ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: ميخائيل ر.غوردون و وجوردون لوبولد
أظهر مخبأ للوثائق الحكومية، وقع الكشف عنه مؤخرًا، أنه على امتداد سنوات، ساورت شكوك المسؤولين في الولايات المتحدة وحلفائهم حول إدارة الصراع في أفغانستان، الذي يعتبر أطول حرب مستمرة خاضتها الولايات المتحدة. تتضمن الوثائق التي نشرها مكتب حكومي أُنشئ لمراقبة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإعادة إعمار البلاد ملاحظات من مقابلات سابقة غير منشورة شارك فيها كبار صناع القرار، بما في ذلك القادة المدنيون والعسكريون.
تعكس العديد من الوثائق وجهات نظر تتفق مع الروايات التي سبق نشرها حول الصراع الجاري، بما في ذلك التقارير المنتظمة للمفتش العام الخاص بالبنتاغون لإعادة إعمار أفغانستان، الذي جمعها وأجرى مقابلات. لكن من المحتمل أن تؤدي التقييمات الصريحة لصناع القرار المهمين إلى فحص دقيق جديد للنزاع الأفغاني وتوفير أرضية ملائمة لانتقاد الجهود الأمريكية.
الجنرال المتقاعد دوغلاس لوت، الرئيس السابق لسياسة البيت الأبيض في أفغانستان، يتحدث في بروكسل سنة 2014 باعتباره سفير الولايات المتحدة في حلف الناتو.
حيال هذا الشأن، قال دوغلاس لوت، الذي كان يشرف على سياسة البيت الأبيض في أفغانستان في الفترة الممتدة بين 2007 و2013 باعتباره جنرالا في الجيش الأمريكي حاصل على ثلاث نجوم، في إحدى اللقاءات الصعبة التي أجريت في سنة 2015:”لم نكن نملك أي معرفة أساسية حول أفغانستان، لم نكن ندرك حقيقة ما نقوم به هناك”، مضيفا “ما الذي نحاول القيام به هنا؟” “لم نكن ندرك حقيقة ما نضطلع بتنفيذه في أفغانستان”.
في الواقع، نشر مكتب المفتش العام هذه الوثائق لصالح صحيفة واشنطن بوست الأمريكية على خلفية دعوى قضائية بموجب قانون حرية المعلومات. وجاء نشرها في مرحلة حرجة في حرب دامت مدة 18 سنة، حيث يأمل ترامب في التفاوض حول اتفاق سلام مع حركة طالبان الأفغانية من شأنه تمكين الولايات المتحدة من سحب المزيد من قواتها من البلاد. كشفت هذه الوثائق السرية أن عدم التوافق بين الاستراتيجية الطموحة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان والموارد المخصصة لمثل هذه الجهود كان مصدرا مثيرا للإحباط على مر السنين.
مثّل بناء قوات محلية، على غرار الشرطة والجيش، العنصر المحوري للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، حتى تتمكن من تحمل مسؤوليات أكبر
في مقابلة ضمن جملة من اللقاءات التي وردت في الوثائق التي صدرت حديثًا، صرّح الجنرال المتقاعد جون ألين في المشاة البحرية الذي قاد قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البلاد من 2011 إلى 2013، بأن الحكومة الأفغانية رفضت إرسال موظفين مدنيين إلى المناطق التي وقع تطهيرها مؤخرا من المتمردين، مصرة على تهدئة الأوضاع في البلاد بالكامل أولاً. وأضاف ألين قائلا: “هذا يعني بالنسبة لي أنهم لم يكونوا جادين بشأن الاستقرار الذي كانوا في أمسّ الحاجة إليه”.
أضاف ألين أن الجهود التي بذلتها واشنطن لإغلاق القواعد وتقليص عدد القوات الأمريكية أعاقت مساعي الولايات المتحدة وحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي لتحقيق الاستقرار في البلاد، حيث ورد أن “الاستقرار يتطلّب وقتًا لاتخاذ التدابير اللازمة والتكيف مع الوضع الجديد، لكننا فقدنا كل ذلك. لقد انتقلنا من وضع نهائي إلى تاريخ النهاية”. هناك مشكلة أخرى تتمثل في وضع استراتيجية قابلة للتنفيذ من طرف تحالف دولي متنوع وبواسطة سلسلة من عمليات نشر القوات.
الجنرال المتقاعد جون ألين يدلي بشهادته سنة 2015 أمام لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية.
في هذا السياق، قال ديفيد ريتشاردز، الجنرال البريطاني المتقاعد الذي شغل منصب قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان خلال سنتي 2006 و2007 إنه “لم تكن هناك استراتيجية متماسكة وطويلة المدى”، كما أكد أن “الولايات المتحدة كانت لها جولات أطول، لكن التناوب على السلطة ما زال قادرا على تغيير الاستراتيجية حيث يجبر كل الأمور على أن تكون قصيرة المدى. ولكل دولة أولويات مختلفة”.
