يرتبط تاريخ نشأة كرة القدم المصرية بالاستعمار الإنجليزي الذي وفد إليها في سنة 1882، فالمستعمر لم يحل بأم الدنيا بسلاحه وعتاده فقط، جلب معه أدوات الترفيه والتسلية المعتادة ومنها كرة التنس والجولف لكبار القادة وأصحاب الرتب العليا وكرة القدم لباقي العساكر والعمال.
وفي ساحات المعسكرات والثكنات التي أقاموها في القاهرة وفي محيطها وفي الإسكندرية أيضًا، لعب الإنجليز رياضتهم المفضلة والتي نقلوها إلى العالم، وبدأ الأهالي في مشاهدة اللعبة الجديدة، إلى أن استهوتهم وأعجبتهم وأغرتهم بمحاولة التقليد، وفي مرحلة ثانية بدأ أصحاب الأرض يبتعدون بلعبتهم الوافدة عن معسكرات الإنجليز وثكناتهم ويذهبون بها إلى أحيائهم وشوارعهم وحواريهم، فكانت فرق الأحياء والشوارع هي أولى الفرق الكروية في مصر.
من التلهية إلى الوعي
وفي ذات السياق، يؤكد مهتمون بتاريخ كرة القدم في مصر أنّ اللعبة الجديدة لاقت رفضًا من بعض الأهالي والمثقفين ممن رأوا فيها أداةً بيد المستعمر لتلهية المجتمع وإفساد بيئته المحافظة، فيما ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك ووصفوا قرار وزير المعارف في مصر سنة 1892 محمد زكى باشا، بإدخال الرياضة ومعها كرة القدم في مناهج المدارس، بأنه يأتي في سياق ضرب منهج التعليم وإعاقة خلق الوعي والمعرفة لدى طلبة مصر، واعتبروا القرار خطة من اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر، يهدف من وراءه إلى منع صناعة نخب محلية ترفع لواء التحرر.
ذات الأمر، دفع بأمير الشعراء أحمد شوقي لأن يهجو كرومر بقصيدة شهيرة قال فيها: “أيامكم أم عهد إسماعيلا أم أنت فرعون يسوس النيلا؟ قالوا جلبت لنا الرفاهة والغنى جحدوا الإله وصنعه والنيلا هل من نداك على المدارس أنها تذر العلوم وتأخذ الفوتبولا؟”.
في مقابل ذلك، ورغم الجدل الذي رافق إلحاق الرياضة بالتعليم، إلاّ أنّ القرار يعد إحدى نقاط التحوّل الأساسية في مشوار اللعبة وتطورها في البلاد، حيث شكّلت الخطوة انفجارًا كرويًا حقيقيًا، وأقنعت الطلبة بلعبة كرة القدم وأعطتهم الفرصة والحق في ممارستها تحت أنظار أهاليهم، وفتحت لهم الأبواب للتنظم في نوادي وإقامة المباريات وسط حضور جماهيري.
أول مباراة.. التيم المصري
اقترنت البداية الأولى لكرة القدم في مصر بالحواري والـ(خرابات) حيث تُمارس اللعبة بين الأحياء بأسلوب بدائي كثيرًا ما تغلب عليه حالة من البلطجة الكروية وتنتهي بمعارك عنيفة وإصابات بالغة، ومع بزوغ الأندية المدرسية بدأت فرق الأحياء في الاندثار أو إعادة التشكل لتخلق نواد أكثر انضباطًا إلى أن جاءت سنة 1895 تاريخ أول مباراة حقيقية.
وتكمن أهمية هذه المباراة في توقيتها الدقيق، حيث ألغى الإنجليز الدستور المصري وسرح جيشها وهدم قدرتها على المقاومة، فيما غيّب الموت بعضًا من ثوارها وفرسانها واستسلم الأعيان والمثقفون والحكومة والخديوى إلى الإنجليز خوفًا من بطشهم وطلبًا لرضائهم، وفي تلك السنة أُقيمت المحكمة الخاصة لمحاكة المصريين بعد حادثة أهالي الإسكندرية والبحارة الإنجليز، وثار أهالي السيدة الزينب تُجاه المستعمر في هذا الجو المشحون، سطّر “محمد أفندي ناشد” أولى فصول الكرة و”الثورة” في كتاب التاريخ، فالشاب المولع بالرياضة لم يخلد اسمه بأهدافه ومهاراته بل بتأسيسه لفريق محلي (التيم المصري) هزم الإنجليز (الأورانس) بهدفين لصفر.
وللتاريخ، فإنّ المباراة لم تكن بمنطق الثأر من المستعمر بقدر ما كانت تشكل لدى محمد أفندي فرصة لتجميع الأهالي حول ناد محلي ينوب كل المصريين، لكن صافرة نهاية المباراة أذنت بميلاد وعي جديد على أكثر من صعيد، فالصحف التي كانت تحجب أخبار كرة القدم تغنت بالإنجاز، فيما احتفت المدارس والمقاهي والحواري بالنصر، واكتشف المصريون حينها أنّ هزيمة الإنجليز ممكنة.
كغيرها من البلدان العربية، عرف المصريون الأندية من خلال الاستعمار في القاهرة والإسكندرية وفي محافظات أخرى في القناة، وبرزت فكرة إنشاء الفرق في السنوات الأولى للقرن الـ20، فظهر نادي الجزيرة في العاصمة المصرية سنة 1882، وسبورتينج في الإسكندرية 1889.
