ترجمة وتحرير نون بوست
لطالما استخدم الناس العقود لتأطير الماضي. فعلى سبيل المثال، لنفكر في مدى قوة عقد “الستينيات”. في المقابل، تعني سطحية المعتقد أنه كلما نظرت إلى عقد من الزمن، كلما بدا الأمر أكثر تعقيدا. ويمكن اختبار عقد ما بطرق لا حصر لها، حيث أنه يتكون من عدة أجزاء متداخلة مع حدود عقود أخرى. وعموما، تقتات أشباح الماضي على دواخله، وتتسلل هواجس أولئك القادمين منه تدريجيا.
في هذا الإطار، لسائل أن يسأل، كيف نستحضر السنوات العشر الماضية؟ في المقام الأول، في وقت الأزمات. خلال العقد الأول للألفية الثانية، طفت على السطح أزمات الديمقراطية والاقتصاد والتغير المناخي وتفشي الفقر، وتعكَر العلاقات الدولية وأزمة الهوية الوطنية فضلا عن مسألة الخصوصية والتكنولوجيا. وفي بداية العقد، ظهرت أزمات، وتواصلت إلى الآن. وتعد بعض هذه الأزمات، الأزمات نفسها التي بقيت دون حل. أما البعض الآخر، فهو لا يشبه أي مسألة سبق وأن شهدها العالم من قبل. والجدير بالذكر أن بعضها مرحب بها على غرار انهيار تسلسلات هرمية عريقة، في حين يُعتبر البعض الآخر، بمثابة الكارثة.
جعلت كل هذه الأزمات، القريبة زمنيا من بعضها البعض، العقد الأول للألفية الثانية، يبدو أطول بكثير من العقدين السابقين. وفي بعض الأحيان، اكتست أحداث يوم واحد، على غرار أزمة مواجهة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أو انهيار دونالد ترامب، نوعا من الطابع المأساوي حيث أصبحت مرهقة بالنسبة إلى من يتابعها بنسق يومي، مقارنة بما حدث خلال عقد كامل خلال التسعينيات والألفينيات.
في المملكة المتحدة، التي يُفترض أنها واحدة من أكثر الديمقراطيات القائمة على التدرج والاستقرار في العالم، لطالما اكتست السياسة منذ سنة 2010، طابعا هوسيا، حيث غيرت الأحزاب بشكل متسرع قادتها وسياساتها. وفي بعض الأحيان، غيرت حتى الفلسفات التوجيهية الخاصة بها برمتها. وكانت الانتخابات العامة التي عُقدت خلال الأسبوع الماضي، الانتخابات الرابعة التي أُجريت خلال هذا العقد. وفي ألفينيات القرن الماضي، لم تُجر الانتخابات سوى مرتين.
ريبيكا سولنيت: إن “التغييرات التي شهدها عالمنا، رائعة حقا، حتى أنها مذهلة”.
في بعض الأحيان، جعلت الاضطرابات الضخمة في العقد الأول من الألفية الثانية، ما حدث في الماضي يبدو وكأنه في منأى عما يحدث حاليا، حيث يختلف عنه بالكامل. وفي هذا الصدد، كتبت الناقدة الاجتماعية الأمريكية، ريبيكا سولنيت، في سنة 2016 قائلة إن “التغييرات التي شهدها عالمنا، رائعة حقا، حتى أنها مذهلة”. واختتمت حديثها قائلة إن عالم الألفية الثانية “قد اجتُثّ من جذوره”، إذ، عوضا عن السياسيين الوسطيين والنمو الاقتصادي الحثيث، ساهم العقد الأول من الألفية الثانية في ظهور عدة قضايا شائكة على غرار الصدمات والثورات والمتطرفين.
من بين هذه القضايا، نذكر البرلمانات المعلقة وتقلُّد تيارات الشعبوية اليمينية مناصب في السلطة وحدوث اعتداءات جسدية على السياسيين والتأثير الروسي على الانتخابات الغربية ومحاولة اليساريين المتقدمين في السن تعبئة حشود من الشباب البريطاني والأمريكي فضلا عن سعي القادة الأثرياء المنتمين إلى أحزاب اليمين في كل من البلدين إلى استقطاب الناخبين من الطبقة العاملة. وبعبارة أخرى، أصبحت السيناريوهات التي لم يكن من الممكن تخيلها قبل عقد من الزمن مألوفة ومتوقعة تقريبا.
في خضم هذا الهيجان، حافظت السياسة، من عدة زوايا، على الركود. وخلال فترة رئاسة ترامب، حظي بمعدلات تأييد رهيبة، لكنها مستقرة بشكل مثير للانتباه. وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف على الاستفتاء، ظلت المملكة المتحدة مقسمة بالتساوي تقريبًا حول عضوية الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من ممارسة سياسة حكم كارثية طيلة فترة مهمة خلال هذا العقد، إلا أن المحافظين لا يزالون في مراكز السلطة.
خلال العقد الأول من الألفية الثانية، ساد شعور غالب أن كل الأمور تحت السيطرة، من مستقبل الرأسمالية إلى مستقبل الكوكب. ولكن لم يقع اتخاذ قرار حيال أي أمر بعد. وبين طابع الاستقرار والركود الذي اتسم به العقد وبقاء مجال الاحتمالات مفتوحا، تصاعد قدر هائل من التوتر، في الأثناء. وفي سنة 2010، بعد أيام قليلة من انتخابات العام التي أحدثت مفاجأة على نطاق واسع، أنتج أول برلمان معلق خلال ذلك العقد، في هذا الصدد، أخبرني الفيلسوف جون جراي: “أن المملكة المتحدة ستقضي ما يقارب عن عقد من الزمن في اتجاه تسوية اقتصادية وسياسية جديدة”. لطالما اعتُبر جراي خبيرا متشائما، لكن هذه المرة كان متفائلا للغاية.