في الواقع، مثّل بناء قوات محلية، على غرار الشرطة والجيش، العنصر المحوري للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان، حتى تتمكن من تحمل مسؤوليات أكبر. لكن ظلت هذه الجهود تواجه المتاعب على مر السنين في الوقت الذي عانت فيه القوات الأمريكية والقوات المتحالفة من مشاكل في صفوف الوحدات الأفغانية، بما في ذلك القوات غير المحفزة وانتشار الفساد وما يسمى بالهجمات الخضراء على الزرقاء ضد القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف.
ذكر أحد مستشاري المعارك القتالية الأمريكيين الذين عملوا في أفغانستان بين سنتي 2007 و2008 أن كتيبة الجيش الوطني الأفغاني التي عمل ضمنها قد ضمت 80 بالمئة فقط من جنودها. كان أحد الأسباب الرئيسية للفرار من الخدمة العسكرية هو أن الكثير من الجنود سيعودون فقط ليوم الدفع ثم يفرون مرة أخرى. في مقابلة أجريت سنة 2017، قال المستشار أيضا إنه كان هناك سبعة أمريكيين فقط يقودون كتيبة تضم 500 رجل آنذاك، حيث اعتقد أنه يحتاج إلى أكثر من أربعة أضعاف ذلك العدد للقيام بتلك المهمة على أحسن ما يرام.
تُعدّ المفاوضات التي يجريها الرئيس ترامب حاليا مع طالبان أساسية، حيث تخدم جهوده الرامية إلى الوفاء بالوعود التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية
أورد ريان كروكر، سفير الولايات المتحدة في أفغانستان بين سنتي 2011 و2012، أن تفشي الفساد كان نتيجة ثانوية وحتمية تقريبا للنزاع. كانت الولايات المتحدة تضخ عشرات الملايين من الدولارات في بلد يعاني من اقتصاد هشّ، بالتوازي مع ضعف سيادة القانون وغياب التدقيق الكافي في ظل المشاريع التي يقع تمويلها. وقال كروكر إن الرئيس حامد كرزاي قد توصل إلى مصدر المشكلة في ذلك الوقت. فسّر خلال المقابلة: ” لطالما اعتقدت أنه كان لكرزاي وجهة نظر صائبة في هذه النقطة، حيث أنه لا يمكنك ضخّ هذه المبالغ في دولة ومجتمع في وضعية هشّة للغاية، وعدم استخدامها في تمويل الفساد”. “لا يمكن ذلك”.
تُعدّ المفاوضات التي يجريها الرئيس ترامب حاليا مع طالبان أساسية، حيث تخدم جهوده الرامية إلى الوفاء بالوعود التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية، وذلك من خلال إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن وتجنيبها النزاعات مفتوحة الأطراف. أدّى ترامب مؤخرا زيارته الأولى إلى أفغانستان، حيث تنشر الولايات المتحدة ما بين 12 ألف و13 ألف جندي هناك.
لكن، كان الديبلوماسي السابق كروكر، والذي حظي باحترام واشنطن على خلفية الخبرة الميدانية التي اكتسبها في أفغانستان، يشك في احتمال إجراء مثل هذه المفاوضات في مقابلته التي أُجريت سنة 2015. وأفاد في هذا الصدد: “لم أصدق بتاتا أن المفاوضات مع طالبان، مهما كان الشخص الذي يجريها، ستؤدي بأي شكل من الأشكال إلى نتيجة ملموسة. لقد شعرت أنه في أقصى الحالات، قد يكون من الممكن إخراج شخصيات من طالبان واستبعادها من الجانب الحكومي، لكن سيشكل ذلك مشكلة إضافية”.
أكد لوت وألين وكروكر ملاحظاتهما السابقة قائلين إنها تعكس تفكيرهم بينما لم يُجب المسؤولون السابقون الآخرون الوارد ذكرهم في الوثائق على طلبات التعليق فورا. وتجدر الإشارة إلى أن لوت قد روى قصة تدور حول مقر جديد للشرطة وهو فيلق المهندسين بالجيش الأمريكي الذي شُيّد في أفغانستان، حيث يعكس بشكل واضح التحديات التي واجهها الأمريكيون وهم يعملون في ظل ثقافة لم يستوعبوها في معظم الأحيان.
ختاما، ترأس لوت في وقت ما مراسم حفل افتتاح مركز شرطة المقاطعة الجديد، لكن شُيّد المبنى باستخدام نوع غير مألوف من مقابض الأبواب. في هذا الإطار، أوضح لوت قائلا إن “رئيس قسم الشرطة لم يستطع حتى فتح الباب، ولم يسبق له أن رأى مقبضا كهذا. بالنسبة لي، هذا يحوصل التجربة برمتها في أفغانستان”.
الصحيفة: وول ستريت جورنال