نادي السكة
يعد نادي السكة أقدم الفرق في مصر والشرق الأوسط تم تأسيسه عام 1903، وسبق وفاز ببطولة دوري منطقة القاهرة عامي 1924 و1926. تم إنشاؤه عن طريق مجموعة المهندسين الأجانب الذين كانوا يعملون في ورشات سكة الحديد الموجودة بالسبتية، وأقيم بحي شبرا بالقاهرة، وتألق النادي في رياضتي كرة القدم والملاكمة، وتخرج منه نجوم كبار مثلوا مصر، مثل الكابتن أحمد منصور نجم دفاع المنتخب المصري في بدايات القرن الماضي ونجوم الستينيات الكباتن كمال عثمان وكرم وأبوسريع.
الأوليمبي
ويعتبر “الأوليمبي” أول ملعب كان في منطقة جزيرة بدران في شبرا وكانت منطقة بها معسكرات للإنجليز، وقبلها كانت ملاعب غير مجهزة أو ممهدة للعب الكرة، إلى أن جاءت شخصية مهمة في تاريخ الكرة المصرية وهو (علي مخلص الباجوري) حيث قرّر هذا الشاب عام 1905، تأسيس أول ناد مصري لكرة القدم.
في غرفة بسيطة في محرم بك، نجح الباجوري في تأسيس ناديه الجديد باسم النجمة الحمراء، الذي أصبح النادي الأولمبي فيما بعد وهو أول فريق من خارج القاهرة يفوز بالدوري المصري الممتاز وأول نادي مصري يلعب في بطولة دوري أبطال إفريقيا.
الأهلي المصري
تم تأسيسه عام 1907 وصاحب فكرة تأسيس النادي هو عمر لطفي بك، ويأتي سبب تسمية النادي الأهلي بهذا الاسم لتجميع الطلبة وجعلهم يدًا واحدة ضد الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت، وفي الأساس تم إنشاء النادي الأهلي لهذا السبب، والذي اقترح اسم النادي الأهلي هو أمين سامي باشا، فاسم “الأهلي” فيه تعبير واضح عن كونه شعبيًا ويمثل أهل ذلك البلد أو أنه يحمل الهوية الوطنية.
ناصر والأهلي
أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قبوله الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي في 17 يناير سنة 1956 تقديرًا للدور الوطني الذي لعبه الأهلي في مساندة الثورة وتدريب الفدائيين، وقام جمال عبد الناصر في شهر أكتوبر 1960 بزيارة مقر النادي وصحب معه ملك أفغانستان لمشاهدة مباراة دولية في الهوكي أقيمت على ملعب الأهلي وكان وقتها الاقتصادي الكبير أحمد عبود باشا رئيسًا للأهلي.
وكانت احتفالات أسبوع الشباب المصري تُقام أيضًا على ملعب نادي الأهلي.
الزمالك
تأسس نادي الزمالك مع بداية العقد الثاني من القرن الـ20، وتحديدًا في 5 يناير عام 1911 حيث تم إنشاؤه كنادٍ (رياضي وثقافي واجتماعي)، باسم نادي قصر النيل وذلك لكون مقر النادي كان يشغل مكان “كازينو النهر” الحالي بالجزيرة، تولى البلجيكي من أصل يهودي جورج مرزباخ رئيس المحاكم المختلطة في مصر آنذاك رئاسة النادي، ليتغير اسمه في 1913 إلى المختلط، ومنه إلى نادي فاروق في عام 1941 عندما حضر الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان مباراة نهائي كأس مصر التاريخية بين الزمالك والأهلي وفاز الأول على الثاني الذي تم إيقاف نشاطه بسبب سفره إلى فلسطين، بنتيجة 6-0.
وبعد ثورة يوليو 1952 تغير الاسم مرة ثالثة إلى اسمه النهائي، وهو نادي الزمالك.
صراع الأهلي والزمالك
امتد صراع الهوية بين جماهير الأهلي والزمالك ليصل إلى معايرة أحدهما الآخر بتاريخ مؤسسي الناديين، فالأهلي أسسه عمر لطفي بك عام 1907، وأخد اسم الأهلي لأنه نشأ لخدمة طلبة وخريجي المدارس العليا الذين كانوا الدعامة الأساسية للثورة ضد الاحتلال الإنجليزي.
في عام 1943 تلقى الأهلي دعوة من بعض الأندية الفلسطينية لتعزيز موقفها في مواجهة الأندية الصهيونية. وقتذاك رفض اتحاد الكرة سفر بعثة الأهلي إلى فلسطين بضغط من السلطات البريطانية، إلا أن “مختار التتش” لاعب مصر وأسطورة الأهلي، جمع فريق الأهلي وسافر بصورة غير رسمية بمساعدة فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية الذي استخرج للاعبين تصريحًا بالسفر للعب في فلسطين ضاربًا بقرار الملك فاروق واتحاد الكرة عرض الحائط، مما ترتب عليه شطب الأهلي وحرمانه من المشاركة في النشاط المحلي لـ8 أشهر.
وسافر الأهلي تحت مسمى “شباب القاهرة ” وتم استقبالهم في فلسطين استقبال الأبطال، من قبل أمين الحسيني المفتي العام للقدس، ولعب النادي 5 مباريات في رحلة استمرت 23 يوم رغم أنه كان من المفترض أن يلعب مباراتين فقط.
إلى ذلك، رغم أنّ الناقد الرياضي بالأهرام العربي علاء عزت أكّد أن البلجيكي جورج مزرباخ الذي شغل منصب رئيس لإحدى المحاكم المختلطة في مصر قبل تأسيسه لنادي الزمالك، كان واحدًا من أبناء الجاليات اليهودية الكبيرة في مصر وكان اليهود وقتذاك شركاء في جميع المؤسسات الكبرى في مصر، لم تربطه أي صلة بالكيان الصهيوني، إلاّ أنّ الجيل الجديد من جماهير الكرة المصرية يصر على التنصل من تاريخ مؤسسيه.