إيران في مشهد إقليمي متغير

214846-1932235463

ما زالت إيران حاضرة بقوة في المشهد الإقليمي رغم تصاعد أهمية ملفات أخرى، فإلى جانب ما يشهده العراق ولبنان من احتجاجات شعبية واسعة، بالإضافة إلى التقاطعات الأمنية التي تشهدها منطقة البحر الأبيض المتوسط بين تركيا وحكومة السراج من جهة، ومصر واليونان من جهة أخرى، فضلًا عن التوصيات السياسية التي خرجت بها قمة المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن سخونة الملف الإيراني لا تنفك إلا وتكون حاضرة في المسرح السياسي العربي والدولي.

فعلى الرغم من هدوء حدة التظاهرات الشعبية التي شهدتها العاصمة طهران وغيرها من المدن الإيرانية الأخرى في نوفمبر الماضي، على إثر قرار الحكومة الإيرانية برفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف، فإن تداعياتها ما زالت حاضرة بقوة، وهو ما توضح في الأيام القليلة الماضية بعد عزم الحكومة الإيرانية تقديم الميزانية العامة الجديدة للعام الفارسي الجديد في مارس 2020.

إذ أعلنت الحكومة الإيرانية أن الزيادة في أسعار البنزين ستبقى مستمرة، في ظل انعدام أي خيارات أخرى أمام الحكومة لتلافي هذه الأزمة، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال جلسة لمجلس الوزراء، عندما قال إن الخيارات الحكومية الأخيرة كانت بسبب استمرار العقوبات الأمريكية على قطاع النفط والغاز الإيرانيين، كما أن الحكومة الإيرانية لم يكن لها أن تذهب باتجاه زيادة الضرائب على المواطنين في ظل الانخفاض الكبير في العملة الصعبة وتزايد معدلات البطالة، وهو ما يعني بقاء التحديات ذاتها أمام حكومة الرئيس روحاني.

الرئيس روحاني في عين العاصفة

أكد الرئيس روحاني يوم أمس الأربعاء، مرة أخرى رغبته في التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية من دون تسميتها، قائلًا إن حكومته “عازمة على كسر مؤامرة العدو عبر التفاوض”، لكنه حاول طمأنة المعارضين إلى هذا التفاوض عبر القول “الحكومة ستتحرك في هذا المسار، في إطار الخطوط الحمراء للنظام”، مضيفًا: “لن نتجاوز هذه الخطوط”، وتأتي تصريحات روحاني خلال اجتماع الحكومة الإيرانية، فيما الحظر الذي فرضه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، على التفاوض مع واشنطن، في أي مستوى كان، ما زال قائمًا، ولا بوادر لإنهائه من قبله.

روحاني الذي لم يسمِّ “العدو” الذي يريد التفاوض معه لإحباط مؤامرته، أشار إلى أن حكومته لم تتهاون للحظة في إحباط مخططات العدو والعقوبات، قائلًا: “علينا أن نلتف على العقوبات، أو نجبر الأعداء على التراجع”، وفي السياق ذاته شدد على أن “الحكومة عازمة على كسر المؤامرة، إما من خلال تعزيز الإنتاج الداخلي، أو بشتى الطرق الأخرى، منها التفاوض”، مؤكدًا إنها في هذا المسار ستتحرك في إطار الخطوط الحمراء للنظام، ولن تتجاوزها”.

تبادل للأسرى مع الولايات المتحدة الأمريكية

سلّطت الكاتبة روبن رايت الضوء على الصفقة الحقيقية وراء تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران، وأفادت في تقرير نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية أن هذه الصفقة أنقذت الباحث الأمريكي شيوي وانغ من عقوبة السجن لمدة عشر سنوات في إيران بتهمة التجسس، وتشير إلى أن السلطات الإيرانية قبضت على هذا الباحث عام 2016 في أثناء إجرائه أبحاثًا تتعلق بأطروحة الدكتوراه في الأرشيف الوطني لطهران في عهد سلالة القاجار في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

وأضافت أن عملية التبادل وضعت حدًا لقضية العالم الإيراني المثير للجدل مسعود سليماني الذي تعرّض للاعتقال إثر وصوله للأراضي الأمريكية في أكتوبر عام 2018، وهو في طريقه لزيارة باحث في المجموعة الطبية مايو كلينك، إذ وُجّهت له تهمة محاولة تصدير مواد بيولوجية من الولايات المتحدة إلى إيران دون تصريح، الأمر الذي اعتُبر خرقًا للعقوبات الأمريكية على طهران.

