وصل رئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد، إلى العاصمة القطرية، الدوحة، في زيارة رسمية تستغرق أربعة أيام (11-14 من ديسمبر)، تأتي في إطار الصداقة والعلاقات الطيبة المتنامية بين البلدين التي تعززت بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين على وجه التحديد.
سعدت بزيارة دولة الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الشقيقة إلى قطر والتي ستنقل علاقات التعاون والأخوة بين بلدينا إلى طور جديد بفضل التجربة التنموية والإمكانات العظيمة لبلدينا. pic.twitter.com/bqe3Pay4BV
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) December 12, 2019
ويلتقي رئيس الوزراء الماليزي، اليوم الخميس، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالديوان الأميري، لبحث العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين وحضور مراسم توقيع مذكرة تفاهم بشأن إنشاء اللجنة العليا المشتركة، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك .
تكتسب الزيارة أهمية كبرى كونها تأتي في إطار تعزيز الشراكة نحو علاقة إستراتيجية متصاعدة، هذا بجانب أنها تأتي قبل نحو أسبوع من عقد قمة كوالالمبور “المصغرة”، المتوقع أن تنطلق في الـ19 من ديسمبر الحاليّ بمشاركة قادة ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، وينظر إليها كمحاولة تشكيل محور جديد في المنطقة.
تنسيق سياسي
تشهد العلاقات السياسية بين قطر وماليزيا حالة من التقارب لم تشهدها من قبل، وإن تميزت على مدار العقود الأربع الأخيرة بمسارات متوازنة نجح البلدان خلالها في تعميق حجم التعاون والتنسيق في العديد من القضايا والملفات على مختلف الأصعدة.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى عام 1974، بدأت بمستوى سفير (غير مقيم) في العاصمتين، ثم افتتحت ماليزيا سفارتها في الدوحة بشكل رسمي عام 2004، لترد قطر بنفس الخطوة بعدها بعدة أشهر، لتحلق العلاقات بعدها في آفاق رحبة من التعاون.
سياسيًا.. تقف الدولتان على خط واحد تقريبًا، يعززه تطابق وجهات النظر بين النظامين بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية
ساعد تطابق الرؤى حيال الوحدة والتضامن بين الدول الإسلامية في إثراء العلاقات التي توجت بـ3 زيارات متتالية قام بها أمير قطر لماليزيا في 2015 و2017، ثم في ديسمبر 2018، ووصفت حينها بأنها البوابة الأكبر لدفع مسار العلاقات إلى مستوى إستراتيجي، شمل العديد من المجالات المختلفة.
سياسيًا.. تقف الدولتان على خط واحد تقريبًا، يعززه تطابق وجهات النظر بين النظامين بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وما يتبنيانه من إستراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون في المحافل الدولية والمساهمة في جهود المجتمع الدولي الرامية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ومكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، وحل النزاعات بالحوار والطرق السلمية وفق أحكام القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية.
تعزيز التعاون بين قطر وماليزيا خلال السنوات الأخيرة
شراكة اقتصادية
ترتكز الزيارة في ضلع كبير منها على تعزيز الشراكة الاقتصادية التي رغم ما تشهده العلاقات من تنسيق سياسي كبير، فإنها على المستوى الاقتصادي بحاجة إلى مزيد من الخطوات، وهو ما يتفق عليه الجانبان في هذه الزيارة والزيارات التي سبقتها خلال العامين الماضيين.
ماليزيا هي الشريك التجاري رقم 20 لقطر وأحد أبرز الوجهات الاستثمارية المهمة لها، وقد ارتفع إجمالي التجارة بين البلدين بمقدار الضعفين خلال 10 سنوات، ويقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين، بأكثر من 3 مليارات ريال، وفق ما أشار السفير الماليزي في الدوحة، أحمد فاضل بن شمس الدين.
وأضاف شمس الدين أن ما يقرب من 38 شركة ماليزية تعمل في قطر، برأس مال 100%، تنشط في مجالات متنوعة منها: الهندسة والإنشاءات وخدمات النفط والغاز والديكور والمعارض والمؤتمرات والتكنولوجيا، وغيرها، من بينها شركات جامودا ودبليو تي سي للهندسة وموهيببة للهندسة وإيفرسنداي وماليزيا لخدمات الاستشارات في المطارات وهوليداي فيلا، وكلها تتطلع إلى المشاركة في المزيد من المشاريع التنموية في قطر.
يرتبط البلدان بمجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تنظم العلاقات وتعزز شراكتهما في العديد من المجالات
وفي المقابل تملك قطر استثمارات واسعة ومتنوعة في ماليزيا بقيمة 3.8 مليار يورو في قطاعي الطاقة والعقارات، كما تشارك في مشروع “بنغرينغ” بمبلغ 4.4 مليار يورو في ولاية جوهر، ويمتلك جهاز قطر للاستثمار 50% من مشروع سيتي تاور المقام في قلب العاصمة الماليزية كوالالمبور.
