مدينتان عربيتان مرّت الحضارة في أزقتهما وعبّر خلالهما الفاتحون والغزاة كما العلماء، فتشابهت الأسماء ومن تطابقهما استمدتا أيضًا التوافق بالأهمية العالمية على الأصعدة كافة، ولأجل التفريق بينهما أُطلق على إحداهما شرقية والأخرى غربية، وتتشارك المدينتان البحر المتوسط الذي تستعر مجددًا المعارك السياسية والاقتصادية لتقاسم ثرواته وامتداداته، لتكون المدينتان في أوج صراعٍ جديد في منطقة لا تنتهي حروبها ولا تفتأ تتكرر بمسميات جديدة ولاعبين كُثر.
طرابلس ليبيا وطرابلس لبنان، حاضرتان بقوة في خط التاريخ والحاضر للمنطقة المشتعلة دائمًا، والنار غير بعيدة عنهما بل كانت في العقد الأخير تحيط بهما، فالعاصمة الليبية كانت محور معارك عسكرية كبيرة وطاحنة منذ بدء ثورة فبراير عام 2011 حتى اليوم، كما أن شقيقتها اللبنانية التي تعتبر “قلعة السنة في لبنان” لم يُكتب لها الهدوء منذ زمن بعيد بحكم الطائفية السياسية التي تحكم لبنان في الوقت الذي توجد فيها مناطق ذات غالبية علوية.
تبرز المدينتان في ظل المتغيرات الإقليمية والاتفاقيات الدولية إذ تسهمان برسم خريطة مستقبلية، أهم ما فيها العلاقات البحرية بين الدول التي تقع على ساحل البحر المتوسط، فالمدينتان تملكان إطلالة على المتوسط وأهمية كبيرة في حركة الملاحة والتجارة والنقل البحري، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية الأخيرة بين تركيا وليبيا توضح الأهمية الكامنة في طرابلس الغرب بالنسبة للقوى المختلفة، أما نظيرتها فلن تكون بعيدة عن ساحة رسم الخطوط الجديدة.
المدينتان تاريخيًا
طرابلس الشام
قبل تحول المدينتين إلى شكلهما الحاليّ بالحدود الجغرافية المرسومة، كانت كل واحدة منهما تمتد إلى أماكن مختلفة بحسب من يحكمها لتكون اسمًا لعدة مدن وقرى وأراضٍ كبيرة، فطرابلس الشام التي تأسست عام 700 قبل الميلاد وكانت عاصمة الفينقيين عام 300 قبل الميلاد، وتشكلت المدينة نتيجة اتحاد 3 مدن فينيقية، وهو أصل تسميتها التي تعني في اليونانية “المدن الثلاثة”، إلا أن المؤرخين اختلفوا في أصل تسميتها، وقد مر على هذه المدينة حقبٌ عديدة كالعهد الآشوري والفارسي واليوناني والروماني، لتتنوع حضارتها وتزدهر، إلى أن وصلت المدينة حتى شملت مدنًا في سوريا الآن كجبلة في اللاذقية ومحافظة طرطوس.
صورة قديمة لطرابلس لشام
حينما بدأت الفتوحات الإسلامية بالتوسع واتجهت صوب الشام، كان لا بدّ من السيطرة على مدن الساحل الشامي، ولم يكن ذلك ليتم إلا بإخضاع طرابلس التي كانت قلعة من أواخر قلاع البيزنطيين وكان لزامًا على المسلمين الهيمنة عليها لأنها باتت تهدد مكتسباتهم، خاصة أن تلك الفترة لم يكن المسلمون متفوقين في البحار، بينما أعداؤهم البيزنطيون كانوا يملكون الأساطيل ولديهم الخبرة والكفاءة بإدارة الشؤون الحربية بكل نواحيها، وكانت المدينة تملك أهمية اقتصادية إذ إنها كانت منفذًا بحريًا مهمًا، لتصريف البضائع وتصديرها.
