في قرار تاريخي، صوّت مجلس النواب الأميركي يوم أمس لصالح محاكمة الرئيس دونالد ترامب برلمانيًا، بتهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ليتولى مجلس الشيوخ المرحلة الموالية وهي محاكمة الرئيس والبت في قرار عزله.
بموجب قرار مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، فقد وجهت لترامب تهمة سوء استغلال السلطة بأغلبية 230 صوتًا مقابل رفض 197 صوتًا. كما صوت المجلس على اتهام الرئيس بعرقلة عمل الكونغرس بأغلبية 229 مقابل رفض 198 صوتا.
الرئيس الثالث في تاريخ البلاد
بهذا التصويت، ينضم الرئيس دونالد ترامب اليوم لرئيسين -بين 45 رئيسًا عرفتهم الولايات المتحدة منذ تأسيسها قبل 240 عامًا- سبق أن صوّت مجلس النواب على عزلهما، وهي المرة الأولى التي يصوت فيها مجلس النواب على لائحة اتهام لرئيس جمهوري، إذ انتمى الرئيسان كلينتون وجاكسون للحزب الديمقراطي.
وكانت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي قد صوتت يوم الجمعة الماضي لصالح توجيه اتهامين ضد الرئيس دونالد ترامب بإساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس. وشهد تصويت اللجنة القضائية بمجلس النواب التزامًا حزبيًا صارمًا في التصويت مع أو ضد عزل ترامب، حيث صوت 23 ديمقراطيا لعزل ترامب، في حين رفض الأعضاء الـ 17 من الجمهوريين قرار العزل.
وفي أول تعقيب لها على نتيجة التصويت، قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب والتي تعتبر المهندسة وراء مساعي عزل ترامب إن الليلة تعتبر “يومًا عظيمًا للدستور ولكنه يوم حزين لأمريكا”.
وأضافت بيلوسي: “لا يمكنني أن أكون أكثر فخرًا أو إلهامًا بالشجاعة الأخلاقية للنواب الديمقراطيين، لم نسأل أحدًا منهم بماذا سيصوت، أنا اعتبر هذا التصويت وهذا اليوم أمرًا قمنا به على شرف المؤسسين لتأسيس الجمهورية وتضحيات رجالنا ونساءنا في القوات المسلحة للدفاع عن الديمقراطية والجمهورية..”.
وتتعلق التهمتان بما باتت تعرف بقضية “أوكرانيا غيت”، حيث يتهم الديمقراطيون ترامب بأنه ضغط على أوكرانيا، لإجبارها على التحقيق مع نجل جو بايدن، وأنه سعى أيضًا لعرقلة الكونغرس عندما حاول التحقيق في القضية، لكن ترامب ينفي أن يكون ضغط على كييف من أجل إضعاف فرض بايدن في الانتخابات المقبلة.
قبل ذلك بيومين، نشر 700 عالم رسالة مفتوحة، حثوا فيها مجلس النواب الأميركي على عزل الرئيس دونالد ترامب، مدينين سلوكه الذي يمثل، من وجهة نظرهم، “خطرًا واضحًا وحاضرًا على الدستور”، وفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست الثلاثاء.
تفجرت الفضيحة في أعقاب شكوى من عميل سري في الاستخبارات الأميركية بشأن محادثة هاتفية بين ترامب وزيلينسكي في 25 يوليو/تموز الماضي
جاء في الرسالة أن “عرقلة ترامب غير القانونية لمجلس النواب، الذي يسعى على نحو مشروع للحصول على وثائق وإفادات شهود في إطار أداء دوره الرقابي المنصوص عليه دستوريا، تمثل عصيانًا صارخًا بالنسبة لحكومة ديمقراطية”.
“وإذا تم التسامح مع محاولاته (ترامب) لتسويغ عرقلة (مجلس النواب) على أساس أن السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة مطلقة، وهي فكرة خياليًا، فسيتحول الرئيس إلى حاكم منتخب فوق القانون”، يقول أصحاب الرسالة.
وأظهر استطلاع للرأي حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وشبكة إيه بي سي نيوز أمس الثلاثاء أن 49 % من الأميركيين يقولون إنه ينبغي عزل دونالد ترامب من منصبه، بينما يعتقد 46 % أنه لا ينبغي له ذلك.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أطلق الديمقراطيون إجراءات عزل ترامب بسبب طلبه من أوكرانيا التحقيق بشأن جو بايدن، منافسه السياسي والمرشح الأوفر حظا لتمثيل الحزب الديمقراطي ومواجهة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2020.
ويتهم الديمقراطيون الرئيس الجمهوري بأنه أساء استخدام السلطة لتحقيق أهدافه، لاسيما عبر تجميد مساعدة عسكرية لأوكرانيا للضغط على الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي، لفتح تحقيق بشبهات فساد بحق بايدن ونجله هانتر الذي مارس أعمالًا في الدولة الواقعة بشرق أوروبا.
يتهم الديمقراطيون ترامب بإساء استخدام السلطة
وتفجرت الفضيحة في أعقاب شكوى من عميل سري في الاستخبارات الأميركية بشأن محادثة هاتفية بين ترامب وزيلينسكي في 25 يوليو/تموز الماضي. وكان ترامب قد أقر بمناقشة مسألة بايدن مع زيلنسكي لكنه نفى أن يكون قد اشترط تقديم مئات ملايين الدولارات بشكل مساعدة لكييف، مقابل إجراء تحقيق بحق نائب الرئيس الأميركي السابق.