في أكتوبر 2017، وعلى هامش زيارة أمير قطر للعاصمة الماليزية، عقدت أعمال الدورة الثانية للجنة القطرية الماليزية التجارية المشتركة بالعاصمة كوالالمبور، لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، وإتاحة الفرصة لإرساء شراكات وطيدة في جميع المجالات بين القطاع الخاص من الجانبين، وشهد المنتدى حضور 300 من كبار رجال الأعمال والمستثمرين والمسؤولين الحكوميين من البلدين، ورؤساء الشركات والهيئات الاقتصادية والخبراء، وذلك للاطلاع على الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات.
علاوة على ذلك يرتبط البلدان بمجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تنظم العلاقات وتعزز شراكتهما في العديد من المجالات، ومنها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي واتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني والثقافي والإعلامي واتفاقية إنشاء لجنة مشتركة قطرية ماليزية واتفاقية بين وكالة الأنباء القطرية ووكالة الأنباء الماليزية، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم بشأن التعاون في مجال تدريب الدبلوماسيين والتعاون في مجال التعليم العالي، وأنشطة التعاون القانوني والتعاون القضائي.
استعدادات مكثفة لقمة كوالالمبور
محور إقليمي جديد
تخطى مستوى العلاقات بين الدوحة وكوالالمبور حاجز التنسيق التقليدي المتعارف عليه إلى آفاق أكثر اتساعًا، حيث اتفق البلدان بجانب بعض الدول الأخرى على تشكيل محور إقليمي جديد يهدف إلى مناقشة قضايا العالم الإسلامي والبحث عن سبل حل جديد لمشاكله، إلى جانب المساهمة في إصلاح وضع الأمة والدول الإسلامية عامةً.
وتستعد الحكومة الماليزية لاستضافة “قمة كوالالمبور 2019” الإسلامية، خلال الفترة بين 18-21 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، بمشاركة تركيا وقطر وباكستان وإندونيسيا، فيما أوضح الأمين العام المشترك للقمة شمس الدين عثمان، أن من تأكد مشاركتهم حتى الآن “400 مشارك بمن فيهم 250 ممثلاً من 52 دولة” يتقدمهم الرئيس التركي وأمير قطر والرئيس الإيراني ورئيس وزراء باكستان، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الماليزي بوصفه رئيس القمة.
تعد هذه القمة نواة حقيقية لتحالف إسلامي أوسع، وقاطرة حقيقية لمرحلة جديدة يمكن للعالم الإسلامي أن يدخلها
وعن أهداف هذه القمة التي يراها البعض نواة لتدشين تكتل إقليمي جديد، يقول الإعلامي القطري جابر الحرمي: “المبادرة طموحة، وتأتي وفق تطلعات هذه الدول، خاصة أن بعضها تحدث عن إيجاد تكتل إسلامي يركز على الصناعات الدفاعية والتنمية والحكم الرشيد، وقطر كان لها السبق في هذا الجانب، في دعواتها إلى ذلك أكثر من مرة”.
وأضاف أن الدول الخمسة المشاركة في القمة تمتلك المؤهلات اللازمة لتأسيس عمل إسلامي حقيقي، حيث هناك تجارب إسلامية ناجحة، كتجربة مهاتير محمد الذي نقل بلاده من مرحلة لأخرى، وكذلك تركيا انتقلت خلال 15 عامًا إلى مكان آخر.
وتعد هذه القمة نواة حقيقية لتحالف إسلامي أوسع، وقاطرة حقيقية لمرحلة جديدة يمكن للعالم الإسلامي أن يدخلها، بحيث يمكن أن تشكل الكتلة الإسلامية المؤهلة للعودة إلى قيادة العالم والتأثير، وألا تبقى مجرد تابع لتكتلات أخرى، وفق الإعلامي القطري الذي عدد إمكانات كل دولة قائلًا “تمتلك باكستان خبرات تقنية في المجال الدفاعي، وإندونيسيا لديها كثافة سكانية وقدرات، وقطر لديها الإرادة السياسية والمبادرة والرغبة الصادقة للنهوض بالعالم الإسلامي، مع ضخ استثمارات في هذا الجانب”.
ومن المرجح أن يركز الاجتماع الأول للقمة على التصور والآليات ومتطلبات المرحلة، ووضع الأسس والركائز الأساسية لبناء التحالف الإسلامي، ثم البدء بالمشاريع المشتركة قبل العملة الموحدة، ويتوقف نجاحها على ما تتبناه الدول الخمسة من إرادة سياسية حقيقية لتفعيل هذه الخطوة.