كانت المدينة عصيةً على المسلمين كونها ذات حصون منيعة، ولا يفيد حصارها لوجود منفذ بحري يمدها بالمؤن، إلى أن نفذ المسلمون خطة معاوية بن أبي سفيان، ببناء حصن مطل عليها وحصارها ومراقبة سواحلها من المدن الساحلية التي يسيطر عليها المسلمون وتطل على ساحل المدينة، وبعد حصار دام أشهرًا سيطر عليها الجيش المسلم بقيادة سفيان بن مجيب الأزدي، في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان.
استحوذت هذه المدينة على اهتمام الأمويين في عهد معاوية بن أبي سفيان الذي بنى فيها أسطول المسلمين الذي انتصر بمعركة ذات الصواري على البيزنطيين، وبالوصول للعصر الفاطمي الذي تمركز في مصر، برزت أهمية طرابلس الشام كونها سهلة الوصول بحرًا، فتبوأت أهمية كبيرة لدى الفاطميين، واشتهرت في ذلك الزمن أنها دار العلم، وبعد ذلك استعاد الفرنجة المدينة حتى انقض عليهم المماليك ليسيطروا عليها وتكون حاضرةً لهم.
صورة قديمة تظهر فيها قلعة طرابلس وحولها بيوت القرميد
طرابلس الغرب
بالنسبة لطرابلس الغرب وهي العاصمة الليبية اليوم، تشترك مع الشامية بأن تأسيسها كان في الزمن الفينيقي، فكانت المدينة في ذلك الزمن محطة تجارية ومركزًا اقتصاديًا مهمًا لتصريف المواد من إفريقيا، وفي العهد الروماني أقام الرومان منشآت لم يتبق منها إلا قوس النصر في البلدة القديمة والمعروف بقوس ماركوس أوريليوس نسبة لذلك الإمبراطور، وخضعت المدينة لحكم الوندال وللحكم البيزنطي في القرن السادس الميلادي.
أواخر العهد البيزنطي في ليبيا، شهد النفوذ البيزنطي ضعفًا في الوقت الذي تململت القبائل الليبية الكبرى تجاه البيزنطيين وسياساتهم، في الوقت الذي وصل فيه المسلمون إلى مصر وبدأوا ببناء دولتهم هناك، وفي العام 642 ميلادي فتح الجيش الإسلامي بقيادة الصحابي عمرو بن العاص ليبيا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
المدينتان في العهد العثماني
لأهميتها اعتبر العثمانيون مدينة طرابلس الشام ولايةً إلى جانب ولايتي حلب ودمشق بحسب تقسيم بلاد الشام، وضمّت طرابلس الشرق في الزمن العثماني، سبعًا وعشرين ناحية امتدت من كسروان جنوبًا إلى اللاذقية شمالًا والهرمل شرقًا، وكانت بمثابة الرئة الاقتصادية والمرفأ الطبيعي لحمص وحماة والداخل السوري، وبعد وصول العثمانيين إلى المدينة دأبوا على إعمارها، ولأسباب بيئية وصحية بدأوا بتوسيعها بشكل سريع وكبير، وتعدّ ساحة التل شاهدةً على البناء العثماني في المدينة، كما اهتم العثمانيون بالتعليم في المدينة وكانت تفصل بين المدرسة والمدرسة مدرسةٌ أخرى وبلغ عددها أكثر من 360 مسجدًا ومدرسة على عدد أيام السنة.
