تعتبر السياحة من أكثر الصناعات تقدمًا وازدهارًا في العالم ومن أهم القطاعات التي ترتكز عليها التجارة الدولية، وأبرز محرك للتنمية في الدول التي عرفت قفزة اقتصادية أو ما يُسمى بالإقلاع الاقتصادي، حيث راهنت الحكومات على ما لديها من مخزون بيئي وتراثي وعملت على تطويره والاستثمار فيه ومن ثمة الاستفادة من عوائده المادية كالعملة الصعبة وتحقيق الرفاه الاجتماعي، خاصة وأنّ السياحة تُعد حركة ديناميكية ترتبط بكل الجوانب الحياتية الثقافية منها والحضارية.
وباتت السياحة من هذا المنظور في الخليج العربي خلال السنوات الماضية محركًا رئيسيًا في اقتصاد المنطقة، لذلك تتسابق الدول على طرح منتجات سياحية جديدة لرفع حصصها من الوفود والزائرين.
وكانت دولة قطر سبّاقة في دفع اقتصادها عبر قاطرة السياحة المتنوعة، أولتها الاهتمام من خلال وضع استراتيجيات ومشاريع تمكّن من خلق صناعة سياحية متقدّمة يمتزج فيها الرقي والتطور بالأصالة والهوية، مستغلة بذلك ما تكتنزه الدولة الخليجية من إرث تاريخي وحضاري.
وفي السياق ذاته، أشارت وكالة الأنباء الألمانية في وقت سابقٍ إلى تطور رحلات السفاري وسياحة الصحراء في دول الخليج ومن بينها قطر، الذي يشهد إقبالًا كبيرًا من السائحين الأوروبيين والآسيويين خصوصًا في أشهر الشتاء، وأكّد خبراء ووكلاء في قطاع السياحة، أنّ ما يزيد على 70% من الوفود القادمة لمنطقة الخليج، يقصدون رحلات الصحراء.
قطر.. الموقع والمناخ
تقع قطر في شبه الجزيرة العربية كإحدى الدول الخليجية في جنوب غرب آسيا، وتُطل على الخليج العربي ولها حدود بريّة مع المملكة العربية السعودية من الجنوب، فيما تمتلك حدودًا بحرية مع البحرين والإمارات.
وتعد من أهم الوجهات السياحية في المنطقة لأغراض الاستجمام والعلاج والتسوّق إضافة إلى زيارة المواقع التاريخية التي تحتضنها، كما تُصنّف كأكثر البلدان أمانًا في العالم، ويُنصح بزيارتها في الفترة الممتدة بين نوفمبر إلى بدايات شهر أبريل حيث تكون درجات الحرارة في هذا الوقت من العام مقبولة نسبيًا، كما تكون نسبة الرطوبة منخفضة مقارنة بفصل الصيف.
وفي قطر، تمتد المساحات الأكبر للصحراء جنوب غرب الدوحة، وهي صحراء تمتاز بكثبانها الرملية المرتفعة المثالية لرحلات السفاري والتزلج على الرمال أو الاستمتاع بالمعالم الطبيعية المذهلة في المنطقة، كما تقصدها العائلات نهارًا كمقصد للتنزه في الطبيعة للاستجمام. وتختلف مشاهد الصحراء باستمرار باختلاف ساعات اليوم والليل وبحسب أضواء الطبيعة، وتعتبر مشاهد شروق الشمس وغروبها من اللحظات الأكثر تميزًا في الصحراء، كما يعتبر مشهد السماء المضاءة بالنجوم ملاذًا رائعًا لمحبي تأمل النجوم.
القلاع والحصون
تبقى الحصون والقصور التاريخية لقطر معلمًا بارزًا يُشع وسط المشهد المعماري المتطور الذي تعرفه البلاد، وتنتشر القلاع القديمة وبقاياها في جميع أنحاء المناطق الشمالية للدولة، ورغم أنّ قلعة الزبارة أكثرها شهرة إلا أنه يمكن أيضًا زيارة قلاع أخرى كقلعة الركيات على الساحل الشمالي الغربي.
