في مشهد لا يمثل استثناءً، يدخل إسلاميو الجزائر انتخابات الرئاسة مشتتين ومتفرقين، بعضهم وضعوا أقدامهم مع السلطة من خلال “حركة البناء الوطني” التي قررت دخول السباق الرئاسي، بمرشحها الوزير السابق عبد القادر بن قرينة، بينما فضل البعض الآخر الاصطفاف إلى جانب الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 من فبراير/شباط الماضي ودعم مطالب الجزائريين، ونأت أحزاب إسلامية بنفسها عن الانتخابات وقررت البقاء على الحياد التام وعدم دعم أي من المرشحين الخمس بمن فيهم المرشح الإسلامي والقيادي السابق في الحركة عبد القادر بن قرينة.
وسجل تيار “إخوان الجزائر” حضوره في العديد من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد، سنوات 1995 و1999 و2004 و2009، لكن أهم مشاركة قوية لهم، تعود إلى الراحل محفوظ نحناح الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، منافس الرئيس السابق ليامين زروال.
قدم مع الحراك وأخرى مع السلطة
تعتبر حركة البناء الوطني، الحزب الوحيد بين الأحزاب الإسلامية، التي قررت ترشيح رئيسها الحاليّ عبد القادر بن قرينة، وربطت موقفها الإيجابي من رئاسيات ديسمبر/كانون الأول القادم بـ”غياب مرشح للمؤسسة العسكرية” وهو ما يؤكد حسبها صدق التزام السلطة الحاليّة بـ”الحياد”.
التزم حزبان إسلاميان بارزان في الجزائر، الحياد وقررا البقاء على الحياد التام في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخميس، وعدم دعم أي من المرشحين الخمس للانتخابات، بمن فيهم المرشح الإسلامي والقيادي السابق في الحركة عبد القادر بن قرينة
وكان عبد القادر بن قرينة، أحد أبرز القيادات في حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) وتعرف اختصارًا بـ”حمس”، عضوا بارزًا في المجلس الانتقالي الذي تأسس كهيئة تشريعية مؤقتة سنة 1994، إضافة إلى ذلك تقلَد بن قرينة منصب وزير السياحة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1997 و1999.
أسس في عام 2008 مع قيادات إسلامية بارزة “جبهة التغيير” بعد انسحابه من “حمس”، ليعلن سنة 2013 تأسيس “حركة البناء الوطني”، ودخل في تحالف إسلامي مع حزبين إسلاميين هما حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية، في الانتخابات البرلمانية التي نظمت في مايو/آيار 2017 وشكلوا كتلة برلمانية موحدة ما زالت قائمة لحد اليوم.
لم يشفع له هذا التحالف في الحصول على دعم الأحزاب الإسلامية التي انقسمت بين من التزمت الحياد التام ومن أعلنت مساندتها ودعمها لمرشحين لا علاقة لهم بالتيار الإسلامي، حيث حصل رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس على دعم قيادات سابقة من حركة النهضة أبرزهم أمينها العام السابق فاتح ربيعي ومجموعة من المناضلين الآخرين، كذلك نجح في الحصول على دعم جبهة “الجزائر الجديدة” بقيادة جمال بن عبد السلام المحسوب على التيار الإسلامي.
بينما التزم حزبان إسلاميان بارزان في الجزائر، الحياد التام في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الخميس، وعدم دعم أي من المرشحين الخمس للانتخابات، بمن فيهم المرشح الإسلامي والقيادي السابق في الحركة عبد القادر بن قرينة.
وخلص اجتماع عقده المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم ليل السبت، بعد استشارته لقادة هيئاتها المحلية، إلى عدم دعم أي من المرشحين الخمس وعدم الدعوة للانتخابات مقابل عدم الدعوة للمقاطعة، وترك حرية القرار بشأن التصويت من عدمه لمناضليها.
أما جبهة العدالة والتنمية بقيادة عبد الله جاب الله (أحد الوجوه الإسلامية البارزة في الساحة السياسية)، فدعت هي الأخرى لمقاطعتها وشددت على ضرورة البقاء في الحراك الشعبي المستمر منذ 22 من فبراير.
أرجعت جبهة العدالة والتنمية أسباب عدم مشاركتها في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلى “استمرار المظاهرات الشعبية والثورة السلمية بعدم تحقق مطالب الشعب السياسية “
وأكدت جبهة “العدالة والتنمية” في بيان لها عقب اجتماع لهيئاتها العليا، دعم الحراك أيضًا بـ”مقاطعة انتخابات 12 من ديسمبر/كانون الأول القادم”، وجاء في البيان أنها “وفية لمبادئها وقناعاتها ومسارها السياسي المناصر للشعب في مطالبه ومواقفه بالمقاطعة”، وطالبت الجبهة السلطة في الجزائر بـ”الكف عن تجاهل ثورة الشعب ومطالبه المشروعة، والعمل لأجل إقامة نظام حكم شرعي فعال وعادل، يقوى على رعاية المصالح وحفظ الحقوق والحريات والسير الصحيح والمتدرج نحو التقدم والازدهار”.