صورة لجامع قرجي في طرابلس الغرب مأخوذة عام 1913
وانتقالًا إلى طرابلس الغرب، ظلت المدينة تحت حكم العرب والمسلمين حتى وقتنا الحاليّ، إلا أنه وفي فترات معينة من التاريخ سيطرت عليها بعض القوى المختلفة كالإسبان وفرسان القديس يوحنا، وكانت لا تلبث إلا ويسترجعها المسلمون، دخل العثمانيون إلى طرابلس عندما ناشد الطرابلسيون الدولة العثمانية لإخراج فرسان القديس يوحنا، وبعد إخراجهم، أصبحت طرابلس ولاية تابعة للدولة العثمانية، وفي الفترة التي حكم العثمانيون فيها طرابلس بالإضافة لما حولها أدخلوا تغييرات عميقة على البلاد، كما أسسوا التنظيمات وهي مجموعة إصلاحات إدارية واقتصادية.
عمد العثمانيون إلى ترسيخ سلطتهم المركزية في ليبيا وشجعوا توطين البدو، وعملوا على تنمية المدن والزراعة، كما أحيوا تجارة القوافل عبر الصحراء التي ازدهرت كثيرًا في ليبيا بعدما أُلغي نظام الرق، وشجع العثمانيون أيضًا التعليم في البلاد وعملوا على تكوين نخب ليبية متعلمة وفق النموذج السياسي.
الاستعمار يمر على المدينتين
وقعت طرابلس الشام تحت الاستعمار الفرنسي الذي استحسن موقعها لإنشاء مصفاة للنفط، وعمل على تخديمها وأنشأ محطة للسكك الحديدية ربطتها بالداخل اللبناني ساحلًا وجبلًا حتى البقاع نحو دمشق، وإلى أوروبا مرورًا بحلب وتركيا، ووسع المرفأ ليكون أهم مرفأ بحري في لبنان نظرًا لطبيعته البحرية وملاءمته لاستقبال السفن الكبيرة، إلا أن ذلك كله لتحقيق أطماعه وخدمةً لمشروعه، ونتيجة لسلخ طرابلس عن سوريا انتفض أهل المدينة وووجِهوا بالقصف من الفرنسيين.
ظلت المدينة تواجه المشاريع الاستعمارية حتى الاستقلال، إلا أن بعد الاستقلال دخلت المدينة بدوامة، حيث بدأ في ستينيات القرن الماضي بروز الإقطاع المالي السياسي.
صورة التقطها مصور ألماني لبعض المقاتلين في ليبيا سنة 1912 اثناء الحرب ضد الإيطاليين
وبعد هزائم العثمانيين مرت على طرابلس أحداثٌ كبرى، إذ إن المدينة أصبحت تحت الاحتلال الإيطالي واعتبر الإيطاليون ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا، إلا أن هذا الاحتلال لم يمر دون مقاومة الليبيين بمساندة بعض الضباط العثمانيين، وتمكن الليبيون ونتيجة لمقاومتهم الشرسة، من إعلان الجمهورية الطرابلسية، إلا أن الإيطاليين استمروا في السيطرة على المنطقة حتى هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ الانتداب البريطاني الذي انتهى باستقلال البلاد عام 1951.
العهد الحديث
عانت طرابلس الشرق من الحرب الأهلية التي عمت لبنان كما أنها وقعت ضحية لحرب طائفية ومعارك بين أطراف عديدة منها تنظيمات فلسطينية، ولاقت المدينة تحركات عديدة أدت إلى تهميشها اقتصاديًا، كما وقعت فريسة لحرب طائفية كبرى، وبعد انتهاء الحرب الأهلية أضحت هذه المدينة معقلًا لمسلمي لبنان السنة، لتصبح مكانًا لتحركات عديدة ومعارك ومناوشات من حين إلى آخر، وكان للثورة السورية تأثير كبير على سير الأحداث فيها.
في الطرف المقابل كانت طرابلس الغرب تحت حكم معمر القذافي الذي وصل إلى الحكم بعد انقلابه على النظام الملكي، وبدأت الفترة التي تغيّر وجه المدينة فيها لتكون العاصمة التي بدأ فيها القذافي فترة حكمه وأنهاها بها.