في الوقت الذي استمر فيه صعود المحافظين خلال العقد، انتشرت أزمات استثنائية في المجتمع البريطاني. خلال العقد الأول من الألفية الثانية، توقف متوسط عمر الفرد، الذي كان ينمو بشكل مستمر تقريبا لمدة قرن من الزمن، عن الارتفاع. ارتفع متوسط الأجر بنسق أبطأ من أي عقد آخر منذ الحروب النابليونية. علاوة على ذلك، تخطى أكثر من مليون طفل آخر لآباء عاملين خط الفقر، أما عدد الأشخاص الذين لا يملكون مأوى، فتجاوز الضعف.
مثّلت محطة سكة حديد سانت بانكراس في لندن واحدة من الأماكن العامة البريطانية النموذجية في الألفية الجديدة حيث سبق وأن كانت حالتها مزرية، لكن وقع تجديدها في الوقت الراهن، بانتشار محلات تجارية جديدة بطريقة ذكية ومحلات الوجبات السريعة وقطارات تجوب القارة بأكملها، حيث يتداخل رخاء القطاع الخاص وإنفاق الدولة. ومنذ سنة 2010، امتلأت قببها التي تعود إلى العصور الفيكتورية بالأشخاص الذين يعيشون في أكياس النوم والخيام.
إلى جانب القتامة، التي أوجدتها المملكة المتحدة خلال عقد من الزمن من التقشف الذي أفرزه تيار المحافظين، يلوح في الأفق، العالم الأكثر كآبة بسبب التغيرات المناخية الطارئة. ويتمثل الغرض من هذا الكتاب في التنبؤ بالمستقبل القريب للكوكب الذي سيصيب القراء بصدمة على خلفية تراخيهم حيال هذه المسائل.
لكن خلال العقد الأول من الألفية الثانية تقريبا، بدأت جميع الكوارث التي تنبأت بها عناوين الكتب بالحدوث فعلا. ومع ذلك، واصلت الرأسمالية العالمية إلى حد كبير نشاطاتها بغض النظر عن هذه التنبؤات القائمة على أدلة علمية. وبالنسبة لكثير من الناس في المملكة المتحدة وخارجها، مثلت فترة العقد الأول من الألفينات فترةعصيبة، متنبئة بقدوم ما هو أسوأ؟
كيف لنا إذًا أن نعيش خلال عقد كهذا؟
في المملكة المتحدة، لم يكن على الناس أن يطرحوا تساؤلا كهذا طيلة حوالي نصف قرن، وليس حتى منذ سبعينيات القرن الماضي، وصولا إلى غاية العقد الأكثر شهرة في تاريخنا الحديث. تماما كما شهدت السنوات العشر الأولى من الألفية الثانية، إجراء أربع انتخابات واستفتاء يدور حول علاقتنا بأوروبا والمخاوف البيئية وتهديد متزايد لأعمال العنف وتفشي التشاؤم في الأجواء. وفي سنة 1978، كتب المعلق الاجتماعي، بيتر يورك، قائلا إن “الكلمات الأساسية الحقيقية في السبعينيات هي التفكك… الخيالية وجنون العظمة، وهي مواقف جديدة مستحيلة”.
لُخصت سنة 2010 بعبارات مماثلة: “هذه أوقات تحدث فيها أشياء مستحيلة”. وقبل بضعة أشهر، وفي كتابه الذي يحمل عنوان “إنها ليست مناورة: دليل انقراض التمرد”، لخص الناشط المناخي دوغالد هاين، العقد العاشر من الألفية الثانية بعبارات على غرار: “هذه هي الأزمنة التي تحدث فيها الأمور المستحيلة”.
لكن في بعض النواحي، اتسمت السنوات العشر الأولى من الألفية الثانية بجانب مخيف أكثر مما اتسمت به السبعينيات، حيث استشعر النخبة السياسيون ورجال الأعمال هذه المخاوف أكثر من الأشخاص العاديين، الذين كانوا لا يزالون يستمتعون بظهور وانتشار مذاهب على غرار مذهب المساواة، بالإضافة إلى الاستقرار النسبي الذي حصلت عليه المملكة المتحدة في فترة ما بعد الحرب.
في الوقت الراهن، يكاد يكون الخوف عالميا. كما أن إنشاء شبكات التواصل الاجتماعي على مدار العقد ونصف الماضي، بداية من موقع التويتر في سنة 2006، وتحويل الوسائط التقليدية إلى خدمات إخبارية دون توقف، جعلوا الأحداث الفظيعة تبدو بلا هوادة، حيث لا يمكن تجاهلها. ويبدو أن هناك ما يثير الحيرة أكثر من أي وقت مضى، إذ رأصبح الانقسام في المملكة المتحدة فيما يتعلق بأووبا أكثر مرارة.
علاوة على ذلك، تحوّل انتباه دعاة الحلول غير الديمقراطية لمشاكل المملكة المتحدة، بما في ذلك تعليق البرلمان، من هامش العمل السياسي، حيث تآمروا دون جدوى خلال السبعينيات، مباشرة إلى 10 شارع داونينغ. في الوقت ذاته، للوعي بأن العديد من الأوجه من الحياة الحديثة على غرار السفر الجوي والسفر بالسيارة وتناول اللحوم والتسوق واستخدام البلاستيك، عواقب خبيثة نمت من انشغالات الأقليات في السبعينيات إلى موضوع يومي يتباحثه الجميع.