ودفعت المكالمة الهاتفية مع زيلينسكي وشكوى مسرب المعلومات رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لبدء تحقيق لمساءلة الرئيس يوم 24 أيلول/سبتمبر، قائلة إن محاولاته طلب تدخل خارجي تعرض نزاهة الانتخابات الأمريكية للخطر وتهدد الأمن القومي.
ويؤكّد الديمقراطيون أن ترامب يستغلّ منصبه لدفع القادة الأجانب إلى التحقيق مع بايدن كطريقة لتشويه سمعة الرجل الذي يُعتبر الأوفر حظًّا في سباق الترشيح الديمقراطي للرئاسة الأميركيّة. وطالما ادّعى ترامب أنّ نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وابنه متورّطان في الفساد في أوكرانيا.
“محاولة انقلاب حزبي وغير قانوني”
ترامب استبق التصويت، حيث وصف في رسالة شديدة اللهجة لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، مساعي الديمقراطيين لمحاكمته بأنها “محاولة انقلاب حزبي وغير قانوني”، وبأنها “حرب على الديمقراطية الأميركية”.
واتهم الرئيس الأمريكي في رسالته الديمقراطيين باستغلال غير مسبوق وغير دستوري للسلطة. كما دافع عن مكالمته مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في 25 يوليو/تموز الماضي، وكتب ترامب في رسالته مخاطبًا بيلوسي “بمتابعة هذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة.. فإنك تعلنين حربًا مفتوحة على الديمقراطية الأميركية”، مضيفًا “التاريخ سيحكم عليك بشكل قاس”.
وأضاف “أنتم من يتدخل في الانتخابات الأميركية، ويقوم بتقويض الديمقراطية الأميركية. أنتم من يعيق العدالة. أنتم من يجلب الألم والمعاناة لجمهوريتنا من أجل تحقيق مكاسبكم الأنانية الشخصية والسياسية والحزبية”.
اعتماد هذه الاتهامات لا يعني عزل ترامب مباشرة، فمن المنتظر أن تتم محاكمة ترامب أمام مجلس الشيوخ في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل
واعتبر ترامب أن التهمة الأولى “باطلة تمامًا، لا قيمة لها ومن إنتاج خيالك”، في إشارة إلى اتهامه بأنه جمد مساعدة عسكرية بقيمة 400 مليون دولار لكييف بهدف إجبار الرئيس الأوكراني على فتح تحقيق مع نجل جو بايدن أبرز منافسيه الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما بالنسبة للتهمة الثانية، فوصفها ترامب بأنها “عبثية وخطيرة”، معتبرًا أن تصويت مجلس النواب “لا يعدو كونه محاولة انقلاب غير قانونية”. وتابع مخاطبًا بيلوسي “إنك غير قادرة على القبول بحكم صناديق الاقتراع خلال انتخابات 2016 الكبيرة”.
اعترف ترامب بأن رسالته المؤلفة من ست صفحات، والموجهة إلى بيلوسي، من غير المرجح أن تغير مسار الإجراءات. لكنه أراد أن يسجل اعتراضاته على الإجراءات المتبعة ضدّه بأسلوبه الملتهب كعادته، بقصد ذكر إحساسه بالسجل التاريخي.
وسبق أن صوت مجلس النواب عام 1868 لصالح عزل الرئيس أندرو جاكسون، وبعد أكثر من 130 عامًا صوت المجلس لصالح عزل الرئيس بيل كلينتون عام 1998. وفي الحالتين برأ مجلس الشيوخ الرئيسين واستمرا في ممارسة مهامهما الرئاسية.
إجراءات
اعتماد هذه الاتهامات لا يعني عزل ترامب مباشرة، فمن المنتظر أن تتم محاكمة ترامب أمام مجلس الشيوخ في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، على أن تستمر هذه المحاكمة لعدة أسابيع، ويحتاج قرار عزل الرئيس إلى أغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
ومن المنتظر أن يترأس المحاكمة رئيس المحكمة الدستورية القاضي جون روبرتس، ويجب أن يشارك في المحاكمة كل أعضاء مجلس الشيوخ المئة الذين يقومون بدور هيئة المحلفين، ويصوتون لصالح أو ضد قرار عزل الرئيس ترامب.
ويعمل مساعدو ترامب مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ لتنسيق الإستراتيجية وهيكلة المحاكمة المحتملة، حيث قام نائب الرئيس بنس بزيارة الكابيتول أمس الثلاثاء لتناول طعام الغداء مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، ومن المقرر أن تحضر كيليان كونواي، مستشارة الرئيس، مأدبة غداء مماثلة يوم الأربعاء.
يمتلك الجمهوريون أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ
من جهة أخرى، يعمل الفريق القانوني لترامب على تشكيل ثلاثة محامين أو أكثر للدفاع عن الرئيس في المحاكمة القادمة، وتمّ الاتصال بأستاذ القانون بجامعة هارفارد آلان ديرشويتز كأحد الاحتمالات، خاصة وأنه خبير في القانون الدستوري ومحامي كبير.
يبدو من غير المرجح أن يتم إزاحة ترامب في الوقت الحالي من قبل مجلس الشيوخ، فالجمهوريون يتمتعون بأغلبية 53 صوتًا. ويحتاج قرار عزل الرئيس إلى أغلبية ثلثي أعضاء المجلس، أي 67 صوتًا، وهو ما يصعب تصوره في ظل الاستقطاب السياسي غير المسبوق الذي تشهده السياسة الأميركية. لذلك فإن عزل ترامب -رجل الأعمال والملياردير الأمريكي، الذي وصل للحكم في يناير/كانون الثاني 2017- أمر في غاية الصعوبة.