قصر نوفل في طرابلس الشام
ما بعد الربيع العربي
كانت طرابلس الشرق اللبنانية خلال هذه المدة من الزمن تصارع، وبسبب الثورة السورية التي عمل أهالي المدينة على دعمها، تصاعدت حدة العنف بين باب التبانة السني وجبل المحسن ذو الغالبية العلوية وبحسب مقال للصحفي نزيه الأحدب: “بات مجرد خطاب للرئيس السوري أو إنجاز للمعارضة المسلحة على الأرض يشكل سببًا كافيًا لفتح المعارك” في طرابلس، ولا يخفى على أحد الصراع التاريخي بين المنطقتين.
حَرص النظام السوري منذ سيطرته على لبنان في سبعينيات القرن الماضي على بسط نفوذه في طرابلس، واختارت قيادة المخابرات السورية جبل محسن مقرًا لها وهو ذو أغلبية علوية، وجبل محسن هو تلة مطلة على منطقة باب التبانة ذات الأغلبية السنية شمالي المدينة، وشهدت المدينة بين عامي 2007 و2014 عشرين جولة اقتتال على الأقل بين سكان الجبل وسكان التبانة ذي الغالبية السنية، وتوقفت مع فرض الدولة خطّتها الأمنية عام 2014.
شهدت المدينة تفجيرات مسجدي التقوى والسلام التي كما تقول التقارير “دبرتهما المخابرات السورية”، هذان التفجيرين حصدا عشرات القتلى ومئات الجرحى، واعتبر مقال لجريدة المدن أن “التفجير أشبه برسالة تأديب الجلّاد لضحيته، هي لحظةٌ أفرز فيها نظام الأسد سطوته وجبروته على مدينةٍ أبت الخضوع له يومًا”.
انخرطت طرابلس بالحراك الشعبي اللبناني، فالمظاهرات التي خرجت ضد الفساد والمظلومية التي يعانيها الشعب كانت كبيرة واتصفت بالجمالية والتنظيم، كما أنها لاقت اهتمامًا كبيرًا من المتابعين لأحداث الحراك، ورغم التضييق الأمني والاتهامات التي تُكال للمدينة في أي حراك بأن المدينة “متشددة وإسلامية”، فإنها أثبتت أنها حاضرة بقوة في الحراك الأخير.
كانت طرابلس الليبية آخر قلاع معمر القذافي، حيث توجهت إليها أرتال الثوار معلنين تحريرها في أغسطس/آب 2011، لتبدأ الحكاية بملامح جديدة وفصول ستفرض على المدينة التغيّر والتجهز لواقع يفرزه اللاعبون الجدد، وفي هذه السنوات خاضت صراعات عدّة حتى جاءت حكومة الوفاق الليبية لتستلم زمام الأمور برئاسة فائز السراج، وصولًا لتوقيع اتفاق الصخيرات بين الأطراف الليبية المتصارعة، الذي لم يدم سنوات عدّة، حتى أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومه على طرابلس في أبريل/نيسان الماضي للسيطرة عليها والقضاء على حكومة الوفاق المعترف به دوليًا.
أسفر هجوم حفتر على طرابلس عن مقتل عشرات المدنيين، وإصابة نحو ستة آلاف آخرين، في حين تجاوز عدد النازحين 120 ألف شخص، وفق وكالات الأمم المتحدة، ويتابع حفتر هجومه وقصفه أحياء طرابلس بهدف السيطرة عليها، في الوقت الذي تقاوم فيه الكتائب التابعة للوفاق للحفاظ على المدينة، إلا أن جيش حفتر ورغم دعمه من قوى دولية وإقليمية وبالأخص إماراتيًا وفرنسيًا ومصريًا ومدّه بالأسلحة لم يستطع الدخول إلى المدينة التي تقاوم حتى الآن، على أن هجومه أجهض جهودًا كانت تبذلها الأمم المتحدة لعقد مؤتمر حوار بين الليبيين، وتسعى حاليًّا إلى عقد مؤتمر دولي للأطراف المعنية، يفضي إلى حل سياسي بهدف إنهاء النزاع.
