حصيلة جديدة من القتلى تضاف إلى سجل القتلى الذين سقطوا في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، حصيلة كبيرة من القتلى في صفوف جيش النيجر، تؤكّد فشل الخطط والإستراتيجيات المحلية والأجنبية التي وضعت بغية القضاء على المسلحين في المنطقة، ففشل هذه الإستراتيجيات أدى إلى انتشار العنف والفوضى، وهو ما أدى بدوره إلى تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة.
حصيلة جديدة
انضمت النيجر، مساء الثلاثاء، إلى دول المنطقة “المنكوبة”، حيث قتل لها أكثر من 70 جنديًا، في هجوم شنه مسلحون مشتبه بهم على معسكر للجيش النيجيري في إيناتيس قرب مالي (غرب البلاد)، ويعد هذا الهجوم الأعنف على قوات الدولة الواقعة في غرب إفريقيا في تاريخها الحديث.
وجاء في بيان لوزارة الدفاع الأربعاء تمت تلاوته عبر التليفزيون الرسمي: “لدينا للأسف الحصيلة الآتية: مقتل 71 جنديًا وإصابة 12، إضافة إلى مفقودين وعدد كبير من القتلى في صفوف الإرهابيين”، فيما قدر المصدر عدد المهاجمين بـ”المئات”، لافتًا إلى وقوع معارك عنيفة للغاية.
هذا الهجوم يؤكد نقاط الضعف الموجودة لدى الجهاز الأمني الذي أعدته الجيوش المحلية والقوات الأجنبية ، لا سيما الفرنسيين في برخان
وقع هذا الهجوم الكبير طوال ليل الثلاثاء، واستمر حتى صباح أمس الأربعاء، في منطقة نائية في النيجر (على بعد 45 كيلومترًا من مدينة أولام شمال غرب البلاد)، حيث ينشط المسلحون المرتبطون بتنظيم “داعش” الإرهابي منذ فترة طويلة.
هذا الهجوم العنيف، تمّ في نفس اليوم الذي مدّد فيه مجلس الوزراء في النيجر حالة الطوارئ السارية منذ 2017 في العديد من مناطق البلاد بهدف التصدي للهجمات “الجهادية”، لثلاثة أشهر أخرى. يذكر أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول، يمنع على المنظمات الإنسانية التوجه إلى بعض المناطق من دون مواكبة عسكرية.
خسائر كبرى
هذا الهجوم يؤكد نقاط الضعف الموجودة لدى الجهاز الأمني الذي أعدته الجيوش المحلية والقوات الأجنبية، لا سيما الفرنسيين في برخان، لاحتواء التهديد المسلح، حيث جاء تكملة لهجمات سبقته استهدفت مواقع عسكرية ودوريات متنقلة في جميع أنحاء المنطقة الصحراوية الشاسعة في الساحل الإفريقي.
وقبل أيام قليلة، قتل 13 جنديًا فرنسيًا في اصطدام مروحيتين خلال عملية قتالية في شمال شرق مالي، في أكبر حصيلة تتكبدها فرنسا منذ التفجير الذي استهدف مقر قيادة القوات الفرنسية في بيروت عام 1983 وأوقع 58 قتيلًا.
ارتفاع عدد قتلى الهجمات المسلحة في المنطقة
قبل نحو شهر من هذه الحادثة، قتل 24 جنديًا ماليًا وجرح 29 في أثناء معارك وقعت في شرق البلاد (تابانكورت) خلال عملية عسكرية مشتركة بين القوات المالية والنيجيرية، تم القضاء فيها على 17 مسلحًا.
وكان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد تبنى في الـ2 من الشهر الحاليّ هجومًا على موقع عسكري في شمال مالي، قتل فيه 49 جنديًا من الجيش المالي وجندي فرنسي، وفقدت القوات المالية قبل أكثر من شهر 40 فردًا من جنودها في هجومين متفرقين على الحدود مع بوركينا فاسو.
وفي بوركينا فاسو، قتل مطلع هذا الشهر، عشرة أشخاص في هجوم استهدف كنيسة بروتستانتية في هانتوكورا بمنطقة فوتوري المحاذية للنيجر شرق بوركينا فاسو التي سبق أن شهدت هجمات مسلحة عدة على أماكن عبادة، كما شهدت البلاد موجة من الهجمات المسلحة في الفترة الأخيرة خلّفت عشرات القتلى من الجنود والمدنيين، كما اُغتيل العديد من الزعماء المحليين وذلك لترويع الناس.
تفاقم الوضع الإنساني
أعمال العنف هذه، التي تشارك فيها الجماعات المسلحة وعناصر الأمن والجيوش النظامية هناك، ساهمت في تفاقم الوضع الإنساني الصعب في الأصل، إذ خلفت آلاف القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين.
