ترجمة وتحرير: نون بوست
في الواقع، يتطلب إنهاء أزمة الخليج أكثر من مجرد تنظيم مباراة لكرة قدم أو بعض الإيماءات الأخرى. ومع ذلك، ساهمت المشاركة الأخيرة للسعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج العربي الذي نظمته قطر، في بداية انفراج الأزمة وذوبان الجليد بين هذه الأطراف وقطر. وأكدت الدوحة أن هذه الدول أبدت استعدادها للمصالحة. ويكمن العائق الأساسي الذي يحول دون الخروج من هذه الأزمة في انقسام مواقف جيران قطر حول هذه المسألة.
تجدر الإشارة إلى أن كفاح الإمارات من أجل الهيمنة باعتبارها حليفا للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وغرور قادتها، لعبوا دورا محوريا في عرقلة التقدم في المصالحة. ومن جانبهم أكد المحللون الشكوك التي تعتري أبوظبي إزاء هذه القضية.
من جهته، نوّه خالد بن محمد العطية، نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، لمجموعة مصغّرة من الصحفيين خلال منتدى الدوحة في نهاية الأسبوع الماضي، أنه “توجد الآن فرصة لحل الأزمة مع السعوديين. وعلى الرغم من أنها تسير بخطى بطيئة، إلا أنها ثابتة. وسنرى ما إذا كان بإمكاننا إيجاد حل في كنف الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة بلادنا واستقلالها وسياستها الخارجية”.
قبل أيام قليلة من انعقاد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أعربت قطر عن أملها في أن تضع حدا للمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية التي سلّطتها عليها الدول الثلاث المجاورة لها إلى جانب مصر منذ شهر يونيو/ حزيران سنة 2017 مما أدّي إلى غلق الحدود البريّة بشكل كلّي مع قطر. وعلى الرغم من أن مشاركة رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني في القمة والاستقبال الحار الذي لاقاه من قبل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز يشيران إلى بوادر انفراج للأزمة، إلا أن غياب الأمير القطري أظهر أن المسألة لا تزال تتطلب مزيدا من الجهود.
في المقابل، أيّد محللون آخرون أن أبوظبي تعارض فكرة المصالحة مع قطر. ومن جانبه، أورد الباحث في قضايا الشرق الأوسط بجامعة رايس الأمريكية، كريستيان أولريخسن، أن “المفاوضات التي تجري داخل اللجنة الرباعية وخاصة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من المرجح أن تكون أصعب بكثير من المحادثات المباشرة بين المسؤولين السعوديين والقطريين”.
في الأثناء، يتجنب المسؤولون القطريون إصدار أي بيان علني حول هذه المسألة، على الرغم من أنهم يعترفون سرا بأن خلافاتهم الأساسية مع الإمارات. علاوة على ذلك، يصرّ القطريون على أنه ينبغي على السعودية أن تجد حلولا للمشاكل المعلقة بما في ذلك الأزمة مع قطر بسبب إيران، وطرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام ورئاستها لمجموعة العشرين. كما أكد القطريون أن بلادهم قبلت بإجراء اتصالات مع الرياض ليس لأنهم يحتاجون إليها، وإنما لأن كلا البلدين ينتميان إلى البيئة نفسها ويجب أن يتعاونا مع بعضهما البعض.
محللون: كلا الجانبين لا يريدان تقديم أي نوع من التنازل، وهو ما يجعل الإعلان السريع عن المصالحة أمرًا صعبًا
مع ذلك، اعترف القطريون بأنهم يريدون تسهيل رحلات الحج إلى مكة لفائدة القطريين وأن يتمكنوا من زيارة عائلاتهم نظرا لأن الكثيرين منهم مشتتين نتيجة الحصار. من جهة أخرى، أوردت الإمارات عن طريق أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن “التسريبات القطرية الأخيرة” حول مسألة حل للأزمة مع السعودية دون البلدان الأخرى تشير إلى “محاولة الدوحة تقسيم المجموعة والإفلات من التزاماتها”.
بعد مرور فترة وجيزة من القطيعة، قدمت اللجنة الرباعية لقطر قائمة تضم 13 شرطًا من أجل استعادة العلاقات معها. وعموما، شملت هذه الشروط قطع العلاقات القطرية مع إيران وطرد أفراد الإخوان المسلمين وإغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة. من جهتهم، أنكر المسؤولون القطريون قبولهم لأي شرط من هذه القائمة. وفي هذا الصدد، صرح أحد المصادر قائلا: “لا يعد حفظ ماء وجه أي شخص من اختصاص قطر، حيث هاجمتنا هذه الدول أولا”.
من ناحية أخرى، فسّر البعض أن حضور وفد أمريكي كبير في منتدى الدوحة، الذي ضم إيفانكا ترامب وستيفن منوشين وزير الخزانة في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدل على الدعم الأمريكي لقطر. عموما، لا شك أن هناك صراعا من أجل التفوق في المنطقة والطرف الذي سيحاور واشنطن. وأفادت إحدى المحللات أن “كلا الجانبين لا يريدان تقديم أي نوع من التنازل، وهو ما يجعل الإعلان السريع عن المصالحة أمرًا صعبًا”.
وفقًا لتفسيرها، “ستتخذ هذه الأطراف على الأرجح خطوات بسيطة مثل مشاركة السعودية والإمارات والبحرين في كأس الخليج إلى حين استعادة الخطوط الجوية”. والجدير بالذكر أن المسألة ستستغرق بعض الوقت حتى يتغلب القطريون على عدم ثقة جيرانهم، حتى عندما يتم حل أبرز جوانب هذه الأزمة.
الحصار حافز للتحسين
قالت، أرانتشا غونزاليس، المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية، إن “الحصار يعتبر بمثابة حافز للتغيير الثقافي”. وأضافت غونزاليس أن قطر التي لا تضم سوى 300 ألف مواطن من بين سكانها البالغ عددهم 2.7 مليون نسمة، لا تعاني من مشكلة في التوظيف. وعاشت قطر خلال الأزمة ملامح ما نسميه “بالاقتصاد البطيء”، حيث أن احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي حققت لها الاكتفاء خلال تلك الفترة.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت غونزاليس أن “المقاطعة التي تعرضت لها قطر من قبل جيرانها أجبرتها على مراجعة اقتصادها الذي أصبح مسألة أمن قومي. لذلك، استثمر القطريون في صناعة الأغذية الزراعية ويواجهون في الوقت الراهن الثورة التكنولوجية ويبحثون عن كيفية تحسين مستوى الكفاءات البشرية”. ولا يخفي القطريون أبدا فخرهم بأنهم اضطروا إلى تحسين الاقتصاد ومزيد العمل بعد الأزمة. في الأثناء، قدمت غرفة التجارة العالمية المشورة للقطريين بشأن برنامج تصدير سريع لصالح أصحاب المشاريع الصغيرة.
المصدر: البايس