في مبادرة فنية بل وحتى نوعية، تجمع ما بين البساطة ونشر الثقافة والجمال في شوارع وأحياء الأردن، أطلق الفنان التشكيلي “أحمد مناصرة” مبادرة “زينها” بعدما تمكن من تشكيل فريق من 12 فنانًا ومتطوعًا لجمع أكبر عدد ممكن من المخلفات الزجاجية لتحويلها من جديد إلى لوحات وقطع فنية ذات قيمة ودلالات حسية سعيًا للحفاظ على البيئة المهددة.
وبإصرارٍ يسعى الفريق إلى كسر الرقم القياسي العالمي في موسوعة غينيس لأكبر لوحة فنية “فسيفساء الركام” الناتجة من إعادة تدوير الزجاج والتي يصل طولها إلى 44 مترًا.
أحمد هشام مناصرة، فنان تشكيلي ولد في الأردن، أنهى دراسته من قسم ماجستير فنون إسلامية والمحاضر في كلية قرطبة القدس، وعضو جمعية الفن التشكيلي فرع الزرقاء 2014، اكتشف سر موهبته في السنة الثانية عند دخوله قسم التصميم والجرافيك.
ومن هنا انغمس “مناصرة” بالفن التشكيلي، وتضمنت مسيرته الإبداعية معارض عدة أهمها على طريق القدس وهو معرض يتم في جميع أنحاء العالم يتم افتتاحه بنفس التوقيت، ومعرض قطرة حياة لدعم أطفال السرطان، ومعرض الملتقى العربي الأول في مصر الذي يشارك فيه عدد كبير من الفنانين العرب وكان بمثابة إثراء وتقديم فكرة الفسيفساء الركامية، بالإضافة لمعرض خاص “ركاميات 1” في الملتقى الثقافي الأدبي في مدينة الزرقاء.
“فسيفساء الركام”
حاول “مناصرة” جاهدًا إزالة العوائق الفنية والثقافية التي يعاني منها المجتمع الأردني بإيجاد فن جديد ومفيد للبيئة، يقول مناصرة: “فكرنا مرات عدة بالرسم على الزجاج لكنها كانت فكرة مستهلكة، أردنا شيئًا آخر غير موجود فتوجهنا إلى منطقة “الحرفين” بعمان المليئة بالزجاج والتي تكون فائضة عن المصانع، وشاهدنا أكوامًا من متعدد الأحجام، كان منظرها يشبه الفسيفساء، فأطلقنا اسم على هذه المبادرة “فسيفساء الركام” وبالفعل لم تكن الفكرة موجودة من قبل”.
ويري “مناصرة” أن اهتمام الفنان بإعادة التدوير يعد تأكيدًا على وعيه بقدرة الفن على الإسهام في التغيير وأنه مرآة للعصر، فهناك مراحل لإعداد اللوحات الزجاجية، قائلًا: “نقوم بإعداد الفكرة ثم جلب الزجاج وغسله تقطيعه والرسم عليه وتلوينه، وبعد ذلك نلصق الزجاج على الخشب، وبحسب حجم اللوحة، فإذا كانت كبيرة نحتاج قطع كبيرة ما بين 1 إلى 3 سنتيمتر، وإذا كانت صغيرة نقطع الزجاج حتى يتلاءم مع حجم اللوحة، ثم الرسم على قطع خشبية ونحدد كم عدد الألوان وكمية الزجاج المقطعة لتعبئة هذه المساحة، وعلى إثرها نلون بألوان حسب الرسمة، ومن بعد ذلك نقسم الزجاج على شكل مربعات ثم نضع لاصق على الخشب، وبعد أن يجف نقوم بلصق الكمية الموجود من الزجاج، وكونه شفاف فيعكس اللون تحت والزجاج من فوق حتى يحافظ على لمعانه، ثم احضار مادة كيميائية وهي مادة عازلة حتى تدخل بين تفاصيل القطع الزجاجية وتعمل على سماكة اللون وتحافظ عليه من الشتاء أو دخول الماء إليه، خاصة أن أغلب اللوحات تُعرض قي الشوارع، وأخيرًا نضع الإطار لها”.
سرّ المبادرة
أما الهدف المنشود من هذه المبادرة أكد “مناصر” إصراره وعزمه على الدخول في موسوعة غنيس كأكبر جدارية في العالم “فسيفساء الركام” المكونة من حطام الزجاج والتي يصل طولها إلى 44 مترًا.
وبعد نجاح هذه المبادرة وجمع المخلفات الزجاجية للحد من التلوث البيئي وجعل شوارع مدينته جميلة للناظرين بلوحات فريقه، يقول: “نحن لدينا أفكار مبدعة ومتجددة باستمرار، فنطمح بفكرة أخرى نستعد لها وهي العمل على إعادة تدوير الزجاج داخل الأثاث مع تدوير الأثاث المستعمل من أجل حماية البيئة من الزجاج والأخشاب معًا، ومبادراتنا هي دومًا لدعم البيئة والتقليل من النفايات اليومية المتراكمة والتي تضر بالتربة والهواء وغيرها”. مشيرًا إلى تقارير أميركية، تفيد بأن النفايات الزجاجية تحتاج 4000 سنة لكي تتحلل، كما تقول مصلحة إدارة النفايات التابعة لولاية فرجينيا الأمريكية إن قارورة زجاجية واحدة قد تحتاج إلى مليون عام لتتحلل.
تنوع الجداريات الضخمة.
