انتخب الجزائريون أول أمس الخميس، رئيسًا جديدًا لبلادهم، رئيس أكّد في أول خطاب له مدّ يده للحراك الشعبي “المبارك” الذي تشهده مناطق واسعة من البلاد منذ 10 أشهر، لحوار “جاد” من أجل “جزائر لا يظلم فيها أحد، تحارب الفساد والفاسدين”، فهل يقدر عبد المجيد تبون على تهدئة الشارع وإعادة بناء الثقة مع الشعب، خاصة وأنه أحد أبرز أبناء نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة؟
فوز “مهزوز”
فاز عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية بنسبة 58.15 % من الأصوات، ليصبح رئيسًا للجزائر من الدورة الأولى. وجاء في المركز الثاني المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة، وفي المركز الثالث المرشح علي بن فليس، وفي المركز الرابع عز الدين ميهوبي الذي وصفته وسائل الإعلام بمرشح السلطة، وأخيرا عبد العزيز بلعيد.
شدد تبون في خطابه على توجيه التحية للجيش وكذلك للحراك الشعبي الجزائري، متعهداً بانحيازه الدائم للشباب
يعد تبون البالغ من العمر 74 عاما ثامن رئيس للجمهورية في الجزائر منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1962، بعد كل من أحمد بن بلة (1965-1963)، وهواري بومدين ( 1978-1965)، والشاذلي بن جديد (1992-1979)، ومحمد بوضياف (1992) وعلي الكافي (1992 -1995) واليامين زروال ( 1999-1994)، وعبد العزيز بوتفليقة ( 2019-1999).
وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات المثيرة للجدل 39,83 %، أي ما يقارب عشرة ملايين ناخب من أصل أكثر من 24 مليونا مسجلين في القوائم الانتخابية. وهي أدنى نسبة مشاركة في كل الانتخابات الرئاسية في تاريخ الجزائر. وهي أقل بعشر نقاط من تلك التي سجلت في الاقتراع السابق وشهدت فوز بوتفليقة بولاية رابعة في 2014.
مدّ اليد لحوار جاد مع الحراك
تبون عرض على الحركة الاحتجاجية المعارضة إجراء حوار جاد قائلا إنه سيجري إصلاحات لخفض الإنفاق على الواردات ووعد “بفتح صفحة جديدة” في الجزائر. ودعا تبون في أول خطاب له، بعد انتخابه رئيسا للبلاد، الحراك الشعبي إلى حوار “جاد” لمصلحة البلاد. وقال تبون في مؤتمر صحافي “أتوجه مباشرة للحراك المبارك وأمد له يدي لحوار جاد من أجل جمهورية جديدة”.
وأضاف تبون الذي خلف عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال تحت ضغط الشارع، “أنا مستعد للحوار مع الحراك مباشرة ومع من يختاره الحراك حتى نرفع اللبس بأن نيتنا حسنة. لا يوجد استمرارية لولاية خامسة” ردا على من وصف ترشحه استمرارا لحكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
شدد تبون في خطابه على توجيه التحية للجيش وكذلك للحراك الشعبي الجزائري، متعهدًا بانحيازه الدائم للشباب، “وإدماجهم الفعلي في الحياة الاقتصادية والسياسية”. كما تطرق إلى تغيير “عميق” في الدستور، إلى جانب دعوته لقانون انتخاب جديد “لا مكان للمال السياسي فيه”.
وسبق أن التزم تبون خلال حملته الانتخابية، أن تصدر قرارات تتماشى مع طلبات الحراك، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك تغيير جوهري للدستور، خاصة فيما تعلق بالانتخابات. كما اقترح خلق هيئة رقابية لمكافحة ظاهرة الفساد، وتطلع تبون إلى أن يتحرر جهاز القضاء بعد الحراك، بعد أن “كان يعمل بالهاتف”، واستعمل أحيانا كأداة قمع (لأن العدالة كانت مسيسة)، آملا في أن “حرية العدالة” ستكرس إلى الأبد.
تهدئة الشارع
هذا الخطاب، أراد من خلاله عبد المجيد تبون، رئيس الجزائر الجديد تهدئة الشارع “الثائر”، خاصة وأن تهدئة الشارع تعتبر أول وأصعب المهمات التي سيصطدم بها تبون في منصبه الجديد، في ظلّ تواصل نزول مئات الآلاف إلى الشوارع وانعدام الثقة في الوعود التي تقدمها السلطة، وفق الصحفي الجزائري رياض المعزوزي.
ويرى المعزوزي في حديثمع لنون بوست أن “تبون أمام مهمة تحقيق معجزة معقدة، لاسيما وأن غالبية الجزائريين لم ينتخبوا بل وواصلوا حراكهم ضد بقايا النظام البوتفليقي بما فيهم تبون الذي رافق النظام منذ 1971 واليا فوزيرا فرئيس حكومة.”