وأرجعت جبهة العدالة والتنمية أسباب عدم مشاركتها في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلى “استمرار المظاهرات الشعبية والثورة السلمية بعدم تحقق مطالب الشعب السياسية”، فقالت: “لا يزال رموز نظام بوتفليقة برئيس دولته وحكومته وطواقمه السياسية والإدارية وأحزابه قائمة، ومعظم المرشحين اليوم من أحزاب الموالاة “.
انقسام بين قادة “جبهة الإنقاذ”
أما الكتلة الإسلامية الأخيرة التي تضم بقايا “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، فانقسمت بين رافض لخيار الانتخابات ومؤيد لها، فدعا الزعيم السابق لـ”الجيش الإسلامي للإنقاذ” (جبهة الإنقاذ المحظورة)، مدني مزراق، أنصار “جبهة الإنقاذ وعموم الجزائريين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية يوم الخميس واختيار أحد المرشحين الخمس ممن يروه مؤهلًا لقيادة البلاد والعباد”، وطالبهم مزراق بـ: “الانتخاب حتى ولو بالورقة البيضاء”، وقال في البيان: “إن لم تجد من بينهم من يقنعك ويرضيك، فعليك بالمرشح السادس، وهي الورقة البيضاء، عبر عن رأيك واثبت وجودك، وكن رقمًا له قيمته، ولا تقبل بالعيش على هامش الأحداث، واحرص على إسماع صوتك لمن يهمه الأمر، في السلطة كان أو في المعارضة، بالأساليب الصحيحة والطرق السلمية وضمن الأطر المشروعة”.
بينما قال أحمد الزاوي وهو أحد قيادات الجبهة، ويقيم في الخارج، في كلمة مقتضبة بثها على صفحته: “الاستحقاق الرئاسي القادم ليس إلا مدخل لأزمة أخرى”، معتبرًا أن “استبعاد الشعب ونخبه من كل عمليات وترتيبات الانتخابات والعملية السياسية هي قيم رجعية وعملية غير شورية”.
يجمع متتبعون للمشهد السياسي في البلاد، أن تغييرات كبيرة طرأت على مواقف الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر، خاصة أن بعضها كانت تستعد للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها في أبريل/نيسان 2019 قبل إلغائها
وعلى النقيض اعتبر القيادي الإسلامي على جدي المنضوي اليوم في إطار ما يسمى سياسيًا بـ”تكتل أنصار المشروع الوطني”، أن “إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد ضرورة ملحة تقتضيها المصلحة الوطنية العليا”.
ويجمع متتبعون للمشهد السياسي في البلاد، أن تغييرات كبيرة طرأت على مواقف الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي في الجزائر، خاصة أن بعضها كانت تستعد للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر تنظيمها في أبريل/ نيسان 2019 قبل إلغائها بسبب تعاظم الرفض الجماهيري ضد الولاية الرئاسية الخامسة، كما هو شأن رئيس حركة مجتمع السلم بقيادة عبد الرزاق مقري.
خريطة سياسية جديدة؟
قال محمد حديبي، قيادي سياسي محسوب على التيار الإسلامي وبرلماني سابق، في تصريح لـ”نون بوست”: “قادة هذا التيار فقدوا التواصل مع العلبة السوداء للنظام في ضمان دخولهم اللعبة الانتخابية، فهم لم يتحصلوا على الضوء الأخضر”، مضيفًا: “هذا الوضع أجبر قيادة الأحزاب الإسلامية على دفع مؤسساتها الشورية لمقاطعة العملية الانتخابية، ورفضت أن تمنح قواعدها حرية اختيار كفاءات حزبية من غير متصدري القيادة، خوفًا من بروز شخصيات حزبية أخرى تتولى القيادة وتجدد الخطاب بما يتماشى مع التطورات الجارية”.
ويشير القيادي السياسي إلى أن “قيادة هذه الأحزاب أغلقت اللعبة مبكرًا على قواعدها ومناضليها بدعوى أن الأجواء الانتخابية غير ملائمة”، ويقول حديبي: “هذا التشتت سيكون له تأثير على العملية الانتخابية والمرحلة التي تلي الانتخابات”، وتوقع المتحدث زوال الخريطة السياسية الحاليّة، وبروز ثورة سياسية تغييرية حقيقية، مشيرًا إلى أن الحظيرة الحزبية الحاليّة هي نتاج ممارسات النظام السابق سواء كانت من كلفت بلعب دور المعارضة أو من كلفت بدور الموالاة.