فكرة الفسيفساء الركامية نأمل منها أن تكون عملًا لكسب الرزق للفريق، حيث عملنا على تعليم هذا الفن من خلال دورات داخل الأردن وفي مصر
تنوعت موضوعات لوحات وجداريات فريق “زينها” حيث كان يستوحي الفريق في أعماله التي تجمع بين الهاجس البيئي والحس الجمالي والوطني والثقافي والديني، ويقول في هذا السياق: “عملنا جداريات والتي تعد إحياء للزخارف الإسلامية الهندسية الموجودة في مدارس وجامعة الزرقاء، طولها قرابة 27 مترًا معتمدة ًعلى تكرار الأشكال بألوان معينة، ولوحة اقرأ للحث على فكرة القراءة، والكتابة باللغة العربية، وجدارية الشهيد راشد زيوت أحد الشهداء الأردنيين الذين استشهدوا في إحدى المهمات الخاصة للجيش الأردني، والموجودة الآن في “ميدان الجيش”، وجدارية عمرو بن العاص تخليدًا لذكراه، ولوحات من فسيفاء الركام عن مدينة البتراء، وجبل الجوفة مع جبل التاج، ومسجد الحسيني، وهو من أقدم المساجد في الأردن”.
ونالت أعمال “مناصرة” وفريقه إعجاب الناظرين، الذين استطاعوا تحويل قطع الزجاج الميتة إلى ما هو جمالي منح النفايات روحًا ثانية من خلال الخلق الفني والتجديد.
وأوضح “مناصرة” أنه من ضمن المؤسسات المتعاونة والداعمة لمبادرة “زينها” بلدية الزرقاء، كما وتطوعت مؤسسة “حقق التابعة لسمو العهد الملكي” والتي ساعدتهم في جلب متطوعين قرابة 30 شخاصًا، للمساعدة في إنجاز جدارياتهم التي تصل إلى 27 مترًا، ويستغرق العمل عليها مدة تصل إلى ست أشهر.
تحديات صعبة.
ومن الطبيعي أن أي عمل فني جديد يواجه صعوبات جمة، وفي هذا الصدد يقول مناصرة، إن أبرز التحديات التي تقف عائقًا أمامه تتمثل بـ “قلة الدعم المادي من الجهات الرسمية والحكومية وغير الحكومية، فما نقوم به هو عبارة عن جهد شخصي، وحتى مشاركتي في المعارض أنا أقوم بدفع تكاليفها كاملة، وعلاوة على ذلك فريقي يعمل بشكل تطوعي، وجهد غير مقدر، فكنا نعمل مع جهة معينة وعند منتصف العمل مع هذه الجهة أخبرتنا بأننا لا تريد ذكر اسم فريق “زينها” وطلبت أن يوضع اسم المؤسسة والمبلغ المالي الذي سوف يتم الحصول عليه من موسوعة غنيس يكون لها، واللوحة تحتاج لجهد ووقت وهي بطول يقارب 44 مترًا، أطلقنا عليها اسم “معالم” ومع الأسف توقف العمل ومنعنا من الدخول لهذه المؤسسة وتصوير أعمال الفريق”.
ويضيف: “فكرة الفسيفساء الركامية نأمل منها أن تكون عملًا لكسب الرزق للفريق، حيث عملنا على تعليم هذا الفن من خلال دورات داخل الأردن وفي مصر، ودربنا عدد من الأهالي، ونطمح بتوسيع الفكرة وإيصالها إلى العالمية”.
وتابع: “هناك تقصير حكومي في دعم الفنانين التشكليين، خاصة عندما ينشئ الفنان معرضه الخاص به ولا تشترى منه الحكومة أي لوحة، وتتراكم مئات اللوحات حبيسته بيته”.
التحرر من سطوة الأنا
كما وجه “مناصرة” انتقاد لاذع للفنانين القدامى الذين قال إنهم يشنون هجومًا قويًا على الفنانين الصاعدين ويحبطونهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، قائلًا: “أنا كمدرس في جامعة قرطبة القدس أعمل دومًا على تشجيع طلابي ودعم مواهبهم حتى تنمو بشكل سليم، فأرى أننا لا زلنا نعيش أجواء مشحونة بحب الظهور والإحباط والتفنن في تصيد الأخطاء للفنانين الناشئين، وبحمدالله وشكره لم أوجه أي انتقاد لي لأني سطرت لنفسي عدة أعمال واسم مميز، وهذا قلل علي الهجوم من بعض الفنانين القدامى”.
وضمن مناصرة قدرات ودور الفنانات التشكيلات في فريق “زينها” حيث كان لهن بصمات مميزة في اللوحات والعمل الجماعي، قائلًا: ” المجتمع الشرقي بشكل عام يرغب الذكور وهذه نظرة غير صائبة، لكننا تخطيننا هذه النظرة منذ زمن، والآن الفنانات لهن مكانات لا تقل عن الفنان وعرضت بعضهن لوحات آسرة”.
وفي الختام يتمنى “مناصرة” أن تكون هناك مؤسسة راعية لأعمال الفريق سواء داخل الأردن أو خارجه، وأن تحاول الدولة جاهدة نشر فكرة إعادة التدوير في أواسط الشعب الأردني، وقال: “هدفي من الفن البيئي هو إقناع الناس بأن كل شيء يرمى من الممكن أن يشكل عملًا فنيًا أو لوحة يقتنيها الفرد في بيته بعد إعادة تدويرها، وبالتالي نخفض كمية النفايات التي ننتجها، ونصل إلى عالم ٍأكثر إشراقًا وبهجة “.