“التأكيد على الحوار والدبلوماسية كطريق لحل الأزمات الشائكة في المنطقة”، بهذا اُختتمت فعاليات منتدى الدوحة بدورته الـ 19 والتي انعقدت في العاصمة القطرية في 14 و 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وجمع المنتدى هذا العام قادة ومفكرين وصناع السياسات لإعادة “تصور الحوكمة العالمية التي تعالج احتياجاتنا وأولوياتنا المشتركة”، وأقيمت ورش عمل لمعالجة قضايا عدّة في منطقة الخليج والعالم.
تأتي هذه النسخة من المنتدى في وقت تعصف بالمنطقة أزمات عاتية، ونشوء صراع جديد على مكامن الطاقة في شرق المتوسط، كما أنها تأتي قبل قمة إسلامية مصغرة مرتقبة في العاصمة الماليزية بين قادة تركيا وماليزيا وإيران وباكستان وقطر، وبمشاركة 450 من العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي، وتبحث عن “أفضل الحلول الفعالة والقابلة للتطبيق على أرض الواقع للمشكلات التي تواجهها الأمة الإسلامية، في إطار فهم معاصر وشامل لتحقيق أعلى قيم الإسلام وسيادة الأمة”، على أنها جاءت أيضًا وسط بوادر انفراجة على صعيد الأزمة الخليجية.
كلمات
افتتح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد المنتدى حيث قال في كلمته إنه “يجب البحث عن مواطن الخلل التي جعلت الكثيرين يفقدون الثقة في الآليات الأممية القائمة بما في ذلك ازدواجية المعايير”، معتبرًا أن الرؤية الأممية تشوشت بعدّة نواحي “سواء لناحية الشرعية الدولية وقضايا الفقر والبيئة والمناخ، أم فيما يتعلق بمحاسبة مجرمي الحرب”، مضيفًا: “أخذنا على عاتقنا في قطر المساهمة في حل النزاعات سلميًا حول العالم عبر الوساطة، وتوفير فضاء للحوار”.
وأشار الأمير تميم إلى أنه “ثمة علاقة وطيدة بين الفقر والحروب وتفاقم قضايا اللجوء والهجرة. كما استفادت مليشيات مسلحة من صراعات المحاور، وتعقدت عملية محاسبة مجرمي الحرب”. لافتًا إلى أن “هذه مشاكل لا يمكن حلها من دون جهود دولية منسقة ورؤى مشتركة، ومثلها قضايا التطرف العنيف الذي لا يقتصر على دين أو عرق، كما لا يفرق في استهدافه للأبرياء بناء على النوع أو العنصر أو الملة”.
بدوره، رأى رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في خطابه أمام المجتمعين أن “العقوبات الأميركية على إيران تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، مشددًا على أن “الأمم المتحدة هي التي يمكنها فقط تطبيق عقوبات بما يتفق مع الميثاق”، مشيرًا إلى أن بلاده ودولًا أخرى، “فقدت سوقًا كبيرة بسبب العقوبات على إيران”، مؤكدًا على أن كوالالمبور “لا تؤيد فرض عقوبات أحادية على طهران من قِبَل واشنطن”.
من جهته قال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إنه “لا يمكن تطبيق الاتفاق النووي من قبل طرف واحد فقط، مشيراً إلى أن الوجود الأجنبي في المنطقة لن يعزز أمنها”، مشددًا إنه “لا يمكن شراء الأمن والاستقرار الإقليمي، ونحتاج إلى ترتيب أمني تحت مظلة الأمم المتحدة”، لافتًا إلى أن “الوجود الأجنبي في المنطقة لن يعزز أمنها”.
وضمن الكلمات خاطب خلوصي أكار وزير الدفاع التركي الحاضرين قائلًا إن “العالم يمر بمرحلة حساسة، ازدادت فيها المخاطر والجهات التي تهدد العلاقات الدولية”، مشيرًا إلى أن “المجموعات المتطرفة لا تلحق الضرر بالبلدان التي تتواجد فيها، فحسب، بل تطال أضرارها جميع شعوب العالم”. ودافع آكار أما المجتمعين عن العملية التي قامت بها بلاده في سوريا مؤخرًا مشيرًا إلى أن “اتهام أنقرة بالاحتلال أو محاولة تغيير التركيبة السكانية لهذه المنطقة أمر خاطئ”، مؤكدًا أن أنقرة “لا تعاني من مشاكل مع الأكراد وباقي الشرائح في سوريا، وأن كفاحها هناك يقتصر على التنظيمات الإرهابية”.
أما رئيس الجمعية الأمم المتحدة، فقد اعتبر أن “منتدى الدوحة يمثل لحظة مهمة للحوار مع دخول العالم إلى عقد جديد من الألفية الثالثة”. معربًا أن محادثات الدوحة “ستعمق الشراكات القائمة وتضع الأساس لصياغة شراكات جديدة.”، مذكرًا بالتزام الأمم المتحدة بضرورة الشمول وعدم ترك أي من أجزاء المجتمع متخلفًا عن الركب”، مشيرًا إلى “ضرورة أن نيسر المشاركة الكاملة والصحيحة لأولئك الذين تم تهميشهم لآماد طويلة”.
