“قمة الأجواء التصالحية”.. هكذا يبدو أن هناك شبه اتفاق بين الإعلام الخليجي باستثناء ـ الإمارات ـ على تسمية القمة الخليجية الأربعين التي انعقدت بالرياض، وسط دعوات متزايدة لإعادة تماسك مجلس التعاون الخليجي، من أجل مواجهة التهديدات المشتركة، بعد أكثر من عامين، على مقاطعة فريدة من نوعها، من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لقطر، وقطع كل العلاقات السياسية والاقتصادية معها، على خلفية اتهامات للدوحة بتمويل جماعات إرهابية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
ما قبل القمة.. محاولة مفاجئة لـ”لم الشمل”
قبل الحديث عما جرى في القمة الخليجية والكواليس وردود الفعل، ينبغي العودة قليلًا إلى ما قبل الانعقاد، لاستعراض الأحداث وربط سياقاتها، لمعرفة ما الذي تقصده الابتسامات والأحاديث المنفردة بين الوفد القطري والمسؤولين السعوديين، حيث جرت ترتيبات مفاجئة، نقلتها صحف دولية، عن زيارة سرية، لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن إلى الرياض والتباحث سرًا في الازمة الخليجية وكيفية حلها، ـ ولو بين السعودية وقطر ـ على أن يكون الثمن، مقاطعة جماعة الإخوان المسلمين.
بعد أيام من الغموض وتجنب التعليق على الأخبار من الجانبين القطري والسعودي، عاد وزير الخارجية القطري للأضواء مجددًا، واعترف خلال مشاركته في منتدى حوارات المتوسط المنعقد بالعاصمة الإيطالية روما، أن بلاده تجري مباحثات مباشرة مع المملكة العربية السعودية، بشأن الأزمة الخليجية، وأعرب عن أمله في أن تسفر عن نتائج إيجابية.
ضمن ما قاله وزير الخارجية القطري، أن المباحثات أحدثت تقدمًا وانتقلت بالأزمة من طريق مسدود إلى الحوار عن رؤية مستقبلية بشأن العلاقة مع السعودية، دون أن يتحدث عن الإمارات أو البحرين ومصر، وكان لافتًا تأكيد بن عبد الرحمن أن المباحثات لم تتضمن المطالب الـ13 التي وضعتها البلدان الأربعة كشروط قاطعة لإعادة العلاقات مع الدوحة، كما لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى قضية دعم الإخوان أو تقديمها قربانًا للمصالحة، كما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلًا عن مصدر لم تسمه.
بخلاف الضجة التي أثارتها أنباء مباحثات المصالحة المفاجئة، جاء إعلان منتخبات السعودية والإمارات والبحرين المفاجئ، بالمشاركة في بطولة “خليجي 24” لكرة القدم، التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، وتوج بها منتخب البحرين، ليؤكد أن هناك شيئًا ما يجري خلف الستار، خاصة أن البطولة شهدت أجواءً إيجابيةً وروحًا رياضةً عاليةً من جميع اللاعبين، تختلف جذريًا عن بطولة كأس آسيا التي استضافتها الإمارات قبل تسعة أشهر وفازت بها قطر، في ظل أجواء عدائية كشفت ما يكمن في النفوس بين أبناء البلدان الخليجية.
ما بعد القمة.. انفراجة سعودية وتحفظ إماراتي
انعقدت القمة بالمعطيات التي أوردناها، وجميعها تؤكد وجود روح جديدة، تشير إلى ضرورة تماسك ووحدة دول المجلس، وانطلقت برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، وبحضور أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وملك البحرين حمد بن عيسى، ورغم غياب قادة قطر وسلطنة عمان والإمارات، فإن تمثيل الدول الثلاثة كان رفيع المستوى، بداية من قطر التي أرسلت وفدًا برئاسة الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، في حين ترأس وفد سلطنة عمان فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء العماني، كما ترأس وفد الإمارات محمد بن راشد رئيس الوزراء وحاكم دبي.
أشار البيان الختامي إلى أهمية التكامل العسكري والأمني بين البلدان الخليجية، وفقًا لاتفاقية الدفاع المشترك، وعاد لبيانات المجلس التيمة القديمة التي اختفت خلال العامين الماضيين، بالتذكير الدائم أن الاعتداء على أي دولة في المجلس، هو اعتداء على المجلس بأكمله.
على المستوى الاقتصادي، أشارت القمة إلى ضرورة العمل الجماعي للوصول إلى الوحدة الاقتصادية الكاملة والمواطنة الخليجية بحلول عام 2025، وتحقيق الأمن الغذائي وتطوير آليات الحوكمة المالية والشفافية والمساءلة، وهي مطالب طموح وتكفي للسعي لتجاوز خلافات الماضي من أجل مزيد من الرفاهية لمواطني بلدان المجلس.
وبغض النظر عن الخطاب الختامي الرسمي، يكشف تحليل كلمة الملك سلمان في القمة، نفسية السلطة السعودية في الوقت الراهن، التي يبدو أنها تشعر بقلق بالغ من الأخطار المحيطة وتعقيدات الموقف الدولي وتلاعبه بالأطراف المتصارعة من أجل تحقيق المزيد من المكاسب، فضلًا عن صعوبة مواجهة المملكة لهذه التحديات دون توحيد الجبهة الخليجية وضمان عدم اختراقها إقليميًا ودوليًا.