في بعض الأحيان، في العقد الأول من الألفية الثانية، بدا الأمر كما لو أن العالم بأسره، من أشد الجسيمات صغرا إلى أكبر وأوسع التجمعات، سامة. كما أصبحت لغتنا احترازية وقاسية، على غرار عبارات “أماكن آمنة” و”إطلاق تحذيرات”. وإذا تأملناها من وجهة نظر العقد الأول للألفية العاشرة، يمكن أن تبدو السبعينات المفعمة بالتوترات، وكأنها عصر البراءة.
خلال منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، وخاصة في سنة 2016، السنة الموافقة لانتخاب ترامب والتصويت على انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كان هناك هوس مستمر عبر الإنترنت يتعلق بإعلان السنوات العشر الأولى من الألفية الثانية بأنها “الأسوأ على الإطلاق”، حيث أضحت المبالغة في وضع مألوف على شبكة الإنترنت، حيث أن بعض الأدلة التي وقع الاستشهاد بها كانت ضيقة وذاتية التقدير، على غرار الوفيات المبكرة في سنة 2016 للأمير دايفيد بووي والممثلة كاري فيشر. في المقابل، انتشر هذا الهوس لأنه ضرب على الوتر الحساس، وغالبا ما شعر الناس أن السنوات العشر الأولى من الألفينات ملعونة.
خلال العقد ذاته، بدأت مجموعة من الكتاب والعلماء، على غرار عالم النفس الشهير ستيفن بينكر، يجادلون بعكس ذلك، حيث أنه يطلق عليهم في بعض الأحيان، لقب “المتفائلون الجدد”، وزعموا أن الحياة في جميع أنحاء العالم في أوائل القرن الحادي والعشرين كانت، في الواقع، جيدة كما كانت عليه في أي وقت مضى، من حيث الصحة والثروة والمرافق وانتشار السلام.
كانت العديد من الرسوم البيانية التصاعدية التي قدموها مقنعة، إلى حد ما، لكن كان ذلك فقط إلى حدود سنة 2015، أي قبل النقطة التي قال فيها المتشائمون عادة إن السنوات العشر الأولى من الألفية اتخذت منعطفا نحو الأسوأ. وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تجاوزت الرسوم البيانية سنة 2015، لم تكن مطمئنة دائما، حيث تراجع عدد الناس الذين يعيشون في ظل الديمقراطيات، في حين ارتفع عدد الأشخاص الذين قتلوا في الحروب والحوادث الإرهابية.
لا يعد “عالمنا اليوم، عادلا ولا مستداما”. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، بدأ بعض مشجعي البشرية يفقدون ثقتهم.
بما أنه واحد من بين مصادر “المتفائلون الجدد” المفضلة، كان على الموقع “عالمنا في البيانات”، كان أن يعترف أن هذه السنة: “في بعض جوانبها، تشير البيانات إلى أن العالم يزداد سوءا”. ويمكن أن يكون مجرد وميض، حيث يمكن أن تكون السنوات العشر الأولى مجرد وقفة مؤقتة للتقدم التصاعدي المتقلب للبشرية. ولكن هناك علامات تشير أن حتى موقع “عالمنا في البيانات” لا يعتقد ذلك تماما. وفي هذا الصدد، لا يعد “عالمنا اليوم، عادلا ولا مستداما”. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، بدأ بعض مشجعي البشرية يفقدون ثقتهم.
لوصف السنوات العشر الأولى من الألفية الثانية بأنها أزمة بسيطة للغاية وقاتمة. وعادة ما يحتوي العقد على مراحل مختلفة. وفي المملكة المتحدة، يمكن تقسيم السنوات العشر الأولى تقريبا إلى ثلاثة. أولا، خلال الفترة الممتدة من سنة 2010 إلى 2012، كانت هناك فترة من الاضطراب والحيرة، حيث ناضل الاقتصاد والناخبون والسياسيون من أجل امتصاص الصدمات الناجمة عن الأزمة المالية التي حدثت في أواخر العقد الأول من القرن الماضي، وقبول هذا الازدهار والاستقرار النسبي للسنتين السابقتين.
سقطت حكومة جوردون براون العمالية الجديدة، ووقع استبدال تحالف ديفيد كاميرون الأكثر مرونة ووقاحة، بتحالف المحافظين الديمقراطيين الليبراليين. وبعد مواجهته لنهج حزب العمل الواسع إلى حد ما في الإنفاق العام لسنوات في المعارضة، خلال انتخابات سنة 2010، هاجمه المحافظون على أنه متهور وغير عقلاني. وادعوا أن بريطانيا تواجه أزمة ديون حكومية ضخمة، مشيرين إلى أزمة سطحية مماثلة ولكنها أكثر عمقا التي تسببت بالفعل في جلب الفوضى إلى اليونان.
لقد كانت شكلًا من أشكال الرسالة السياسية للتحذير من الانهيار المنهجي الذي كان شائعًا في سبعينيات القرن الماضي ثم تلاشى تدريجيا. لكنها ستصبح ممارسة قياسية لجميع الأطراف مع استمرار العقد الأول من الألفية الثانية. وفور وصولهم إلى الحكومة، فرض المحافظون سياسة التقشف.
