ترجمة وتحرير نون بوست
لدي اقتراح أساسي: لنحظر جميع الأطعمة المصنعة وذات المعالجة الفائقة، ليس المنتجات بل المصطلحات، تقدم العديد من خطط الأنظمة الغذائية والتعليمات الغذائية نصائح متنوعة عن كيفية تناول الطعام الصحي، وهناك رسالة بسيطة مفادها تجنب جميع الأطعمة المصنعة، وهي رسالة جذابة للجميع.
نتيجة لذلك تجمع كثير من الصحفيين ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي وحتى المؤسسات والأكاديميات الصحية خلف الفكرة التي تقول إن الطعام المصنع سيئ لصحتك والطعام فائق التصنيع أكثر سوءًا.
اتُخذ هذا الموقف مع الكثير من التفاصيل مثل التوصيات بعدم تناول أطعمة تحتوي على أكثر من 5 مكونات، وأطعمة مرت بأكثر من 5 مراحل تصنيع أو الأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة (مواد كيميائية) أو أي شيء صُنع في المصانع.
كعالم غذاء أعتقد أن مثل هذه النصيحة من السهل تذكرها لكنها ليست مفيدة، فشيطنة الأطعمة المصنعة يعزز من سوء الفهم وعدم الثقة في الطرق التي يوفر بها العلم والمصانع طعامًا أفضل لنا.
في البداية يجب أن تعلموا أن جميع الأطعمة مصنعة، وهو بالمناسبة أمر جيد، فالتصنيع هو أي شيء يحول الطعام من شكله الخام إلى شيء أكثر ملاءمة للاستهلاك البشري، وهو ما يجعل الطعام أكثر أمانًا وأسهل هضمًا وأقل عرضة للتغيرات غير المرغوب بها، كما يحافظ عليه ويحسن خصائصه الغذائية والجمالية.
بشكل مبسط، التصنيع هو الطبخ، وهو الاكتشاف الذي كان خطوة أساسية في تطور الإنسانية لأنه سمح لنا بامتصاص المزيد من الطاقة لتغذية عقولنا وأجسادنا، واليوم، إضافة إلى مجموعة متنوعة من المعالجات الحرارية التي تقتل الجراثيم، حيث تستخدم عمليات تصنيع أخرى لحفظ الطعام مثل التجفيف والتخمير والترشيح والتجميد.
في السنوات الأخيرة تضمنت المعالجات المتقدمة اقتراح استخدام ضغوط عالية جدًا أو حقول نبض كهربائي لجعل الطعام أكثر أمانًا عند تناوله مع الحفاظ على طعمه وملمسه وقيمته الغذائية.
إذًا، لماذا أصبح مصطلح “الطعام المصنع” سلبيًا هكذا؟ بشكل جزئي، يرجع ذلك إلى أن المصطلح يشير الآن إلى مكونات الطعام ومعلوماته الغذائية، فهو يُستخدم لتسليط الضوء على الأطعمة ذات النسب العالية من الملح والسكر والدهون، التي ترتبط جميعها بعدة مشكلات صحية.
ومع ذلك يُستخدم مصطلح “الأطعمة المصنعة” للإشارة إلى المنتجات التي تحتوي على عدد كبير من المكونات خاصة تلك التي تحتوي على إضافات كيميائية، إنه أمر حقيقي أن الطعام الذي لا يحتوي على أي إضافات لن يحتوي على ملح أو سكر أو دهون إضافية، لكن ليس هناك علاقة بين عدد المكونات وجودة وأمان المنتج.
في الوقت نفسه هناك منتجات غذائية بسيطة تحتوي على العديد من المكونات الكيميائية، فعلى سبيل المثال يحتوي الموز على الفركتوز والمالتوز والتوكوفيرول والفيلوكيونين والإيزوبوتانول، أما التفاح فيحتوي على حمض الأسيتك “E260” وحمض الطرطريك “E334” والكاروتين “E160a” وفيتامين ج “E300” وحمض الستريك “E330” ومكونات أخرى.