ويعتبر الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون، وفق عديد الجزائريين، أحد الشخصيات التي أعادها النظام إلى الساحة، ويرى النظام في تبون وفق هؤلاء “حصان طروادة” القادر على رصّ الصفوف دون الخوف من تغوّله واللعب لمصلحته.
يشعر المواطن الجزائري، بدرجة كبيرة من الإحباط، نتيجة عجز سلطات بلاده المتداولة على الحكم منذ الاستقلال على الاستجابة لتطلعاته وتحقيق مطالبه وحقوقه المشروعة
حديث تبون الجيد عن الحراك والمعارضة ومنطقة القبائل التي لم تصل نسبة التصويت فيها 1 %، لا يعني حتما نجاح مهمته، فالقضية وفق رياض “ليست كلام ووعود بقدر ما هي تحركات جادة بفتح خطوط حوار جادة وصريحة مع الحراك، والمعارضة و منطقة القبائل التي تبقى الحلقة المهم والأصعب”.
ويؤكّد محدّثنا أن المهمة ستكون صعبة، ونجاح عهدة الرئيس تبدأ في نجاحه في استرجاع الثقة بين القمة والقاعدة. وعرفت الانتخابات الأخيرة نسبة مشاركة ضعيفة بلغت 39.83 %، وهي أدنى نسبة على الإطلاق تسجّل في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد.
إعادة الثقة بين السياسيين والشعب
فضلًا عن تهدئة الشارع، من المنتظر أن يسعى الرئيس الجديد لإعادة الثقة بين السياسيين والشعب، تلك الثقة التي تمّ هدرها وتكسيرها عبر الممارسات الانتخابية على مدى الـ 55 عاما الماضية ،وآخرها الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر الحالي، وفق الصحفي الجزائري فاتح بن حمو.
ويرى بن حمو في حديثه لنون بوست، أن استرجاع هذه الثقة يتم بأمرين، أولها هو اتخاذ إجراءات صحيحة في صالح مطالب الشعب، وهذا يتطلب وقت طويل، أو أن تكون هناك قطيعة حقيقية مع النظام السابق و ممارساته، وهذا الأمر لا يستطيع فعله رئيس معين.
وأكّد محدّثنا أن الشارع الجزائري له مطالب سيهدئ متى تحققت، ويقول بن حمو في هذا الشأن “إذا كان تبون يريد حوارًا حقيقيًا فنحن نقترح أن يتحاور مع الدكتور طالب الإبراهيمي، والدكتور بن بيتور وكذلك الأستاذ بوشاشي والشيخ ڨمازي، وسمير بن العربي والكاتب فوضيل بومالة.”
وأضاف، “من أراد الحوار مع الشعب فالمطالب معروفة ومرفوعة منذ 22 فبراير/شباط الماضي، وليبدأ بعوامل التهدئة، وأولها إطلاق سراح معتقلي الرأي دون قيد أو شرط.” وتوجد في سجون الجزائر عديد المعتقلين من نشطاء الحراك الشعبي والصحفيين والسياسيين.
تواصل الاحتجاجات في الجزائر
من جهته، يرى رياض المعزوزي أن “الحراك الشعبي سيستمر إلى غاية التحرك الفعلي للرئيس في فتح أبواب الحوار ولقاء مباشر مع المحتجين والتغيير الكلي للحكومة، أما إذا تعاملت السلطات بالعنف مع الحراك لفضه فقد يكون بداية لفوضى كبيرة، لكن ذلك ما لا أراه واقع.”
وتزامن الإعلان عن نتائج الانتخابات أمس، مع خروج الآلاف من المحتجين، لليوم الثالث والأربعين على التوالي، بوسط الجزائر العاصمة للتعبير عن رفضهم للرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، المقرب من سلفه عبد العزيز بوتفليقة.
وردّد المتظاهرون “الله أكبر، الانتخاب مزور” و”الله أكبر نحن لم نصوت ورئيسكم لن يحكمنا”، وحمل البعض لافتات كتب عليها “ولايتك يا تبون وُلدت ميتة” و”رئيسكم لا يمثلني”.وقارب عدد المتظاهرين الذين احتشدوا في مناطق مختلفة بأنحاء العاصمة، عدد من تجمعوا خلال التظاهرات السابقة ضد الانتخابات الرئاسية.
ويشعر المواطن الجزائري، بدرجة كبيرة من الإحباط، نتيجة عجز سلطات بلاده المتداولة على الحكم منذ الاستقلال على الاستجابة لتطلعاته وتحقيق مطالبه وحقوقه المشروعة، خاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، رغم امتلاك البلاد لثروات نفطية هائلة لها أن تؤهلها إلى الارتقاء إلى الدول الكبرى.