في مستهل الأمر، كانت كلمة التقشف غير مألوفة، تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت آخر مرة أجرت فيها حكومة بريطانية اقتطاعات على النطاق الذي قصده كاميرون. واستجابةً لعودة الأوقات الصعبة، أصبحت لغة أخرى من الثلاثينيات موجودة في كل مكان في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، وطبعت على الأكواب والملصقات ومناشف الشاي كتب عليها “حافظوا على الهدوء وواصلوا العمل”. لكن الكثير من البريطانيين لم يطبقوا ذلك.
خلال سنتي 2010 و2011، كانت هناك احتجاجات وأعمال شغب في جميع أنحاء البلاد، ليس على نطاق يوناني، لكنها كبيرة ومستمرة بما يكفي لإثارة العديد من التعليقات. وفي نهاية سنة 2011، مع التباطؤ الاقتصادي الناجم إلى حد كبير عن التقشف، حلت أحدث طبعة من الخلاصة السنوية للتنبؤات الصادرة عن صحيفة الإيكونوميست، “العالم في عام 2012″، محل المشجعين الرأسماليين المعتادين في محل التحذيرات بشأن “الركود الاقتصادي العظيم” والمزيد من “الفوضى في شوارع” الغرب. وتوقعت المجلة أن العالم لن ينتهي في سنة 2012. لكن في بعض الأحيان، يبدو الأمر وكأنه على وشك أن يحدث.
أعمال شغب في لندن في آب/ أغسطس سنة 2011.
بالنسبة لبعض الأصوات غير القادرة على إحداث تغيير، كان الاضطراب واعدا أكثر منه تهديدًا. وفي سنة 2010، بعد المشاركة في الاحتجاجات العنيفة ضد التراجع التعليمي، أعلن الكاتب السياسي والثقافي مارك فيشر أنه وقع خرق نهاية التاريخ. ويتمثل الأمر المؤكد في أن العالم القديم يتفكك، ولن يكون قريبا من الممكن حتى التفكير في العودة إليه. لكن كل هذه التنبؤات كانت سابقة لأوانها قليلًا. وبين سنتي 2012 و2015، كانت هناك فترة ركود في المرحلة الثانية من العقد وتعافى الاقتصاد.
ساهم أولمبياد لندن في سنة 2012 في تشتيت انتباه الناس. وفي السنة نفسها، وقع انتخاب باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة مرة أخرى ويبدو أن مستقبل قادة الوسط الذي يتمتعون بكاريزما، ما زال قائما، حتى ذلك المتعلق باستفتاء الاستقلال الاسكتلندي لسنة 2014، والذي وعد لوقت طويل بتفكيك الوضع الراهن، وانتهى بالتصويت من أجل الاستقرار.
علاوة على ذلك، برز التقشف في كونه أقل حدةً من الناحية السياسية خلال منتصف سنة 2010، هذا ما كان يأمله منتقدوه ويخشونه مناصروه. وفي الواقع، كانت التخفيضات تراكمية، وجعلت من الصعب تنظيم التقشف أو حتى التفكير بوضوح في الجولة. وأثبتت الاقتطاعات أنها تثير الذهول بقدر ما تثير الغضب. وفي الوقت نفسه، تعني الزيادة في الإنفاق العام خلال العقد الماضي أن بعض خدمات الدولة كانت مجهزة بشكل جيد بما يكفي بحلول سنة 2010 لاستيعاب الاقتطاعات دون ضرر فوري واضح.
أعتقد حقًا أننا على وشك الإشراف على شيء فريد من نوعه، ويمكننا أن نجعل حقبة 2010 عقدًا محددًا لبلدنا
في سنة 2017، أخبرني كبير مسؤولي الشؤون المالية في إحدى مستشفيات لندن أن نتائجها الطبية بدأت تتدهور بمجرد أن كانت الاقتطاعات جارية لمدة نصف عقد. وعلى وجه الخصوص، استغرق التقشف وقتًا طويلًا حتى يشعر به الجميع وفاز المحافظون بأغلبية الأصوات في انتخابات 2015 قبل أن يحدث ذلك. وفي هذا السياق، قال كاميرون مبتهجًا لمؤتمر حزبه بعد فترة وجيزة، “أعتقد حقًا أننا على وشك الإشراف على شيء فريد من نوعه، ويمكننا أن نجعل حقبة 2010 عقدًا محددًا لبلدنا حيث ينظر إليه الناس ويقولون إن “هذا هو الوقت الذي قلب الموازين”.
في سنة 2015، ما زال الكثيرون من النخبة السياسية والتجارية، الذين لم يتأثروا بالتقشف، يعتقدون أن أواخر سنة 2000 وأوائل 2010 المضطربة كانت انحرافًا، وأن الأوقات الجيدة استؤنفت في الوقت الراهن. وبالنسبة للعديد من الأشخاص الآخرين، كان هناك أمل على أن التفكك العظيم الذي بدأ مع الأزمة المالية يمكن التخلص منه أو تجاهله على الأقل لفترة وجيزة.
يمكنك أن ترصد شعور التهرب، لا سيما في الأماكن الأكثر ثراءً في بريطانيا، في الصفوف خارج المتاجر التي تحمل منتجات جديدة ساخنة وفي المطاعم الجديدة الصاخبة. وعموما، يريد الكثير من الناس بعض الوقت على الأقل ليستمر هدوء منتصف العقد الأول من الألفية الثانية.