أدى الفهم الجيد لعلم الطعام وسلامته إلى حظر إضافات الطعام الضارة
قد تقول هذه ليست عناصر بل مكونات طبيعية، لكن عند مزج نفس هذه المكونات معًا لن تحصل على الفاكهة مرة أخرى أو حتى نفس المظهر الغذائي، لكنها ما زالت مجموعة غنية من المواد الكيميائية، هذه المكونات نفسها توجد في منتجات الأطعمة المصنعة مع مجموعة أخرى من العناصر المضافة.
الطبيعي ليس الأفضل بالضرورة
بعض المواد الكيميائية المضافة تُستخرج من مصادر طبيعية وبعضها عبارة عن نسخ مصنعة تشبه المواد الطبيعية مثل البيتا كاروتينا الموجود في الجزر والفانيلين المسؤول عن النكهة الأساسية في الفانيليا، إذا كانت جزيئات المصنع متطابقة مع الجزيئات المستخرجة من الجزر فلماذا نرى أنهم مختلفون؟ هل من الأفضل أن نقوم بعمليات أكثر تكلفة وأكثر إهدارًا للمواد لاستخلاصهم من مصادر طبيعية؟
هناك مكونات أخرى لا توجد في مصادر الطعام الطبيعية، ولا شك بأن البشر في الماضي أضافوا مواد غير آمنة للطعام، فعلى سبيل المثال استخدم القدماء الرصاص والزئبق لتلوين الطعام، أما اليوم أصبحت صناعة الطعام شديدة التنظيم في كثير من الدول، كما أدى الفهم الجيد لعلم الطعام وسلامته إلى حظر إضافات الطعام الضارة.
في أوروبا تُمنح المواد الإضافية رموزًا تُسمى الأرقام الإلكترونية، يقول بحث صادر منذ عام 2007 إن 6 من بين مئات المواد الإضافية كانت مرتبطة بفرط النشاط لدى الأطفال مما أدى إلى تحقير المصطلح، لكن أي طعام يحتوي على أحد هؤلاء المكونات الست يجب أن يحتوي على ملصق تحذيري، أما في بقية الحالات فتلك الأرقام الإلكترونية تعبر عن مواد إضافية تم اختبارها والتأكد من أمانها.
يجب أن نتذكر أيضًا أن كل هذه العناصر المضافة للمنتجات الغذائية تكلف المصانع أموالًا كثيرة لذا يجب أن تؤدي عملها الصحيح، واليوم تختلف احتياجات المستهلكين بشكل كبير، لذا أصبح هناك أطعمة مخصصة لفئات مختلفة مثل الرضع وكبار السن والنباتيين وذوي الحساسية وغيرهم.
ولكي نصنع منتجات تلبي احتياجات الناس الغذائية المتنوعة مع الحفاظ على طعم جيد فإننا نعتمد على عدد كبير من تلك العناصر، فهذه المنتجات المخصصة يجب أن تحل محل القيمة الغذائية للحليب والمرونة التي يوفرها الجلوتين وملمس اللحم، ولحسن الحظ، تمكن علماء الغذاء من حل تلك المشكلات عن طريق تطوير تلك المكونات بعناية والتحكم في أدائها من البروتين النباتي للتغذية وحتى صمغ الزانثان للملمس.
لا ينبغي الحكم على جودة الطعام وفقًا لقائمة المكونات، ولا يجب أن تكون عملية معالجة الطعام محل شك
في النهاية، كل الأطعمة مصنوعة من مواد كيميائية وكل المكونات لها وظيفة محددة، والمنتجات الغذائية لا تحتوي على مجموعة عشوائية من تلك المكونات دون سبب، إذ يُضاف إليها عدد وأنواع معينة من العناصر اللازمة لتوفير الخصائص الغذائية والحسية الآمنة التي يحتجاها المستهلك وتسمح بها التشريعات، ليس أقل أو أكثر من ذلك.
ولذلك، لا ينبغي الحكم على جودة الطعام وفقًا لقائمة المكونات، ولا يجب أن تكون عملية معالجة الطعام محل شك، وإنما يجب أن نهتم بفهم عملية التصنيع ومكونات الطعام وأهميتها.
المصدر: ذي كونفرسايشن