تعد قرية الزبارة واحدة من أهم معالم السياحة في قطر التاريخية والتراثية، وهي قرية مهجورة صغيرة تبلغ مساحتها 4.6 كيلومتر مربع، وتُصنّف كواحدة من المعالم التي لاتزال تشهد على تاريخ قطر وأهميتها التجارية، وتعرض بين أرجائها بعض من الفنون الهندسية والمعمارية الإسلامية القديمة، وفي عام 2013 تم إدراجها على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، لتصبح اليوم واحدة من أكبر نقاط الجذب السياحي في البلاد.
وتشكل القرية مزيجًا مذهلًا بين واحة غناء وسط الصحراء وشاطئ ساحر يُقابل المياه الزرقاء لبحر العرب، يمكّن الزوار من ممارسة عديد الأنشطة الرياضية والصحراوية.
شاطئ خور العديد
على بعد حوالي 80 كيلومتر من الدوحة و45 كيلو متر من الوكرة و7 كيلو متر تقريبًا من مدينة مسيعيد الصناعية، يقع أحد أجمل شواطئ قطر، رمال من الذهب تمتد كيلومترات تعانق مياه الخليج الدافئة في لوحة فنية يكفيك النظر إليها للاستمتاع، وشواطئ تنفع للسباحة والخليج قريب العمق يشد هواة الغوص لكشف عماقه ورؤية أبهى المناظر التي يخبئها البحر، هي حتما رحلة لن تنساها في صحبة الأصدقاء أو الأهل، هكذا دوّن من شد رحاله إليها في السابق.
شاطئ خور العديد أو البحر الداخلي كما يسمى محليًا، هو واحد من المعالم السياحية الأكثر جمالًا في قطر/ حيث يوفر بيئة مريحة وهادئة، ويمتاز هذا الشاطئ الجميل بكثبانه الرملية التي يصل ارتفاع بعضها إلى حوالي أربعين مترًا، إضافة إلى شواطئ فويرط ودخان وغيرها، وتكثر فيه الأسماك ومجموعة متنوعة من الحيوانات البحرية وتعتبر المنطقة البحرية فيها من أكبر المحميات الطبيعية البحرية في قطر وتحتوي العديد على عين كبريتية وهي تحديدًا في منطقة تسمى الديحة.
كما يُعد شاطئ سيلين القريب من مدينة مسيعيد والذي جمع بين جمال الصحراء والماء، كواحد من أجمل الأماكن للزيارة في قطر، إنه واحة غناء وسط الصحراء تجلس هناك وتستمتع بهدوء المياه الزرقاء وروعة الكثبان الرملية، ولهواة ممارسة الرياضات البحرية والصحراوية فهذا المكان هو الأنسب.
الحيوانات والحدائق
حين تطأ قدماك قطر، ستكتشف الشغف الواضح لأهل البلد وتفانيهم في ممارسة الرياضات القائمة على الحيوانات، وخاصة سباق الخيل والهجن وصيد الصقور، وقطعًا سيُتيحون لك الفرصة للمشاركة في بعض هذه الرياضات أو يمكنك قيادة سيارتك إلى جانب الجمال بينما تتسابق مع روبوتات مصغرة متصلة بحدبها في مضمار الشحانية، أو أن تتوجه إلى إسطبلات الراحة لرؤية الإبل عن قرب.
وللفروسية نصيب من السياحة القطرية، حيث يمكنك زيارة مربط الشقب حيث تتركز الإسطبلات المترامية الأطراف ومواقع التدريب على تحسين جودة خيول العرض العربية والحفاظ على الصنف من خلال الاستمرار في سلالة أرقى قطر، ومعاينة عمل القائمين على المشروع، ومشاهدة المدربين والفرسان.
وما دمت في قطر، يوجد كثير من الحدائق الجميلة الخلابة عليك زيارتها مثل حديقة دخل الحمام، وحديقة الخريطيات، وحديقة الرميلة التي توفر إنترنت لاسلكي مجانًا، والمحميات الطبيعية كمحمية شبه جزيرة راس بروق التي تصلح للتخييم، وأيضًا محميات الذخيرة المذهلة حيث المنظر الرائع للطيور والشاطئ.
وإذا كنت من عشاق مشاهدة الغزلان والمها، فعليك بزيارة محمية المها البرية، ولمشاهدة الحيوانات البحرية والطيور فالخطة تقتضي زيارة محمية أمتي، يوجد بها شاطئ حيث ينتشر بيض السلاحف البحرية، ولإضفاء جو من المغامرة فكهف مسفر يفي بالغرض.