تصر الإدارة الأمريكية على القول إن سياسة الضغط القصوى على إيران مستمرة وتؤتي ثمارها

وبعد عملية التبادل أعلنت طهران انفتاحها على تبادل مزيد من السجناء مع واشنطن، وذلك على الرغم من تأكيدها خلال اليومين الماضيين أن العملية الأخيرة لم تأتِ نتيجة مفاوضات مع أعدائها الأمريكيين، حيث قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة الإثنين: “بعدما استرجعنا رهينتنا هذا الأسبوع، نحن مستعدّون تمامًا لمبادلة شاملة للسجناء”، مضيفًا “الكرة في ملعب أمريكا”.

وفي هذا الإطار تصرّ الإدارة الأمريكية أيضًا على القول إن سياسة الضغط القصوى على إيران مستمرة وتؤتي ثمارها، إذ قال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك عند التحدث إلى الصحافيين إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد التحدث إلى إيران دون شروط مسبقة، ويريد مناقشة كل القضايا المعلقة، أي البرنامج النووي والمعتقلين والتدخل في شؤون الدول الجارة وبرنامج الصواريخ الباليستية، وهو ما ترفضه إيران باعتبارها لا تؤدي الغرض الحقيقي من التفاوض.

ممر سري لتخزين الصورايخ الباليستية

كشفت صور التقطتها أقمار اصطناعية أن إيران تبني أنفاقًا في سوريا لتخزن “صواريخ وأسلحة متنوعة على نطاق واسع”، وفقًا لما ورد الثلاثاء في تقرير بثته شبكة Fox News التليفزيونية الأمريكية، وقالت فيه إنها حصلت على صور ومعلومات عن تلك الأنفاق من مصادر استخباراتية غربية، بعض الصور والأولى منها بشكل خاص، التقطتها في 5 من أكتوبر الماضي أقمار اصطناعية تابعة لشركة Image Sat International المعروفة بأحرف ISI اختصارًا، وفيها تبدو عملية بناء نفق بطول 122 مترًا وعرض 4.5 متر وعمق 4 أمتار، وبعد أسبوعين ظهرت سقيفة في صور أخرى، استُخدمت لإخفاء مدخله.

1234

صور توضح مكان هذه الأنفاق

وتشير التقديرات إلى أن النفق حُفر لتجاوز معبر البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق، وهي المنطقة التي كانت هدفًا لعدد من الضربات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، إذ وقع الهجوم الجوي الأخير في المنطقة يوم الأحد الماضي، وأسفر عن مقتل 5 عناصر من الميليشيات الموالية لإيران، ويعتقد أن النفق بُني من أجل تخزين وتهريب الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، وكذلك المعدات والجنود، فوفقًا لفوكس نيوز، يشرف على حفر النفق فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إذ كثف فيلق القدس جهوده خلال الأشهر الماضية لتهريب أسلحة متطورة إلى سوريا ولبنان.

وما يزيد من حدة الأمر أن بناء هذه الأنفاق يأتي بالقرب من الطرف الشمالي للحدود العراقية السورية، حيث تمركزت القوات الأمريكية بعد قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من شرق نهر الفرات، وفضلًا عن ذلك أيضًا يقدر المسؤولون الإسرائيليون أن الإيرانيين لن يغضوا الطرف عن المزيد من الضربات الإسرائيلية في المنطقة، وقد ينتقمون عن طريق عملائهم في سوريا بإطلاق صواريخ أو إطلاق طائرات دون طيار، على غرار الهجوم على مصافي شركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص في سبتمبر الماضي، التي يُزعم أن إيران من نفذتها.