لكن منذ سنة 2015، تتجمع قوى أكثر فاعلية لتعطيلها. وكانت المرحلة الثالثة من العقد الأول من الألفية الثانية، التي نمر بها في الوقت الراهن غير متوقعة ومزعجة ومثيرة أحيانا، أكثر من آثار الأزمة المالية. وكان استيلاء جيريمي كوربين واليسار على حزب العمال في سنة 2015 وانتخاب ترامب في سنة 2016 نتيجة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
كما أن صدمة الانتخابات البريطانية لسنة 2017 وتعليق البرلمان وإحياء أقصى اليمين في بريطانيا والولايات المتحدة وجميع أنحاء أوروبا، وحتى حقيقة أن هذه القائمة يمكن التنبؤ بها، تخبرنا كم أصبحت الاضطرابات السياسية طبيعية. وخلال أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، كان من الصعب أن نجزم بثقة ما ستكون عليه بريطانيا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو في الحالة شاملة من سنة إلى أخرى. في أيامنا هذه، من الصعب أن ننظر حتى شهرا في المستقبل.
في عالم صعب، يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر والرواقية من الصفات المفيدة.
تتمثل إحدى الطرق للتعامل مع الفوضى في قبولها. وعلى مدى السنتين الماضيتين، أصبحت جملة قصيرة منتشرة في كل المحادثات البريطانية، من المقابلات التي أجريت مع لاعبي كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى حفلات فردية من المتسابقين في جزيرة الحب “هذا هو الحال”. وعادةً ما يعني ذلك “أتعلم أن أعيش شيئًا سلبيًا”، انتكاسة شخصية وظلم أوسع وظروف صعبة.
عموما، يعد ذلك شعارا في عصر تضمحل فيه التوقعات، عندما لم يعد الكثير من الناس يفترضون خلافًا لمن سبقوهم في مرحلة ما بعد الحرب، أنهم سيصبحون أكثر ثراءً من آبائهم ويعيشون في مجتمع أكثر تقدما أو عدالة، على كوكب مضياف على نحو متزايد. وعندما يقول الناس “هذا هو الحال”، نادرا ما يتم تحديهم. وبدلًا من ذلك، يتم سماعها عادة في صمت محترم. وفي عالم صعب، يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر والرواقية من الصفات المفيدة.
هناك طريقة أخرى للمواجهة وهي الهروب. ومن المحتمل أن يكون النشاط الترفيهي الأكثر تكشفًا في العقد الأول من الألفية الثانية سببا في إغلاق نفسك أمام سلسلة تلفزيونية وهي الدراما التي تقع عادة في بلد آخر أو عصر آخر، مع مؤامرة حُلت ببطء، والعديد من الشخصيات والإعدادات التفصيلية وحلقات كافية لمشاهدة مفرطة. وفي عصر الدخل المحدود، تعد الدراما التلفزيونية من العوالم التي يمكنك استكشافها بأسعار زهيدة.
في المقابل، كانت الأشكال الأثمن للهروب من الواقع مطلوبة. وتَعد المنتجات المسرحية بأن تكون “غامرة”، واحدة من المصطلحات الترويجية المفضلة على مدى العقد من خلال وضعك داخل الإطار، وأحيانًا لفترات طويلة. وفي الواقع، نمت مبيعات سيارات الدفع الرباعي باهظة الثمن التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، وغالبًا ما تكون ذات نوافذ مظللة، نموا سريعا في جميع أنحاء العالم خلال العقد الأول من الألفية الثانية.
في الوقت نفسه، أعيد افتتاح المطاعم الراقية، على غرار “تشيلترن فاير هاوس” التي تقع في لندن، وهي محطة إطفاء سابقة كمجمع فاخر مغلق في سنة 2013، تشبه إلى حد كبير مجموعات المسرح المصممة بالكامل على نحو يجعل العالم الخارجي يختفي مؤقتا. وعموما، يريد حتى أكبر الفائزين الكبار في 2010 بنسبة 1 بالمئة في بعض الأحيان أن يتجاوزوا ذلك.
خلال هذا العقد، أصبح تناول الأشياء الخفيفة كالخبز والكعك والفطائر وحتى شطائر الجبنة المشوية أفضل من المعتاد. وفي الواقع، ساهمت مسابقة الخبز البريطاني التي بثت لأول مرة سنة 2010، في تعزيز صنع الأكل بالكربوهيدرات والسكر مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، بدأ عدد متزايد من المطاعم والمقاهي في تقديم وجبات طعام، صممت لتغطية النهار على غرار وجبة الفطور المتأخر في النسيم العليل والكحول والنشا والدهون، ربما تكون هذه هي أذواق مجتمع يريد المماطلة، حتى لا يستمر في الإفراط التفكير في المستقبل.
ماري بيري، مقدمة برنامج مسابقة الخبز البريطاني سابقا.
أصبحت الملابس أكثر ابتذالا على غرار سترات ضخمة للغاية وأوشحة بحجم البطانيات الصغيرة والقبعات الصوفية. وبينما في ألفينيات القرن الماضي، كانت الملابس أصغر حجما وأكثر رسمية – بدلات ضيقة وبنطلون ضيق – كما لو كان الناس متهيئين لاغتنام فرص جديدة ومثيرة، أو على الأقل للعمل في المكاتب.
