ترجمة وتحرير نون بوست
متبنيا شعار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قاد زعيم المحافظين بوريس جونسون حزبه نحو فوز مدوٍ في انتخابات 2019. ولكن ذلك عزّز “قوى الطرد المركزي” في كل من أسكتلندا وأيرلندا الشمالية. وقد صرح ممثلو الحزب الوطني الأسكتلندي بالفعل عن وجود خطط لإثارة قضية استقلال المنطقة من جديد. وفي هذه الأثناء، وعد جونسون في أول خطاب له بعد النصر بالعمل على توحيد جميع المواطنين.
بوريس الفائز
في السباقات الملكية، عادة ما تشارك العديد من الخيول ليكون الفوز من نصيب واحد فقط، الذي يكون القادر على الوصول إلى خط النهاية قبل الجميع. من الممكن تشبيه الانتخابات في بريطانيا بسباق الخيول الذي يحصل فيه الفائز على كل شيء. تقسم المملكة المتحدة إلى 650 دائرة انتخابية، ويصوت البريطانيون خلال الانتخابات البرلمانية لاختيار نائب عن منطقتهم حيث يجب أن يصل عدد الأصوات في الدائرة الواحدة إلى 70 ألف شخص، حتى يفوز النائب بمقعد عن تلك الدائرة. ويفوز النائب إذا حصل على أصوات أكثر من منافسيه، لذلك لا تؤخذ أصوات الخاسر بعين الاعتبار على الإطلاق. وفي بعض الدوائر الانتخابية، يبلغ الفرق في النتائج بين المرشحين أحيانا عدة مئات أو حتى عشرات الأصوات.
لقد سمح هذا النظام الانتخابي لبوريس جونسون بالحصول على أغلبية مريحة، بواقع 365 مقعدا لحزبه من أصل 650 مقعدا في مجلس العموم البريطاني. أما حزب العمال، فلم يحصل سوى على 203 مقاعد، بينما نال الديمقراطيون الليبراليون 11 مقعدا، وممثلو الحزب القومي الأسكتلندي 48 مقعدا.
كان منافس بوريس جونسون الرئيسي، زعيم حزب العمال جيريمي كوربين أكثر تحفظا، ووعد زملاءه بتحليل النتائج والمواقف السياسية التي سيتخذها الحزب في المستقبل
في أول خطاب له بعد الانتصار، وعد جونسون بالتوحيد والمصالحة، وبأنه سيكون رئيس وزراء جميع البريطانيين. وعلى ما يبدو نالت هذه الحكومة المحافظة إعجاب المواطنين البريطانيين، لنجاحها في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن، سيكون أمام جونسون تحدٍ آخر متعلق بتوحيد البلاد ودفعها نحو الأمام.
في هذا السياق، حاور رئيس الوزراء البريطاني ناخبيه قائلا “ربما كنت مترددا عند اختيار حزب المحافظين، وقد تفكر في الانتخابات المقبلة في العودة إلى حزب العمال. عموما، إذا كان الأمر كذلك، فأنا ممتن لثقتك بي.. ثق بنا. سوف أعمل ليلا نهارا لإقناعكم بأنكم اتخذتم القرار السليم”. وبعد لقاء الملكة، ألقى بوريس جونسون خطابا آخر وعد فيه بتحقيق شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي للاستثمار في الرعاية الصحية. كما أشار إلى عزمه على العمل على توحيد البلاد.
في المقابل، كان منافس بوريس جونسون الرئيسي، زعيم حزب العمال جيريمي كوربين أكثر تحفظا، ووعد زملاءه بتحليل النتائج والمواقف السياسية التي سيتخذها الحزب في المستقبل. كما أكد: “سأقود الحزب خلال هذه الفترة للتأكد من أن النقاش مستمر، ونحن نتحرك نحو المستقبل”، مشيرا إلى أنه لن يقوم بقيادة حزب العمال إلى الانتخابات المقبلة. هناك عدة أسباب تفسر عدم تمكن حزب العمال من النجاح، من بينها أن خطط حزب العمال لم تركز مثل خطة جونسون على مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
في الحقيقة، لم يتحدث كوربين عن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وإنما وعد بمواصلة المفاوضات وإجراء استفتاء ثان، حيث سيطلب من الناخبين التصويت إما لصالح إلغاء خروج بريطانيا من الاتحاد أو تأييد الخروج. ومن جهتهم، اعترف ممثلو حزب العمال بأنهم تلقوا العديد من الأسئلة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكنهم أجبروا على إعطاء إجابات مطولة.
لا تتعلق المشكلة بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما بشخصية جيريمي كوربين نفسه الذي تعرض لانتقادات بسبب وجهات نظره اليسارية المتطرفة
من الممكن القول إن مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تعتبر عاملا مهما ومؤثرا على نتائج الانتخابات البريطانية في مناطق عديدة. وفي وقت سابق، قام البريطانيون بالتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي استنادا على اعتبارات اقتصادية. وعلى الرغم من أن المناطق الأكثر فقرا تفضل حزب العمال على المحافظين، إلا أن مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غيرت خيارات الناخبين.
في سنة 2019، صوتت المناطق التي عادة ما تكون داعمة لحزب العمال بنسبة كبيرة لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، نظرا لأن هذه المسألة أصبحت ذات أهمية اقتصادية بالنسبة لهم. فعلى سبيل المثال، إن مقاطعة بلايث فالي الواقعة شمال إنجلترا، التي كانت تعرف منذ عدة عقود بتصويتها لصالح حزب العمال، اختارت المحافظين هذه المرة.