اتفاقيات المنتدى
شمل المنتدى توقيع اتفاقيات عدّة على هامشه إذ وقعت الدوحة على اتفاقية بين الصندوق القطري للتنمية ووكالة الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين، تتبرع بموجبها الدوحة بمبلغ 20.7 مليون دولار. وذكرت الدوحة في بيان صحفي، أنه “على هامش فعاليات منتدى الدوحة وقعت قطر على اتفاقية مع الأونروا تتبرع بموجبه مبلغ مالي، في إطار المساهمة إلى حماية سبل وصول الخدمات الأساسية للفلسطينيين في سوريا”، إلى جانب ذلك وقّع صندوق قطر للتنمية مذكرة تفاهم مع منظمة “سبارك”، بهدف تمكين اللاجئين السوريين والنازحين في المجتمعات المضيفة من خلال خلق فرص عمل مستدامة.
من جهته وقع صندوق ”روسكونغريس” مع وكالة “تشجيع الاستثمار” القطرية على هامش منتدى الدوحة اتفاقية لإنشاء مجموعة عمل مشتركة لتنسيق الأنشطة الاستثمارية والمشاريع. وقال رئيس مجلس الإدارة في الصندوق الروسي المعني بعقد المؤتمرات والمنتديات ألكسندر شتوغليف، “إن إنشاء مجموعة عمل سيسمح بتبادل المعلومات حول المشروعات الاستثمارية الواعدة للبلدين وكذلك تبادل المعلومات التحليلية والإحصائية والقانونية، وتوفير الدعم المتبادل للشركات لدخول السوقين الروسي والقطري”. وأشار شتوغليف إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى جذب المستثمرين لدعم وتعزيز المشاريع في المجالات ذات الأولوية: أي في قطاع المصارف والتأمين والبنية التحتية والطاقة والرياضة والسياحة.
من جهته تحدث أمير قطر تميم بن حمد عن المساعدات القطرية مشيرًا إلى أن صندوق قطر للتنمية “أسهم سنويًا بحوالي 600 مليون دولار لصالح مشروعات إغاثية وتعليمية وصحية في حوالي 59 دولة في جميع القارات”. كما أن “قطر الخيرية أسهمت بحوالي 400 مليون دولار لصالح مشروعات تنموية استفاد منها حوالي عشرة ملايين إنسان في 50 دولة”.
مستقبل الغاز
لم تغفل الجلسات الحوارية والورشات الجانبية للمنتدى المخاطر الاقتصادية المحيطة بدول العالم، فيما كان الغاز محورًا مهمًا من المداولات، وفي ها الصدد أكد سعد بن شريدة الكعبي وزير الدولة للطاقة القطري، أن “الغاز المسال هو طاقة المستقبل، وليس مصدر مرحلة انتقالية نحو الطاقات المتجددة، وأكبر دليل على هذا هو الطلب العالمي المتزايد عليه، وخاصة من دول شرق آسيا كالصين والهند وعدد من الأسواق الناشئة”.
وأضاف الكعبي أن “الاستكشافات الأخيرة مكنت قطر من التوسع في الإنتاج عالميًا، حيث من المنتظر أن تنتج 110 ملايين طن بحلول 2024، وصولًا إلى 127 مليون طن في 2027، وذلك رغم ما قد يعترض هذا الطموح من مخاطر مرتفعة، يمكن الاستعداد لها بخطط عمل محكمة مع باقي الشركاء المحليين والدوليين، إلى جانب رفع الاستثمار في تطوير البنى التحتية للإنتاج”.
من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة “إيني” الإيطالية للطاقة كلاوديو ديسكالزي إن “أعداد المنتجين والمستهلكين قد ارتفع خلال السنوات العشر الأخيرة، مع توقيع مزيد من العقود القصيرة المدى”، مضيفًا: “اتجهنا إلى التحكم في تكلفة الإنتاج وتقليلها، لأنها سبيل وحيد للسيطرة على الأسعار”، إلى ذلك قال الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية باتريك بويانيه إن “ديناميات سوق الغاز تبدلت بين الأمس واليوم، وأسهمت في حدوث تطور إيجابي في هذا القطاع، كما زادت من ربط الدول بعضها بعضًا”. إلا أن باتريك تخوّف من تحديات كبرى تتعلق بخطوط الإمداد، وخاصة “في منطقة شرق المتوسط، حيث تظهر بوادر توتر بين عدد من الدول في هذا الموقع الممتد، وباتت تتجاذبه صراعات ظاهرها له علاقة باستكشاف الغاز، وباطنها سياسي”.
شخصية العام
على صعيد آخر، أعلن الأمير تميم بن حمد اختيار رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد شخصية العام، مشيرًا إلى أنه يعد “مثالًا يحتذى به في الحكم الرشيد”، مشيرًا إلى أن مهاتير “أحدث نقلة نوعية في بلاده من خلال جعله للتعليم والصحة حقًا من الحقوق ودوره في مكافحة الفساد ووقوفه أمام القضايا العادلة”، يذكر أنه تم إنشاء منتدى الدوحة في العام 2000، وهو منصة للحوار العالمي حول التحديات التي تواجه عالمنا. يشجع منتدى الدوحة على تبادل الأفكار وصياغة السياسات والتوصيات القابلة للتطبيق.
وبحسب تعريفه لنفسه يذكر المنتدى على موقعه على الإنترنت أنه “يجمع صانعي السياسات، ورؤساء الحكومات والدول، وممثلي القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، إيمانا بأن التنوع في الفكر يعزز كيفية التعامل مع التحديات المشتركة”.