كان لافتًا تبرير الملك سلمان في كلمته، تحريك المياه الراكدة مع قطر، بتأكيده أن مجلس التعاون الخليجي تمكن منذ تأسيسه من تجاوز الأزمات المختلفة والعودة سريعًا إلى اللحمة من جديد، ما انعكس على كل الأطراف التي حضرت القمة ومهدت منذ البداية، وما زالت تسعى لإحداث تغيير في المواقف الصلبة، وخاصة الكويت التي أكد أميرها الأجواء الإيجابية والخطوات التي تبذل لطي صفحة الماضي.
سبق كلمة سلمان المختلفة في كلماتها وتعبيرات الملك الجسدية خلال إلقائها وردود الفعل حولها من الحضور، استقبال حافل للوفد القطري لدى وصوله إلى المطار في العاصمة السعودية، تبادل فيه مسؤولو الطرفين الأحاديث الجانبية والابتسامات، صاحبها احتفاء المعلق السعودي بالوفد بطريقة كرنفالية، غابت عن الأسماع خلال العاميين الماضيين، وخاصة مع تأكيده بشكل متتال على أن السعودية بلد القطريين الثاني.
وفي المقابل، انعكست طريقة الاستقبال على رئيس الوزراء القطري الذي ترأّس وفد بلاده من قبل في قمة مكة مايو الماضي، لبحث التوترات بين دول الخليج، وبدا أن هناك سعادة وحميمية، لم ترتسم على وجهه منذ عامين، كان يشارك فيهما، لكن المسؤول القطري لم يحظ خلالها بالاستقبال ذاته الذي حظي به اليوم في الرياض، ما جعله يغادر والوفد القطري الجلسة الافتتاحية لقمة دول منظمة التعاون الإسلامي في مكة، بينما كانت تنقل مباشرة على الهواء.
لماذا تعترض الإمارات على التقارب مع قطر؟
يمكن القول إن التقارب السعودي القطري خلفه عدة معطيات منها أن المقاطعة أضرت بالحلف الخليجي ربما أكثر من الأضرار التي وقعت على قطر، بحسب تحليلات دولية، ما جعل السعودية تستجيب للمحاولات الكويتية والعمانية للمصالحة، عبر اعتماد مقاربة مختلفة لنزع فتيل التصعيد، ولكن ما زالت ترفضها الإمارات التي تعارض إعادة العلاقات دون إخضاع قطر للشروط الـ13 التي وضعت من قبل لكسر الجموح القطري.
التصعيد الإماراتي الذي بدأ برفض كسر الحظر الجوي على قطر، وإرسال منتخبها للمشاركة في قمة خليجي 24 عبر الأراضي الكويتية، عبر عنه الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، وأشار بوضوح إلى استمرار أزمة قطر، ولخصها في غياب الشيخ تميم بن حمد عن القمة وسوء تقدير للموقف، يسأل عنه مستشاروه، ورهن قرقاش حل الأزمة بما أسماها “ضرورة معالجة جذورها بين قطر والدول الأربعة”.
أزمة قطر في تقديري مستمرة مع قناعتي أن لكل أزمة خاتمة وأن الحلول الصادقة والمستدامة لصالح المنطقة، غياب الشيخ تميم بن حمد عن قمة الرياض مرده سوء تقدير للموقف يسأل عنه مستشاروه، ويبقى الأساس في الحل ضرورة معالجة جذور الأزمة بين قطر والدول الأربع.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) December 10, 2019
تغريدة المسؤول الإماراتي توضح أن بلاده لن ترضى بأقل من تنازلات كبرى من الدوحة، وربما تطمح في اعتراف قطري بالمسؤولية عن الأزمة التي عصفت بالمجلس، والتوقف عما تراه الإمارات “دعم قطري للتطرف والإرهاب في المنطقة”، وهي إشارات استقبلتها الدوحة جيدًا، وربما فضلت الإجابة عنها بطريقتها المفضلة، عن طريق أذرعها الإعلامية التي لم تتوان عن إمطار الإمارات بقصف موجه ومستمر على مدار اليوم.
ولم تستثن المنافذ الإعلامية القطرية الإمارات من القصف، حتى يوم انعقاد القمة، حيث كشفت تفاصيلًا جديدة في بناء سجون سرية وتفاصيلًا لم تعلن من قبل عن ممارسة تعذيب ممنهج في اليمن، ما يشير إلى أن الصراع باقٍ بين البلدين، ربما تتغلب فيه قطر إذا استطاعت الوصول إلى مصالحة منفردة مع السعودية، بعد توقفها بشكل ملحوظ عن استهدافها في وسائل إعلامها.
وربما تتفوق الإمارات إذا استطاعت إطالة أمد التفاوض بين المملكة وقطر، دون التوصل إلى شيء، خاصة أنه حتى الآن، لم تخرج المفاوضات عن ابتسامات وأجواء تصالحية، مثلما وصفتها الجزيرة، دون الاتفاق على حل واضح وفاصل، يرضي الكبرياء السعودي الذي أعلن مرارًا وتكرارًا، عدم التنازل عن الشروط الـ13، ويرضي في الوقت نفسه الذات القطرية التي أعلنت في المقابل رفضها لكامل الشروط، وأكدت ان الحوار لا بد أن يبدأ دون قيد أو شرط.