“كمعتقل سابق هذه أول مرة أجد أملًا في عمل يقام ضد النظام السوري، لا سيما أن هذا الإنجاز نجح بشكل أساسي بالاعتماد على مأساة المعتقلين”، هكذا عبّر الناشط السوري البارز عمر الشغري -والذي تجرع تجربة مروّعة في سجون الأسد شهد خلالها مقتل العشرات من رفقاء الزنزانة أمام عينيه في الأفرع الأمنية- عن سعادته بإقرار قانون سيزر الذي يفرض عقوبات أمريكية شديدة على النظام السوري وحلفائه، فمنذ عام 2014 والقانون يلف أروقة المؤسسات الأمريكية محاولًا إبصار النور حتى وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القانون اليوم السبت، منهيًا رحلة دامت سنوات بين شدٍ وجذب لهذا التشريع.
إلا أن هذه الرحلة الطويلة والمعارك التي خاضها هذا القرار لم تكن لتستمر لولا متابعة فريق من النشطاء السوريين في الولايات المتحدة، إذ أن أكثر من 300 شخص شاركوا بهذا العمل على مدى السنوات الثلاث الماضية، وساهموا بأكثر من مليوني دولار من تبرعات الجالية السورية في أمريكا لأعضاء الكونغرس للفت نظرهم لأهميته.
تعتبر مجموعة العمل للطوارئ في سوريا وهي منظمة غير حكومية سورية أمريكية، من الدافعين الرئيسين في مسيرة هذا التشريع وعلى رأسهم مديرها التنفيذي، معاذ مصطفى، الذي قال إن مشروع قانون سيزر (أو قيصر) هو “خطوة نحو المساءلة والعدالة والسلام في سوريا، حتى لو استمرت جرائم الحرب”. مشيرًا إلى أنه بينما “نتحدث، يرتكب الأسد مجازر يومية في محافظة إدلب”، مضيفًا أن مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال “يقبعون في زنازينه السادية”.
ويستهدف التشريع أيضا؛ أي ممثل دولي يحاول مساعدة الأسد على إعادة اﻹعمار، حتى وإن كفّ عن ذبح شعبه. ما يعني أنه يمكن للولايات المتحدة معاقبة أي شركة دولية تساعد قطاعات الطاقة أو الطيران أو البناء أو الهندسة في سوريا، وكذلك أي شخص يقرض أموالًا للنظام. أي حرمان الأسد من وسائل إعادة اﻹعمار وحرمان الآخرين من القدرة على الاستفادة منه.
تقول الناشطة السورية لينا الشامي على تويتر: “قانون سيزر لم يكن ليمر لولا شجاعة سيزر ومخاطرته بحياته كل تلك السنين وحتى الآن. ولولا كل الجهود الرائعة من قبل الجالية السورية في أمريكا. قد يبقى السوريون مشككين في فعالية أي جهود لإنهاء الأسد بعد كل الخذلان الذي تعرضوا له. لكن هذا القانون بالفعل سيقطع الطريق لإعادة تعويم الأسد.
قانون سيزر لم يكن ليمر لولا شجاعة سيزر ومخاطرته بحياته كل تلك السنين وحتى الآن. ولولا كل الجهود الرائعة من قبل الجالية السورية في أمريكا. قد يبقى السوريون مشككين في فعالية أي جهود لإنهاء الأسد بعد كل الخذلان الذي تعرضوا له. لكن هذا القانون بالفعل سيقطع الطريق لإعادة تعويم الأسد. pic.twitter.com/RNcOI2HoWi
— Lina shamy (@Linashamy) December 12, 2019
رحلة سيزر
أُطلق هذا اللقب على أحد سجاني الأمن السوري الذي كانت مهمته منذ اندلاع الثورة السورية، تصوير جثث المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في سجون النظام السوري، إلا أنه انشق عن النظام وهرب من البلاد مسرّبًا معه عشرات الآلاف من الصور التي التقطها للضحايا، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع جرائم ضد الإنسانية على يد النظام السوري.