خلال العقد الأول من الألفية الثانية، تعطل الحراك الاجتماعي والعديد من الوظائف التي غالبا ما يشغلها خريجو الطبقة الوسطى الذين يمضون على عقود السفر لساعات طويلة والعمل في الخارج. تخصص الملابس الفضفاضة الدافئة غير الرسمية للأشخاص الذين يبقون في المنزل وهم بصدد انتظار الإجابة على طلبات العمل التي أرسلوها، أو الذين يسحبون الطرود ويطلبون الوجبات الجاهزة في الجو البارد.
ولعل الصورة البشرية الأكثر تجسيدًا للعقد الأول من الألفية الثانية هي صورة الآلاف من راكبي الدراجات الذين يعملون في خدمة تسليم الطعام في مؤسسة دليفيرو، التي تأسست في لندن سنة 2013، والتي تعمل الآن في العشرات من المدن في مختلف أنحاء أوروبا وخارجها. في الحقيقة، تشبه الصناديق الضخمة المعزولة التي يحملها الركاب على ظهورهم قواقع الحلزون القبيحة غير المحمية، مما يجعل ملامحهم تقول بطريقة غير مباشرة: “إن العمل عبء عليك تَقبُّلُه، مهما استولى على كرامتك”. ومن جانب آخر، يعتبر الكافيين دواءً حيويا في الحياة المهنية، حيث يتطلب العمل الانتقال من الخمول إلى النشاط بشكل سريع وذلك لتقدير قوى تحمل العامل.
خلال العقد الأول من القرن الماضي، انتشرت المقاهي في العديد من البلدات والمدن البريطانية، لتحل محل المتاجر والحانات التي تعتبر من أكثر الأماكن الداخلية ازدحامًا. كما أن العديد من هذه المقاهي تعج بالناس الذين يخيرون العمل بصمت، بدلًا من التواصل مع الآخرين أو تناول جرعات من الإسبريسو لكي يتمكنوا من الذهاب للعمل في مكان آخر.
هناك طريقة أخرى للتعامل مع العقد الأوّل من الألفية الثانية وهي العمل بجد على نفسك. ومن الخمسينيات إلى التسعينيات، كانت فترة الشباب في الغرب مرتبطة بالتسكع أو التمرد أو العيش دون التفكير في الغد. ولكن في العقد الأوّل من الألفية الثانية، غالبًا ما تعني فترة الشباب العمل والدراسة بلا هوادة، وتلميع الشخصية العامة الخاصة بك، والحفاظ على لياقتك البدنية. وظهرت روايات وأفلام “ألعاب الجوع” التي تحظى بشعبية كبيرة بين سنتي 2008 و2015، التي تصوّر شبابا أُجبروا على المنافسة حتى الموت من قبل نخبة قاسية في منتصف أعمارهم. وفي الواقع، كان المغزى من هذه القصص هو سرد خيال علمي بائس، ولكنها أصبحت أقرب إلى الهجاء بسرعة، أو حتى الواقعية الاجتماعية.
كتب الأسير الأمريكي، جيا تولينتينو، “كلما ازدادت الأمور سوءًا، كلما زاد إجبار الأشخاص على تحسين أنفسهم”. ويمكن أن يكون ذلك عرضًا تقديميًا، مثل الحفاظ على موجز الإنستغرام بعناية، كما يمكن أن يكون جسديا. وفي الحقيقة، تجددت شعبية اليوغا والماراثون والترياتلون على مدى العقد الماضي، كجُهد يبذله الناس لشحذ أنفسهم من أجل عالم أكثر صرامة، سواء كانوا واعين بذلك من عدمه.
تعني الأجهزة الاستهلاكية الجديدة لجمع البيانات الشخصية، مثل “فيت بيت تراكر”، والتي طُرحت للبيع لأول مرة في سنة 2010، أن هذا التحسين الذاتي يمكن قياسه ومقارنته بجهود الآخرين بصورة لم يسبق لها مثيل. وخلقت هذه العملية تسلسلًا هرميًا جديدًا، لا سيما داخل الطبقة الوسطى الأمريكية، ولكن بشكل متزايد في نظيرتها الأوروبية أيضًا، والتي تُميّز الأشخاص الأنحف، وفصول التمارين الأكثر قسوة، وأكثر العلامات التجارية لملابس الرياضة التي تجعل الأشخاص واعيين بعيوب أجسامهم. وفي الحقيقة، أصبحت “الأزياء الرياضية” فئة من الموضة، والأذرع المشدودة رمزًا قويًا للأشخاص الذين لا يحتاجون أبدًا إلى القيام بالعمل اليدوي، خلال العقد الذي يهتم بتحسين الذات والعرض الذاتي.
أخيرًا، دفع العالم الأكثر قسوة للعقد الأوّل من الألفية الثانية العديد من الأشخاص إلى الخضوع لمعايير قاسية أكثر خصوصية وأقل وضوحًا، والتي لا يعترفون بها شخصيا. لقد اعتادوا على المرور بجانب خسائر العقد في الشارع، وعدم التفكير في الكثير منهم. كنتيجة لذلك، إذا كنت تريد عقلا خاليا من الهموم في العقد الأول من الألفية الثانية، كما هو الحال في العصر الفيكتوري، فإنه من غير المجدي التدقيق في تفاصيل العالم من حولك.
أعاد العقد الأوّل للألفية الثانية تعريف الناخبين بفكرة أن السياسة يمكن أن تكون حول وعود كبيرة وخيارات أساسية.
