منتصف نوفمبر المنصرم، كشف وزير المالية الجزائري، محمد لوكال، عن توقعاته بخصوص مستقبل احتياطي الصرف الجزائري، متوقعًا انهيار ما بداخل الصندوق إلى 51 مليار دولار نهاية 2020، مشددًا على ضرورة إيجاد حُلول مستعجلة وتبني إصلاحات سريعة وجدية، لأن الوضع الاقتصادي بالبلاد صعب.
هل سينفذ احتياطي الجزائر قريبًا؟
توقعات لوكال بانهيار احتياطي الصرف ليست جديدة، فقد سبق وأن توقع وزير المالية السابق، عبد الرحمن راوية، في 11 أكتوبر / تشرين الأول 2018، خلال عرضه لمشروع قانون الموازنة 2019 بالمجلس الشعبي الوطني (الغُرفة الأولى للبرلمان الجزائري)، تقلص احتياطي الصرف في الجزائر إلى 62 مليار دولار سنة 2019، وهو ما يكفي لتغطية فاتورة الاستيراد لمدة 13 شهرًا، بينما سيتهاوى في 2020 إلى 47.8 مليار دولار ليغطي 10 أشهر ليواصل احتياطي الصرف تراجعه إلى حدود 33.8 مليار دولار سنة 2021 وهو ما يغطي 8 أشهر من الاستيراد.
التهاوي السريع في احتياطات البلاد من العُملة الصعبة يأتي بسبب التآكل السريع في الموارد، والتفاقم الكبير في العجز، إذ أن مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد لعام 2020، الذي صادق عليه رئيس الدولة الجزائرية المؤقت عبد القادر بن صالح مُنذُ أسبوع تقريبًا، يتوقع عجزًا في الموازنة بنسبة 7،2 % من الناتج المحلي الخام والمقدر بحوالي 13 مليار دولار، وعجزا في الخزينة العمومية بنسبة 11،4 % من الناتج المحلي، الذي يُقدر بـ 20 مليار دولار.
وتشير هذه الأرقام إلى أن البلاد تواجه وضعًا صعبًا على مستوى الاحتياطات النقدية، وهو الوضع الذي يقدونا إلى التساؤل عن أبرز الآليات المطروحة حاليًا للحفاظ على ما تبقى من هذه الاحتياطات.
حلول؟
ويقول الخبير الاقتصادي الجزائري، سليمان ناصر، لـ”نون بوست”: إن هناك حلين للحفاظ على ما تبقى من احتياطي الصرف الجزائري، ويقترح المتحدث في هذا السياق، مُحاربة تضخيم فواتير الاستيراد وهو ما تحدث عنه الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، حيث كشف في أول مؤتمر صحفي عقده مباشرة بعد الإعلان عن نتائج رئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول، سعيه للتحكم في الاستيراد ومحاربة تضخيم الفواتير والقضاء عليها باعتبار أنها تنخر اقتصاد البلاد.
ويؤكد سليمان ناصر أن تضخيم الفواتير تعتبر أهم مورد تتغذى منه السوق الموازية، ويشير إلى أن خسائر الجزائر من هذه الظاهرة تبلغ سنويًا 18 مليار دولار، بينما بلغت فاتورة الاستيراد 45 مليار دولار وهو ما كشفه بختي بلعايب وزير التجارة السابق بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
وقال بلعايب، خلال استضافته بالقناة الإذاعية الحكومية الثالثة، إن الجزائر تتحمل تكلفة إضافية تصل إلى 30 % من المبلغ الإجمالي من واردات الجزائر بسبب الفواتير المضخمة التي تقوم من خلالها شركات التجارة بتهريب العملة بشكل غير قانوني، ما أثقل كاهل الحكومة آنذاك.
وكشف الوزير الجزائري أن تهريب العملة في الجزائر يكون عبر الفواتير المضخمة التي تتحايل من خلالها شركات الاستيراد الجزائرية، والتي خلقت لنفسها شركات وهمية في الخارج هم البائعين والمشترين في وقت واحد لتسهيل تحويل الأموال إلى الخارج.
وقال إن هذه العمليات غير القانونية كلّفت الجزائر حوالي 30 ٪ من فاتورة الاستيراد والتي بلغت 60 مليار دولار عام 2014. وأشار الوزير في ذات السياق إلى أن الفواتير هي الطريق الرئيسي لتهريب العملات الأجنبية، والتي تتيح للمستوردين إنشاء شركات وهمية في الخارج لزيادة المنتجات والدفع مقابله، ومن تم تحويل العملة إلى حساباتهم الخاصة.
ويكمن الحل الثاني في الاعتماد على تحويلات المهاجرين مثلما هو معمول به في كل من تونس والمغرب، ويُوضح سليمان ناصر هذه الفكرة قائلاً: إنه بدلًا من أن يلجأ المهاجرون الجزائريون إلى السوق السوداء لتحويل أموالهم، يتم استحداث مكاتب الصرف حتى تُصب تلك العملة مباشرة في البنوك.
ويرى الخبير الاقتصادي أن تحويلات المهاجرين هي أموال ضائعة، ويشير إلى أن المغرب تحقق قرابة 5 مليار دولار من هذه الأموال بينما تحقق تونس حوالي مليارين سنويًا أما مصر فهي تحقق من 12 إلى 14 مليار دولار، وفي الجزائر كل التحويلات تصب في السوق الموازية ولو تم القضاء عليها واستحداث مكاتب الصرف فستحقق الجزائر مداخيل قدرها مليار دولار وقد تصل إلى 8 مليارات دولار وهي قيمة فاتورة الغذاء.
ضرورة محاربة تضخيم الفواتير
ومن جهته يعتقد الخبير الاقتصادي كمال رزيق، أنه إذا أبقت الحكومة الجزائرية على نفس التسيير سينضب ما تبقى من احتياط الجزائر من العملة في ظرف سنة أو سنة ونصف، لعدة أسباب أبرزها “فاتورة الاستيراد” التي تكلف الجزائر مبالغ مالية طائلة.
ويقول رزيق، في تصريح لـ”نون بوست”، إنه “لا بد أولا محاربة تضخيم الفواتير إضافة إلى إعادة النظر في طريقة الاستيراد لأننا نلمس اليوم تبذير في بعض المنتوجات التي تستورد”، ويقترح المتحدث العودة إلى العمل بنظام الكوطة وهو الإجراء الذي فرضه الرئيس الحالي عبد المجيد تبون عندما تم تعيينه كوزير للتجارة بالنيابة بعد وفاة بختي بلعايب.
تبون تعهد خلال حملته الانتخابية برفع احتیاطي الصرف الجزائري من العملة الصعبة
وبدأ حينها عبد المجيد تبون بفرض نظام الكوطة أولًا على المواد التي تشكل أعلى نسبة من الواردات تمثلت في السيارات والإسمنت والحديد المخصص للبناء، ثم توجه إلى سوق الفواكه، وأوقف استيراد الموز والحمضيات ثم التفاح ليعمم بعدها على مواد أخرى.
وكان الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، قد تعهد خلال حملته الانتخابية، أن بإمكانه الرفع من احتیاطي الصرف الجزائري من العملة الصعبة.
ولدى نزوله ضیفًا على الإذاعة الحكومية، أوضح تبون أنه “لو تتوقف عملیات السرقة والاختلاسات وتضخیم الفواتیر، بإمكاني رفع احتیاطي الصرف وأملك الآلیات اللازمة لتجسید ذلك”.