الميدان.
في حال لم يكن لدى رائد المشروع أية خبرة في مجال الصناعة، ينبغي أن تتمثل وظيفته في تشجيع رجال الأعمال على العودة لاحقًا عندما تتوفر لديهم الخبرة المطلوبة، وتوظيف مستشارين أو أعضاء فريق يتمتعون بهذه المؤهلات أو تقديم المشورة لصاحب المشروع لتحويل فكرته إلى صناعة أفضل. كما أن إخبار الناس بكل ذلك، قد لا يبدو مريحًا ومشجعًا مثل عندما “تفشل أولاً، تنجح لاحقًا”. لكن الواقع الأليم يتمثل في أنه في حال فشل رجل الأعمال، فمن المحتمل للغاية ألا يكونوا قد تعلموا ما يحتاجون إليه لينجحوا في المرة القادمة، وغالبا ما يكون من الأفضل عدم المحاولة مرة أخرى.
المصدر: وول ستريت جورنال