وتعرف هذه المنطقة منذ قرابة الـ10 سنوات أعمال عنف وحربًا بين الجماعات المسلحة من جهة والجيوش النظامية هناك بمساعدة الجيش الفرنسي المنتشر في المنطقة الذي جاء لمساعدة مالي في حربها ضد هذه الجماعات.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أعداد النازحين وصلت إلى أكثر من 860 ألف شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بينما لا تزال الدول الثلاثة تستضيف 270 ألف لاجئ، وتعتبر بوركينا فاسو أكثر المتضرّرين، حيث فرّ نحو نصف مليون شخص من منازلهم في هذا البلد، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 650 ألف بحلول نهاية العام.
ترى منظمات دولية عاملة في المجال الإنساني أن الأولوية الآن تتمثل في الاستجابة للحالات الإنسانية العاجلة وحماية ملايين الأشخاص المتأثرين بالصراعات هناك
نتيجة أعمال العنف أيضًا، أصبحت هذه المنطقة في إفريقيا من أفقر المناطق وأكثرها تخلفًا في العالم، مع مؤشرات للتنمية البشرية متدنية جدًا في مجالات مثل التعليم والصحة والأمن، ما جعلها في حاجة كبيرة وبصفة عاجلة للمال حتى تخرج من أزماتها المتعددة.
فضلًا عن ذلك، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا أواخر العام 2019 إلى 9.4 مليون شخص، أي ضعف عدد العام الماضي في الفترة نفسها (4.5 مليون)، في ظل تصاعد انعدام الأمن وأعمال العنف.
والدول الثلاثة الأكثر تأثرًا – في مرحلة أزمة، في مستوى 3 على مقياس من 5 مستويات – هي نيجيريا (4 ملايين شخص) والنيجر (1.5 مليون شخص) وبوركينا فاسو (1.2 مليون)، حسب ما أعلنت شبكة الوقاية من الأزمات الغذائية التي تجتمع في مقر منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في باريس.
وبحسب توقعات الشبكة، سيرتفع عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى مساعدات غذائية إلى 14.4 مليون، وذلك في الفترة التي تمتدّ من يونيو/حزيران حتى أغسطس/آب 2020، نتيجة انعدام الأمن وانتشار الفوضى.
قبل ذلك، ذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 2.4 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية ملحة في منطقة وسط الساحل التي تضم بوركينا فاسو ومالي والنيجر، حيث أدى تصاعد عنف الجهاديين إلى أزمة إنسانية.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أكد توسيع نطاق مساعداته، حيث قدم لأكثر من 2.6 مليون شخص في جميع أنحاء منطقة الساحل الوسطى مساعدات غذائية حتى هذا الوقت من العام، لكنه حذر من أن ظهور وانتشار الجماعات المسلحة يحد بشكل خطير من وصول المساعدات.
كارثة إنسانية منتظرة
هذا الوضع الصعب، من المتوقع أن يزداد سوءًا، فكل عام يعتبر أزمة بالنسبة لشعوب الساحل، ويكون أسوأ مقارنة بالذي سبقه، فحياة مئات الآلاف مهدّدة في حال لم يتم التدخل الجدي لوقف ظاهرة العنف وتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لسكان المنطقة.
وكان المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هيرفي فيرهوسل قد صرح سابقًا: “إذا لم نتحرك الآن لمعالجة الجوع في منطقة الساحل، فإن جيلًا بأكمله معرض للخطر”، مشيرًا إلى وجود نحو 20 مليون شخص يعيشون في المناطق المتضررة بالنزاع في أنحاء المنطقة.
ارتفاع عدد النازحين في منطقة “الساحل”
فيما قال مدير برنامج الأغذية العالمي هناك ديفيد بولمان: “نحن نتحدث عن الآلاف من الأطفال المتضررين”، كما حذر بولمان من أنه يواجه نقصًا شديدًا في التمويل، مؤكدًا أنه بحاجة ماسة إلى 150 مليون دولار للإبقاء على برامجه.
وترى منظمات دولية عاملة في المجال الإنساني أن الأولوية الآن تتمثل في الاستجابة للحالات الإنسانية العاجلة وحماية ملايين الأشخاص المتأثرين بالصراعات هناك، واستخدام الأموال لتوزيع الطعام وتوفير مياه الشرب في المناطق النائية، وكذلك توفير الخدمات الصحية والتعليم والمساكن لمساعدة الضحايا على بدء حياتهم من جديد، وفي حال استمرت الأوضاع على حالها، فإن ذلك قد يكون سببًا لكارثة إنسانية يصعب السيطرة عليها في هذه المنطقة الإفريقية.