ويعتبر سيزر أن القانون الذي سُمي باسمه “هو بداية النهاية لـ مجرمي نظام الأسد وداعميه الذين سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض في سوريا”، لافتاً إلى أن “القانون ليس عصاً سحرية لـ عمل المعجزات، إنما أصبح منذ إقراره مسماراً دُقّ في نعش نظام الأسد الفاشي”. وطالب سيزر السوريين، بالتحلّي بالصبر والأمل “لأن الحق لا يموت إن كان وراءه مَن يطالب به، وأن زمن الظلم مهما طال وعلا شأنه، فلا بد للحق أن ينتصر”.
وفي شهر تموز/ يوليو عام 2014 تمكن “سيزر” من الوصول إلى الكونغرس، ليدلي بشهادته أمام أعضائه ويعرض جزءاً من الصور التي بحوزته والبالغ عددها 55 ألف صورة. وعملت المنظمات والجالية السورية مع أعضاء من مجلس الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة لإقرار مشروع أمريكي يعاقب الأسد ونظامه على ما فعله بشعبه، وكانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، منعت إقرار التشريع، من أجل ذلك أعادت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب طرح المبادرة للنقاش من جديد. وبررت إدارة أوباما رفضها المشروع بأنها تعطل عملية تنفيذ الاتفاق الأمريكي الروسي بشأن وقف إطلاق النار في منطقة النزاع بسوريا عام 2016
ومع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة، صادقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على القرار في أيلول 2017، وفي بداية كانون الأول الماضي عبّر البيت الأبيض عن دعمه القوي لمشروع القرار الذي ينص على معاقبة كل من يقدم الدعم لنظام الأسد، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
مرور المشروع إلى ترمب
كان القانون قد وصل إلى مجلس الشيوخ ضمن حزمة قرارات تحتاج إلى التصويت إلا أنه توقف نتيجةً لعدم موافقة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب على عرض القوانين كحزمة واحدة، وفي مايو/ أيار من عام 2019 صوتت لجنة العلاقات الخارجية في المجلس على فصل القانون عن التشريعات الـ 3 الأخرى، الأمر الذي أدى لضم مشروع القرار كملحق مع مسودة قانون الموازنة العامة لوزارة الدفاع، والتي عادةً ما تمرر سريعًا.
وبعد مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على التشريع من ضمن حزمة مشروع ميزانية الدفاع الأمريكية، وفي سياق متصل دأب الرئيس الأمريكي على معاقبة نظام الأسد إذ أنه وفي مايو/ أيار 2019 مدد نظام حالة الطوارئ ضد الحكومة السورية، مؤكدًا أن “وحشية النظام وأعماله القمعية بحق الشعب السوري، لا تمثل خطرًا بالنسبة إلى السوريين وحدهم، وإنما تولد عدم الاستقرار في كل المنطقة”.
عاجل | ترمب يصدق على ميزانية الدفاع لعام 2020 وتتضمن قانون سيزر لحماية المدنيين السوريين
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) December 21, 2019
من جهته قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: “وقّع الرئيس ترامب اليوم قانون سيزر لحماية المدنيين في سوريا، في خطوة مهمة لتعزيز محاسبة نظام الأسد الذي ارتكب فظائع واسعة في سوريا. يجب أن يقف العالم متحدا في إدانة وحشية الأسد”، وحيّا بومبيو سيزر واصفًا إياه بـ “البطل” مثمنًا تضحياته التي أوصلت القانون إلى هنا قائلًا: “ونحن نقر هذا التشريع، نحيي من سمي القانون تيمننا به، البطل سيزر ، المصوّر العسكري السوري السابق الذي خاطر بحياته لتوثيق فظائع نظام الأسد، وكرّس حياته للبحث عن العدالة لهؤلاء الضحايا. وسيساعدنا قانون سيزر على القيام بذلك”.