وفي الجهة الغربية للبلاد، يمكنك معاينة التكوينات الصخرية غير المعتادة في رأس أبروك والتي نحتتها ببطء الرياح البرّية السائدة خارج الأرض بزوايا مثيرة للاهتمام، ولما لا تجرّب التسلّق فوق هذه التضاريس التي ستعطيك رؤية رائعة لشبه جزيرة قطر وزاوية جميلة لالتقاط صور الذكرى.
كشتة وسفاري
والكشتة هي نزهة برية أو بحرية، وهي تقليد في دول الخليج عبارة عن مجالس الأدب التي تلقى فيها القصائد المشتملة على الحكم والنصائح، وتروى فيها القصص والأنساب وسير العرب التي تُحيي في النفوس أخلاقهم وشمائلهم.
ومن فوائد الكشتة، الترويح عن النفس والتمتع بالراحة والهدوء (سكينة صحراء، بادية) والتعرّف على أماكن ونواحي البلاد ومخالطة الناس والكشف عن أخلاق الرجال ومعرفة طبائعهم، إضافة إلى اكتساب مهارات جديدة وتنمية القدرات، وتقوية أواصر الرحم وروابط الإخوة.
ويُعد إيقاد النار جزءًا أساسيًا في الكشتات، ولا ترتبط بإضاءة أو دفء بل بكونها المكان الذي يتجمع حوله الأصدقاء وأفراد العائلة للسمر وتبادل أطراف الحديث، وأداةً لطهي القهوة القطرية التي تعبّر عن الضيافة، حتى أصبحت “الدلّة” بشكلها المميّز رمزًا لحسن الضيافة والكرم، تُطحن القهوة طازجةً ثم يضاف إليها الهيل وتُقدّم في فناجين صغيرة يأخذها الضيف باليد اليمنى، يستمر المُضيف في صب القهوة حتى يُشير الضيف باكتفائه بتحريك الفنجان بلطف يمنةً ويسرة.
وفي نهاية كل الأسبوع، تزدحم الصحراء بما يزيد عن ألف سيارة للتفحيط على الكثبان الرملية، بالإضافة إلى وجود الكثير من الدراجات الرباعية أيضًا.
الصحراء.. صناعة جديدة
من المعلوم أنّ كل صحراء لا تشبه غيرها في قطر، إذ تتميز كل واحدة منها بتضاريس مختلفة، فجنوب غرب العاصمة (الدوحة) غني بكثبان رملية تنبع من حبيبات تنزلق على المنحدرات ما يجعل صدى الصوت يصل لأميال عديدة، فيما يتميّز الساحل الغربي لشبه الجزيرة، بتشكيلات ضخمة من صخر الحجر الجيري.
وفي ذات الإطار، تسعى دولة قطر للاستغلال الأمثل لعناصر الإنتاج السياحي واستقطاب نحو 5.3 ملايين سائح بحلول عام 2023، وتحقيق معدل إشغال نسبته 72% في المنشآت الفندقية، عبر زيادة الطلب وتنويع خيارات الإقامة السياحية التي توفرها البلاد.
وارتفع عدد زوار قطر خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 11.5 % على أساس سنوي، وبلغ 1.05 مليون زائر، مقارنة بـ 944.69 ألف زائر في الفترة المناظرة من 2018، بحسب بيانات جهاز التخطيط والإحصاء القطري.
إلى ذلك، فإنّ الفكرة لدى الساسة القطريين هي خلق صناعة سياحية بديلة في قلب الصحراء مع المحافظة على خدمات عالية المستوى والجودة والقيام بأنشطة لن يجدها السائح في أيّ دول أخرى، وباتت بذلك السياحة الصحراوية المبنية على الهوية والتقاليد، تُظهر يومًا بعد يوم أنّها أداة ناجعة في تطوير الاقتصاد المحلّي وتنويعه، والمحافظة على التراث وضمان إحيائه (لباس، أكلات شعبية كلمكبوس والمضروبة)، من خلال تقديم منتوج سياحي يُعطي للزوار فرصة فريدة لاستكشاف تجارب غير عادية خارج حدود البيئة الحضرية.