كانت ردود الفعل الأخرى على الاضطرابات في السنوات العشر الماضية أقل فردية. ويمكن أن تكون أزمة شخص ما فرصة لشخص آخر، كما أن الصعوبات التي واجهتها العديد من أنظمة القيم المهيمنة سابقًا، على غرار الرأسمالية والمركزية والمحافظة التقليدية وتفوق الذكور البيض، فتحت المجال أمام حركات سياسية جديدة منذ سنة 2010، بمعدل لم نشهده منذ الستينيات.
بعض هذه الحركات، مثل “#أنا أيضا” و”حياة السود مهمة”، هي ثورات ضد الظلم القديم، والتي أصبحت ممكنة إلى حد كبير بفضل الشبكات الرقمية الجديدة التي ساهمت في تسارعها وتضخمها. أما البعض الآخر، مثل “تمرد ضد الانقراض” و”التيار الكوربيني”، كانت ردود أفعال على أوجه القصور الصارخة في السياسة السائدة لعدم قدرتها، أو عدم رغبتها، على مواجهة الطوارئ المناخية، أو لخلق اقتصاد ومجتمع يعمل لصالح الأغلبية.
من جهة أخرى، تقود حركات التمرد الأخرى، مثل حملة البريكسيت، الحنين إلى الماضي، أي التوق إلى العودة إلى بريطانيا الأبطأ والأكثر بساطة، والتي يُفترَض أنها كانت موجودة قبل هذا البلد المعولم وغير المستقر. ومع ذلك، في تطوّر مربك بشكل نموذجي لعصرنا، تتمتع حركة بريكسيت بجانب عصري لا يرحم. فقد يرتدي جايكوب ريز موغ، أحد أبرز شخصيات هذا الجانب العصري، أزياء تشابه بطريرك الإدوارديين، لكنه المؤسس المشارك لصندوق استثمار دولي، والمستفيد والمدافع عن رأسمالية تخريبية أكثر من أي وقت مضى.
في المقابل، تتشارك جميع الحركات الجديدة في سنة 2010 في شيء واحد يتمثل في أنها غيرت بالفعل طريقة تفكير الملايين، داخل الحركات وخارجها. فضلا عن ذلك، نحن لا ندرك، حتى الآن، مدى تأثير وديمومة هذا التغيير. ويمكن أن تتحول حركة ” #أنا أيضا” إلى واحدة من العديد من الحملات التي واجهت مقاومة شديدة في تاريخ النضال الطويل للحركة النسائية، أو يمكنها أن تحوّل كيفية ارتباط النساء والرجال ببعضهم البعض وطريقة تفكير النساء في أنفسهن إلى الأبد. وقد تكون حركة البريكسيت بمثابة اندفاع قومي عابر، أو قوة تعيد إحياء حزب المحافظين على المدى الطويل.
تتوقّع معظم هذه الحركات حدوث تغيير هائل قريبًا. ويبتعد هذا التحول الكبير عن سياسات التسعينات والألفينيات، عندما سعى سياسيون غربيون، على غرار براون، إلى إعادة تشكيل المجتمع من خلال إصلاحات متواضعة تدريجية، مثل جعل أحجام الفصول الدراسية أصغر. وفي النهاية، قد تُخيّب المخططات الكبرى على غرار البريكسيت الآمال. لكن، أعاد العقد الأوّل للألفية الثانية تعريف الناخبين بفكرة أن السياسة يمكن أن تكون حول وعود كبيرة وخيارات أساسية.
بهدوء أكثر، جلب العقد الأول من الألفية الثانية إدراكًا متجددًا بأن الثقافة سياسية، وذلك بعدما تجنب معظم المبدعين والنقاد الثقافيين هذا الاستنتاج لعقود. وفي الواقع، تُوزَّع الجوائز الأدبية والفنية بانتظام على الأشخاص الذين يكون عملهم سياسيًا بشكل صريح، مثل مارغريت أتوود، أو بتستّر أكبر مثل مجموعة “أسامبل” للهندسة، التي فازت بجائزة تيرنر في سنة 2015 لمساعدتها في إعادة بناء جزء متهدم من ليفربول.
ناشطون يرتدون ملابس كشخصيات من مسلسل “حكاية أمّة” في القاعة المستديرة في كابيتول تكساس في أيار/ مايو سنة 2017.
في السنوات الأخيرة، خضعت هذه المسابقات إلى التدقيق بسبب حساسيتها لمسائل العرق والفئة والجنس. وعلى الرغم من أن الجوائز نخبوية بطبيعتها، إلا أنه يُتوقع الآن تعزيز قدر أكبر من المساواة بشكل متزايد في المجتمع ككل. كما أنها سمة متناقضة لسياسة العقد، حيث أن الوعي المتزايد بالمظالم التي تعاني منها العديد من الفئات الاجتماعية، وفي بعض الأحيان الرغبة المتزايدة في معالجتها، يتعايش مع الفردانية المكثفة، مع ميل أكثر إلى السماح للناس بتحديد هويتهم واحترام تجربة حياة كل شخص. في المقابل، لا يزال هذا العقد غير قادر على معرفة ما إذا كانت هذه النزعات الجماعية والفردية يمكن أن تتعايش على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، كانت إعادة إحياء السياسة منذ سنة 2010 جزئية فقط. وفي الانتخابات العامة البريطانية الأربع خلال عشر سنوات، كانت نسبة المشاركة 65 بالمئة و66 بالمئة و69 بالمئة و67 بالمئة، وهو تحسن طفيف في الإقبال الفاتر في الألفية الثانية وأقل بكثير من متوسط الإقبال للقرن العشرين.