الوزير #بومبيو: وقّع الرئيس #ترامب اليوم #قانون_سيزر لحماية المدنيين في #سوريا، في خطوة مهمة لتعزيز محاسبة نظام الأسد الذي ارتكب فظائع واسعة في سوريا. يجب أن يقف العالم متحدا في إدانة وحشية الأسد. (1/2)
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) December 21, 2019
ماذا يحمل القرار؟
يفرض هذا المشروع عقوبات على المصانع السورية المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة، ويلوح بفرض عقوبات على روسيا وإيران لدعمها الأسد، وبحسب القانون ستُفرض عقوبات شديدة على النظام السوري أهمها:
-
فرض عقوبات على كل من يدعم النظام السوري، ويشمل أي جهة تقدم أي شكل من أشكال الدعم المادي والتقني أو توقع صفقات مع نظام الأسد، كما يخول هذا البند معاقبة الأشخاص المتعاقدين عسكريًا مع النظام والمليشيات المساندة له.
-
فرض عقوبات على أي شخص يقدم بضائع أو خدمات تسهل على النظام استمرار سيطرته أو توسعها على إنتاج سوريا الداخلي من الغاز الطبيعي أو المشتقات النفطية، بالإضافة إلى أيمن يقدّم البضائع والخدمات للطيران السوري، والتي تشمل قطع غيار أو طائرات خصوصاً العسكرية منها.
-
تحديد المناطق التي وقع فيها تغيير ديموغرافي، ومن ثمّ تقديم استراتيجية، تهدف إلى منع الأجانب من الدخول في عقود إعادة الإعمار في هذه المناطق إما نيابة عن الحكومة أو عن طريق أي أجنبي من أي جنسية كانت.
-
يعطي المشروع الصلاحية لوزارة الخارجية لدعم المنظمات التي تجمع الأدلة ضد الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سوريا منذ العام 2011 للملاحقة القضائية.
-
تفرض واشنطن عقوبات جديدة في حال رأت من خلال إعداد الدراسات، أن البنك السوري يجري عمليات غسل أموال مثيرة للقلق.
-
يضع القرار المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أو المتواطئين معهم وكذلك من يراه الرئيس الأمريكي من أفراد عائلاتهم في قائمة العقوبات، مثل رئيس النظام بشار الأسد، ورئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء، وأعضاء مجلس الوزراء، ورؤساء الفرق والقوات المسلحة السورية، والقيادات في وزارة الداخلية السورية، وقادة ونواب قادة الفرقة الرابعة، وقائد الحرس الجمهوري، ومدراء السجون الخاضعة لسيطرة النظام، والمحافظون ورؤساء الأفرع الأمنية.
ستستخدم الولايات المتحدة هذه العقوبات الجديدة للضغط على الأسد وروسيا وإيران “للتفاوض بحسن نية تجاه حل سياسي يوفر كرامة أساسية للشعب السوري”. كما جاء في تقرير لـ “واشنطن بوست“، ويضيف التقرير إنه وعلى الرغم من “8 سنوات من السياسة الأمريكية الفاشلة في سوريا، لا يزال الوقوف ضد الفظائع الجماعية مصلحتنا الاستراتيجية والتزامنا الأخلاقي”.
يقول مدير مركز جسور محمد سرميني في تصريحاته لـ “نون بوست”، إن المشرعين غالبًا مايريدون من القرار “تعزيز كل الإجراءات التي من شأنها تقويض نفوذ إيران في المنطقة ومكافحة أنشطتها العسكرية والأمنية والاقتصادية الآخذة بالتوسّع في سوريا”، مشيرًا إلى أنه يأمل المسؤولون “الحدّ من قدرة روسيا على المناورة ودفعها نحو تقديم تنازلات لتحقيق التسوية السياسية في إطار جهود الأمم المتحدة”.
كلام سرميني يستبعده الصحفي السوري فراس ديبة الذي قال لـ “نون بوست”: “لن تكون هناك مواجهة حتى اقتصادية بين أمريكا وروسيا، وإيران أصلاً تحت العقوبات، وبالتالي لن تتأثر الدولتان بالقانون”. لكن وبحسب ديبة فإن قانون سيزر “يلجم دولاً أخرى عن فتح علاقات ديبلوماسية أو اقتصادية مع النظام السوري، ويحول دون جهود روسيا للوصول إلى سلة إعادة إعمار بأموال أوروبية وخليجية بوجود الأسد”.
