أسدلت محكمة مكافحة الإرهاب في باكستان اليوم الثلاثاء، الستار على محاكمة الرئيس الأسبق برويز مشرف بعد أن أدانته بالخيانة العظمى وتقويض الدستور وحكمت عليه بالإعدام، وهي محاكمة بدأت منذ 5 سنوات دافع فيها مشرف -الذي أجبر على الاستقالة سنة 2008 تحت ضغط الشارع- بشراسة، إلى أن استحكمت منه أخيرًا في سابقة هي الأولى في تاريخ هذا البلد الآسيوي.
برويز الذي وصل إلى السلطة عام 1999 عن طريق انقلاب عسكري، مدان بأربع قضايا هي الانقلاب وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ وعزل رئيس القضاء افتخار تشودري، على أن لتاريخ الرجل في الحكم سجل حافل من القضايا المثيرة للجدل، سنلقي في هذا التقرير الضوء على ابرزها.
الخيانة العظمى
محاكمة برويز مشرف بتهمة الخيانة العظمى بدأت سنة 2014، حيث وجهت له حينها اتهامات الخيانة العظمى لتعطيله الدستور وفرضه حالة الطوارئ وإقالة قضاة حين كان في السلطة عام 2007 في إطار مساعيه لتمديد فترة رئاسته، في ظل معارضة متنامية.
وشكل رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، المنافس الأكبر لبرويز مشرف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 محكمة الخاصة لمحاكمة الرئيس السابق بتهمة “الخيانة العظمى” وهي سابقة في تاريخ باكستان، الدولة التي حكمها عسكريون على مدى عقود منذ استقلالها في 1947.
وتنص المادة السادسة من الدستور الباكستاني على اتهامات بـ”الخيانة العظمى” بحق أي شخص يعلق العمل بالدستور بالقوة أو “يساعد” شخصا ما على القيام بذلك، وكان مشرف أعلن حالة الطوارئ في نوفمبر 2007 قبل فترة وجيزة من حكم كان مرتقبًا من المحكمة العليا حول شرعية إعادة انتخابه رئيسًا قبل ذلك بشهر فيما كان أيضًا قائدًا للجيش.
قتلت بوتو، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2007، أمام الآلاف من مناصريها خلال تجمع انتخابي كبير في روالبيندي
لم يكتف مشرف حينها بإعلان حالة الطوارئ وتعليق العمل بالدستور فقط، بل عمد إلى اعتقال وعزل كبار قضاة البلاد بينهم رئيس السلطة القضائية الذي طعن بقراره. ويصف برويز مشرف هذه المحاكمة بأنها “انتقام سياسي” وأنه ضحية مؤامرة دبرها قضاة كان قد أقالهم سنة 2007، إلى جانب رئيس الوزراء نواز شريف الذي أطاح به سنة 1999 في انقلاب عسكري.
وكان مشرف قد استقال من رئاسة باكستان في 18 أغسطس/آب 2008 بعد حوالي تسع سنوات من الحكم، بعد أن ساءت علاقته بالائتلاف الحاكم الذي طالب بعزله ومساءلته، فضلًا عن اتهامه من قبل المعارضة الباكستانية لتوريط الجيش في عدة معارك داخلية.
بعد استقالته، غادر مشرف باكستان متنقلًا بين العديد من الدول، إلا أنه عاد في مارس/آذار 2013، للمشاركة في الانتخابات البرلمانية مع حزبه. بعد شهر فقط من عودته، قامت قوات الأمن باعتقاله ووضعه قيد الإقامة الجبرية لتبدأ سلسلة المحاكمات في حقّه.
اغتيال منافسته السابقة بينازير بوتو
إلى جانب الخيانة العظمى يتهم برويز مشرف باغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينازير بوتو (أول امرأة تتولى الحكم في دولة مسلمة)، وكان المدعي العام الباكستاني قد وجّه له في أغسطس/أب 2008 تهم “القتل والتواطؤ الإجرامي للقتل وتسهيل عملية الاغتيال”.
وكانت زعيمة حزب الشعب الباكستاني التي انتخبت مرتين رئيسة وزراء في باكستان، البلد المسلم الذي يصل عدد سكانه حاليًا إلى 180 مليون نسمة، بينازير بوتو، قد اغتيلت خلال تجمع سياسي عام 2007 إلا أن حكومة مشرف اتهمت وقتها زعيم “حركة طالبان” الباكستانية بيعة الله محسود بقتلها الأمر الذي نفاه محسود تمامًا. وقد قتل محسود لاحقًا بضربة من طائرة اميركية بدون طيار.