فضلا عن ذلك، وقع الحطّ من قيمة استفتاء البريكسيت، الذي يُفترَض أنه حاسم الأهمية، بسبب عدم مشاركة أكثر من ربع الناخبين. كما أن عدم مبالاة العديد من الناخبين المحتملين كانت مسؤولة بقدر كبير عن النتيجة النهائية، تماما مثل التزام العديد من مناصري خطة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، حيث أن نسبة الإقبال في بعض مناطق الأوروبفيل في لندن كانت أقل من تلك الخاصة بالانتخابات العامة.
في سنة 2012، قال مارك فيشر إن بريطانيا كانت تعاني من “اقتصاديات الكساد وسياسة أوقات الازدهار”، حيث أن حالة الانفصال التي عززتها تسعينات والألفية الثانية من القرن الماضي كانت مستمرة، على الرغم من إعادة فتح العديد من القضايا الاقتصادية بسبب الأزمة المالية. وبعد سبع سنوات، لا تزال اللامبالاة عادة بالنسبة للعديد من البريطانيين. وربما أصبحت السياسة أكثر حيوية وطموحًا وذات صلة على مدار العقد الماضي، لكنهم لم يلاحظوا ذلك، أو الأسوأ من ذلك، أنهم لا يحبون ذلك.
في العديد من مجالات حياتنا، كان العقد الأوّل من الألفية الثانية أقلّ تغيّرا مما نعتقد في الكثير من الأحيان. وفي سنة 2011، أصدر الناقد الموسيقي، سايمون رينولدز، كتابا يحمل عنوان “ريترومانيا: إدمان موسيقى البوب على ماضيها”، يتحدث فيه عن قوة الحنين إلى الماضي في أوائل القرن الحادي والعشرين الذي لا يزال صداه يتردد حتى اليوم. وأفاد رينولدز أن التكنولوجيا الرقمية، التي لا تدفع إلى الإبداع، جعلت الأمر أصعب وأقل أهمية بالنسبة للفنانين. وبدلًا من خلق أفكار جديدة، يمكنهم في الوقت الراهن، التجول في محفوظات الإنترنت اللانهائية، وبناء مهن من الهجائن الذكية والمزج بين أشكال سابقة.
إذا كنت تعتقد أن العقد الأوّل من الألفية الثانية، عصر الأزمات، شهد قدرا أعظم من التقلبات، أو إذا كنت تعتقد أن الأمور لم تتحرك بالقدر الكافي، فما عليك سوى الانتظار
منذ صدور كتاب رينولدز، جعلت الأزمات المتصاعدة للعقد الأوّل من الألفية الثانية تجنُّبَ الحاضر لصالح الماضي أكثر جاذبية. فقد أصبحت ثقافة البوب من التسعينيات على وجه الخصوص، مثل المسلسل التلفزيوني المريح “الأصدقاء”، ذات شعبية كبيرة مرة أخرى. وكتب رينولدز أنه، في مجتمعنا التي تنظر إلى الماضي في الكثير من الأحيان، “يبدو أن الوقت نفسه أصبح بطيئًا مثل النهر الذي يبدأ في التعرّج”.
في سبعينيات القرن العشرين، انتشر شعور مماثل بالتباطؤ في الوقت الثقافي، تزامنا مع بداية تسارع الأحداث السياسية، عبر الثقافة الغربية، من موسيقى البوب إلى الأزياء، والهندسة المعمارية إلى الأوساط الأكاديمية. بالإضافة إلى ذلك، استُبدلت العقلية الواثقة والموجهة نحو المستقبل في الحداثة في منتصف القرن العشرين تدريجيا بالعقلية المشكوك فيها لما بعد الحداثة، التي تساءلت عما إذا كان التقدم والحقيقة ممكنين على الإطلاق، كما يفعل الكثير من الناس في الوقت الراهن.
في السياسة، لم تحل فترة السبعينات سوى القليل من المشاكل. ولم تأت معظم التغييرات الحاسمة التي طرأت على بريطانيا والولايات المتحدة خلال أواخر القرن العشرين إلا بعد ذلك، مع حكومتي مارغريت تاتشر ورونالد ريغان الرئيسيتين في الثمانينات. وهناك ديناميكية مماثلة قد تكون بصدد العمل في الوقت الراهن. وفي الحقيقة، لم يحدث البريكسيت بعد، والرأسمالية العالمية لم تغير مسارها بعد، حيث يتباطأ النمو وتنمو عدم المساواة، ولم يحكم الناخبون على فترة رئاسة ترامب. علاوة على ذلك، لم تواجه بريطانيا حتى الآن شعبوية بوريس جونسون الخطرة كشكل من أشكال الحكم، بل كمجرّد وسيلة جديدة فجّة، ولكنها فعّالة، للفوز بالانتخابات.
على الرغم من جاذبية حكومة اليسار الراديكالية في نظر عدد متزايد من الناخبين الشباب، إلا أنها تظل تشكل احتمالًا أكثر نظرية. ولعل أزمة المناخ بدأت للتو، كما أن التقنية الرقمية بدأت للتو في تغييرنا. وفي الواقع، هناك العديد من المشاركين في كل النشاطات السياسية التي حدثت على مدى السنوات العشر الماضية بدؤوا للتو حياتهم المهنية كناخبين وكساسة محتملين. وإذا كنت تعتقد أن العقد الأوّل من الألفية الثانية، عصر الأزمات، شهد قدرا أعظم من التقلبات، أو إذا كنت تعتقد أن الأمور لم تتحرك بالقدر الكافي، فما عليك سوى الانتظار.
المصدر: الغارديان