متى يعتبر القانون منتهيًا؟
وينصّ مشروع القانون على فرض عقوبات على النظام السوري والدول الداعمة له، لمدة 10 سنوات، ولا ترفع العقوبات إلا بتحقيق شروط أهمها التوقّف عن استخدام المجال الجوي السوري من النظام وروسيا أو أي جهة أخرى تقصف المدنيين في سوريا وإطلاق سراح جميع المعتقلين في السجون ويكون لدى المراقبين الدوليين صلاحية إجراء جولات في السجون.
كما يؤكد القرار بأن القانون لا يُوقف إلا في حال توقّفت جميع القوات عن استهداف المنشآت الطبية والسكنية والأسواق والمنشآت العامة. بالإضافة إلى عودة آمنة وكريمة للسوريين إلى منازلهم، وتقديم مرتكبي جرائم الحرب إلى العدالة الدولية.
تبعات القرار
سيسعى النظام لإيجاد طرق تخفف من آثار هذه العقوبات، وذلك من خلال رجال الأعمال المقربين منه، والذين يتحكمون بمفاصل الاقتصاد السوري عبر شركات قابضة تُحكم خناقها على الاقتصاد السوري، إلا أن القانون سيزيد الخناق على هذه الشخصيات وشركاتهم. ويشير رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة قاضي إلى “تداعيات هذا القانون بأنها لا بد أن تنعكس على الشعب السوري، مثلما انعكست المقاطعة ضد إيران على وصول الغاز من روسيا وإيران للشعب السوري وأثر سلباً على حالتهم المعيشية”.
كما أن النظام السوري أقرّ بالصعوبات التي سيواجهها على خلفية العقوبات، جاء ذلك على لسان رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية عابد فضلية، الذي قال: “هذا القانون سيركز على تضييق مخزون حركة القطع الأجنبي وعلى قطاع الطاقة”، كما أشار أيضًا إلى أن واشنطن هددت بالعقوبات أي جهة تتعامل مع الحكومة السورية، ووضعت خططاً قد يمتد تطبيقها إلى خمس سنوات إلى أن تؤتي هذه العقوبات أكلها.
ومنذ ما قبل إقرار هذا التشريع، يمر الاقتصاد السوري بأصعب حالاته، فللمرة الأولى في تاريخها؛ هبطت الليرة السورية إلى 1000 ليرة مقابل دولار واحد قبل أيام، وسط عجز حكومة الأسد لتجاوز الأزمة غير أن الكوارث الاقتصادية إنما تحل على الشعب الذي يقع 83% منه تحت خط الفقر حسب إحصائيات الأمم المتحدة فيما ينعدم الأمن الغذائي لـ 33% من أفراده.
تأثير القانون على الشعب السوري
في حديثه، يقول عمر الشغري الناجي من معتقلات الأسد: “أنا أرى في هذا القانون صرامة وجدية لم أرها في أي عمل آخر خصوصًا مع التفاصيل الموجودة في مشروع القانون”، ويضيف الشغري أن القانون ينتصر للمعتقلين، ويشمل أيضًا تأمين مساعدة إنسانية للاجئين ضمن البلد وعقوبات اقتصادية للنظام، وعن مدى تحقيق العدالة من هذه القوانين يجيب الشغري “هذا القانون كقانون يعني لي كثيرًا وأن أحدًا مهتم بالمظلومين في سوريا”، مستذكرًا رفاق المعتقل قائلًا: “السجناء يلي قالولي ما تنسانا لما طلعت صار فيني اهمس وجاوبهم بكلمة ما نسيتكم”.
وحذّر رئيس المجلس السوري الأمريكي الدكتور زكي لبابيدي، من “تكرار الأفكار التي يروجها نظام الأسد حول القانون والادعاء بأنه سيضر الفقراء”، مؤكداً أن “القانون في حال إقراره سيزيد من ضعف اقتصاد النظام الذي يوظفه في قمع السوريين”، مضيفًا أن القانون “سيساهم في تقصير فترة حكمه أكثر”، مشيرًا أن “نظام الأسد سعى عن طريق جماعات ضغط مناصرة له لمنع صدور القانون، وأنفق أموالاً كثيرة من أجل ذلك لأنه يخشى من تبعاته على اقتصاده”.