زعيمة حزب الشعب الباكستاني بينازير بوتو
قتلت بوتو، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2007، أمام الآلاف من مناصريها خلال تجمع انتخابي كبير في روالبيندي، قبل ذلك استهدف موكبها تفجيرين انتحاريين في كراتشي إلا أنها لم تصب بسوء فيما قتل العشرات. وإثر اغتيالها أرجئت الانتخابات إلى شباط/فبراير 2008 وفاز فيها حزبها وتولى خلافتها أرملها آصف علي زرداري.
سنة 2010، أرسلت الأمم المتحدة لجنة تحقيق أصدرت تقريرًا من سبعين صفحة، نزولًا عند طلب حزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه عائلة بوتو، ورأت الأمم المتحدة أن برويز مشرف لم يوفر لبوتو الحماية الضرورية التي كانت حالت دون اغتيالها، رغم أنها كانت مهددة.
واعتبرت الأمم المتحدة أن الشرطة أخلت بواجباتها حين غسلت ساحة الجريمة بالماء بعد أقل من ساعتين على الاغتيال، وبعدم القيام بتشريح جثة بوتو. وأشارت الأمم المتحدة إلى ما يتخطى مجرد قلة الكفاءة، إذ رجحت أن تكون الهيئات العسكرية الباكستانية طمست التحقيق.
قتل نواب أكبر بكتي
فضلًا عن ذلك يلاحق القضاء الباكستاني مشرف للاشتباه بضلوعه في قتل القائد البلوشي نواب أكبر بكتي الذي قتل في عملية عسكرية بإقليم بلوشستان في عام 2006، وأدى مقتل الزعيم البلوشي حينها إلى انتشار موجة العنف في كافة أنحاء الإقليم، وتوحيد القبائل البلوشية في محاربة الحكومة المركزية ورفع شعار الانفصال عن باكستان.
وعلى إثر قتل نواب أكبر بكتي على يد قوات من الجيش في أغسطس/أب 2006، ساءت الأوضاع في ولايتي بلوشستان والسند (جنوب غرب باكستان) وأدت الاضطرابات إلى وقوع عديد القتلى والجرحى فضلًا عن خسائر كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة.
تعتبر تصفية بكتي الذي كان ذات يوم وزيرًا للداخلية وحاكمًا لبلوشستان ثاني حادثة من نوعها في تاريخ باكستان السياسي بعد إعدام رئيس الوزراء الأسبق بوتو
وكان نواب أكبر بكتي زعيم قبائل البلوش التي يتجاوز عدد رجالها 200 ألف شخص ورئيس حزب جمهوري وطن قد اضطر إلى الاحتماء في كهف بمقاطعة كوهلو باقليم بلوشستان وقام الجيش الباكستاني بعد التحقق من وجوده هناك بشن عملية عسكرية قتل فيها بكتي بعد أن انهارت عليه أجزاء من الكهف مما استغرق انتشال جثته خمسة أيام·
وتعتبر تصفية بكتي الذي كان ذات يوم وزيرًا للداخلية وحاكمًا لبلوشستان ثاني حادثة من نوعها في تاريخ باكستان السياسي بعد إعدام رئيس الوزراء الأسبق بوتو، وعقب عملية قتله هنأ “مشرف” قادة الجيش على ما قاموا به وهو ما لقي استهجانًا كبيرًا.
ويطالب سكان ولاية بلوشستان -وهم الأشد فقرًا من بين ولايات باكستان الأربع- الحكومة المركزية في إسلام آباد بتوزيع عادل لثروات البلاد خاصة الغاز الطبيعي الذي تمتلكه الولاية ولا يستفيدون منه هم كما يقولون.
اقتحام المسجد الأحمر
إلى جانب هذه القضايا الثلاثة، يحاكم مشرف في قضية رابعة تتعلّق بالهجوم الدموي الذي شنه الجيش على إسلاميين متحصنين في المسجد الأحمر في إسلام آباد في شهر تموز/يوليو 2007، وراح ضحية الهجوم العشرات من المصلين غالبيتهم من النساء.
أثر اقتحام المسجد الأحمر على شعبية مشرف
في عملية اقتحام المسجد الأحمر أو “لال مسجد”، قتل نائب الإمام وشقيقه عبد الرشيد غازي، وبني هذا المسجد عام 1969 وكان يعد أكبر مسجد في إسلام آباد إلى ما قبل تشييد مسجد فيصل، ودخل المسجد في مواجهة مع الحكومة بعد انضمام باكستان إلى ما يسمى الحرب الأميركية على الإرهاب أواخر 2001 التي بدأت بإسقاط نظام حركة طالبان في أفغانستان المجاورة وكانت المدارس الدينية منطلقا لها.