أهمية اقتصادية
يُبين السرد التاريخي الذي قمنا به أنه ومنذ القدم كانت المدينتان ذات أهمية تجارية وسياسية واقتصادية كبيرة جدًا لما تمتلكانه من مؤهلات كالموانئ والمكان الجغرافي المميز، لذلك تضع بعض الدول المنطقتين نصب أعينهما.
استقبل مرفأ طرابلس اللبنانية في شهر أبريل/نيسان من العام الحاليّ، أضخم سفينة منذ نشأته، وهي باخرة الحاويات الصينية nerval. وفي تقرير لها أشارت صحيفة “الفايننشال تايمز” عن تقرير بشأن أهمية المرفأ في إعادة إعمار سوريا، وبحسب الصحيفة فإن الشركات الصينية أبرمت عقودًا “مغرية” مع المرفأ، بينها ما يُقدر بـ58 مليون دولار، وأرسلت بيجين في وقت سابق ست رافعات جديدة لتوسيع وتعميق ميناء طرابلس.
ويستقبل المرفأ حاليًّا مليوني طن من البضائع، ولديه قدرة استيعابية 60%، وتتوقع إدارة مرفأ طرابلس أن يصل حجم حركة الحاويات فيه خلال العام 2019 إلى 200 ألف حاوية.
مرفأ طرابلس الشرق
وبالعودة لطرابلس الغرب فتكمن أهميتها داخليًا بأنها تحتضن أكبر مؤسستين اقتصاديتين وهما المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي، إضافة إلى أكبر مؤسسة استثمارية وهي المؤسسة الليبية للاستثمار النفطي، وبالتالي فإن السيطرة على الآبار النفطية يجب أن يرافقه سيطرة على المؤسسات السابقة الذكر، كما أن الدعم الغربي عمومًا والفرنسي خصوصًا لخليفة حفتر بحربه على طرابلس يخفي المكاسب المحتملة من عقود إعادة الإعمار وزيادة أعمال شركة النفط الفرنسية الكبيرة Total التي تعتبر من محركات باريس في سياستها بليبيا.
صراع الغاز
بحكم وجود المنطقتين على حوض المتوسط فإن حضورهما مع الأيام المقبلة سيكون قويًا وبارزًا بين الأطراف كافة، فالمعركة القادمة ستكون على خيرات هذه المنطقة والكل يهرول لحجز مكانه، إذ قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، في 2010، أن شرق البحر المتوسط يحتوي على أكثر من 3.5 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز و1.7 مليار برميل من النفط.
وتقع كل هذه الموارد في حوض الشام الذي يضم “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا، وتشير الدراسات الاستقصائية الأولية إلى أن الاحتياطات الكبيرة من الغاز في الجرف اللبناني وإحدى المدن المطلة عليه هي طرابلس.
كل هذه الأرقام تستدعي الدول المهتمة بحجز مكان لها على خريطة المتوسط، في سبيل تحصيل مكاسب الطاقة تلك، فعلى سبيل المثال أخذت روسيا حصتها عبر تدخلها في سوريا واستيلائها على الموانئ الواقعة على المتوسط، وتحاول “إسرائيل” جاهدة منع لبنان من التنقيب عن النفط خاصة أن مشكلة ترسيم الحدود المائية ما زالت قائمة بين الكيان الإسرائيلي ولبنان.
ميناء العاصمة الليبية طرابلس
وبالمقابل شارك وزراء الطاقة من دول مصر و”إسرائيل” واليونان وقبرص اليونانية وإيطاليا والأردن وفلسطين، بمنتدى غاز شرق المتوسط في يوليو/تموز الماضي واتفق الوزراء المشاركون في الاجتماع الأول، أن الأهداف الرئيسة للمنتدى، ستتضمن العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، هذا المؤتمر استبعد دولًا مهمة على خريطة المتوسط كتركيا ولبنان.