لا تتعلق المشكلة بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما بشخصية جيريمي كوربين نفسه الذي تعرض لانتقادات بسبب وجهات نظره اليسارية المتطرفة. وعلى الرغم من أن الناخبين في الدوائر الانتخابية التي كان من المتوقع أن تؤيد حزب العمال قد كرهوا جونسون، إلا أنهم في الوقت نفسه كانوا يخشون من جيرمي كوربين. والمثير للاهتمام أن مصادر إعلامية حاولت البحث عن مؤيدين لكوربين في هذه المنطقة دون أي جدوى. وبناء على ذلك، كان أمام الناخبين خياران لا ثالث لهما إما التصويت لحزب العمال أو مغادرة بلادهم الاتحاد الأوروبي.
مستقبل الأمة
طوال يوم الجمعة، تلقى بوريس جونسون التهاني. فقد تمنى له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في برقية النجاح مرفوقة بالعبارات التالية: “أنا متأكد من إمكانية تطوير الحوار والبناء والتعاون على مستويات مختلفة، لتلبية مصالح شعوب بلداننا والقارة الأوروبية بأسرها”.
كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن سروره بفوز جونسون. وفي تعليقات بعض السياسيين الأوروبيين بدا أنهم يستبعدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الأقل في المستقبل القريب. ومن جهته، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي: “سيكون لدينا عملية مفاوضات صعبة حول القضايا التجارية، لكننا نعتقد أن كل الأعمال التحضيرية ستساعدنا في التوصل إلى اتفاق في الوقت المحدد”.
نظرا للأداء الناجح للحزب القومي الأسكتلندي، أثيرت مسألة استقلال هذه المنطقة من جديد. وقد صرح زعماء الحزب قبل الانتخابات علنا بأن التصويت بالنسبة لهم، هو تصويت على استفتاء جديد
يتمثل التحدي التالي للحوار بين لندن وبروكسل في المفاوضات حول اتفاقية التجارة المستقبلية. يوم الجمعة، اجتمع الزعماء الأوروبيون في بروكسل دون رئيس وزراء بريطاني، لبدء المرحلة الثانية من المفاوضات فور المصادقة على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي في البرلمان البريطاني، أي بعد 25 كانون الأول/ ديسمبر. وسيواصل رئيس وفد الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه المحادثات مع بريطانيا للاتفاق حول التفاصيل. أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فصرح قائلا: “لا تزال أبواب الاتحاد الأوروبي مفتوحة أمام المملكة المتحدة”.
لكن، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن بريطانيا قريبا ستصبح ضيفا لا مضيفا في الاتحاد. في خضم ذلك، سيتعين على بوريس جونسون حل العديد من القضايا الخطيرة والهامة في الأشهر المقبلة، سواء تلك المرتبطة بعلاقات البلاد مع الاتحاد الأوروبي أو العالقة على الصعيد الداخلي.
نظرا للأداء الناجح للحزب القومي الأسكتلندي، أثيرت مسألة استقلال هذه المنطقة من جديد. وقد صرح زعماء الحزب قبل الانتخابات علنا بأن التصويت بالنسبة لهم، هو تصويت على استفتاء جديد. وفي سنة 2014، عارض 55.8 بالمائة من الأسكتلنديين الاستقلال، ولكن بعد عامين أيد 52 من البريطانيين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما صوت 62 بالمائة من الأسكتلنديين على إبقاء البلاد ضمن الاتحاد الأوروبي.
من بين ممثلي أيرلندا الشمالية في البرلمان الجديد ظل أنصار الحفاظ على الوحدة مع بريطانيا أقلية. وعلى خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي لم تؤيده أيرلندا الشمالية
في أسكتلندا، فاز مؤيدو رفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في جميع الدوائر الانتخابية. كما وعد الحزب القومي الأسكتلندي بالمطالبة بمنح أسكتلندا الحق في اتخاذ القرار بشكل مستقل. وفي هذا الصدد، قال رئيس الكتلة الأسكتلندية في البرلمان إيان بلاكفورد: “لا يمكننا التزام الصمت وقبول ما يحصل، نحن ننفصل عن الاتحاد الأوروبي ضد إرادتنا”. وأضاف قائلا “عدة جهات من المملكة المتحدة تتحرك في اتجاهات مختلفة”، واصفا ما يحدث بالأزمة الدستورية.
مع ذلك، نصح رئيس حزب المحافظين زملاءه بعدم التسرع والاهتمام بشكل خاص وفي المقام الأول بمشاكل الرعاية الصحية والتعليم. كما أوضح أن غالبية الأصوات في أسكتلندا تؤيد الأحزاب المؤيدة لبريطانيا، ويجب إجراء استفتاء الاستقلال مرة واحدة فقط لكل جيل.
من بين ممثلي أيرلندا الشمالية في البرلمان الجديد ظل أنصار الحفاظ على الوحدة مع بريطانيا أقلية. وعلى خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي لم تؤيده أيرلندا الشمالية، قد يتم إثارة مسألة وطنية متعلقة بإمكانية ادماج أيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا. وحسب استطلاع للرأي أجري في أيلول/ سبتمبر، فضل 46 بالمائة من سكان أيرلندا الشمالية مغادرة المملكة المتحدة دون الاندماج مع أيرلندا. ولكن، 45 بالمائة من سكان أيرلندا الشمالية لم يؤيدوا هذه الخطة.
المصدر: كوميرسانت