وكرد فعل قوي أثار ردودًا مختلفة، وقع الرئيس رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، وتتعلق المذكرتان، بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، وأكد متحدث الخارجية التركية حامي أقصوي، في بيان أنه “جرى تحديد قسم من الحدود الغربية للسيادة البحرية لتركيا شرقي البحر المتوسط، عبر الاتفاقية مع ليبيا”، هذه الاتفاقية لاقت رفضًا يونانيًا مصريًا كما قالت القاهرة إن هذه الاتفاقية “عديمة الأثر القانوني”.
تركيا وطرابلس الغرب والشرق
لم تكن الاتفاقية بين الحكومة في طرابلس الليبية وتركيا الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة اتفاقيات التعاون بين البلدين، وما يؤكد ذلك ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أنه “مستعد لإرسال قوات إلى ليبيا إذا طلبت ذلك الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس”، وقال: “فيما يتعلق بإرسال جنود، إذا قدمت لنا ليبيا مثل هذا الطلب، فيمكننا إرسال أفرادنا إلى هناك، خصوصًا بعد إبرام الاتفاق الأمني العسكري”.
ويبدو أن التعاون الاقتصادي بين الحكومتين سيبلغ أوجه في المرحلة المقبلة، خاصة أن أردوغان أكد أن تركيا وليبيا قد “تقومان بأنشطة تنقيبية مشتركة عن الغاز والنفط في شرق المتوسط، قبالة شواطئ قبرص في منطقة تضم حقول غاز كبيرة”، واعتبر أردوغان أن “منطقة الصلاحية البحرية لتركيا ارتفعت إلى أعلى المستويات عبر مذكرة التفاهم مع ليبيا”.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى جانب رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج
وإلى جانب الاهتمام بطرابلس الليبية يبدو أن هناك توجهًا تركيًا لتنمية طرابلس اللبنانية، إذ إن السفير التركي لدى لبنان هاكان تشاكيل، قال في سبتمبر/أيلول الماضي إن بلاده “ستقدم ما أمكن من خدمات إنمائية للبنان، إضافة إلى الإسهام في تعزيز نهضته الاقتصادية”، مشيرًا إلى أن بلاده “لن تألو جهدًا في تقديم ما أمكن من خدمات إنمائية لطرابلس وكل المناطق اللبنانية، إضافة إلى الإسهام في تعزيز النهضة الاقتصادية لهذا البلد الشقيق”.
وفي العام الماضي قال رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس، خالد تدمري، أن “تركيا تولي طرابلس اهتمامًا كبيرًا نظرًا للتقارب الكبير في التاريخ والعادات والتقاليد ولصلة القرابة مع العديد من العائلات الطرابلسية”، وأشار إلى أن “مشروع إعادة تأهيل مباني محطة طرابلس التاريخية، سبقها مشاريع كثيرة منها ترميم ساعة التل والتكية المولوية والجامع الحميدي وغيرها من المشاريع”، وبتمويل من وزارة الثقافة التركية سيتم تأهيل محطة القطار في المدينة وسيشمل كل المباني والسكك وستكون هناك دراسة شاملة لتحويله إلى متحف وواحة تضم حديقة ومقاهي.
تتبدل الأحوال بين الدول يومًا بعد يوم، وتدفع المدن فيما بينها لتأخذ الصدارة، إما بجهد سياسي أو عسكري أو اقتصادي، وفي عصرنا هذا تبرز المناطق حسب أهميتها الاقتصادية التي تنظر الدول على مدى الاستفادة منها، وتطفو في هذه الأيام على السطح مشاكل شرق المتوسط والطاقة الكامنة فيه، والمدينتان اللتان تحدثنا عنهما هما من معادلة الصراع القادم على الثروات البحرية الكبيرة، إذ تعتبر طرابلس الشرق وطرابلس الغرب بوابة إليها.